العراق: 14 تموز… البترول وضم الكويت… قراءة في وثيقة أمريكية

لم يزل ما حصل في العراق في 14 تموز/يوليو 1958 موضوعا يستأثر بالكثير من المناقشة والبحث، وما زالت الآراء تطرح مؤيدة أو منتقدة لبعض ما جرى حينذاك، وهنا سأتناول زاوية من أحداث تلك المرحلة، وهي قرار رقم (80) الذي قلص نفوذ شركة نفط العراق (IPC)، وتزامنه مع تهديد حكومة عبد الكريم قاسم بضم الكويت، وسأقدمها كمعلومات تاريخية وفق ما جاء في وثيقة صادرة من وزارة الخارجية الأمريكية.
الوثيقة الأمريكية الرسمية مقدمة من مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا وليام تالبوت، إلى وكيل وزارة الخارجية جورج بول، في واشنطن بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1961. مصدر الوثيقة: وزارة الخارجية، الملفات المركزية رقم 787.00 / 12-1861 سري. كما تم إرسال نسخة منها إلى مجلس الأمن القومي في 15 شباط/فبراير 1962، تحت عنوان “تطور الوضع في العراق”.
يقول تالبوت في الوثيقة: أعتقد أن الوقت قد حان لتوجيه انتباهكم ولفت انتباه كبار المسؤولين الآخرين في وزارة الخارجية إلى تطور الأوضاع في العراق. باختصار، قبل أواخر حزيران/ يونيو 1961، كانت هناك علامات على ابتعاد عراقي تدريجي عن الكتلة السوفييتية، ولكن منذ أن بدأت الكويت، التي يطالب بها العراق، تحصل على اعتراف دولي كدولة في أعقاب السياسة الجديدة، والترتيب الأمني بين بريطانيا والكويت في 19 يونيو 1961، اندفع العراق بشكل متزايد نحو الكتلة السوفييتية في إدارة الشؤون السياسية والاقتصادية والإعلامية العراقية. لكن تجدر الإشارة إلى أنه أثناء هذه العملية، وحتى وقت قريب، زادت الحكومة العراقية تدريجياً من إجراءاتها القمعية ضد الشيوعيين العراقيين، لدرجة أننا توصلنا إلى الاعتقاد بأن قدرة الشيوعيين على تهديد أمن الدولة العراقية، تم تحييدها. ويضيف، ومع ذلك، نعتقد أن مرحلة جديدة ربما تكون قد فتحت الآن، وربما يكون ما حصل هو ثمن (الفيتو) السوفييتي الأخير ضد طلب الكويت الانضمام إلى الأمم المتحدة (وهنا يوجد هامش في الوثيقة يشير إلى اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر، صوتت فيه الولايات المتحدة وتسعة أعضاء آخرين في مجلس الأمن، لصالح مشروع قرار قدمته الجمهورية العربية المتحدة يتضمن توصية مجلس الأمن إلى الجمعية العامة ليتم قبول الكويت في الأمم المتحدة. لكن الاتحاد السوفييتي صوت ضد مشروع القرار، وقد تم قبول الكويت في نهاية المطاف عضوا في الأمم المتحدة في 14 آيار/مايو 1963)، لقد اتخذت الحكومة العراقية في الأسبوعين الماضيين عدة خطوات يبدو أنها تسمح للشيوعيين العراقيين بتعزيز موقفهم الداخلي إلى حد كبير، بالإضافة إلى ذلك، اتخذ العراق خطوة جذرية لمصادرة جميع مناطق الامتياز لشركة نفط العراق (IPC) والشركات التابعة، باستثناء الحقول قيد الإنتاج الآن. (ويشير هامش في الوثيقة إلى أنه في 11 ديسمبر، ألغى مرسوم حكومي عراقي، حقوق استغلال شركة نفط العراق (IPC) والشركات التابعة لها “شركة نفط الموصل وشركة نفط البصرة”، والابقاء على 5% فقط من منطقة الامتياز الأصلية البالغة 172 ألف ميل مربع. بدأت المفاوضات بين الحكومة العراقية وشركة نفط العراق (IPC) لمراجعة الامتياز في آب/أغسطس 1958، وتوقفت في 12 تشرين الأول/أكتوبر 1961، عندما رفضت شركة نفط العراق الاستجابة للعديد من المطالب العراقية).

قرار رقم (80) قلص نفوذ شركة نفط العراق (IPC)، وتزامن مع تهديد حكومة عبد الكريم قاسم بضم الكويت

ويعلق كاتب المذكرة بقوله: كان الإجراء العراقي ضد شركة (IPC) أكثر صرامة من توقعاتنا، بما سيؤول إليه الحال قبل عدة أسابيع. مرة أخرى، يبدو إن الإجراء العراقي، رغم أنه كان اجراءً محسوباً لتجنب التسبب في توقف شركة نفط العراق (IPC) للإنتاج أو خفضه، لكنه قد يكون أكثر شدة مما كان مقصوداً في الأصل، من أجل تعويض الاتحاد السوفييتي عن استخدامه حق النقض (الفيتو) وللحصول على دعم سوفييتي أقوى ضد شركة (IPC)، ومواجهة الضغوط الغربية التي لا مفر منها. لكن من الممكن، بطبيعة الحال، التفكير في إن حكومة العراق ستتخذ المزيد من التدابير بحق شركة (IPC). ويستنتج كاتب المذكرة: لذلك، يبدو أن الوضع في العراق يعود إلى ما يشبه فترة ما بعد الثورة في عامي 1958 و1959، حيث كان هناك قلق كبير من أن العراق سيسير في طريقه إلى الشيوعية، بينما لم تكن هناك في تلك الفترة قضايا إشكالية بين العراق والغرب بخلاف التهديد الشيوعي، تم تضمين مسألتين أخريين بين العراق والغرب في المعادلة التعيسة الحالية: (1) مطالبة العراق بالكويت، بضغط شديد من القيادة العراقية الحالية. و(2) انتهاك العراق الأحادي الجانب لترتيب اقتصادي غربي كبير بين العراق و(IPC).
نتيجة للإجراءات العراقية ضد شركة نفط العراق، نعتقد أنه من الممكن حث الخارجية الأمريكية على الانتقام من العراق، وفرض ضغوط أخرى عليه. وبالمثل، بينما يستعيد الشيوعيون العراقيون دوراً مهماً في العراق، ويبدو أنهم يهددون استقلال العراق، فمن المحتمل أن يتطور داخل الولايات المتحدة شعور قوي بضرورة التدخل في الشؤون العراقية. يبدو أن القيادة العراقية تنوي ممارسة لعبة حافة الهاوية في جهودها لضم الكويت، والحصول على ملكية جزئية على الأقل لشركة نفط العراق (IPC) باستخدام الدعم السوفييتي وتخويف الغرب عبر السماح بعودة نفوذ الشيوعية الداخلية. ولا يمكن استبعاد استخدام العراق للقوة العسكرية ضد الكويت، على الرغم من أنه يبدو أن هناك أسباباً مقنعة تنفي ذلك على الرغم من القيمة الكبرى للجائزة. ويضيف مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى: منذ الثورة العراقية في 14 يوليو 1958 وحتى الاتفاق البريطاني الجديد مع الكويت في 19 يونيو 1961، اتبعت الولايات المتحدة سياسة الصبر والتسامح وعدم التدخل الدقيق في الشأن العراقي. وقد حققت هذه السياسة أرباحا على شكل تحسن تدريجي في جو العلاقات الأمريكية – العراقية، وبدا أن هنالك احتمالية لعلاقات مثمرة بشكل متزايد، بما في ذلك زيادة الاستيراد العراقي للسلع والخدمات الأمريكية. ومع ذلك، بعد إعلاننا دعمنا الصريح لاستقلال الكويت وموافقتنا على التدخل العسكري البريطاني في الكويت، اللذين لم يكن لدينا بديل مناسب لهما، أبلغتنا الحكومة العراقية أننا ارتكبنا خطأ، وأن العلاقات الأمريكية – العراقية ستتضرر، وأصبح الانقلاب الكامل في المواقف العراقية واضحا الآن.
ويشير وليام تالبوت في مذكرته إلى: من دون التدخل العسكري المباشر، سواء من قبل القوات الأمريكية وحدها، أو بالاشتراك مع الآخرين، أو من جيران العراق القريبين للغرب (تركيا وإيران والأردن والمملكة العربية السعودية)، فإننا نفتقر إلى وسائل فعالة لتحقيق التأثير في السياسة العراقية. في حين أن وقف إنتاج(IPC) لن يبدو محتملاً الآن، فإننا نعتقد أنه إذا تم اتخاذ قرار بوقف الإنتاج، فلن يؤدي ذلك بالضرورة إلى إحداث التأثير المطلوب، بل قد يؤدي إلى مشاكل أكبر. ومن الواضح أنه يجب علينا في الوقت المناسب أن نعترض صراحة على التحرك العراقي ضد شركة نفط العراق (IPC) ويجب أن نفكر في ما إذا كان علينا السعي لمنع العراق من تحقيق مكاسب من انتهاكه الأحادي لالتزام تعاقدي مهم، كما نعتقد أنه يجب توخي الحذر في طريقة وكثافة مقاومتنا الرسمية للعمل العراقي. علاوة على ذلك، نعتقد أننا يجب أن نقاوم بحزم كل الجهود لإجبارنا على القيام بأي تدخل من أي نوع في الشؤون الداخلية للعراق ما لم، وإلى أن يتضح أن الشيوعيين المحليين سيحكمون العراق في غياب مثل هذا التدخل. في ظل الظروف الحالية، فإن قيام الولايات المتحدة و/أو أصدقائها بممارسة ضغوط شديدة على العراق، أو التدخل بشكل غير فعال في العراق لن يؤدي إلا إلى زيادة احتمال حدوث وضع لا نريده: استيلاء شيوعي على الحكم. لا يمكننا أن نضمن أن رئيس الوزراء قاسم لن يكون كاسترو آخر، على الرغم من أن أفعاله السابقة في تقليص نفوذ الشيوعيين العراقيين، أدى إلى عجز نسبي من شأنه أن يبرر الاستنتاج بأنه وطني عراقي وعربي، وأنه لا يرغب في أن يقع العراق تحت السيطرة الخارجية. السيطرة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ومع ذلك، نعتقد أنه قادر على لعب لعبة حافة الهاوية، بشكل حقيقي مع السوفييت والشيوعيين العراقيين في السعي لتحقيق أهدافه الوطنية الكبيرة.
ويصل كاتب المذكرة الى خلاصة مفادها: هدفنا هو بذل قصارى جهدنا لتجنب دفع العراق أكثر للسير في مساره الحالي، والسعي لإقناع حلفائنا وأصدقائنا باتباع سياسة مماثلة. عند القيام بذلك، ستكون الخارجية الأمريكية ملزمة بمقاومة الضغوط من داخل وخارج حكومة الولايات المتحدة للإدلاء ببيانات واتخاذ إجراءات من شأنها أن تضر تحقيق هدفنا. هنالك خطر كبير في اتخاذ هذه الإجراءات، وقد يثير أعباء متكررة، لكن رأينا المدروس هو أنه سيكون هناك خطر جسيم في اتخاذ إجراءات بخلاف ذلك.

*كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سلام عادل(المانيا):

    من المعروف ان الامريكان اعطوا معلومات كثيرة عن الشيوعيين الى البعثيين والقوميين الذين اسقطوا حكم عبد الكريم قاسم في انقلاب رمضان1963 وقد كانت اعمال التعذيب التي مارسها الحرس القومي شنيعة بحيث تم استبدال التسمية بعد انقلاب تموز 1968 ومجيء البعثيين للسلطة الى الجيش الشعبي ولا ننسى دور المراجع الدينية التي عادت قاسم بسبب قرارته لصالح المراة وكذلك قانون الاصلاح الزراعي الذي انهى الاقطاع وهؤلاء كانوا مصدر مهم من مصادر الزكاة والخمس

    1. يقول محمد شهاب أحمد:

      الأخ سلام
      هناك الكثير من الأساطير تدور و تُتداول
      لكن دعنا ننظر لما ذكرت منطقياً : القياديين في الحزب الشيوعي معروفة و متداولة ، و أيضاً هناك سجلّات الأمن العام ، بالإضافة إلى تلك الممارسة الذميمة التي مع الأسف الشديد أمر واقع و هم المخبرين (لا يزال العراق يعاني منها)..فما الحاجة إلى أمريكا بهذا الأمر؟!
      أمّا الجيش الشعبي فحسب ما عشناه لم يمارس صلاحيات إعتقال كما حصل مع الحرس القومي
      لست متعاطف مع الإنقلابات العسكرية خصوصاً ١٤ تموز الذي أعتبره بوابة دمار العراق ، و لكن هذا ما أعتقده

    2. يقول نجاة مزهر:

      هل يوجد لديك معلومات عن موقف تركيا من مطالبه العراق بالكويت سنه 1961

  2. يقول محمد شهاب أحمد:

    كما جاء في الذكر الحكيم: كل يومٍ هو في شأن.
    لا شكّ أنّ إنقلاب ١٤ تموز ، تأثراً بأحداث مماثلة منذ عام ١٩٤١ مروراً بالتجربة الناصرية و الكاريزما الهائلة لقائدها ، كان متوقعاً له أن يحدث.
    لكن مع شديد الأسف لم يكن الأمر الصحيح خصوصاً مع ظروف العراق المختلفة عن مصر مثلاً في جوانب كثيرة.
    كما أن الإنقلاب دشّن إستعمال السلاح لقلب نظام الحكم و هذا ما حدث طيلة عشرات سنين لاحقة بعضها نجح و آخر فشل لكن جميعها أدّت إلى إراقة الدماء و إنتهى الأمر بحروب و حصار و غزو و إحتلال.
    أعتقد أنه معقول جداً القول أنه من غير المقبول تحكيم السلاح لقلب نظام الحكم ، لكن للأيام و الأماكن أحكامها ، و حصل ما حصل …و ليته لم يحصل!

  3. يقول سلام عادل(المانيا):

    الاخ محمد شهاب أحمد
    المعلومات عن الشيوعيين تم اعطاءها وهم كانوا قريبين من حكومة قاسم ومشاركين فيها اما البعثيين فكانوا خارج السلطة والامر تم لابعاد العراق عن الاتحاد السوفيتي سابقا ومنع تاميم النفط الذي كان حلم قاسم وهو في الحكم فوقع قانون التاميم وهو محاصر بوزارة الدفاع واما عن الجيش الشعبي فكلامك صحيح وانا اشرت الى تبديل اسم الحرس القومي للسمعة السيئة التي كانت في ذهن العراقيين فلم يبقوا التسمية ولكن الجيش الشعبي او اي بعثي كان يعتبر رجل امن ومطلوب منه كتابة التقارير الامنية عن منطقته وحتى عائلته وكان لنا اصدقاء ومعارف في العمل تاثروا وظيفيا بسبب اقارب لهم حتى وهم خارج مكان سكناهم اي في مدن اخرى

إشترك في قائمتنا البريدية