موريتانيا: هل سيغير الرئيس الغزواني نمط حكمه بعد انتصاف ولايته؟

عبد الله مولود
حجم الخط
0

نواكشوط – «القدس العربي»: هذا السؤال مطروح اليوم على ألسنة عدة، مع انتصاف ولاية حكم الرئيس الغزواني لموريتانيا: فقد انتصفت ولايته دون أن يتمكن من إرساء نظامه الخاص المؤسس على رؤيته الإصلاحية وعلى رجاله.
ومن المنابر التي طرحت عبرها هذا السؤال الكبير، فيلم وثائقي تم بثه أمس على منصات التواصل الاجتماعي تحت عنوان “موريتانيا بين طموحات التغيير وإكراهات الواقع”.
وتحدث عدد من كبار الساسة في هذا الفيلم الذي طرح عدة قضايا، بينها التركة الموروثة عن نظام الرئيس السابق، مع التساؤل عما إذا كان كيان الدولة مهدداً بسياسات النظام السابق أم أنه كان عكس ذلك، وبينها الواقع الذي وجده الرئيس الغزواني أمامه يوم تسلمه السلطة.
وقد أكد المتحدثون أن الوضع الذي تسلمه الرئيس الغزواني لم يكن وضعاً طبيعياً بل كان مشهداً يسوده الاحتقان.
وطرحت صحيفة “القلم”، أعرق الصحف الموريتانية، هذه القضية في تحليلها السياسي الأسبوعي في سياق التعليق على التعديل الجزئي الذي شهدته حكومة ولد بلال بعد انتقادات الرئيس ورئيس الوزراء لأدائها وبعد أن أشار وزير الشؤون الاقتصادية إلى ضعف امتصاص قطاعاتها للموازنات الدالة على جمودها. وتساءلت صحيفة “القلم”، في تحليلها قائلة: هل يسعى الرئيس الغزواني لترقيع فريقه الحكومي دون أن يغير الأسس؟ أو حاول ذلك وعجز عن إزاحة وزراء تقف خلفهم قبائل قوية؟ فقد لوحظ، تضيف القلم، أن غالبية من خرجوا من الحكومة تم تعويضهم بوزراء من قبائلهم.
وتابعت: “كان الموريتانيون يتوقعون تعديلاً واسعاً ليس على مستوى الحكومة بل على مستوى كبار موظفي الرئاسة من مستشارين ومكلفين بمهام ممن يظلون طوال نهارهم يفرقعون أصابعهم دون أي نشاط؛ لكن الغريب أنه بدلاً من الاستغناء عن الوظائف الكبرى التي تبلع الأموال، نجد أن عددها قد ازداد، في ظرف يتميز بتأثيرات كورونا وثقل انعكاساتها”.
“غير أن الأدهى، تضيف الصحيفة، هو أن الرئيس الغزواني الذي انتخب في يونيو 2019، يواجه منذ تسلمه للسلطة عرقلة من سلفه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز؛ فقد أزعجت طموحات الرئيس السابق المتمثلة في محاولته السيطرة على الحزب الحاكم بعد أن أعلن قبل مغادرته للقصر أنه سيواصل ممارسة السياسة مع صديقه الذي كان رفيق دربه على مدى أربعين عاماً”. وبعد أن تأكد نظام الرئيس الغزواني من أن الرئيس السابق غادر القصر لكنه لا يريد مغادرة المشهد السياسي، حرك نواب الأغلبية بتنسيق مع نواب المعارضة، تحقيقاً برلمانياً حول عشرية الرئيس السابق تمخض عن تقرير أحيل للنيابة التي وجهت للرئيس السابق على أساسه تهماً بالغة الخطورة ولا انفكاك منها.
وبدلاً من أن يتخلى عن نشاطه المزعج، تحول الرئيس السابق إلى معارض سياسي شرس للرئيس الغزواني.
وبفعل هذه التطورات، تحول الوضع السياسي الموريتاني إلى قطبين، أحدهما يقوده الرئيس الغزواني ومعه الأغلبية والمعارضة، والثاني قطب الرئيس السابق الموجود قيد التشكل من خلال حزب الرباط الذي انضم إليه الرئيس السابق وجعل منه فرس رهانه في هذه المعركة، التي يؤكد النظام الحاكم أنها معركة بين القضاء والرئيس السابق، فيما يسعى الرئيس السابق لتحويلها من قضية فساد إلى ملف لتصفية حساب سياسي.
وعن التركة التي ورثها الرئيس الغزواني -أضافت الصحيفة- “هناك عرقلت كبرى تقف أمام الرئيس الغزواني، وهي تركة عشر سنوات نشأت خلالها لوبيات انتفاعية تمكنت من مد مجساتها وشباكها في عمق مرافق الدولة”.
وزادت: “مع أن الرئيس الغزواني بحكم توليه لإدارة الأمن ولقيادة الأركان خلال السنوات العشر الماضية، يعرف بدقة جميع تفاصيل اللوبيات المندسة في الإدارة وفي الدولة، إلا أنه لا يريد أن يغير الأمور بطريقة مفاجئة، فالرئيس الغزواني يعرف أنه من السهل على أعضاء لوبيات الضغط تغيير بنادقها من منكب لمنكب آخر، كما فعلت خلال الأنظمة التي تعاقبت قبله على حكم البلد، وهو ما جعله يتصامم عن دعوات تطالبه منذ وصوله للحكم بتصفية أشخاص علاقتهم معروفة بالرئيس السابق، فهو يدرك جيداً أن الحرب التي فتحها على الفساد ليست بالسهلة بل إنها بالغة الخطورة”.
وتابعت الصحيفة تحليلها تقول: “حتى أن التغييرات التي أدخلها الرئيس الغزواني منذ وصوله للسلطة للمؤسسة العسكرية “الصامت الأكبر”، تمت على مراحل متقطعة ولم تمر دون أن تحدث حالات انزعاج، لأن المؤسسة العسكرية ليست في منأى عن التأثيرات القبلية والجهوية”.
وحول التطورات المتوقعة للمشهد السياسي الموريتاني في ظل نظام الرئيس الغزواني، أكد المحلل السياسي والسفير السابق التجاني ولد الكريم، في توضيحات لصحيفة “القلم” أمس، “أن الرئيس الغزواني أطلق سياسة إصلاحية ضد الفساد، وهي سياسة صعبة التحقيق لكنها ضرورية”. وقال: “على الرئيس الغزواني أن يعرف أن أمامه -وقد أصبح رئيساً لموريتانيا- عدة تحديات، منها الهشاشة التي أصابت الجولة خلال السنوات العشر الأخيرة، ومنها تزامن هذه الهشاشة مع صعود اللوبيات القبلية والجهوية المسيطرة منذ أربعة عقود، ومنها استمرار الإدارة السيئة للشأن العام، ومنها غياب سياسة مهنية منسجمة لدمج الشباب”.
وأكد السفير ولد الكريم: “لقد كانت العشرية الأخيرة عشرية كارثية بكل معنى الكلمة، ومن يرى غير ذلك فليراجع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية فسيرى أن البلد اجتاز إحدى أصعب مراحل تاريخه الحديث”.
بين هذه التحليلات تقف موريتانيا أمام مفترق طرق، يتطلب من الرئيس الغزواني حسم الموقف وتدارك مواقع الخلل بإصلاح غير متردد، كما يتطلب تدارك الرئيس الغزواني لآمال علقها عليه الناخبون والسياسيون، آمال يهددها التلاشي والتباطؤ، رغم ما يحيط بالرئيس ورغم ما ورثه من أوضاع صعبة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية