الغارديان: هل اقتنع المعسكر التقدمي الإسرائيلي أخيرا بحقيقة دولة الفصل العنصري بين النهر والبحر؟

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”: ناقش المحامي وناشط حقوق الإنسان الإسرائيلي مايكل سفارد، سبب تبني التقدميين أخيرا لفكرة دولة التمييز العنصري في إسرائيل.

وقال إنه رفض الفكرة عندما سمعها لأول مرة من الفلسطينيين قبل 20 عاما، لكن الأدلة باتت تتراكم أمام ناظريه الآن.

وأضاف أن الفصل الاخير من النزاع في إسرائيل- فلسطين والذي توزع على عدة مناطق ومرة واحدة، جلب معه في غزة دمار البيوت والممتلكات وخسارة الأرواح. في وقت تم فيه استهداف البلدات في إسرائيل بسبب الصواريخ التي أطلقت من غزة. وفي القدس حاول المستوطنون إجبار الفلسطينيين على الخروج من بيوتهم بالقوة واشتبك المصلون مع القوات الإسرائيلية في المسجد الأقصى.
وفي داخل البلدات الإسرائيلية زاد التوتر بين العرب واليهود. فالغضب المتراكم من الإحباط الناجم عن التشريد والإهمال والتمييز المترافق مع صور تدنيس المسجد الأقصى أدت لاندلاع العنف من الفلسطينيين الذين يعيشون على الهامش في البلد ضد اليهود.

وقام اليمين المتطرف في إسرائيل بنشر رسائل كراهية وعنف متطرف ليس ضد الفلسطينيين في غزة ولكن ضد من يعيشون معهم في داخل إسرائيل. وكانت نتيجة كل هذا شغب وعنف مروع بما في ذلك عمليات سحل قام بها الطرفان.

ومرة أخرى اندلعت النيران في كل البلاد فلسطين- إسرائيل من غزة إلى الضفة الغربية وعكا ويافا واللد.

وقال إن التعامل مع العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية في كل هذه الأماكن ومرة واحدة ليس أمرا اعتاده المحللون ولم يتعلموا كيفية تحليله.

فقد تلقى الكاتب تعليمه السياسي في ثمانيات القرن الماضي بالقدس، حيث اعتاد التقدميون على التعامل مع النزاع من خلال عنصريين أساسيين. ففي البداية كانت هناك إسرائيل داخل الخط الأخضر، الحدود التي رسمت بعد عام 1949، واعتقدوا أن هذه هي الديمقراطية، ولم تكن تامة بل وبحاجة إلى تحسينات، ولكنها تظل ديمقراطية. وفيها أقلية عربية تشكل نسبة خمس السكان، وعانت من تهميش مؤسساتي، ولكنه يرى أن كل الديمقراطيات فيها أقليات مهمشة.

أما العنصر الثاني من النزاع فقد كان المناطق الفلسطينية المحتلة والتي سيطرت عليها إسرائيل عام 1967 ولم تكن ديمقراطية حيث تعامل التقدميون مع الوضع على أنه احتلال مؤقت، وكانوا يقاتلون من أجل إنهاؤه. وفي تلك الفترة لم يكن هناك الكثير من المراقبين يعتقدون أن وضع الاحتلال دائم. ومن هنا فكلا العنصرين قدما توضيحا عما يجري بين نهر الأردن والبحر المتوسط: منطقة ديمقراطية وأخرى محتلة. ومن خلال هذا المعيار حاول الباحثون والمراقبون تحليل وفهم الوضع الذي يعيشون فيه.

ومع مرور الوقت أصبح هذا الفهم الواضح مشوشا ومحدودا، وتسربت هذه إلى الناشطين الإسرائيليين الذين راقبوا واقع الاستعمار الإسرائيلي الضخم للأراضي المحتلة، بـ 250 مستوطنة وعمليات سرقة أراضي واسعة وشبكات من البنى التحتية تم تطبيق فيها نظامين قانونيين. بشكل أكد هذا أن الوضع ليس مؤقتا بل ودائما.

وزاد هذا الفهم من خلال محاولات إسرائيل قمع أي تطور فلسطيني وتحويل المصادر لصالح المستوطنين اليهود على حساب المواطنين الفلسطينيين. ولم يعد بالإمكان شرح هذه الممارسات من خلال منظور القانون الدولي والذي يمنع نقل المدنيين من قوة محتلة إلى منطقة محتلة، فهي عمليات تفقد الرؤية حول الإحتلال وتقوم على تأكيد تفوق اليهودي وإخضاع الفلسطيني.
وفي نفس الوقت لم تعد المفاهيم السياسية التي حاول التقدميون قمعها على حساب الأخلاقيات التي نشأوا عليها وأجبرتهم على الاعتراف بأن إسرائيل كدولة ديمقراطية يخفي وراءه عددا من ملامح شخصية حكومتها والتي كانت موجودة دائما، ولكنها أفصحت عن نفسها خلال العقد الماضي.

مثل التحريض الدائم ضد سكان الدولة الفلسطينيين والتي وصلت في ظل بنيامين نتنياهو إلى درجات غير مسبوقة، بما في ذلك انتهاك حقوقهم عبر الشيطنة ونزع الشرعية عنهم. بالإضافة إلى وقانون الدولة الواحدة المميز والذي قوى من الوضعية المتدنية للعرب وأسس للانحراف نحو الديكتاتورية البوتينية وكل ما تحمله من ملاحقة لكل نقاد الحكومة، فهل هذا يعطي صورة عن ديمقراطية؟

وفي تموز/يوليو 2020 أصدرت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “ييش دين” والتي تقوم على مدى 16 عاما بتوثيق الانتهاكات التي يقوم بها المستوطنون وقوى الأمن لحقوق الإنسان الفلسطينية. وهو الذي ألفه الكاتب وتوصل فيه إلى أن الضفة الغربية تحكم عبر نظام التسيد والقمع الذي يمارسه اليهود على الفلسطينيين، في وقت تقوم فيه الحكومة بأعمال تهدف لاستمرار هذا الوضع.

وبعبارات أخرى توصل التقرير إلى أن إسرائيل ترتكب جرائم أبارتيد في الضفة الغربية، والتي تعتبر جرائم ضد الإنسانية حسب القانون الدولي.

وفي كانون الثاني/يناير أصدرت منظمة حقوق الإنسان بيتسيلم ورقة حددت فيها موقفا أكدت فيه أن السياسة في المنطقة ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط بما فيها إسرائيل تهدف إلى الحفاظ وتقديم التفوق اليهودي. وهذا هو الواقع الذي يحدد المبادئ الحكومية لتقديم المصالح اليهودية والقوة والرفاه من خلال تفضيلهم بالمصادر والحقوق القانونية. وبالنسبة لبيتسيلم هناك نظام واحد لا غيره وهو نظام التمييز العنصري.

وفي نهاية نيسان/إبريل نشرت منظمة هيومان رايتس ووتش تقريرا معمقا دعمت فيها المزاعم بأن السلطات الإسرائيلية تقوم وبشكل منظم بتفضيل اليهود في إسرائيل والتمييز ضد الفلسطينيين في كل اسرائيل، مع أن المنظمة قالت إن سياسات إسرائيل العنصرية في المناطق المحتلة ترفق بأعمال غير إنسانية تصل لحد جريمة الفصل العنصري. ورغم وجود بعض الخلافات والتفاصيل بين التقارير هذه إلا أن الفكرة الجامعة هي أن إسرائيل تقوم بتعزيز التفوق اليهودي.

وبات هذا المصطلح الذي ظل استخدامه منحصرا لدى الجماعات الاستيطانية المتطرفة يستخدم اليوم لوصف سياسات الحكومة الإسرائيلية.

وانضم الخطاب هذا إلى ما يقوله المفكرون والناشطون الفلسطينيون في مجال حقوق الإنسان ومنذ عقود، وهي اتهامات سيقت قبل أن يبدأ التقدميون الإسرائيليون بالحديث عنها.

وقال إنه رفض المصطلح عندما سمعه قبل 20 عاما مضيفا أن العدسة التي فرقت بين ديمقراطية واحتلال ساعدت على نفي التهمة.

الأدلة تتراكم أمام عيني ولم أعد قادرا على تجاهل الأبارتيد الصارخ في الضفة الغربية.

ففي ذلك الوقت كان الحديث عن التزام إسرائيل بالديمقراطية الليبرالية مع أنها لم تصل إلى مستوياتها، أما الاحتلال فهو مؤقت “أما الأن فالأدلة تتراكم أمام عيني ولم أعد قادرا على تجاهل الأبارتيد الصارخ في الضفة الغربية والاتهامات المتعلقة حول محاولة تأكيد التفوق اليهودي داخل إسرائيل أيضا”.

فالصور المتوفرة عن النزاع في الهواتف النقالة لا تقدم سياقا، فهي تصور مجرمين وضحايا، هذا كل ما في الأمر، وتظهر وتغيب على تيك توك. ومن الصعب استخراج أطروحة سياسية منها، ففي الإعلام الإسرائيلي لليهود تاريخ أما الفلسطينيون فلديهم سيرة. ولهذا فحرق معبد يهودي والأعمال المقيتة للغوغاء الفلسطينيين في اللد تستحضر الصدمة الوطنية مثل كريستالانخت أو مذبحة 1929 التي قتل فيها اليهود بالخليل. ولكن عندما يكون الضحايا فلسطينيون فمن النادر أن تظهر أسماؤهم في الصحف.

فسياق الخطاب الإسرائيلي يجب أن يعمى ويخفى ويجب أن يخرج من الظل، وإلا فلن نستطيع أن نصلح المكان الذي نعيش فيه أو نشعر أبدا بالحرية أو نشعر بحس الضحية التي نقوم باسمها بجعل الملايين ضحايا.

ويرى الكاتب أن المعسكر التقدمي الإسرائيلي يقوم بتحديث المرجعية للنزاع، وهي مجموعة صغيرة وعلى هامش اليسار الإسرائيلي في المجتمع الإسرائيلي الميال وبشكل متزايد لليمين. لكن رؤيته مؤثرة على مستوى العالم نظرا لكونه البديل الأيديولوجي للتيار السياسي الحالي ومصداقية منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية. ومن هنا فالمعيار المحدث يقدم تحليلا شاملا لفهم الوضع في غزة والضفة وإسرائيل بالإستناد على العدسات الكاشفة عن إثنوقراطية إسرائيلية أو استبداد إثني إسرائيلي. وتساعد المراجعة اللفظية إلى تخفيض المستوى بين الواقع الراديكالي المتطرف ووصفه، ويجعل من تشكيل رؤية إسرائيلية- فلسطينية واحدة أمرا ممكنا، رؤية تحترم تطلعات الشعبين وتضمن حقوقا متساوية للجميع على نفس الأرض، وهذا النموذج الجديد مهم ويحتاج إلى إرادة سياسية وأخلاقية لجعله واقعا ممكنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية