لم تكد السطور التي كتبناها في هذه الزاوية المباركة، عن «الخلايا العنقودية» التي تحكم الإعلام المصري، تنشر في يوم السبت الماضي، حتى حدثت تطورات كبيرة في اتجاه المنشور، كان أبرزها أن الشركات التي تملك الإعلام وتديره نيابة عن رأس السلطة، زادت شركة جديدة، هي الشركة القابضة للصحف، التي لا نعرف متى تأسست ولا أظن أنها كانت قد تأسست قانوناً، لكن القانون في إجازة!
فسطورنا في الأسبوع الماضي، كانت تعليقاً على ما نشر حول عزل «المنتج الأوحد» تامر مرسي من رئاسة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، مع أنه المالك لها حسب «ويكيبديا» وقد أصدرت الشركة بياناً تندد بالمنشور في منصات التواصل الاجتماعي، وتهدد باللجوء بمقاضاة من نشروا خبر الإطاحة بتامر المذكور، على أساس أنه يدخل في باب الأخبار الكاذبة، لكن من الواضح أن من سرب هذه المعلومات للصحف كان هو «اللهو الخفي» الذي يدير الإعلام المصري.
وتعد الشركات في هذا المجال مع تعددها ليست أكثر من أدوات للتنفيذ، وإن كانت هناك مساحة كبيرة للحركة للقائمين عليها والمؤلفة قلوبهم، جعلت من تامر مرسي يتصرف على أنه الحاكم بأمره، فينشر اسمه على مسلسلات رمضان بشكل مبالغ فيه، فضلاً عن أنه يجتبي ويبعد، فاذا رضي على فنان، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، وإذا لم يرض أحاله للتقاعد المبكر ليندب حظه!
ورغم أن تامر هذا لم يكن قبل حكم العسكر شيئاً مذكوراً في مجال الإنتاج الدرامي، إلا أن السلطة مكنته من أن يتصرف في إعلامها تصرف المالك في ما يملك، ولا شك أنه تنطبق عليه لحظة اختياره، المواصفات المطلوبة، فالقوم لا يحتفون بالكبار، لكنهم يصنعون دولتهم من دون هؤلاء، ويعتقدون أنه بالدعاية والإلحاح يمكن أن يجعلوا من الفسيخ شربات ومن محمد رمضان، أحمد زكي، ومن تامر مرسي، صفوت الشريف، مع الوضع في الاعتبار أن رجل مبارك القوي لم يكن يمتلك صلاحيات «رجل السيسي» فالشريف مع كل منصب كان يدير مرفقاً واحداً، وعندما كان وزيراً للإعلام أدار «ماسبيرو» وعندما أسندت اليه رئاسة مجلس الشورى كان نفوذه على الصحافة، و ليس على عموم الصحافة لكن على المؤسسات الصحافية القومية فقط، وليس من أول يوم لرئاسته للشورى المالك لهذه الصحف، ولكن بعد سنوات عندما نجح في الإطاحة بالرؤساء الكبار لهذه المؤسسات في سنة 2009!
بيد أن تامر مرسي عابر للحدود، وموحد للإعلام بعد أن أسندوا اليه تطوير ماسبيرو، ولا نعرف ما هي خبرته في هذا المجال حتى يسند الأمر اليه، وإذا كان قد سبق له أن دخل مجال الإنتاج الدرامي بظهره وبأعمال باهتة لا أثر لها ولا قيمة، فليست له سوابق البتة في العمل الإعلامي حتى يتولى تطوير الإذاعة والتلفزيون، لكنه كان أداة أهل الحكم في السيطرة والتحكم، ولم تكن له بصمة في هذا المبنى التاريخي، إلا في برنامج تلفزيوني يقدمه وائل الإبراشي وبعد مرضه استدعى له الاحتياطي يوسف الحسيني، وكأن المهمة هي اثبات فشل المبنى تمهيداً لتصفيته!
التنظيم العنقودي
وكما ورد في الأمثال: «ما طار طير وارتفع، إلا كما ارتفع وقع» فقد تمت الإطاحة بتامر مرسي، ونفت الشركة بشكل رسمي ذلك في بداية الأمر، وهددت وتوعدت، ومما قيل إن المذكور أهدر ملايين الجنيهات، وأن جهات رقابية وسيادية كشفت ذلك، وفي يوم السبت الماضي كان المؤتمر الصحافي للشركة، وتعيين رئيس لها وتعيين أعضاء لمجلس الإدارة، من بينهم «تامر هذا» فمن الواضح أنهم تراجعوا عن قرار عزله، وربما كان النشر عن اهدار الملايين ودخول الأجهزة الرقابية على الخط، بهدف ارهابه وحتى لا يتمرد على قرار الإطاحة به، وهل يجرؤ أحد على التمرد؟
في الواقع أن أهل الحكم يحتاطون لأي ردة فعل ولو كانت نسبة حصولها ضعيفة، وقد احتاطوا لقرار عزل خالد صلاح، رئيس صحيفة وموقع «اليوم السابع» فقد أعلنوا تعيينه رئيسا للشركة القابضة للصحف، وبعد أيام نشروا أنه عُين مساعداً لرئيس مجلس إدارة الشركة، أي أنهم أنهوا عمله بهدوء!
اللافت في القرارات الجديدة للشركة المتحدة، أننا شاهدنا عبر الشاشة رئيس مجلس الإدارة الجديد يعقد مؤتمراً صحافياً، يعلن فيه تعيينه وتعيين أعضاء جدد لمجلس الإدارة، دون الإعلان عن الجهة التي اختارتهم لهذه المهمة، والأصل أن الشركة المتحدة تتبع شركة «ايجيل كابيتال» التي ترأسها الوزيرة السابقة، حرم محافظ البنك المركزي، ولا يمكن تصور أنها من اختارته، لأن بعلها اتهمه بالفساد في السابق ومن ثم عزله من منصبه كمصرفي مسؤول في أحد البنوك، فهل الشركة المتحدة هي واحدة من شركات «ايجيل كابيتال»؟! فكيف يحدث هذا بينما الشركة القابضة للصحف تتبع الشركة المتحدة؟ لنقف بتبعية القابضة للمتحدة وبغياب «ايجيل كابيتال» عن المشهد، على أننا أمام تشكيل للسلطة أخذت فيه بفكرة «الخلايا العنقودية» متأثرة في ذلك بجماعة الجهاد!
وهذا التنظيم العنقودي فيه شركات عدة، مثل «إعلام المصريين» و«فالكون» بالإضافة إلى الشركات سالفة الذكر، وهي الشركات التي تدير الإعلام المملوك لرأس السلطة، وإن كان الشائع أنه مملوك للمخابرات، وتصم ترسانة من القنوات التلفزيونية الخاصة، ومثلها من المواقع الإلكترونية، وعددا كبيرا من الصحف، كان أخرها جريدة «المصري اليوم» بعد الاستيلاء عليها قوة واقتداراً من مالكها الرئيسي رجل الأعمال صلاح دياب، وبعد اعتقالين متتاليين، كتبت له في كل مرة أنهم لن يتركوه حتى يترك لهم «المصري اليوم» هذا بجانب «الدستور» و«اليوم السابع» و«الأسبوع» و«أموال الغد» و«دوت مصر» أما القنوات فهي «الحياة» و«دي إم سي» «وسي بي سي» و«أون» ونصف قناة «دريم» وكل قناة في هذه القنوات هي شبكة تضم عدداً من القنوات، بجانب قناة «الناس» وغيرها، فضلاً محطات إذاعية، وشركات انتاج، وشركات علاقات عامة، وشركات تسويق، وشركات تطبيقات، وأخرى من دون ذلك لا تعلمونها الله يعلمها!
ولم يشر تقرير موقع «مصراوي» الذي نشر أسماء وسائل الإعلام التي قال إنها مملوكة للشركة المتحدة، لـ«دريم» أو «المصري اليوم» كما أنه لم يشر من قريب أو بعيد للشركة القابضة للصحف، التي تم الإعلان عنها في المؤتمر الصحافي هذا ليتم تسكين خالد صلاح على رأسها، ثم تسكينه فيها في موقع شرفي لا قيمة له ولا وزن!
وهذه الملكية هي مخالفة للقانون والذي نص على «لا يجوز لفرد أو الأسرة أو الشخص الاعتباري الجمع بين ملكية صحيفة يومية والمساهمة في صحيفة يومية أخرى، ولا يجوز تملك نسبة الأسهم التي تخول حق الإدارة في أكثر من جريدة يومية، ويسري هذا الحق على الصحف الإلكترونية».
وفي مجال الوسائل الإعلامية الأخرى نص القانون على أنه «لا يجوز أن تتملك الشركة أكثر من سبع قنوات تلفزيونية، ولا يجوز أن تشتمل على أكثر من قناة عامة وأخرى إخبارية».
كما ألزم القانون الوسيلة الإعلامية بنشر ميزانياتها وحساباتها الختامية المعتمدة في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار خلال الأشهر الأربعة التالية لانتهاء السنة المالية. وهو ما لم يحدث ولن يحدث، فالقانون في إجازة!
المدهش أنه رغم هذه الترسانة الإعلامية فإن القوم تزعجهم قناتان يتيمتان في تركيا، وبالتحديد أربعة برامج لا أكثر!
أرض- جو:
أعلنت الشركة المتحدة أنها بصدد إطلاق قناة إخبارية إعلامية دولية، وقبل هذا أعلن السيسي إطلاق قناة إخبارية، وفق المواصفات العالمية، وبعد سنتين من العمل تحت الهواء في هذه القناة التابعة لشبكة «دي إم سي» قيل لهم «فركش». إنهم يتحدون الملل بهذه التصريحات!
لكي يؤكد عمرو أديب أن هناك تنازلات من «الجزيرة» قدمت لأهل الحكم في مصر، قال بدأنا نشاهد الرأي الآخر. في حين أن «الجزيرة» لم تتوقف يوماً عن تقديم الرأي الآخر، غاية ما في الأمر أن النظام كان يرهب من يظهرون على «الجزيرة» ولو للدفاع عنه، لهذا كانت تقلب محمود إبراهيم ذات اليمين وذات الشمال، فمرة نائب رئيس مركز، ومرة رئيس حملة الفريق أحمد شفيق، ومرة المحلل السياسي، ومرة المحامي، ولم يبق إلا أن تقدمه بأنه المرحوم أحمد زويل!
٭ صحافي من مصر