الخطاب الذي يتبناه الشخص ويستخدمه، بغض النظر عن موقعه ودوره، إنما هو انعكاس وتجسيد لمدى توازنه النفسي، وماهية الرسائل التي يريد أن يوصلها للآخرين. هذا فضلاً عن المرتكزات التي يستند إليها؛ والمحددات التي توجهه، وترسم ملامح أفكاره، وتبين تخوم مواقفه.
مناسبة هذا الحديث، خطاب «النصر الثوري» الذي ألقاه بشار الأسد بمناسبة الإعلان عن نتيجة مسرحية إعادة التدوير المبتذلة، التي جسّدت، وبصفاقة، استهتاراً بالسوريين، كل السوريين.
فنحن إذا عدنا إلى الكلمات التي جاءت في خطابه، وقرأنا بين السطور، سنلاحظ أنه يقسم السوريين إلى قسمين: قسم ثائر على نظامه، أدخلهم في خانة الخونة والمرتزقة. أما القسم الآخر فهم الموالون، الذين لم يجد فيهم سوى مجموعة من الأبواق والبيادق التي لجأت الأجهزة الأمنية إلى تجييشهم، ليؤدوا دورهم وفق ما هو مطلوب ومقرر. وكان من اللافت في خطاب بشار أنه توجه بالشكر إلى الأشخاص والعائلات والعشائر التي ساندته، وهذا ربما فصل جديد من فصول تشتيت السوريين ووضعهم في مواجهة بعضهم البعض.
ولعله من المناسب في السياق أن نشير إلى تكامل هذا الخطاب مع خطابات بشار السابقة التي استخدم فيها تعابير تؤكد حقده على كل المعارضين لحكمه الفاسد المستبد. ونشير هنا على سبيل المثال إلى ما ذهب إليه حول «التجانس السكاني» بعد تهجير أكثر من نصف السوريين؛ وقوله أن سوريا لن تكون بالضرورة لسكانها بل للمدافعين عنها؛ أي لميليشيات «حزب الله» والميليشيات المذهبية العراقية، و»الحرس الثوري الإيراني».
لقد تقاطع خطاب بشار إلى حد التماهي مع خطابات المسؤولين الإيرانيين، وخطابات حسن نصر الله، وحتى مع خطابات الحوثي. كما يتقاطع في أوجه كثيرة منه مع خطابات بوتين والمسؤولين الروس؛ وذلك من جهة اتهام الخصوم بأقذع الاتهامات الباطلة، واستخدام التضليل الإنشائي الممل؛ والتشدق بالشرف والطهرانية، وهو الذي لم يترك جريمة إلا وارتكبها بحق السوريين على مستوى الأفراد والجماعات والمجتمع والوطن.
ومن الواضح أن استراتيجية بشار في مجال الخطابة هي نسخة ثانية عن خطاب نظام ولي الفقيه الإيراني؛ هذا النظام الذي اعتمد منذ مجيئه إلى السلطة عام 1979 أسلوب شيطنة الجميع، وتسويق نفسه بوصفه المدافع عن المظلومين والمحرومين؛ وبأنه يعمل ليلاً ونهاراً من أجل «تحرير القدس»؛ بينما هو في واقع الحال يفجّر مجتمعات المنطقة ودولها عبر الميليشيات التي استثمر فيها كثيراً، وعلى مدار عقود. وذلك انسجاماً مع السياسة الإيرانية منذ نهايات الحرب العراقية-الإيرانية 1980 – 1988؛ وهي السياسة التي تبنت استراتيجية نقل المعارك إلى داخل الدول العربية المجاورة، عن طريق أدوات محلية، تمثلت في تنظيمات وميليشيات التزمت المشروع الإيراني. هذا ما حصل في لبنان أولاً، ومن ثم في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003. وهذا ما حصل، ويحصل، في سوريا واليمن.
وكان النظام الأسدي بمرحلتيه هو الميسر الداعم؛ مع فارق أساسي بين مرحلة حكم الأسد الأب وحكم الأسد الابن. فحافظ الأسد كان يتطلع إلى قيادة العالم العربي، خاصة بعد أن تم إخراج مصر من المعادلة العربية على إثر توقيعها على اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978. ومن ثم خروج العراق عقب احتلال الكويت 1990. وقد تمكن الأسد الأب من استخدام أهم الأوراق الإقليمية لتعزيز موقفه. ويُشار في هذا السياق إلى الورقتين الفلسطينية واللبنانية؛ إلى جانب ورقة حزب العمال الكردستاني، وورقة المعارضة العراقية. لذلك كان يحرص على علاقاته العربية، لا سيما مع دول الخليج؛ كما كان يحافظ على العلاقات المتوازنة مع مختلف القوى الدولية. هذا بغض النظر عن الشعارات التي كان يرفعها بغرض التعبئة والتعمية.
أما القاسم المشترك بين الأب والابن فقد تمثل باستمرار في الاستهتار بالسوريين، والسعي المتواصل لقمعهم، وتحويلهم إلى مجرد كتلة بشرية وظيفتها إظهار «شعبية النظام».
ولكن الذي حصل في مرحلة الأسد الابن هو أنه قد أخلّ بالمعادلات التي كان والده قد وضعها في ميدان التعامل مع النظام الإيراني؛ وذلك في سبيل البقاء في السلطة، خاصة بعد تنامي ظاهرة لجان إحياء المجتمع المدني في بدايات وراثته للجمهورية عام 2000 وتنامي المطالبات المتواصلة بالإصلاح والتغيير الإيجابي. وبعد سقوط النظام العراقي عام 2003 الأمر الذي كان يثير خوف، بل هلع، النظام، فكان قراره هو الاندماج في المشروع الإيراني بعد لبنان حيث أصبح حزب الله هو المتحكّم الوحيد بملف «المقاومة». وكذلك عبر التعاون مع الحرس الثوري الإيراني والميليشيات العراقية التابعة له لتفجير الأوضاع في العراق.
وارتفعت درجة الانغماس في المحور الإيراني بعد سلسلة الاغتيالات التي طالت مختلف الشخصيات اللبنانية (الحريري، سمير قصير، جبران تويني، جورج حاوي…الخ) التي كانت تعترض على الوجود العسكري المخابراتي السوري في لبنان، والتحكم السوري الأمني بالدولة والمجتمع ومصائر الأفراد في لبنان؛ وترفض مشروع «حزب الله» في السيطرة على لبنان.
ومع ترسخ هذا الانغماس، واتساع نطاقه، طغت المفردات التي تنم عن العجرفة والتشدق بالعنتريات، وتسفيه المعارضين، وهيمن استخدام العبارات السوقية عوضاً عن الدبلوماسية الاحتمالية، في التعبير عن المواقف من الدول العربية، لا سيما الخليجية منها. وقد ساد هذا الخطاب على مدار سنوات الثورة، ولم يقتصر على رأس النظام وحده، بل التزم به مسؤولوه.
لقد اعتمد بشار الأسد منذ البداية أسلوب سدّ الأبواب أمام الثائرين على استبداده وفساده، والمعارضين لسياساته، من خلال اتهامهم بالخيانة والتبعية؛ والعمل على تصفيتهم، وتهجيرهم. وقد اعتمد في ذلك على النظام الإيراني وميليشياته المذهبية التابعة له في كل من لبنان والعراق، وحتى من أفغانستان وباكستان. وكان من الواضح أن الاستراتيجية الإيرانية تعتمد اسلوب تفجير المجتمعات من الداخل، عبر استخدام الورقة المذهبية، ودفع الأمور نحو الحرب المذهبية الداخلية؛ الأمر الذي يفتح المجال أمام المشروع التوسعي، المزعزع للأمن والاستقرار، خاصة في ظل غياب المشروع العربي، وفي أجواء تصاعد حدة التباينات بين تركيا والسعودية؛ الأمر الذي سهّل مهمة الإيرانيين، ومكّنهم من استغلال واقع الخلافات بين القوى الإقليمية، إلى جانب توظيف الثغرات والإخطاء، في سياق سعيهم المستمر من أجل التحكّم في دول ومجتمعات المنطقة.
المفردات والعبارات التي استخدمها بشار الأسد في خطاب إعادة التدوير، وهي العملية التي لم يكن لها أن تتم لولا الجهود المركزة من جانب الروس والإيرانيين، تبين أنه ما زال متمسكاً بمزاعمه المتهافتة التي سوّقها، ويسوّقها، منذ بداية الثورة السورية، ومنها أنه يواجه حملة كونية ومؤامرة عالمية لإسقاطه. ولكن ما هو الهدف من إسقاطه؟ ولو كان هناك بالفعل موقف دولي حاسم، ومن الجانب الأمريكي تحديداً لإسقاطه، لكان قد أخرج من الحكم منذ العام الأول. هذا في حين أننا نتذكر جيداً المطالبة التي كانت تتمحور حول ضرورة تعديل سلوكه، وليس إلغاءه. بل نتذكر أيضاً لقاء وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت القصير معه على هامش جنازة والده؛ التي عبرت بعد ذلك عن تفاؤلها به.
بشار الأسد كان يخاطب السوريين المغلوبين على أمرهم الذين ما زالوا يعيشون في مناطق سيطرته، ويدعي بانه قد حقق الانتصار. الانتصار على من؟ على السوريين عبر قتلهم وتهجيرهم وتدمير مدنهم وبلداتهم على مدار سنوات ببراميل الحق والبارود، والصواريخ والأسلحة الكيماوية؟
خطاب بشار الأسد وتبجحه بنصر زائف، هو محاولة خائبة للتهرب من الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين واللبنانيين والعراقيين. وهو خطاب متكامل مع خطاب «حزب الله» في لبنان وخطابات الميليشيات العراقية المذهبية المرتبطة بالمشروع الإيراني الذي يبدو أن أصحابه يعدون أنفسهم لمرحلة جديدة من الاستقطاب المجتمعي، محورها وضع أبناء الوطن الواحد في مواجهة بعضهم، وتعبئة الموالين بكل نزعات الحقد والكراهية؛ وذلك لقطع الطريق أمام الجهود التي ترمي إلى تحقيق تفاهمات وتوافقات وطنية، بعد أن أدرك أصحابها من جميع المكونات والتوجهات بأن الحصانة الأكبر لمجتمعاتنا أمام مشاريع إيران التوسعية تتمثل في مشاريع وطنية تطمئن الجميع عبر احترام الخصوصيات، والاعتراف بالحقوق، وضمانها، وتبديد الهواجس بعقود مكتوبة، وتعزيز الثقة باجراءات ملموسة على أرض الواقع، والتوافق على آليات واقعية مقبولة لمعالجة آثار ما فعله تحالف الاستبداد والفساد.
أما حديث الروس عن إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة، فهو يندرج ضمن إطار محاولة إمتصاص تأثير الانتقادات الدولية والإقليمية والوطنية القاسية والواسعة لعملية التدوير، وخطاب بشار الأسد الاستفزازي عن سابق قصد وتصميم.
* كاتب وأكاديمي سوري
لم يعد هناك مجال للتصالح فقد الصبح الشرخ عميقاً ولن ينفع الترقيع معه ولهذا لم يبقى سوى طريق واحد اما ننتصر ونثأر من اجل الوطن والدين وارواح الشهداء الذي ضحوا بكل شيء من اجل الكرامة والشرف
صدقت
لم يعد هناك مجال للتصالح فقد اصبح الشرخ عميقاً ولن ينفع الترقيع معه ولهذا لم يبقى سوى طريق واحد اما ننتصر ونثأر من اجل الوطن والدين وارواح الشهداء الذي ضحوا بكل شيء من اجل الكرامة والشرف او نستشهد
شكرًا أخي عبد الباسط سيدا. بشار الأسد جاء بتتويج من أمريكا (وبالتالي إسرائيل) وتمت المحافظة عليه على هذا الأساس بإعطاء الصلاحية للإحتلال الروسي كضامن لهذا النظام. والأمر الأكثر فاجعة للشعب السوري هو أن المعارضة بشقيها السياسي والعسكري لم تكن على المستوى المطلوب. اما المجتمع الدولي فلا شيء جديد هو مرهون بالمصالح الضيقة للدول الكبرى بقوتها السياسية والإقتصادية، وهذا أمر فاجع للعالم أجمع!
الذي رفض الدخول في العملية السياسية، كما رفض (د حارث الضاري) في العراق دخول العملية السياسية،
والذي نصح (بول بريمر) عمل تعداد رسمي، قبل توزيع الكراسي في مجلس الحكم، ولكن أسلوب (فرّق تسد)، كان الأصل، في كيفية اتخاذ القرارات الديمقراطية بعد 9/4/2003،
الذي قلب الطاولة، على نشر الديمقراطية، أو الفوضى الخلاقة، عند وكيد (رجب طيب أردوغان) و(بشار الأسد) من جهة، في آسيا، وعند وكيد (عبدالفتاح السيسي) و(خليفة حفتر)، من جهة أخرى، في أفريقيا،
ولذلك الآن عقلية (آل البيت) من جهة، وعقلية (شعب الرّب المُختار) من جهة أخرى، في كل المجالات تعاني من أزمة، سبحان الله،
ما أوجه الشبه بين قرارات رئيس وزراء الهند (مودي) في تخصيص ميزانية وأموال لتكبير وتحديث، (العاصمة الإدارية)، عام 2021، أي في نفس سياق كشف تقصير/غش/عدم تخصيص أموال لإنتاج الأوكسجين واللقاحات ضد (كورونا)،
رغم ترسية واستلام كل عقود بريطانيا وأوربا على الأقل، من عام 2020 في عام 2021، أي ليس لديه حجج لتبرير التقصير، في توفير حاجة الهند من الأوكسجين واللقاحات،
هو أول ما خطر لي عند قراءة عنوان (فايننشال تايمز: عاصمة السيسي الإدارية تكشف عن تغول الجيش في اقتصاد البلاد وارتهان بقاء النظام به)، أو هل التدوين، في أي دولة، يعني (بناء أثر مثل (أهرام الفراعنة))،
أم (اقتصاد في تكاليف الإنتاج) لجذب أصحاب العقول والمال الإنتاجية، من أجل خلق فرص عمل في أي سوق محلّي/وطني، لتوفير حاجات سوق العولمة؟!
أو بمعنى آخر، لماذا ربط علماء حوزة النجف وكربلاء وقم بين (لقاح ضد (كورونا))، بموضوع فقد قدرة أي رجل على الإنجاب،
أو على الأقل لن يمكنه النوم مع أي امرأة، زوجة مؤقتة/متعة أو شرعية، كما ارسله لي أمس (م سمير الخزرجي) من وزارة الاتصالات (العراق)،
رغم أن كل دول العرق الأصفر مثل الصين وتايوان، رفعت أي قيد على زيادة الإنجاب،
بل في تايوان، وضعت راتب شهري، لكل طفل من أي زوجة وبلا سقف، لعدد الأطفال أو عدد الزوجات، مثل لغة القرآن وإسلام الشهادتين، محدد بسقف أربعة زوجات، كحد أقصى، لكل رجل،
من أجل تخفيض تكاليف الإنتاج بزيادة وفرة الأيدي العاملة، كما توفرها في مصر (عبدالفتاح السيسي) وهند (مودي).??
??????