لا أحد في مصر يعتذر الآن عن تلبية طلب قناة “الجزيرة” له بالظهور على شاشتها!
ويكفي أن تطالع برنامج “المسائية” كل يوم على قناة “الجزيرة مباشر” لكي تقف بنفسك على ظهور عدد من الشخصيات، التي كانت لا تظهر على شاشتها منذ وقوع الانقلاب العسكري، وإن كانت بعض الشخصيات ظهرت في البداية دفاعاً عن عزل الرئيس المنتخب، ثم توقفت عن ذلك، بعد أن استوى الانقلاب على الجودي، وبدا من الواضح أنه في عداء كبير مع هذه القناة، وهناك من اندفعوا ليسبغوا رفضهم الظهور، برداء الوطنية، ولأن القناة معادية لمصر، ثم إذا بتغير الحال يؤكد أنها ليست الوطنية، ولكنها الحرب والمكيدة!
لقد عشنا سنين عددا في ظل دعاية تجمع بين الظهور على “الجزيرة” والخيانة الوطنية للوطن، والبعض كان لديه الاستعداد الكامل للظهور على القنوات الإسرائيلية، ولا يقبل أن يطل من القناة القطرية ضيفاً مع إدراكه أنه يتاح له أن يقول رأيه كاملاً، وزايد بعض المنتمين للثورة، في التأكيد على أنهم وطنيون لا يشق لهم غبار، والدليل أنهم رفضوا عرضاً من “الجزيرة” بالظهور مقابل آلاف الدولارات، حتى أن أستاذا للعلوم السياسية قال إنهم عرضوا عليه سبعة آلاف دولار في الساعة، وأخرى قالت إنها رفضت عرضاً مشابهاً، وكان الانقلاب يضمن لهؤلاء الظهور على شاشات القنوات المصرية قبل أن يغلقها في وجوههم بالضبة والمفتاح!
كنا أمام مزايدات رخيصة يتقرب بها البعض للسلطة الجديدة بالنوافل، وما أن يتلقى أحدهم اتصالاً من قسم المقابلات للمشاركة في النقاش في قضية ما، حتى ينهي المكالمة بإعلان على منصات التواصل الاجتماعي بأنه تلقى عرضاً بالخيانة الوطنية، لكن حبه للوطن مقدم على كل اعتبار، وهو تصرف ليس للوطن فيه نصيب!
عندما انقلب بعض حلفاء الانقلاب العسكري عليه، بعد أن حصحص الحق وتبين الرشد من الغي، كانوا يعتقدون أن عدم ظهورهم على “الجزيرة”، يمكنهم من تمرير موقفهم السياسي في أمان نسبي، ولهذا كان منهم من يعتذر عن الظهور، ولا ينسى أن يكتب على صفحته على «فيسبوك» أنه رفض عرضاً من “الجزيرة” بالظهور، لكنه قال معاذ الله، ليجد من يؤوب معه ويشيد بوطنيته؛ فرغم خلافه مع النظام إلا أنه يرفض أن يطل برأيه عبر قناة الخيانة، وفي النهاية دفع هؤلاء الثمن بالسجن والتنكيل دون الظهور على “الجزيرة”، فلا يغني حذر من قدر!
وقد يكون هؤلاء معذرون، فمن خاف سلم، وهم يرون من تم التنكيل بهم بعد الظهور على الجزيرة، ولا يزال المرشح الرئاسي الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في السجن بعد مقابلة أجرتها معه “الجزيرة مباشر” في لندن، لكن مع هذا فلا عذر لهم إن هم ربطوا بين الخيانة والظهور، وهم يدركون أن الأمر ليس كذلك!
فالحقيقة أنهم من تغيروا، وليست “الجزيرة” فقد ظنوا أنهم صاروا جزءاً من سلطة الحكم، فاستدعوا خطاب الخيانة لكل من يظهر على الجزيرة، فلما اختلفت مواقعهم، كانوا يخشون من دفع ثمن إعلان الموقف من هذا المنبر عظيم التأثير، فكان هذا الربط الفاسد، لأنهم عندما كانوا تعبيراً عن الثورة، وقبل أن يلتحقوا بالثورة المضادة، كانوا يسلمون بأفضال الجزيرة في تبني ثورة يناير، عندما خذلها الجميع، ووقفت معهم على خط النار، وحمتهم يوم الهول الأكبر، يوم موقعة الجمل، وكانت كاميرا الجزيرة التي تنقل هذه المعركة على الهواء مباشرة، فضلاً عن بيان الشيخ يوسف القرضاوي، الذي ألقاه عبرها، سبباً في حضور الناس من كل صوب وحدب للميدان، وكانت فتوى الشيخ التي لم تتوقف الجزيرة عن بثها، أن الذهاب للميدان لمناصرة من فيه فرض عين على كل قادر عليه، ولولا ذلك لتم الفتك بنا.
ولقد كان ظهور أحد المسؤولين في وزارة الخارجية المصرية على شاشة الجزيرة، بمثابة ضوء أخضر لهؤلاء، تأكد بظهور سامح شكري نفسه، وهو الذي كانت تنصب له حلقة ذكر كلما أبعد ميكروفون الجزيرة، فيوصف في برامج “التوك شو” بأنه أسد المايك، الذي أزاح ميكروفون الجزيرة بعيداً، فتأكد أنه بذلك مصري كريم العنصرين، “النيل رواه والخير جواه”!
لم يكن الأمر له علاقة بالوطن والوطنية إذاً.
قناة إخبارية عالمية
كلما أفلس التاجر، أعلن أنه سيطلق قناة إخبارية عالمية، والهدف الذي في بطن الشاعر، هو منافسة الجزيرة!
أعلن السيسي ذلك من قبل، وبدأت عملية إطلاق القناة بتمويل إماراتي لشبكة “دي إم سي”، التي ستنطلق منها القناة الإخبارية العالمية “كايدة العزال”، لكن بعد عامين من التحضير والتجهيز والتجريب، تم طوي صفحة القناة، وتسريح من كانوا قد التحقوا بها، وصرفوا أجورهم على مدى العامين!
ثم بشرت الشركة المتحدة التي تمارس الملكية على إعلام الأجهزة الأمنية، وقالت إنها بصدد إطلاق قناة إخبارية عالمية، ومن الواضح أنها دعاية لدغدغة المشاعر الجياشة للممول، الذي فشلت كل مشروعاته في منافسة الجزيرة من على أرضه، ويريد أن ينافسها من مصر، ولم تكن البداية بالقناة الإخبارية التابعة لشبكة “دي إم سي”، فقد كانت لهم محاولة سابقة بإطلاق قنوات “الحياة”، لكن هذه المحاولة أفشلها وزير الإعلام السابق صفوت الشريف، ولم تكن الإمارات “في الصورة”، بل كان المالك الظاهر هو السيد البدوي شحاتة، يومئذ قال الشريف إن الدولة هي صاحبة قرار منافسة الجزيرة، وليس القطاع الخاص أو الأفراد!
وكانت للتلفزيون المصري تجربة واعدة هي “النيل للأخبار” في فترة رئاسة الإعلامي حسن حامد لها، قبل أن يزهد فيها أهلها سريعاً، وتفشل لعدم توافر الإرادة السياسية لها بالنجاح، والذي أنتج تعيين قيادات فاشلة مهنياً في مناصبها العليا!
لدي يقين بأن القناة الإخبارية الجديدة فكرة لن ترى النور، لكن إذا حدثت المعجزة ورأته، فلن يكتب لها النجاح أبداً، لأن سوابق أهل الحكم في الاختيار، لا تشي بأنهم يمكن أن يختاروا أهل الكفاءة، فضلاً عن أن انخفاض سقف الحرية الذي يلامس سطح الأرض، لا يمكن أن يحقق النجاح لها، والإعلام ينجح في جو الحرية!
وفر فلوسك يا صابر!
إبراهيم عيسى صوت السلطة
ما أن انتهيت من كتابة السطور التي نشرت في الأسبوع الماضي، وقد أشرت فيها إلى استعانة النظام المأزوم بإبراهيم عيسى، حتى ذهبت للقناة الأولى المصرية، انتظاراً لنقل وقائع صلاة الجمعة!
من حسن الحظ أن الجمعة نقلت من الجامع الأزهر، وعندما تنقل من هناك لا يصفع وجوهنا صعود وزير الأوقاف مختار جمعة للمنبر، لكن قبل الانتقال لإذاعة خارجية، تبين أن القناة تعتمد مقولات عيسى في مقابلة لا تخص القناة الأولى، حيث قال إن السيسي هو الضمانة الوحيدة لعدم عودة الإخوان للحكم!
كانت القناة الرسمية تذيع مقتطفات من كلامه، ولم يكتف في هذه المقابلة بالقول السابق ولكن زاد عليه بأن حذر من محاولات الإخوان توريط الجيش المصري في الحرب ضد إثيوبيا!
من الواضح أن هذا الكلام هو مقرر دراسي، كان يوزعه الذباب الإلكتروني، لكن الآن جاءوا بإبراهيم عيسى ليروج له، وهي مقولة تعتمد على أن الأثر الوحيد للحرب هو هزيمة الجيش المصري، ولهذا فإن الإخوان من يحرضون على الحرب!
إنه استدعاء لإنقاذ سلطة شاخت في مواقعها، وتبحث عن طوق نجاة، ولو باستدعاء إبراهيم عيسى ليقول كلاماً فارغاً، في حين أن السيسي لو أجرى استفتاء حراً في معسكره سيجد أن الأغلبية مع استعمال القوة العسكرية لحماية مياه النيل.
إنها سلطة الأزمة.. وأزمة السلطة!
* صحافي من مصر
ذهب الحصار وبقت الجزيرة!
ولا حول ولا قوة الا بالله
مستوى النقاش فى قناه الجزيره ارتفع جدا بعد عوده المعلقين المصريين