الرباط ـ «القدس العربي»: كلما هبت نسائم عيد على المغاربة، حملت معها رياح التخوف من غلاء أسعار المنتجات المعنية بالطقس الديني الذي حل موعده، ويبدأ المواطن في ضرب أخماس في أسداس، ويستهلك الأخبار الواردة من الأسواق بشكل يومي، سواء عبر الوسائط الإعلامية المخول لها ذلك، أو عبر منصات التواصل الاجتماعي أو فقط من خلال لغو الجيران وأحاديث الأصدقاء.
الأمر هنا يتعلق بعيد الأضحى الذي تفصلنا عنه أسابيع قليلة جداً، هذا العيد الذي يسميه المغاربة بـ”العيد الكبير”، يتميز كما هي العادة بالنسبة للمناسبات الدينية الأخرى، بكثير من العناية والاهتمام وأيضاً السباق المحموم لدى البعض من أجل اقتناء خروف يزين يوم النحر ويزهو به أهله أمام الجميع… تلك صفة التفاخر لدى البعض، أما الغالبية العظمى فهدفها واحد وموحد هو تلبية نداء الفريضة وإسعاد الأبناء والعيش في كنف أيام من البذخ “اللحمي” بتشكيلات متنوعة من أكلات تشتهر بها الموائد المغربية في هذا العيد.
توجس
على بعد أسابيع من “العيد الكبير”، عبّر مواطنون عن تخوفاتهم من ارتفاع أسعار الأضاحي، فالأخبار الواردة من الأسواق حالياً لا تبشر بالخير بالنسبة لهم، لأن سعر الخروف في الأعالي كما يقولون، وإذا استمر الحال كما هو عليه الآن إلى حين حلول عيد الأضحى فإن الأمر سيكون مرهقاً جداً لجيوبهم. ردّاً على هذه التخوفات التي عبّر عنها المواطنون، أكد شمس الدين عبداتي رئيس “المنتدى المغربي للمستهلك”، أنه “في البداية يجدر بنا التذكير إلى أن السوق المغربية خاضعة للعرض والطلب وهي سوق مفتوحة والأسعار في المغرب شبه محررة باستثناء بعض المواد، وهي أيضاً سوق غير منظمة بالشكل المطلوب..”.
وأوضح لـ”القدس العربي” أنه بناء على ما سلف ذكره بخصوص السوق، فـ”من المحتمل أن تكون بها انزلاقات في الأسعار، خاصة وأن المنتجين والموزعين والمستهلك يشتكون من أزمة فيروس كورونا التي ما زالت ترخي بظلالها على الجميع”.
وحسب المتحدث نفسه، “لا يمكن الجزم بالقول إن كل شيء على ما يرام في ظل الأزمة ومخلفاتها الاقتصادية والاجتماعية والسلوكية بالنسبة للمستهلك، هذا المستهلك الذي يعاني من تقليص الدخل ومن التدابير الصحية والاحترازية وتقليص فرص الشغل…”.
وأشار إلى أنه “عادة في مواسم الأعياد الدينية، لا سيما عيد الأضحى، تقوم السلطات بالإعلان عن بعض الإجراءات، منها مراقبة الأسعار وتخصيص أسواق لبيع الأضاحي في المدن، إلى جانب تشديد الرقابة الصحية على الأغنام مسبقاً من قبل الجهات المختصة (المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية)، في عملية استباقية قبل العرض في الأسواق، مع ما يتبع ذلك من إجراءات للإرشاد والتوعية عبر الإذاعات والتلفزيونات والكتيبات والمنشورات التي تهم الجانب الصحي والوقائي قبل الشراء وأثناء الذبح وبعده (التخزين)”.
ويؤكد عبداتي في تصريحه أنه “والحالة هذه فإن احتمال ارتفاع أسعار الأضاحي احتمال وارد من سوق إلى أخرى وحسب المناطق ونوع الأغنام وحجمها، حيث السوق تتأثر أولاً بالعرض والطلب، وثانياً الكسابة، وثالثاً بالمنتجين الذين يشكون من غلاء العلف وتكلفة تسمين الأضاحي، ورابعاً بعامل آخر قد يكون مساعداً على ارتفاع الأسعار هذه السنة هو عودة مغاربة العالم (الجالية المغربية المقيمة في الخارج) بكثرة، خامساً تقليص أسواق العرض بسبب كورونا، سادسا عامل آخر هو ارتفاع أسعار المحروقات، لا سيما الغازوال، جراء الزيادة المحتملة في منتصف تموز/ يوليو الحالي والتي تتراوح حيث بعض المهنيين ما بين 20 سنتيم (البنزين) و18 سنتيم (الغازوال).
ولفت رئيس المنتدى المغربي للمستهلك إلى أنه جرى التأكيد على أن العرض يفوق الطلب (6 ملايين رأس) يستهلك منها في هذه المناسبة ما يقدر بـ5,5 ملايين، حسب المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية.
وفي رده على سؤال “القدس العربي” حول الإجراءات التي سيقوم بها منتدى المستهلك في هذا الإطار، أكد عبداتي أن جمعيتهم دأبت “على القيام بتنظيم لقاءات توعية لفائدة المستهلك حتى لا يتعرض للغش وللمساس بمصالحه الاقتصادية، بالتعاون مع السلطات والمنظمات المهنية، إلى جانب مواكبة المستهلك في شكاياته حين تعرضه للغش، سواء في السعر أو في مواصفات الأغنام، وفقاً للمعايير الصحية المعلن عنها من قبل السلطات المختصة”.
ودعا كافة الجهات المعنية، وزارة الداخلية والمصالح الاقتصادية والرقابية والصحية والمجالس الدينية، من أجل المساهمة في توعية المستهلك، سواء في الجانب السلوكي (شراء، استهلاك الأضحية، عدم تجاوز إمكانياته وقدراته المالية، الابتعاد عن القروض البنكية، الحرص على النظافة خاصة على مستوى الذبح…).
لندع الخوف من غلاء الأسعار جانباً، ولنخض في يوميات الفرح الذي يغمر المغاربة خلال أيام عيد الأضحى أو “العيد الكبير”، الذي تمزج فيه الابتهالات الروحانية بملذات الدنيا، وتصير الاحتفالات بخروف العيد، قنطرة توصل رأساً إلى الإيمان الشديد بما أنزل الله على أمة محمد عليه الصلاة والسلام.
المغرب كسائر البلدان الإسلامية، يحرص فيه المواطنون على الاحتفال بعيد الأضحى، ويصرون على ذلك باقتناء الخروف مهما غلا ثمنه ومهما كانت الظروف المادية المحيطة بالأسرة. المهم أن يمر يوم العيد وما يليه وما يسبقه في أجواء تعيد بهاء اللحظة التقليدية التي لا يبارحها المغاربة ولا يريدون استبدالها بأي لحظة أخرى.
تقاليد تعود إلى الأسلاف، وتختلف قليلاً عن باقي البلدان الإسلامية الاخرى، نظراً لخصوصية المغرب التاريخية والجغرافية والعرقية؛ حيث يمتزج الموروث العربي مع الموروث الأمازيغي والإفريقي في فسيفساء بديعة تعطينا لوحة مغربية خالصة متجانسة ومتآلفة.
بالنسبة للمغاربة، عيد الأضحى ليس يوم الذبيحة، بل يتجاوزه إلى ما قبل موعد الأضحية، أسبوع أو أكثر، تنشط الأسواق بما يلزم من معدات وأدوات، حتى التوابل تأخذ نصيبها من هذه الأسواق. الكل في حالة استنفار قصوى، الجيوب تنفق ما جادت به، ولا تكتفي بما هو موجود في البيت، بل كل سنة تقتني الأسر مثلاً “شواية” جديدة، وما جاورها من قضبان الشواء.
حركة تجارية رائجة تلك التي تشهدها الأسواق المغربية خلال فترة العيد، ناهيك عن انتشار العديد من المهن الموسمية المرتبطة بالمناسبة كعملية بيع علف الأغنام وسط شوارع وأزقة الأحياء، وشحذ السكاكين، وبيع الفحم؛ إضافة إلى مهن حديثة ارتبطت بالمدن خاصة، مثل إيواء خروف العيد، حيث تعمد مجموعة من الشبان إلى بناء “براكة” (خيمة) أو استغلال مرأب ليكون “فندق الخروف” كما يسمونه؛ وذلك راجع بالأساس إلى ضيق المنازل وعدم توفرها على مساحات فارغة وصالحة لبقاء خروف العيد فيها طيلة أيام.
في مقابل رواج الأسواق الموازية، يكون هناك رواج أسواق الأغنام، والتي يفضل العديد من المغاربة زيارتها على سبيل الاستئناس بالأثمنة وتوفر العرض وما إلى ذلك من جس النبض قبل إخراج المال من الجيب واقتناء الخروف الموعود.
طقوس متوارثة
بالنسبة لعيد الأضحى، فإن المطبخ هو الواجهة الخلفية الأساسية، فهي غرفة العمليات حيث يتم التخطيط لكل ما يلزم المناسبة، ولا يقتصر الأمر على اللحم، بل تفيض مشتهيات موائد المغاربة إلى إعداد الحلوى كعادة كل عيد، وإفراغ الثلاجة، استعداداً لاستقبال الخروف، والتأكد من قنينة الغاز حتى لا تتوقف أيام العيد، لأن الباعة يأخذون عطلة تتجاوز الشهر، فأغلبهم من مدن بعيدة، والعيد فرصتهم للارتماء في حضن أسرهم.
ولا يختلف عيد الفطر عن عيد الأضحى كثيراً، فقط هناك وافد جديد لن يقيم طويلاً في المنازل، وهو الخروف الذي تكون إقامته قصيرة لا تتجاوز الأسبوع على أبعد تقدير.
قلنا كما الحال في عيد الفطر، يرتدي المغاربة صباح عيد الأضحى جلابيبهم أو ما دل على المناسبة الدينية من قميص أو “قشابة” أو “دراعية”، والسجادة تحت الإبط والتوجه إلى “المصلى” التي تعوض المساجد في الأعياد، وتكون مليئة عن آخرها، حتى إن المتأخر ينتظر حتى إقامة الصلاة ليجد له مكاناً أينما اتفق كي يصلي مع الجماعة.
تنتهي لحظات التحميد والتكبير والصلاة، وتكون المنازل في حلة مغايرة زانتها الفرحة بما لذ وطاب على مائدة الإفطار، حلويات مختلفة، ومخبوزات مثل “الملوي” و”المسمن” و”البغرير”، وما جاورها من مخبوزات كلها مشتقة من الدقيق.
وتختلف طريقة الاحتفال بالعيد في المغرب من منطقة لأخرى، والتي تتم وفق عادات وطقوس متوارثة.
لحظة الذبيحة، لا يختلف فيها المغاربة يتوحدون في الاعتماد على ما تعلموه من آبائهم بخصوص طريقة الذبح والسلخ، ونزع الأحشاء وتصنيفها، بين الصالح للشواء والصالح للطبخ.
لكن مستجدات المدينة أدخلت تغييرات عديدة، فقد بات الموظف يعتمد كلياً على الجزار، أو أحد الجيران لينهي ذبيحته، مقابل ثمن متفق عليه بشكل عفوي.
الوجبة الأولى التي يتناولها المغاربة بعد النحر هي وجبة الكبد المشوي “بولفاف”، ويكون غداء اليوم الأول، في تلك الأثناء تكون أجزاء أخرى مثل “الكرشة” قد وضعت على النار، وتسمى “التقلية” أو “الدوارة”، وهي من أشهى الأكلات المغربية الخاصة بعيد الأضحى. وغالباً لا تؤكل إلا في وجبة العشاء، أو ربما قبل ذلك وأسر أخرى تتناولها فور طهيها.
في ثاني أيام عيد الأضحى، يكون المغاربة في مدن معينة على موعد مع الإفطار برأس الخروف، “مبخر” يعني مطبوخ بضغط الماء، يضاف إليه الكمون والملح فقط فوق المائدة. بينما أسر أخرى تفضل الإبقاء على الرأس، لإعداد وجبة الكسكس.
لكن اللحظة الأهم في اليوم الثاني، خاصة إن كان الفصل صيفاً، هي الإسراع إلى أقرب جزار من أجل تقطيع الخروف، كل حسب مشتهياته، جزء “للكفتة” أي اللحم المفروم، وجزء للطاجين وآخر “للتفوار” وجزء لقضبان الشواء.