الأوروبيون والصين… بين الإكراهات والرهانات

ظل الاقتصاد مفتاحا للصين لبناء العلاقات بين الدول…لكن المسألة التي بقيت معلقة، وهي من الأهمية بمكان، ما إذا أمكن ترتيب هذه العلاقات وفق «بروتوكول» حسن نية يفتح المجال لبناء حسابات على المدى البعيد تتيح تطوير استراتيجية استثمارية مستدامة.
الرهان أساسي لأن مستقبل الاقتصاد العالمي، إذن الأوروبي، مرهون به.
صحيح، لقد صوت برلمان الاتحاد الأوروبي لصالح تعليق الاتفاق الاستثماري الضخم الذي وافق عليه الاتحاد الأوروبي والصين على خلفية عقوبات فرضتها بكين على نواب أوروبيين ردا على عقوبات سابقة اعلنها الاتحاد الأوروبي ضد مسؤولين صينيين، بعد سبع سنوات من المفاوضات المضنية الشائكة التي كانت قد انتهت بإبرام الاتفاق في نهاية المطاف.
وإذا كانت جل المقالات والتحاليل المتعلقة بعلاقات الصين والاتحاد الأوروبي (وبوجه عام، النظم الديمقراطية المشكلة لما دأبنا على نعته بالمجتمع الدولي) تفي علاقات الصين الدولية قدرها من التذبذب واللاطمأنينة، يبقى أن لأوروبا وشقيقاتها عينا على التوسع الاقتصادي والتجاري للصين لا تجعلها بالضرورة تتقاطع مع التوجهات الاتحادية.
يذكر اولا أن حجم تجارة الاتحاد الأوروبي مع الصين بلغ خلال عام 2020 بلغ 586 مليار دولار مقارنة بـ555 مليار دولار مع الولايات المتحدة وفقا للأرقام الصادرة عن المعهد الأوروبي للإحصاء، يوروستات.

عندما تصبح الإكراهات المعبر الوحيد الى الإغراءات والرهانات، حينها تغدو الأرضية الاقتصادية أرضية مشتركة تحتم الدخول في منطق جديد، منطق موازين القوى

لكن في العام 2020 ذاته، بلغ إجمالي حجم تجارة الصين مع سبع عشرة دولة من وسط وشرقي أوروبا 103 مليارات دولار، وفق ما أظهرت بيانات من وزارة التجارة الصينية، ويسجل تجاوز عتبة المئة مليار دولار هذا وللمرة الأولى في التجارة بين الصين وهذه الدول نسبة أعلى من معدل نمو تجارة الصين الخارجية مع أوروبا ككل.
ولهذه الأرقام دلالة، اقتصادية وسياسية معا. فلا ننسى ان من بين الدول الـ17 من وسط وشرقي أوروبا المنخرطة في هذا الاتفاق ثمة دول عضوة من الاتحاد الأوروبي، وليست العلاقة الاقتصادية القائمة بين الصين وهذه الدول علاقة حديثة العهد بل تعود الى 2016، زمن تولي دونالد ترمب ولايته الرئاسية. وبالتالي، فليست كل الدول العضوة في الاتحاد الأوروبي، إن لم نقل جلها، مستعدة للتخلي عن هذا النوع من الانخراط .
ولا ننسى أيضا أن القطاعات الاقتصادية التي تشملها الاستثمارات الصينية المباشرة قطاعات أساسية، لا بد أن يحدث فيها أي تعليق للاتفاقات بعيد الأمد شرخا من طراز «انقلاب الفعل على الفاعل» (وليس مجرد « وقوعه » كما يقول النحاة) فمجالات مثل الطاقة والبنية التحتية واللوجستيات وقطع غيار السيارات مجالات لا يمكن الاستغناء عنها وبالتالي الاستعاضة عنها لا بسواها ولا بسوى الصين من الموردين.

ذلك على بال الدول الـ17 المعنية. وذلك على بال الاتحاد الأوروبي أيضا.
فلتكن لنا عين على الأرقام مجددا :
586 مليار دولار من الاستثمارات الصينية في بلدان الاتحاد الأوروبي.
103 مليارات دولار، حجم تجارة الصين مع 17 دولة في وسط وشرق أوروبا عام 2020.
زيادة حجم هذه التجارة بواقع 8.4 في المئة سنويا وهي نسبة أعلى من نمو تجارة الصين الخارجية مع أوروبا ككل.
قد تكون الخلافات موجودة على أرضية سياسية، وقد تكون الأرضية السياسية غير مشتركة أبدا لتجاوزها، لكن عندما تصبح الإكراهات المعبر الوحيد الى الإغراءات والرهانات، حينها تغدو الأرضية الاقتصادية أرضية مشتركة تحتم الدخول في منطق جديد، منطق موازين القوى الذي كثيرا ما تكون فيه علاقة « رابح رابح » علاقة « رابح نسبيا » أو« خاسر نسبيا » لأحد الطرفين.
باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سلمى سعيد:

    “ظل الاقتصاد مفتاحا للصين لبناء العلاقات بين الدول…” اه
    أستاذ بيير لوي ريمون ، الاقتصاد مفتاح لأي دولة في العالم لبناء العلاقات بين الدول (وليس فقط دولة الصين) ، هذه من بديهيات الاقتصاد السياسي التي لا تخفى حتى على المبتدئين !!!!؟؟

  2. يقول S.S.Abdullah:

    أي لغة، في أي مجال، هي وسيلة التفكير يا (بيير لوي ريمون)، وما يعجبني بك، هو مسألة تتعدّد اللّغات، أي تتعدد وسائل التفكير لديك، عند طرح أي موضوع،

    وهو أول تعليق خطر لي على ما قمت بتدوينه، (بلغتنا) تحت عنوان (الأوروبيون والصين… بين الإكراهات والرهانات) في جريدة القدس العربي،

    لأن على مدى التاريخ، حملات (التبشير/الاقتصادية)، لم تستطع النجاح في (الصين)، كما نجحت في (الهند)،

    ومن هنا أفهم، سر ترسية عقود أوربا مع (الهند) في موضوع قيام أكبر خطوط إنتاج لقاحات (كورونا)،

    الفضيحة، هو أن (الهند) فشلت في تسليم أي شيء في موعده عام 2021،

    بل الفضيحة الأكبر، كان مستوى نقص الأوكسجين واللقاحات، بداخل (الهند)، لعدم رصد الأموال اللازمة، كما رصدت الحكومة الهندية لبناء (العاصمة الإدارية) الجديدة؟!

    في تكرار نفس سيناريو أسلوب (الإدارة والحوكمة) المصرية تحت قيادة (عبدالفتاح السيسي)، سبحان الله، لماذا، لم أفهم ذلك حقيقة يا (بيير لوي ريمون)؟!

    أرجو أن يكون لديك تفسير لذلك.

إشترك في قائمتنا البريدية