«هلع» عرض كوميدي موسيقي غنائي نابض بالحياة يعاين أياماً من الحجر

زهرة مرعي
حجم الخط
0

شوق العودة للقاء الجمهور أثمر تعاوناً بين مخرج وكاتب من جيل الشباب

بيروت-»القدس العربي»: يجتمعون في الفضاء المسرحي بعد طول انقطاع، وفي داخلهم يتحرك هدف ضمني هو الانتقام من كورونا وأيام الحجر المنزلي التي أطبقت على قلوبهم. «هلع» عرض مسرحي يضم مجموعة أصدقاء من أيام المدرسة، فرّقتهم الدراسة الجامعية والسفر، وراح كل منهم باتجاه ريحه ومساره المستقبلي. المفارقة أن لقاءهم في منزل «رالف» بعد تسع سنوات من الفراق أتى في زمن الفيروس اللعين. وحينها اختلطت الحوارات بين الشخصي وبين واجبات التصدي لكورونا والاحتراس منها. ومن بين الأصدقاء الستة برز «هلع» وليد ومبالغته في الوقاية لحدود إقفال مصعد البناية، ومنع استعماله على سبيل الحرص.
ضحك كثير يتخلل «هلع» رغم وجود الخائف حتى التطيُر من كورونا. الشابات والشباب يعبرون عن مقاومتهم للحجر بأسلوبهم الحيوي المشوق، وبالموسيقى والغناء. إنها يوميات الحجر التي تتكيف بكلام الأغنيات مع موسيقى برودواي الجميلة. والجميع في عرض «هلع» يغني ويرقص ويتحرّك وفق كوريوغرافي جذابة رسم خطوطها روي عازار.
«هلع» عرض مسرحي غنائي كوميدي، يحمل نبضاً شبابياً نصاً، وحركة وتعبيراً. وفيه أتقن المخرج سني عبد الباقي توزيع حضور الممثلين على الخشبة. ساعدته مميزاتهم الجسدية والتعبيرية على استخراج ما لديهم من امكانات كامنة، فبعضهم يأكل المسرح بنظرة عين، وآخرون بصمت بليغ.
في «هلع» قرر الكاتب والمنتج والممثل سامر حنّا، مع مجموعة الممثلين ليال الغصين، وماريا بشارة، وميليسّا دانو وترايسي يونس وبالتكاتف والتضامن مع المخرج سني عبد الباقي، أن يشغلوا خشبة مسرح المدينة بنبضهم. إنها مسرحية تغلي شوقاً للعودة إلى المسرح من قبل مجموعة ممثلين من جيل الشباب، بعد أن اقفلت الانتفاضة وزمن الحجر المنزلي وتفجير المرفأ الأفق أمامه. وكان لا بد من الاقتحام المميز هذه المرّة بالكوميديا والغناء، والتضامن للانتصار على كورونا وتداعياتها.
عروض «هلع» على خشبة مسرح المدينة من 3 إلى 18 من شهر تموز/يوليو الجاري. وهنا حوار مع المخرج سني عبد الباقي وكاتب النص والممثل سامر حنا:

سني عبد الباقي: بعد الحجر تشوق لعرض كوميدي

سني عبد الباقي يوقع تجربته الأولى في الإخراج بعد حضور لـ12 سنة كممثل محترف في العديد من الأعمال المسرحية. فماذا عن حوافز الإقدام على هذه الخطوة النوعية في حياته المهنية؟
• تعرّفت إلى سامر حنّا خلال مشروع «همسات» الذي تولته جوزيان بولس، وأخبرني عن النص المسرحي الذي كتبه. قرأته وأحببت الحبكة والشخصيات، ولبيت دعوته لتولي مهمة الإخراج. وتعريفاً «همسات» هو العرض المسرحي الذي جرى في الفضاء الإفتراضي، وكان بهدف جمع المساعدات المالية لدعم المسارح والفنانين المسرحيين المتضررين من تفجير المرفأ. وفي هذا العرض شاركت بمونولوغ كما الزملاء الممثلين.
○ العرض كوميدي وتناول مرحلة الحجر المنزلي وعلاقتنا بفيروس كورونا. هل كان سهلاً تظهير الكوميديا التي لم تخل من مسحة درامية؟
• نحن حيال عرض من نوع «لايت كوميدي». كشخص عاش الحجر المنزلي، كنت بشوق لحضور مسرحية كوميدية بعد عودة المسارح للعمل. فنحن جميعاً في لبنان مررنا ولا نزال بمراحل صعبة، وباتت ضحكتنا غالية، إن لم نقل ممنوعة عنّا. أن نضحك فهذا نوع من ثورة على الواقع.
○ كم تأثرت شخصياً بالحجر المنزلي؟
• تأثرت شخصياً ومهنياً. في الواقع كنا حيال عروض لمسرحية بعنوان «تحية صبحية» للمخرجة لينا أبيض، نص وإنتاج جوزيان بولس. وقد اضطررنا للتوقف عن العرض بفعل قرار الإقفال العام. كفنان أعمل في المسرح كونه يجمع الناس. إنها ميزة المسرح التي تفتقدها السينما. في العمق أشعر كفنان بنوع من الأذى حين أعجز عن جمع مجموعة من الناس في مكان عام كي يتمكنوا معاً من اختبار عمل فني.
○ إذاً يفترض أن يكون حماسك لتقديم «هلع» أكثر من عادي؟
• بمجرد أن أصبحت في مكان واحد مع مجموعة من الممثلين هدفهم تقديم عرض مسرحي، غمرني الفرح الكبير. شخصياً أتحمسُّ للتمارين بطريقة مختلفة جداً عن جاذبية العروض. وعندما كانت لي فرصة العمل مع ممثلين يتمتعون بالموهبة عشتها بكل ما تستدعيه من حماس. خاصة وأني خلال التدريس الجامعي أركز مع الطلاب على إدارة الممثل. أؤمن بأن جزءاً من الإخراج هو إدارة ممثل، وهذا يضاف إلى كيفية تركيب المسرحية كنص ومشاهد. وهذا ما شكل بالنسبة لي دافعاً كبيراً للعمل.
○ للعرض الكوميدي محاذير الوقوع في المبالغة. كم راعيت هذه الفرضية في «هلع»؟
• خبرتي ككمثل أثبتت لي أني أحصد الفشل حين أقرر إضحاك الجمهور. لكن حين ألعب على الخشبة مع باقي الممثلين أعيش تسلية رائعة ومفيدة، سواء ضحك الجمهور أم لم يضحك. وبالتأكيد للجمهور حرية أخذ ما يريده من كل عرض مسرحي يقرر حضوره.
○ كمخرج كيف اخترت فريق الممثلين حيث لكل منهم ميزة خاصة به؟
• المفارقة أنني في اليوم المقرر للكاستينغ أصبت بالكورونا، فوقعت مهمة الإختيار على الكاتب والممثل سامر حنا بالتعاون مع جوانّا طوبيا التي كتبت كلمات الأغنيات التي يتضمنها العرض. وكان اختيارهما موفقاً.
○ لماذا يتضاءل حجم الممثلات ويذبن في كراسيهنّ وهنّ يتحدثن عن زميلتهن أيام الدراسة وزواجها؟
• فقط للدلالة على مرور وقت طويل وهنّ يرغين في الموضوع نفسه، ويكررن الأسئلة بطريقة أو بأخرى. إنهنّ زميلات دراسة لم يتمكنّ من إلتقاط أطراف للموضوع الأساسي الذي يجمعهن. وهذا ما نترك كشفه للمشاهدين في آخر العرض المسرحي.
○ أين أضاف الإخراج للنص لتظهير اللحظة الكوميدية مشهدياً ومضاعفتها إنتقاماً من حجر كورونا؟
• علمتني تجربتي كإنسان في السنوات الأخيرة أن المشكلة التي تدفعنا لليأس، يمكننا أن نتناولها بالضحك. تأكدت بالممارسة العملية أن نظرتنا للحياة كمصدر للدراما، يمكنها أن تتبدل بين تراجيديا وكوميديا.
○ الغناء الجميل الذي أتى في السياق الدرامي للعرض المسرحي من تولى تنسيقه؟
• تمّ بالتعاون مع مدربة الصوت ميليسّا دانو التي تلعب دور «شانتال». وإلى جانب كونها ممثلة، فهي خريجة المعهد الوطني الموسيقي ـ الكونسرفتوار.
وهنا تدخل ميليسّا دانو إلى الحوار لتشرح خصوصيات هذا العرض المسرحي: هذا النوع من المسرح الكوميدي والغنائي يحتاج للتدريب على التمثيل من خلال الصوت. والمطلوب إيصال الإحساس بالحالة من خلال الأغنية والصوت. إذ ليس جميعنا يمتلك موهبة الصوت، بينما جميعنا لديه الإستعداد للتمثيل من خلال الصوت والحركة معاً بعد التدريب المناسب.

سامر حنا: الكتابة كسرت حدّة الحجر

يؤدي سامر حنا دور «رالف» في مسرحية «هلع» إلى جانب كونه الكاتب والمنتج معاً. معه نتعرف إلى حيثيات كتابته المبكرة لنص يتحدث عن كورونا والحجر المنزلي، فيما الحالة لا تزال تفرض نفسها محلياً وعالمياً؟
• فعلياً كنت أمثل في عرض «كولوار الفرج» مع المخرجة بيتي توتل في مسرح «دوّار الشمس» حين حضر في أحد العروض فقط 30 متفرجاً. عرضنا وتسلينا كثيراً، لكننا فيما بيننا داخل الكواليس عبّرنا عن خشيتنا من أن المسرح سيقفل وأننا حيال العرض الأخير. عشنا الحالة فعلياً، وحين انتهى أقفلت الستارة، علمنا أن قرار الإقفال العام يبدأ تنفيذه في صباح اليوم التالي. بكينا جميعنا ونحن نودع بعضنا. وهكذا انضممت إلى والديَ في بلدة برمانا، وعشنا برفقة الشجر والوادي فقط لا غير. كانت رؤية الناس شبه مستحيلة، الأمر الذي تسبب لي بما يشبه الإختناق، ووجدت الحل بالكتابة. السبيل لكتابة السطر الأول انطلق من سؤال وجهته لنفسي، وهو أين أرغب أن أكون الآن؟ وإن لم تكن رغبة العيش مع الأهل موجودة فما هو البديل؟ فكانت الرغبة جامحة بأن أكون مع زملاء مقاعد المدرسة الذين ترافقت معهم لـ15 سنة متواصلة، ومن ثمّ تفرقنا، وهاجر أكثرهم. وهكذا التقيت مع أصدقاء الدراسة على الورق، وكنّا معاً مجبرين على العيش معاً ليومين متتاليين.
○ يمكن القول أنك وجدت دواءك في الكتابة؟
• كنت أحتاج لعمل ما أجد نفسي فيه. بغير ذلك كنت مدعوماً نفسياً وعاطفياً ومادياً من والديَ. في حين أن البعض من زملائي كانت عائلاتهم تحتاج لخروج الأب إلى العمل للتمكن من تأمين القوت اليومي. فالدولة لم ولن تساعد من يكسبون قوتهم يوماً بيوم. حاولت كتابة الكاراكتير الخاص بي خلال الحجر، والذي أبعدني عن النادي الرياضي وعن السهر الليلي. ووجدت تعزيتي بمن حولي، ومنهم الطلاب الذين كانوا في لبنان وأجبروا على البقاء بعد إقفال المطار. وربما خسر بعضهم دراستهم والمنحة المخصصة لهم. بعيداً عن النص المسرحي أشكر الله بأن ظروف الحجر بالنسبة لي، لم تكن ذات وقع قاس كما حالها على آخرين.
○ نجحتم جميعكم بترك انطباعٍ بأنكم فَرِحون بالتعبير عن مرحلة كورونا؟ لماذا برأيك؟
• صحيح. لقد تناولنا مرحلة بالغة الصعوبة من حياتنا، لكننا رغبنا بأن نظهر للجمهور أننا تخطيناها وأنها أصبحت من الماضي. مع العلم أن ملايين البشر لم تكن تؤمن بأن اللقاح سيكون قريباً، بل سلمت أمرها للحجر بدون نهاية. ربما كنا ساذجين في توقعاتنا.
○ ماذا عن مسيرة النص والمراحل التي مرّ بها بينك وبين المخرج سني عبد الباقي؟
• تحول لعدة نصوص. وفي كل مرة كان يطرأ عليه تعديلات. ربما بلغ عدد إعادة الكتابة العشر مرّات. ثمة مشاهد كانت تحذف، لنعود ونضيفها في كتابة تالية. الكتابة المتكررة هدفت لإيجاد التوازن بين مفاصل العرض جميعه. فعلى سبيل المثال تراجع زمن العرض من ساعة ونصف إلى ساعة وخمس دقائق. حذفنا وأضفنا، وصولاً إلى العرض الذي شاهدته والذي وجدناه «فريش» وجميل.
○ هل نال النص رضى اسم مسرحي مشهود له؟
• لنا أصدقاء ومخرجون كان رأيهم حاسماً وهم شاهدوا التمارين الأخيرة كما المخرجة لينا أبيض والمنتجة جوزيان بولس. تقديرهما للعمل الذي قدمناه مدّنا بالراحة والدعم.
○ وسامر حنا هل تُسجل أول نص مسرحي بإسمك؟
• بل سبق وتناولت نصاً من برودواي، تمّ ضبطه وللبننته وذلك في بداية سنة 2019. إنها مسرحية موسيقية «يا ما ميا» عُرضت لسبع ليالي في دوار الشمس. تشجعت لتقديم «هلع» فالناس تحتاج للمسرح، ونحن نتشوق للعمل حتى وإن كانت نسبة الحضور في الصالة هي 50 في المئة حماية من الوباء ومع كمامة.
○ الإنتاج لك والعمل الموسيقي يلزمه مال. من أين الجرأة في أوضاعنا الحاضرة؟
• منذ كنت في الثامنة عشرة من العمر وأنا أنتظر من يثق بي ليسلمني عملاً مسرحياً. أنا الآن في الثامنة والعشرين، وقد أكتشف أننا نخلق الفرص لذاتنا خاصة في لبنان. جميل أني وجدت المساندة من جوزيان بولس التي آمنت بقدراتي من الكتابة الأولى للنص. قرأت النص وطلبت منها تمثيل دور الأم. نصيحتها كانت بأن يقتصر النص على جيل الشباب. ومنحتني دعمها في كافة الخطوات التي يحتاجها العرض المسرحي. جوزيان بولس والدتي الثانية في المسرح.
○ وماذا عن الدعم المالي؟
• حصلنا على دعم من صندوق «همسات» الذي تشرف عليه لينا أبيض، واغاتا عز الدين وجوزيان بولس.
○ يبدو أنك منحاز للمسرح الموسيقي؟
• نعم. وهذا ما نما عندي منذ الطفولة مع ديزني. للموسيقى قدرة تعبير يعجز عنها الكلام. لم أدرس الموسيقى لكنّ أذني موسيقية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية