لندن- “القدس العربي”: قال ماكس فيشر إن نظام الحكم في إيران واصل سيطرته على السلطة في البلاد رغم الفوضى أو بسببها. وفي تحليل نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” قال إن محمد آيه الله طبار ظل يسمع منذ صغره التكهنات الواثقة من أن نهاية الجمهورية الإسلامية قريبة، لكن نظام الثورة ظل من أكثر الأنظمة استقرارا في العالم وتقوى من الأزمات.
وقال: “كانت هناك حكمة تقليدية منذ الثورة أن النظام لن ينجو” وحتى بعد أشهر من الثورة في 1979 كان الناس يقولون إنه “سينهار بعد سنة”. ولم يكن هذا التكهن أو الاعتقاد سخيفا، فقد واجهت إيران العزلة في الخارج والاضطرابات التي كادت أن تؤدي إلى حرب أهلية في الداخل وحرب مدمرة مع الجارة العراق. ولكن النظام استمر وخلق أحيانا سلسلة من الأزمات التي أودت بحكومات متجذرة وأكثر ثراء.
وتبدو إيران اليوم وصفة تامة لعدم الاستقرار، ففيها رأي عام محبط وغاضب أحيانا، ويعاني اقتصادها من حالة يرثى لها ويستشري فيها الفساد وسوء الإدارة. وفي الخارج متورطة في حروب أهلية وتواجه كراهية دولية. وشهدت انتخابات يوم الجمعة مقاطعة شعبية واسعة في ضربة جديدة لشرعية النظام الذي عانى من ضربات خلال العقود الثلاثة لكنه نجا، كما يقول طبار، الأستاذ المشارك ومدرس النظام السياسي الإيراني في جامعة تكساس إي أند إم.
ويقول فيشر إن طول عمر النظام عاند افتراضات الخبراء والأعداء الخارجيين وتكهنات المواطنين الإيرانيين بل وقوانين التاريخ، فهناك حكومات مستقرة على ما يبدو تسقط وتصعد بمعدلات عالية حول العالم مما يعمق اللغز الإيراني. ويضيف الكاتب أن عددا من الدراسات قام من خلالها باحثون بتقديم إضاءة على صمود إيران ضد الأضداد.
ووجد بحث جديد أن إيران تنتمي إلى ناد من الدول الصغيرة التي أثبتت أنظمتها قدرة على الاستمرارية في العالم وتشكلت عبر العنف والثورات الاجتماعية. ويشمل هذا النادي كوريا الشمالية وكوبا -الدولتان العدوتان لأمريكا- واللتين ظلتا على مدى العقود عصيتين على الانهيار وأحبطتا محاولات الإطاحة بهما، بالإضافة إلى الصين وفيتنام والجزائر وعدد آخر من الدول. وبلغ متوسط عمرها الافتراضي ضعف مستوى عمر الأنظمة الأخرى، وزادت احتمالات بقائها على الحياة بعد 30 عاما بنسبة أربعة أضعاف. وهذا ليس بسبب أن هذه الدول تطبق فيها أنظمة حكم جيدة أو تقودها قيادات حكيمة، ففي الواقع البؤس في عدد منها هو القاعدة وليس الاستثناء.
وتشترك هذه الدول في عدد من الملامح التي يقول الخبراء إنها أعطتها الصمود ضد القوى التي تهدد الأنظمة الديكتاتورية وتعرضها للخطر. ولعل ما يدعو على الدهشة هي أن هذه الأنظمة لم تتأثر بحقبة زمنية باتت فيها الديمقراطيات والديكتاتوريات تواجه اضطرابات متزايدة. وربما كان فهم هذه الملامح المتطرفة على الكشف عن مواجهة كل الأنظمة تقريبا مخاطر عدم الاستقرار.
وتعثر ستيفن ليفتسكي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد، على هذا التوجه عندما يقوم بدراسة مشتركة حول الديكتاتورية مع لوكان وي من جامعة تورنتو. واكتشفا أنه عندما انهارت الأنظمة الشيوعية في كل أنحاء العالم عام 1989 ظلت خمسة أنظمة عصية على التغيير والسبب أنها أنظمة ثورية مقارنة مع الأخرى التي لم تكن. وقال ليتفسكي إن “النجاة من الحقبة الشيوعية كان أمرا عظيما”، ولا تزال الأنظمة الخمسة مستمرة في وقت صعدت فيه حكومات وسقطت حولها.
وأثبتت الدول الثورية غير الشيوعية ديمومة واستمرت أكثر من ربع قرن. وشعر الباحثون بالحيرة وبدأوا بتحليل البيانات مرة بعد الأخرى ووجدوا أن الأنظمة الثورية استمرت طويلا وتجاوزت أزمات لم تستطع الأنظمة الأخرى التغلب عليها (وهذا لا يعني ديمومة أبدية، فأشهر ثورة في العالم والتي نشأ في أعقابها الاتحاد السوفيتي لم تستمر سوى 69 عاما ثم انفجرت على نفسها).
فهل هناك سمة أخرى تفسر استمرارية الأنظمة الثورية؟ الجواب لا، حتى في حالة التحكم بعوامل أخرى مثل الثروة والمصادر الطبيعية وشكل الحكومة، فالتوجه سيظل قائما. ولكن الباحثين عثرا على أمر آخر وهو أن هذه الدول عانت من نسبة 72% أقل من الاحتجاجات ومحاولات الانقلاب والتصدع داخل النخب الحاكمة والتي عانت منها الدول الأخرى. وهذه العوامل هي سبب موت الديكتاتورية.
وحدد الباحثان عددا من السمات التي يمكن أن توضح تباين الأنظمة الثورية عن البقية، فالثورة نفسها تصل ذروتها عندما يتم تدمير الجذر والفرع للنظام القديم. ويتم تطهير جماعات -تحت فوق- مثل طبقة رجال الدين والتجار أو تهميشها والتي يمكن أن تتحدى الحكومة وصمود المجتمع.
ونفس الأمر يحدث للمؤسسات -فوق تحت- مثل الجيش والبيروقراطية الإدارية، وربما لم تكن الثورة قوية في مجال إدارة كل وظيفة للدولة والمجتمع إلا أن عمليات التطهير تجعلها بدون منافسين حقيقيين من الداخل أو في المستويات الدنيا. ولكن الثورة تكون في وارد السيطرة على كل مستوى من المستويات العسكرية والأمنية والتي يعمل فيها مؤمنون حقيقيون بها. كل هذا يزيل مخاطر الانقلاب أو أي تحطم داخل النظام الثوري، وتعطي القادة الجدد الشجاعة لاستخدام هذه القوى لقمع المعارضين.
وتعتبر الأنظمة الثورية متجانسة بشكل مثير، فقد تحصل خلافات في داخلها وصراع على السلطة بين الثوريين أنفسهم لكنهم يتمسكون بالحفاظ على النظام في النهاية. ويعمل التزامهم المشترك بالقضية على تقوية البلد في الأيام الأولى للثورة. ومنذ محاربة الملكيات الأوروبية الثورة الفرنسية فقد تبع معظم الثورات حروب مع الدول الجارة. فالمجتمعات المنقسمة التي تواجه تهديدا أجنبيا تتحد في وجه العدو الخارجي. وفي وقت الحرب تقوم الأنظمة الثورية بإعادة تشكيل نفسها من رماد الاضطرابات، معتمدة على التضامن والانضباط الذي يعيد تشكيل المجتمع ولأجيال قادمة.
وفي الحالة الإيرانية بدت كل هذه السمات، فقد قام مرشد الثورة الإسلامية آية الله الخميني بسحق النظام السابق وعين مؤسسات ثورية متواضعة في القدرات ولكنها تملك الحماسة الأيديولوجية.
وواجهت الثورة حربا مباشرة مع العراق دعمتها الدول التي خافت من انتشار الثورة الإسلامية. واستخدم قادة الثورة من عسكريين وأمنين الفرصة لتطهير المؤسسات من منافسيهم والمعارضين في داخل المجتمع. وبعد وفاة الخميني توقع البعض أن تعاني الثورة من الاحتراب الداخلي وينفصل القادة العسكريون عن قائدهم فيما تتعالى دعوات المواطنين بالديمقراطية، لكن الحركة احتفظت بالمؤسسات المتجذرة والمؤسسات الاجتماعية التي حافظت على وحدتها.
ويقول طبر “لم ينج النظام رغما على هذه الأزمات ولكن بسببها”. ومنذ ذلك الوقت أخطأ المراقبون بالتعامل مع الاضطرابات كما حدث في التنافس الداخلي بتسعينات القرن الماضي والثورة الخضراء عام 2009 على أنها إشارة عن تداعي النظام و”في الحقيقة كان هذا النوع من التشرذم سببا في زيادة قوة تصميم النظام ككل”.
وانتهت كل أزمة بظهور القيادة والمؤسسات القوية وهي تدافع عن بقاء الوضع الراهن، والتعبير عن الوحدة بين المؤسسات وتهميش التحديات. ومما ساهم في بقاء النظام هي تلك اللمسة المتواضعة من الديمقراطية التي فتحت المجال أمام المعارضة المفتوحة والفصائلية السياسية. ويقول ليفتسكي “هناك منافسة جدية وخلافات خطيرة ولكنها ظلت ضمن الفصائل الثورية”. ويتم جلب معظم السياسيين الذين يطالبون بإصلاحات عميقة أو يخسرون بسب التلاعب مرة أخرى إلى النظام. وسيظل شبح الاضطرابات يخيم على نتائج الانتخابات الأخيرة، وبخاصة من تعامل معها على أنها مزورة. وربما كانت إيران الاستثناء لا القاعدة، فهي وإن انحرفت عن الأعراف الثورية المعروفة لكنها تظل حالة خاصة، وهو ما يفسر ديمومتها بعد 41 عاما من الأزمات الوطنية والاضطرابات.
وبقاء الثورة هو تحذير لمن يعول على انهيار الكوبيين والإيرانيين، ويلقي الضوء على سبب مواجهة كل حكومة منظور عدم الاستقرار. فالسمات التي تعلم الأنظمة الثورية- المؤسسات القوية والوحدة المجتمعية والتجانس السياسي تعاني من تدهور على مستوى العالم. وهذا يفسر صعود شكل من الحكم المضاد لهذه السمات: الرجل القوي.
ولخص ليفتسكي الأمر بالقول إن النظام الذي يظهر من كل هذا هو “ديكتاتور فرد وليس مؤسساتيا بدون احتكار السيطرة على المجتمع” و”يبقون مدة 8، 10 أو 13 عاما ويواجهون أزمة ثم يسقطون. يشيخون ويسقطون”.
وأصبح العالم اليوم قابلا للرجل القوي أو صعودهم، وتتراجع القيم الديمقراطية وتتزايد المشاعر الشعبوية وتضعف المؤسسات. ويتم تنصيب بعضهم بالقوة وينتخب آخرون في داخل ديمقراطيات ضعيفة تساعد على الفساد. وكل واحد من هؤلاء يفتقد البنية أو الحركة الثورية، وهم عرضة للمشاعر المتغيرة والمؤسسات مثل الجيش والقضاء أو حزبهم. ولهذا السبب يحاول بعضهم القيام بثورة من فوق، لكنهم يفشلون ويقومون بهندسة سقوطهم أثناء ذلك، وعادة ما ينهار النجاح بعد رحيل القادة. وتعطي هذه دروسا للديمقراطيات أيضا التي تعاني حول العالم من الظاهرة هذه، مما يساعد الدول الثورية.
ويرى ليفتسكي “هذا النوع من الاستقطاب يهدد بتدمير الكثير من الديمقراطيات مما يعزز في النهاية الأنظمة الثورية”.
تستمد الانظمة الثورية/الشمولية شرعيتها من الثورة كفعل مؤسس ، وتستمر بخلق عدو للثورة كعنصر ضامن للاستمرار في الحكم بدريعة حماية الثورة ، الثورة هي وضع اسثنائي يصحح مسار سيرورة وليس فعلا مستمرا ، إذ من الضروري ان ينبثق وضع جديد أو ما بعد الثورة ، فالثورة ينظر لها العقلاء ويقودها الابطال ويستغلها الجبناء ، وكل ضغط خارجي يؤجل مرحلة ما بعد الثورة ويعطيها مبررات لخلق واقع مشوه لان الثورة في كنهها فعل تصحيحي وليست أداة حكم لا منتهي ، وتحمل بوادر ثورة جديدة وهكذا دواليك
الثوار في الجزائر لم يحكموا.فبومدين الذي لم يشارك في الثورة استولى على الحكم عبر انقلاب على بن بلة، و قضى على ظباط الثورة بعد الانقلاب الفاشل سنة 1967. و كل الذين حكموا الجزائر ينتمون إلى الظباط الذين كانوا في الجيش الفرنسي و التحقوا بالثورة قبل خروج فرنسا من الجزائر..اذا النظام الجزائري ركب على الثورة ليحكم باسمها دون أن يكون له فضل عليها أو فيها..و لهذا بقي هذا النظام حبيس الشعارات و المزايدة الثورية، لأنه يبحث باستمرار عن شرعية ثورية لا يملكها.. و لهذا أيضا يعتبر النظام الجزائري النظام الثوري الوحيد في العالم الذي تحميه فرنسا و الدول الغربية، و له علاقات سرية و مخابراتية مع أمريكا و فرنسا و إسبانيا و ألمانيا..
مجرد تساؤل.
هل يمكن قول عن أمريكا ما قيل عن إيران ؟؟؟
اقتبست الفقرة التالية من المقال وأسقطتها على أمريكا واترك الحكم للقراء عليها:
” وتبدو أمريكا اليوم وصفة تامة لعدم الاستقرار، ففيها رأي عام محبط وغاضب أحيانا، ويعاني اقتصادها من حالة يرثى لها ويستشري فيها الفساد وسوء الإدارة. وفي الخارج متورطة في حروب أهلية وتواجه كراهية دولية. وشهدت انتخاباتها الأخيرة التشكيك في نزاهتها في ضربة جديدة لشرعيتها «
فعلت هذا لأن نفس الواقع عندما تقع في دولة مسلمة تكون تحمل صفة الضعف والديكتاتورية وعندما تقع في دول غربية تحمل صفة القوة والديمقراطية.
احسنت استاذ كلام في الصميم . هو التحليل ينطبق بشكل دقيق على امريكا . يضهر أن الديمقراطيات الغربية هي التي شاخت وبدأت تترنح. تحية