القاهرة ـ «القدس العربي»: «ذاكرة الـ 50» هو عنوان المعرض الذي اختاره الفنان العراقي أنس الآلوسي ـ مواليد عام 1971 في مدينة الأعظمية العراقية والمقيم في القاهرة ـ ليعبّر من خلاله عن تجربة مُستمدة من حياة ومعايشات استلهمها الفنان في منحوتاته ولوحاته. المعرض الذي أقيم مؤخراً في غاليري الزمالك للفن في القاهرة، لم يكن كعادة مثل هذه المعارض من حيث السمة الاستعادية لمنحوتات وأفكار سابقة، بل تجربة جديدة يخوضها الفنان، استناداً إلى أماكن وكائنات وشخوص، حاول من خلالها التعبير عن العديد من الأفكار، التي تتناغم وإرث بصري حضاري، سواء في العراق أو مصر.
ثيمة الاستشراف
من خامة البرونز يصنع الفنان منحوتاته، وهي خامة صعبة التشكيل، وتمر بالعديد من المراحل، التي تتداخل فيها الصنعة مع الفن. من ناحية أخرى تتراوح المنحوتات، ما بين الشخوص والكائنات الأخرى كالطيور والحيوانات، وكلها وإن كانت تمثل لحظة ما، نجح الفنان في تجسيدها، إلا أنها مُستمدة بدورها من تراث بصري عميق، وفي الوقت نفسه تبدو وكأنها تحمل نغمة مستقبلية، بمعنى أن ما كان هو الآن كائن أو سيكون، تكوينات وموضوعات، أو أفكار بمعنى أدق لا تبدو تاريخية، لكن نستشعر مدى ما تحمله من وجود وثبات دائم، نلحظ ذلك في مسميات بعض الأعمال، مثل.. تأمل، اشتياق، سَكينة، سندريلا، أندلسية، وغيرها من الأسماء، كلها لحظات إنسانية تم التعبير عنها في بساطة ودون تكلف أو ادعاء.
الحركة
تشكل الأجسام كلها حالة من الحركة، رغم الثبات الذي توحي به، فالتأمل والسكينة على سبيل المثال ـ وهي مُسميات خادعة ـ يظهر مدى انشغال أصحابها من ناحية ـ تفكير لا يهدأ ـ أو أن هذه الحالة مؤقتة بدورها، ولن تدوم، وبالتالي ستنتهي حتماً. فعل الحركة أيضاً أو الإيحاء به، يأتي من مفردات الشكل نفسه، كالإطار أو النافذة، أو الفتاة التي ترافق الحصان، يجعل من الشكل المنحوت حاملاً لعدة مستويات تكوينية، رغم أبعاده الثلاثية المعهودة، هذا التحديد الوهمي يُشبه عمق الصورة السينمائية، من مقدمة ووسط وخلفية، إضافة إلى حالة التوازن ما بين حدود الشكل المربع أو المستطيل ـ النافذة ـ أو تكوين الجسد، أو العمل ككل، الذي ينحو بوجه أو بآخر إلى الشكل الدائري، وما بين هذا التضاد ـ العزلة والاستمرارية ـ يتم الإيحاء بالحركة، التي لا تهدأ. كما تتراوح المنحوتات ما بين المصمتة والمُفرّغة، وحتى المصمتة منها، نجدها أجساداً انسيابية تحمل الكثير من التموجات، التي توحي بالحياة داخلها.
حالة البهجة
رغم ما تثيرة مفردة «الذاكرة» التي في الأغلب لا توحي بالسعادة، بل ما تم فقده، أو حتى محاولة نسيانه، إن كان سيئاً، فكلمة (ذاكرة) دوماً مرتبطة بـ(الحزن) إلا أن جميع المنحوتات توحى بحالة من البهجة والإدهاش، حالة عامة من السعادة تصيب المتلقي، دون أن يُعرف لها سبب، وربما هي حالة الفنان نفسه، الذي لا يتأسى، بل يُصادق ما مرّ به من تجارب، ويحتفي بتحويلها إلى فن، وهو ما يؤيد فكرة أنها منحوتات تحتفي بالمستقبل، حتى إن كانت تستند إلى ذاكرة الـ 50 عاما، هي سنوات عُمر الفنان نفسه.