الرباط ـ «القدس العربي»: أكد شمس الدين عبداتي، رئيس المنتدى المغربي للمستهلك، أن الزيادة في أسعار المحروقات من طرف الحكومة كانت متوقعة، مسجلاً أسفه لعدم إجراء المشاورات الكافية مع منظمات المجتمع المدني والمهنيين وإيجاد البدائل في الوقت الذي تدخل فيه هذه الزيادة حيز التطبيق.
تصريحات عبداتي الذي يشغل أيضاً منصب مدير “المركز الدولي للوساطة والتحكيم” في الرباط، جاءت خلال حوار أجرته معه “القدس العربي” حول مستجدات الأسعار في المغرب، ودور جمعيات حماية المستهلك في تحصين القدرة الشرائية للمغاربة.
وتحدث رئيس المنتدى المغربي للمستهلك عن رفع الدعم عن غاز البوتان والسكر، مؤكداً أنه حالياً لا يوجد إجراء حكومي في هذا الاتجاه، مشيراً إلى تصريح سابق لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني سنة 2020، والذي قال فيه إن الحكومة تعتزم رفع الدعم عن الغاز المخصص للطهي والسكر تدريجياً.
وفي موضوع رفع أسعار زيوت المائدة الذي أثار جدلاً واسعاً في وسط الرأي العام المغربي، قال عبداتي إن الحكومة في تعليق لها على ارتفاع أسعار زيت المائدة في المغرب، اعتبرت بأن الأمر يتعلق بأزمة زيت المائدة بأنها أزمة عالمية وأنها لا تخص المغرب وحده، وأنها نتيجة لارتفاع الأسعار هذه المادة عالمياً في ظل جائحة كورونا، واستطرد المتحدث بالقول إن هذا يدل على أن الحكومة ليست لها استراتيجية استهلاكية.
رفع الدعم
هل من جديد بخصوص رفع الدعم عن الغاز والسكر من طرف الحكومة؟
■ حالياً لا يوجد إجراء حكومي ـ على حد علمي ـ بالاتجاه نحو رفع الدعم عن غاز البوطان والسكر، وسبق لرئيس الحكومة أن صرح سنة 2020 بعزم الحكومة عن رفع الدعم عن الغاز المخصص (للطهي) تدريجياً، والسكر، في تصريح له أمام مجلس المستشارين في إطار جلسة المساءلة الشهرية، مشيراً إلى أن إصلاح نظام المقاصة لا مفر منه، وأنه يدخل في إطار الإصلاح الهيكلي بغاية تحقيق العجالة الاجتماعية على حد قوله، لكن تخوف المستهلكين – خاصة الفئات ذات الدخل الضعيف – من مشروع إصلاح نظام الحماية الاجتماعية الذي أعلن عنه أخيراً من قبل الحكومة، والاتجاه نحو تحويل مخصصات الدعم إلى تمويل التغطية الاجتماعية والصحية الذي يستهدف 22 مليوناً من المواطنين.
أول ما يظهر بجلاء خلال الحديث عن الأسعار في المغرب مسألة المحروقات التي تتراوح أسعارها بين المد والجزر وتواصل الارتفاع عكس السوق العالمية للنفط، ماهي الخطوات التي اتخذها “المنتدى المغربي للمستهلك” في هذا الاتجاه؟
■ في البداية، لا بد من التذكير بأن هذه الزيادة كانت متوقعة من طرف الحكومة، من خلال العديد من التصريحات والتلميحات لبعض أعضاء الحكومة والتضارب أحياناً في بعض هذه التصريحات، التي كانت إلى حد ما تمهيداً لإقرار هذه الزيادة، وهنا نسجل أسفنا:
أولاً، لعدم إجراء المشاورات الكافية مع منظمات المجتمع المدني والمهني وإيجاد البدائل في الوقت الذي تدخل فيه هذه الزيادة حيز التطبيق، حيث ينص الفصل 13 من دستور 2011 على مشاورة المجتمع المدني في بعض السياسات الحكومية، وهو الأمر الذي لم يتم مع جمعيات حماية المستهلك لإبداء رأيها في الموضوع.
ثانياً، يجب الإقرار أيضاً في هذا المقام بأن الحكومة – على ما يبدو – لا تتوفر على سياسة عامة للاستهلاك وهو الأمر الذي ينتج عنه الكثير من الاختلالات في مجال تسيير قطاع الاستهلاك.
وفيما يخص دور “المنتدى”، فقد تفاعلنا مع المستهلك، وكانت لنا ردود فعل على هذا الإجراء، حيث نبهنا الحكومة إلى أن الزيادة في أسعار المحروقات ستعتبر ذريعة لموجة الزيادات في أسعار مجموعة من الخدمات وفي المواد الغذائية وغيرها، بحيث يمكن القول إن الحكومة للأسف اختارت المدخل غير الصحيح، لأنه مدخل يفتح الباب لارتفاع الأسعار في كافة مجالات الحياة، لأن النقل والفلاحة والتبريد والتخزين والتصنيع والخدمات كلها مرتبطة بهذه المادة الحيوية (البنزين) لشريان الحياة، وبالتالي لا نعتقد أن الحكومة أغفلت هذا الأمر، وكان عليها أن تجد البديل الذي يسمح بتوازن الأسعار ويقلل من تكلفة الإنتاج أو الخدمة، وبالتالي تبقى الأسعار مستقرة، وبالتالي يبقى المستهلك في وضعية تسمح له بسد حاجياته وفق إمكانياته المتاحة.
رفع الأسعار
تصاعد النقاش مؤخراً في المغرب بعد إقدام الشركات المنتجة لزيوت المائدة على رفع الأسعار، وارتفعت حدته في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى درجة دعوة البعض إلى إشهار ورقة المقاطعة، إلى أي مدى تفاعلت جمعيتكم مع هذه الزيادة في سعر هذه المادة الحيوية التي لا يمكن أن يستغني عنها المغاربة؟
■ اعتبرت الحكومة في تعليق لها على ارتفاع أسعار زيت المائدة بالمغرب، بأن الأمر يتعلق بأزمة زيت المائدة بأنها أزمة عالمية وأنها لا تخص بالمغرب وحده، وأنها نتيجة لارتفاع الأسعار هذه المادة عالمياً في ظل جائحة كورونا، وذلك بسب ارتفاع أثمان المواد الأولية بإضعافه أكثر من سبعة إضعاف. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان المغرب لا يتوفر – حسب رد الحكومة – على هذه الزيادات على المواد الأولية لإنتاج الزيت، حيث يتم استيراد مواده الأولية من الخارج. وهذا يدل على أن الحكومة ليست لها إستراتيجية استهلاكية، كما ليست لها نظرة استباقية للتموين تحسباً للأزمات، ولتفادي مضاعفاتها على المواطنين (المستهلكين). وهذا أمر أعتقد أنه كان كافياً ليجعل الحكومة تعيد التفكير في استراتيجيتها الفلاحية، وتعطي الأولوية للزراعات التي تنتح المواد الأكثر استهلاكاً في المغرب مع التفكير في الاكتفاء الذاتي منها. صحيح أننا في المغرب تفادينا الكثير من المتاعب فيما يحص تموين السوق من الحاجيات الأساسية الزراعية، إلا أن أزمة كورونا أبانت عن بعض الثغرات في مجال التموين، وعلى الحكومة تفاديها مستقبلاً، وبالتالي تفادي القلاقل الاجتماعية، وخاصة انتفاضات المستهلكين احتجاجاً على بعض الإجراءات المضرة بمصالحهم الاقتصادية والاجتماعية خصوصاً في الأزمات (كوفيد مثال حي) حيث سببت في فقدان مناصب العمل وإغلاق بعض المصانع والمحال التجارية والخدماتية… إلخ، والخلاصة أن الحكومة المقبلة – بعد الانتخابات – عليها وضع استراتيجية استهلاكية محكمة وطويلة الأمد لضمان استقرار السوق وحماية المستهلك من التقلبات الاقتصادية والنقدية الوطنية والدولية.
حماية المستهلك
خلال رمضان المنصرم ضبطت لجان المراقبة المحلية المختلطة عدة مخالفات تهم الجودة والأسعار المتعلقة بالمنتجات الغذائية، بالنسبة لجمعيات المجتمع المدني وخاصة تلك التي تختص بمجال حماية المستهلك، أين يبدأ دورها وأين ينتهي؟
■ بداية نذكر بأن جمعيات حماية المستهلك تعاني من إكراهات عديدة، تحول دون قيامها بالدور المنوط بها من خلال القانون، إذ إن القانون المنظم لحماية المستهلك ما زال يعتري تطبيقه الكثير من الضعف، وبالتالي فإن تحرك الجمعيات في ظل هذا القانون جد محدود. لذلك ظل اهتمامها منصباً على التوعية بالحقوق وبالواجبات بالنسبة للمستهلك ومعالجة الشكايات التي يقدمها المستهلك، إلى جانب مؤازرته في الدفاع عن مصالحه الاقتصادية، خاصة وأنه ما زال يعاني من ضعف ثقافة المطالبة بالحقوق وجهله بالجهات المعنية حين تعرض مصالحه للضرر، كما أن الفاعل الاقتصادي والتجاري والكثير من الإداريين لا يعرفون القانون الجديد المتعلق بحماية المستهلك، وبالتالي فلا بد من بذل الكثير من الجهد والتوعية بمقتضيات هذا القانون، فالجمعيات لا يمكن لها التحرك من تلقاء نفسها ما لم يتم اللجوء إليها من طرف المستهلك، ويكون داعماً لها بقوة انخراطه وتعدد لجوئه إليها، ففي هذه الحالة يمكن لها التحرك بفعالية لدعمه وحماية مصالحه وحفظ حقوقه.
يلوم المغاربة الحكومة بسبب عدم اهتمامها بحماية المستهلك، فهل فعلاً الحكومة لا تهتم به وتعتني في الجوانب التشريعية للمنتجين عوض تحصين المواطن وجيبه من ضربات الزيادات؟
■ أعتقد بأن عمل الحكومة في هذا الباب فيه تقصير إلى حد ما بالنسبة لحماية المستهلك رغم ما بذل من جهود لا بأس بها، وإن كان يمكن للحكومة أن تتخذ إجراءات استباقية من توفير الحماية للمستهلك، من خلال العمل على تطبيق إجراءات منع الاحتكار بشكل صارم، وإشهار الأسعار وضمان المنافسة الشريفة بين المهنيين، وتحسين شروط أخلاقيات المعاملات والجودة، على أن تبقى هذه الإجراءات قائمة طول السنة وأن لا تظل موسمية ومناسباتية (رمضان، الصيف، إلى آخره…)، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن الجانب التشريعي مهم جداً، ولكن المشكلة تكمن في تطبيقه لينتفع به الناس، فالقانون الذي لا ينفع الناس لا فائدة منه، وقانون حماية المستهلك 08-31 الصادر سنة 2011 وقد وقع على محضر تطبيق عدد من القطاعات الوزارية، إلا أن الوزارة التي انصب اهتمامها بتطبيقه فهي الوزارة الوصية، حيث ساهمت بشكل كبير في إصدار العديد من النصوص التطبيقية لهذا القانون. إذن، لا يمكن القول بأن الحكومة غير مهتمة بحماية المستهلك بقدر ما يمكن القول إن اهتمامها ليس كافياً ويجب أن لا يكون ظرفياً.
المستهلك ما زال يجهل حقوقه
هل من مقترحات تقدمتم بها كجمعية لحماية المستهلك من أجل تحصين هذا الأخير ضد جشع الشركات وضرب القدرة الشرائية للمواطن المستهلك؟
■ يجب أن نذكر أولاً بأن المستهلك المغربي ما زال يجهل ماهية حقوقه، والجهة المختصة بها والمرجعية القانونية لحمايته، وبالتبعية لا يعرف كيف يشتكي ولا لمن يشتكي وعلام يشتكي. ثانياً: إن معظم المهنيين يعانون من الأمية الوظيفية، وبالتالي يجهلون القوانين والتشريعات المنظمة للسوق ولحقوق المستهلك ولواجباتهم اتجاهه.
ثالثاً: هناك تعدد في الهيئات الرقابية والمؤسسات الإدارية المناط بها مراقبة السوق وحماية المستهلك (13 مؤسسة أخرى تعنى بصحة وسلامة المستهلك) مجلس المنافسة ومديرية الأسعار، الفلاحة، الصحة، مصالح المراقبة بالعمالات (المحافظات) المختبرات، الجمارك، الدرك الملكي، البحرية الملكية، قمع الغش، المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، العديد من هذه الهيئات ذات التوجهات والاختصاصات المختلفة تعوزها الإمكانيات (لوجستيكية وبشرية خصوصاً) كما تختلف الأنظمة القانونية التي تحكم عمل كل فريق، وماذا يراقب ومتى يراقب، وماذا يراقب وما مدى الصلاحيات المخولة له، وكيف يواجه الأفعال والتصرفات الضارة بالسوق وبالمستهلك.
ولتحسين وضعية المراقبة ونجاعتها نقترح توحيدها في مؤسسة واحدة تكون تابعة لرئاسة الحكومة، إما في شكل وكالة للمراقبة أو هيئة الرقابة الوطنية. كما ندعو إلى إعادة النظر في تنظيم السوق، بحيث تتوفر فيه كافة الشروط الصحية والمهنية والمعايير الخاصة بالجودة وتوفير كافة الاختيارات للمستهلك بشكل آمن وصحي، مما يسهل مراقبتها وضمان جودة السلع بها. وهناك أيضاً ضرورة لتفعيل قانون المنافسة والأسعار (06-99) من أجل منع الاحتكار وضمان منافسة شريفة ومشروعة منعاً للتواطؤ والاستغلال التعسفي لوضع مهيمن في السوق… إلخ؛ بالإضافة إلى الحاجة لفرض الشفافية في المعاملات من أجل منع المضاربات والتلاعب في الأسعار من أي نوع ومنع الادخار السري…
ختاماً كيف يبدو لك التوازن بين دخل المواطن المغربي وقدرته الشرائية مع أسعار المواد الأساسية وحتى غير الأساسية؟
■ يجب التذكير هنا بأن المستهلك اليوم يجد نفسه أمام تحديات متعددة تواجهه في خضم ما يشهده العالم من تحولات في أنماط الاستهلاك في ظل انتشار وتوسع الأسواق وتأثراتها المتبادلة وتصاعد الأسعار تارة، وانخفاضها طوراً آخر، على المستويين الوطني والدولي، ودليلنا على ذلك هو ما سببته جائحة كورونا من اضطرابات في الأسواق من جهة وفي نفسية المستهلك من جهة أخرى، بحكم التدابير الوقائية التي اتخذتها جل الدول ومنها بطبيعة الحال المغرب.
ومن هذا المنطلق، تأتي مشروعية الحديث عن توازن بين دخل المواطن – المستهلك – وقدرته الشرائية، في ظروف جائحة كورونا وما تشكله من ضغوط وإكراهات على حياة المستهلك الطبيعية، وما تبع ذلك من تقليص لفرص العمل، وتقليص دخل المستهلك – إن لم نقل انعدامه لدى الأغلبية الساحقة من المستهلكين المغاربة – إلى جانب الحجر الصحي، خصوصاً ونحن نعرف أن المستهلك المغربي ليس مسلحاً بثقافة استهلاكية تمكنه من التصرف بعقلانية في وقت الأزمات، بدليل ما حدث في بداية الأزمة من تهافت على المواد والسلع من المتاجر مما جعله يتعرض للكثير من المشاكل من قبيل الغش في مواصفات السلع والخدمات التي يطلبها المستهلك بحكم الحجر الصحي والتحايل عليه من طرف بعض المواقع الإلكترونية التجارية.