طرابلس-»القدس العربي»: غضب شعبي تولد في ليبيا مؤخرا عقب انقطاع الكهرباء لساعات طويلة وارتفاع درجات الحرارة في مسلسل بات يتكرر وبشكل طبيعي سنويا وفي كل ذروة صيفية ما جعل غضب الشارع يتضاعف ويتعاظم بسبب فشل الحكومة في وضع حل حتى هذه اللحظة.
أزمة الكهرباء في ليبيا والتي عرفها المواطنون بعد عام 2011 تستمر في التضاعف عاما بعد أخر رغم قيام كل حكومة بقطع مجموعة من الوعود مع توليها بحلها الا أن هذه الوعود لا تتعدى الكلمات الرنانة في البيانات الصحافية لكسب ثقة المواطنين حسب متتبعين.
الحروب المتتالية التي شهدتها الدولة والتي لم تهدأ منذ عام 2011 ساهمت أيضا في تضاعف حدة الأزمة حيث فشلت الشركات المسؤولة في الدخول لمحطات توليد الطاقة الكهربائية لإصلاحها وصعب على الحكومة تبني مشاريع كهربائية جديدة بسبب الوضع الاقتصادي المتدني.
وفي عام 2021 ومع اعتماد سلطة تنفيذية جديدة تفاءل المواطنون باقتراب الفرج وانتهاء أزمة الكهرباء إلا أن بداية الذروة الصيفية أثبتت العكس، حيث ومع وصول درجات الحرارة إلى أربعين درجة مئوي بدأت ساعات طرح الأحمال تتضاعف إلى أكثر من عشر ساعات يوميا مع الحر الشديد. غضب شعبي تولد إثر زيادة ساعات طرح الأحمال ما دفع مجموعة من المواطنين للخروج احتجاجا على سوء الأوضاع، ولرفض عملية طرح الأحمال بالقوة بالقرب من محطات الجبل بسبب قرب المحطة منهم على حد قولهم.
وتتضاعف المخاوف حاليا من انتفاضة جديدة كالتي حدثت عام 2020 بسبب ذات الأزمة والتي وصلت حد المطالبة بإقالة رئيس مجلس إدارة الشركة العامة للكهرباء، ومديرها العام وتغيير رأس هرمها بالكامل.
الإدارة الجديدة وعدت ومنذ توليها بوضع حل للأزمة من خلال مشاريع جديدة وبإصلاح الخلل في أخرى قديمة، ولكن الوعود نفذت بشكل جزئي ربما بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية للدولة وعدم تخصيص مبالغ لدعم هذا القطاع.
مخالفات بدون حلول
ومع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة ساعات طرح الأحمال يتوجه المواطنون يوميا إلى البحر باعتباره المتنفس الوحيد لهم من حرارة الجو، ما خلق ازدحاما على شواطئ ليبيا.
إلا أن العشوائية وغياب القانون جعلت العديد من المواطنين يقومون باستغلال المساحات البحرية وبناء أكواخ صغيرة عليها وتأجيرها بمبالغ كبيرة، وبشكل غير قانوني ما حرم بعض الفئات الاجتماعية من الاستفادة من هذه الهبة التي منحها الله لليبيا وخاصة طرابلس عروس البحر.
ومع غياب تطبيق القانون وغياب الدولة القوية تصاعدت هذه المخالفات بدون حلول منطقية وحازمة، واستغلت معظم المساحات المناسبة للعائلات لقضاء أوقاتهم في حر الصيف.
شركة الخدمات العامة بليبيا ورغم مباشرتها حملة تهديم المحال المخالفة والمنازل إلا أنها لم تصل إلى البحر بعد ولم تزل هذه الظاهرة قائمة.
حركة الطيران
غياب الكهرباء كان له الأثر البالغ على المواطنين وخاصة في ما يتعلق بقطاع الأعمال ومن يختصون بالمشاريع الصغرى، حيث أوقف عدد كبير من هذه المشاريع بسبب الكهرباء ولاحتياجها لها.
حركة الطيران هي الأخرى تأثرت حيث يندرج مطار معيتيقة الدولي والرئيسي في طرابلس مع غياب الدولة، ضمن الأصرح المهمة التي يغيب عنها الكهرباء لساعات طويلة ما أدى إلى انقطاع الاتصال عن البرج الرئيسي بالمطار لمرات عديدة.
وعلى صعيد المستشفيات فتتصاعد المطالبات من بعضها بل وأهمها بسبب اعتمادهم على مولدات الطاقة الكهربائية والتي تقف أحيانا بسبب الضغط الكبير والمتزايد عليها ما يجعل المرضى في خطر وتهديد كبير.
بدائل وحلول
لجأ المواطنون في ليبيا وبكثرة إلى اقتناء المولدات الكهربائية الصغيرة والكبيرة على اختلاف احتياجات المواطنين وقطاع الأعمال مما ضاعف من تجارتها وحرك سوق بيعها بشكل كبير كما ضاعف من سعرها.
وبغض النظر عن أسعار هذه المولدات الكهربائية إلا أنها باتت تشكل خطرا وتهديدا للبيئة خاصة الصغيرة منها والتي تستهلك كميات كبيرة من البنزين فضلا عن الغازات المنبعثة منها، تضاف إليها أزمة أخرى وهي الأصوات المزعجة لهذه المولدات والتي سببت استياء من قبل المواطنين الرافضين لها وخاصة في فترة الليل.
المتتبعون للمشهد الليبي وأزمة الكهرباء وبالأخص المواطنين ينقسمون إلى ثلاثة أطراف في وجهات نظرهم تجاه الأزمة.
حيث يرى الطرف الأول بأن أزمة الكهرباء مفتعلة بشكل أو بآخر، وذلك بالتعاون بين الشركة وكبار تجار المولدات الكهربائية لتمرير صفقاتهم من المولدات في كل ذروة صيفية وشتوية.
ورغم استهزاء بعض الأطراف بهذا الرأي إلا أن حقيقته باتت الأقرب عقب ما حدث في محطة الخمس قبل أيام حيث قالت الشركة أنه كان بفعل فاعل.
الطرف الثاني يرى أن الأزمة ليست مفتعلة بالنظر إلى العجز في إنتاج الطاقة الكهربائية مقارنة بحاجة ليبيا باختلاف مدنها لها والذي ما زال يتضاعف مع التوسع العمراني.
الطرف الثالت يقع بين هذا وذاك فيقول إن أزمة الكهرباء مفتعلة ووليدة الأزمات أيضا، فالشركة مسؤولة على جانب الاهمال والأزمات هي من تسببت في مضاعفة وطأتها.
الرقابة على الكهرباء
ديوان المحاسبة بطرابلس، وفي تصريحات سابقة كشف عن تعطل كامل لـ 37 وحدة لتوليد الكهرباء من أصل 84 وحدة بمحطات التوليد المنتشرة في عموم البلاد.
وأوضح بيان للديوان أن الإنتاج الإجمالي لمحطات ووحدات توليد الكهرباء حاليا يبلغ قرابة 5740 ميغاوات، في الوقت الذي يمكن أن يصل فيه الإنتاج لتلك الوحدات لما يقرب من 11 ألف ميغاوات.
وكان رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك توقع في تصريحات سابقة له انخفاض إنتاج الشركة العامة للكهرباء في فصل الصيف بنسبة تتراوح من 25 إلى 30 في المئة بفعل درجات الحرارة المرتفعة.
وبغض النظر عن هذه الأزمات إلا ان هناك نقصا في التوعية لدى المواطنين بخصوص الاستخدام الأمثل للطاقة الكهربائية وترشيدها للاستفادة منها بالطريقة المرجوة وبدون تقطع.
حيث حاولت الشركة العامة للكهرباء ومنذ سنوات ان تنظم حملات توعية لترشيد استهلاك الطاقة إلا أنها لم تلق قبولا يذكر، بل وقوبلت باستهجان وغضب المواطنين بسبب ارتفاع درجات الحرارة وغياب الكهرباء.
قلة الوعي ترتبط أيضا بعدم قيام المواطنين بتسديد فاتورة الشركة العامة للكهرباء، أي ان معظمهم لا يتجهون إلى أماكن الجباية لدفع فواتير بسيطة تستفيذ منها الشركة في تنفيذ محطات جديدة وحل الأزمة.
غياب الرقابة لدى الشركة هو ما جعل هذه القضية من آخر اهتمامتها، فالأموال باتت تخصص لهم من حزينة الدولة ولا تؤخد من الايرادات العام للشركة والتي من المفترض أن تتجاوز كافة بل ومعظم مصاريفها.
وتتوزع محطات توليد الكهرباء شرقاً وغرباً وجنوباً، وهي كثيرة جدا لكنها تواجه تحديات فنية في إصلاحها، خاصة مع تكرار تعرضها للضربات العسكرية التي تنفذها الميليشيات من وقت لآخر.
بالنسبة للغرب الليبي فتعد محطة غرب طرابلس البخارية شبه متوقفة وهي إحدى المحطات العملاقة بكفاءة إنتاجية تصل في الأساس إلى 600 ميغاوات إلا أنها تعمل بـ10 في المئة فقط من طاقتها. وهناك أيضاً محطة جنوب طرابلس، تضم 7 توربينات، 3 منها لا تعمل، بسبب القمامة المتراكمة حولها، أما محطة الزاوية التي تضم 6 توربينات غازية، فإحداها لا تعمل بسبب عدم وجود الراوتر الخاصة بتشغيلها.
وبغض النظر عن المحطات المتوقفة تعاني خطوط نقل الكهرباء في عموم ليبيا من عمليات سرقة، إذ تعلن الشركة العامة للكهرباء بصورة شبه يومية عن تعرض خطوط نقل الطاقة الكهربائية لعمليات تخريب وسطو.
أزمة الكهرباء في ليبيا طال أمدها ولم تنته منذ سنوات وأثرت على كافي مناحي حياة المواطنين، ويبقى أمل الشعب معلقا في حكومة جديدة تنصفهم وتنقذهم من هذه المشكلة.