إقتراح ثالث في بريد مبادرة رئيس الوزراء السوداني

نواصل تقديم المقترحات الداعمة لمبادرة الأخ رئيس الوزراء الساعية للوصول بالفترة الإنتقالية إلى بر الأمان. بعض هذه الإقتراحات يغلب عليه الطابع السياسي المباشر، كما هو حال الإقتراحين الأول والثاني في مقالنا السابق، بينما البعض الآخر يتناول قضايا عملياتية، تنفيذية وإدارية، كإقتراحنا الثالث اليوم. وبالطبع، كل الإقتراحات في النهاية هي سياسية!.
الإقتراح الثالث هو إنشاء مكتب يتبع مباشرة لرئيس مجلس الوزراء، متخصص في رسم السياسات العامة ويساعد ويدعم الحكومة في عمليات إتخاذ القرارات المناسبة على ضوء حيثيات علمية يوفرها المكتب. هذا المكتب، بمسميات مختلفة، موجود في كل الحكومات، بما فيها حكومات الأنظمة الديمقراطية المستقرة في الدول المتقدمة، والتي تعتمد كثيرا، وأحيانا كليا، على هذا المكتب أو هذه الآلية، في تصريف شؤون الحكم من ناحية رسم السياسات العامة، ومن ناحية دعم عملية إتخاذ القرار. وإذا كان هذا هو حال البلدان المتقدمة، فإن البلدان التي لا تزال تحبو نحو تحقيق التحول الديمقراطي والاستقرار السياسي وبناء الدولة، والتي لا تزال تعيش واقعا إنتقاليا، سودان اليوم نموذجا، هي في أمس الحاجة إلى مثل هذا المكتب. وفي ظل الصراعات السياسية/ الحزبية التي توقعها الجميع في السودان، والتي لم تخيب هذه التوقعات فأحتدمت منذ اللحظات الأولى للفترة الإنتقالية، ولاتزال، حارمة الحكومة من حاضنة داعمة سياسيا وعملياتيا، وما دام البلاد تعاني فقرا شديدا في أداء مؤسسات الدولة الموروثة من النظام البائد ونزيفا حادا في الكوادر المؤهلة، وما دام أولويات الحاضنة السياسية، قوى الحرية والتغيير، ظلت منذ البداية مشدوهة إلى العناوين السياسية الكبيرة، قاصرة نفسها في عمليات الترشيح للمواقع بعيدا عن المشاركة الفعلية في تفاصيل عمل الحكومة اليومي، ومادام الطاقم التنفيذي في الحكومة يفتقد الخبرة والدراية، وهو أمر طبيعي ويمكن علاجه، فإن تأسيس هذا المكتب منذ الأيام الأولى لتشكيل مجلس الوزراء، كان واجبا مقدما على أي أمر آخر، أو هكذا كان إعتقادنا. أشير إلى أنني شخصيا قدمت إقتراحا مفصلا بهذا المكتب، من حيث رؤيته ومهامه وكيفية تكوينه، وسلمته مكتوبا إلى الأخ رئيس مجلس الوزراء في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2019. وعلمت أن الإقتراح نوقش في لقاء مشترك بين رئيسي مجلس السيادة ومجلس الوزراء حيث إتفقا على أن يقدم المكتب خدماته إلى مجلس السيادة أيضا، كما إتفقا على الخطوات العملية لتأسيس المكتب. وكان من المتوقع أن يصدر مجلس الوزراء قرارا بتشكيل المكتب، وذلك بعد التشاور مع قوى الحرية والتغيير، ولكن لم يصدر القرار، ثم هجمت جائحة الكورونا التي ربما أصابت فكرة المكتب بالعدوى وأودت بحياتها!

إنشاء مكتب يتبع مباشرة لرئيس مجلس الوزراء، متخصص في رسم السياسات العامة ويساعد ويدعم الحكومة في عمليات إتخاذ القرارات المناسبة على ضوء حيثيات علمية يوفرها المكتب

لازلت على قناعة تامة بأهمية هذا المكتب، وأعيد تجديد إقتراحه كآلية مناسبة لتقوية أداء الحكومة السياسي والتنفيذي، متسلحة بالدراسات والبحوث العلمية ومستخلصات التجارب، وذلك تحقيقا لمرامي وأهداف مبادرة الأخ رئيس الوزراء وإنزالها أرض الواقع. وأورد أدناه نص الإقتراح، مع التنبيه إلى عدم الخلط بين مكتب السياسات هذا، ومركز أو مجلس التخطيط الإستراتيجي الذي يختلف مجال عمله، كما سنتعرف عليه ضمن إقتراحاتنا التالية في المقالات القادمة. مكتب رئيس الوزراء للسياسات ودعم إتخاذ القرارات، هو وحدة حكومية، مكونة من خبراء إختصاصيين وكوادر مهنية متخصصة، مهمته المساعدة في رسم سياسات الدولة ودعم اتخاذ القرار بالنسبة للسياسات العامة وقضايا تصريف شؤون الحكم اليومية، دون أي تدخل في عمل الوزارات والوحدات الحكومية. يتولى المكتب بحث ودراسة الملفات المتعلقة بالسياسات العامة ومقتضيات العمل اليومي، وأي ملف يوكل إليه من رئيس مجلس الوزراء، بدءا من توفير كل المعلومات اللازمة حول الملف المعين وقتلها بحثا ودراسة، معالجا الاحتمالات والتوقعات، ومقترحا السيناريوهات والبدائل الملائمة، وذلك على المدى القصير. كما يتولى المكتب تنسيق السياسات المتعلقة بالشؤون السياسية الداخلية وشؤون السياسة الخارجية وسياسات الأمن القومي والشؤون الاقتصادية والإجتماعية، ويقدم الدراسات المرتبطة بدعم تطبيق استراتيجيات مجلس الوزراء، ويساهم في دعم الشراكة بين الحكومة والقوى المدنية والسياسية والعسكرية. ومن المهام الأخرى التي يتولاها المكتب: 1-دراسة وتحليل الاوضاع والمعلومات المتعلقة بالقضايا والظواهر والمشاكل العامة المترسخة والطارئة وتقديم مبادرات بشأنها مع طرح الخيارات والسيناريوهات المختلفة التي تدعم صناعة القرار، وإقتراح الأولويات وآليات التنفيذ.
2-التنسيق مع المراكز والوحدات الأخرى في رصد وتحليل اتجاهات الرأي العام.
3- تقوية علاقة الدولة مع القطاعات المجتمعية (منظمات الشباب والنساء والمجتمع المدني والمجتمع الأهلي).
4-العمل بمثابة جهاز إنزار مبكر لمخاطبة التحديات الماثلة والمحتملة، واقتراح التدابير الفعالة للتعامل معها قبل حدوثها بفترة كافية.
5- إقتراح المبادرات السياسية التي تخاطب قضايا التنمية والعدالة، واعادة بناء العقد الاجتماعي وتحقيق الوحدة الوطنية، ومحاربة التمييز وغير ذلك من القضايا ذات الخصوصية في الواقع السوداني.
ويتشكل المكتب من مجموعة خبراء ثابتة ومتفرغة، وطاقم إداري مبسط، ومجموعة خبراء غير ثابتين تضمهم لجان عمل متخصصة في القضايا والملفات الطارئة التي تحتاج الي مشورة متخصصة او خبرات ذات طبيعة خاصة في الموضوع المعين. والمعيار الوحيد لتشكيل المكتب هو محصلة العلم والمعرفة والخبرة والتخصص والمهنية العالية، بعيدا عن أي محاصصة سياسية حزبية أو جهوية أو خلافه. ولتوسيع المشاركة في بحث كل ملف، ينظم المكتب السمنارات والورش وجلسات العصف الذهني يشارك فيها خبراء من خارج المكتب، مع مراعاة التمثيل السياسي والإثني والنوعي. وليس للمكتب أي صلة مباشرة مع الوزراء والمسؤولين، ويحذر من تقاطع مهامه مع مهامهم ومهام أي جهة أخرى في الدولة، لذلك، تتم الصلة فقط عبر رئيس مجلس الوزراء. وبإعتباره وحدة عمل حكومية، تسري على المكتب قوانين الخدمة المدنية وكافة الإجراءات الإدارية والمالية الحكومية، وكل أعماله تخضع لمبدأي لشفافية والمساءلة، كما تخضع للمراجعة من قبل ديوان المراجع العام. وفي القادم نواصل المقترحات.

كاتب سوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية