الرباط ـ «القدس العربي»: جدد “مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم” في المغرب الدعوة إلى التناظر حول “إعلان طنجة للعدالة الانتقالية بين الدول”، من خلال القيام بمرافعات تجاه مختلف الفاعلين لتبني هذا الميثاق، “خدمة لمستقبل أمن المنطقة ولشعوبها السمحة”.
المركز ترجم دعوته إلى ملتقى نظمه أول أمس في مدينة الرباط بشراكة مع المركز المغربي للديمقراطية والأمن والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وذلك بهدف التباحث حول صيغ تفعيل إعلان طنجة للعدالة الانتقالية بين الدول وبناء العيش المشترك.
“القدس العربي” حاورت عبد السلام بوطيب، رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم، الجهة المنظمة للمتلقى، حيث أكد في البداية أن “المتتبع لاشتغال المركز سيلاحظ أن الفترة الزمنية الممتدة من صدور إعلان طنجة للعدالة الانتقالية بين الدول وميثاق العدالة الانتقالية بين الدول – وهو 18 و19 شباط/ فبراير 2011 – إلى اليوم كان حيزاً زمنياً لعقد أنشطة كثيرة كلها تصب في اتجاه تفعيل مضامين الوثيقتين”.
وأضاف الفاعل السياسي والخبير الحقوقي أن نشاط الأخير هو مناسبة لتحيين محتويات الميثاق والإعلان ومضامينهما، ورسم خطط جديدة لتوسيع مجالات تفعيلهما أكاديمياً وسياسياً وفنياً، وتوزيعه على المنظمات الدولية المختصة، لا سيما الأمم المتحدة، والبحث عن صيغ تبنيه رسمياً من قبل دول ليصبح الميثاق وثيقة منهجية لمعالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها دول في حق أخرى”.
وحسب الفائز بجائزة “إيميليو كاستلار” لحقوق الإنسان والحريات، فإن الملتقى بحث عن صيغ تبني الميثاق رسمياً من قبل دول ليصبح الميثاق وثيقة منهجية لمعالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها دول في حق أخرى”. وأشار المتحدث نفسه إلى أن المركز الذي يرأسه لا يشتغل “فقط على الجرائم الحقوقية – السياسية التي اقترفتها إسبانيا في حق المغرب والمغاربة في الفترة الاستعمارية والتي قبلها، بالرغم من أن هذه التجربة كانت دائماً نموذجاً نشتغل عليه أولاً بالنظر إلى خطورة الجرائم التي اقترفتها إسبانيا في حق مغاربة المنطقة التي كانت “تحرسها” لفائدة القوى الاستعمارية الكبرى، وأثر هذه الجرائم على راهن ومستقبل العلاقة المغربية الإسبانية”.
كما شدد بوطيب على أن أحد الأهداف الكبرى يتمثل في “إعطاء البعد العالمي للميثاق والإعلان” وذلك بعد تسجيل ملاحظة حول غياب الحلول للإشكاليات المرتبطة بالفترة الاستعمارية بالرغم من تنامي الانتباه إلى ضرورة معالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبطة بالفترة الاستعمارية والفترة التي أسست له”.
وفي رده على سؤال “القدس العربي” حول الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا وهل كانت حافزاً لعقد الملتقى، أوضح رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم، أنهم واعون بكون “عمق الأزمات المغربية الإسبانية المتكررة يكمن في عدم معالجة هذا “الماضي الذي لا يريد أن يمضي”، وهو الماضي الذي يأخذ لبوسات تتغير وفق المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية ووفق السياقات المحلية الجهوية والعالمية”.
وبالنسبة للخبير الحقوقي ذاته، فإن “معالجة مثل هذه المشاكل يتطلب وقتاً طويلاً ونفساً أطول وذكاء حاداً”، وأبرز أن “الأزمة المغربية الإسبانية قائمة دوماً ما لم تعالج أسبابها العميقة، فقط أن السماء تهب لإسبانيا في بعض اللحظات التاريخية رجالات دولة تعرف كيف تقنعنا بضرورة الانخراط معاً في بناء عالمنا المشترك وترك ملفات “الذاكرة المشتركة” تطبخ على نار هادئة، دون استفزازنا بمواقف لها علاقة بهذه الملفات كما فعلت الحكومة الإسبانية الراهنة بقليل من الذكاء السياسي وبكثير من عدم الاحترام للثقة المتبادلة”.
وبخصوص التأكيد على عالم أكثر إنسانية وعدلاً وإنصافاً بعد جائحة كوفيد-19، قال عبد السلام بوطيب إن “سؤال (العالم ما بعد كوفيد -19)، ولا سيما الجزء المتوسطي منه، يهمنا كثيراً في مركز الذاكرة المشتركة”، مشيراً إلى أن الدورة المقبلة من المهرجان السينمائي الخاصة بالذاكرة المشتركة ستخصص لهذا المحور، مضيفاً أنه من خلال التجارب التاريخية فإن “القضايا الحقوقية، ولا سيما القضايا الحقوقية ذات الطابع الدولي، في الغالب ما تكون ضحية النسيان والتغاضي عنها زمن ما بعد الأزمات الكبرى”.
ولاحظ أنه “من باب تشبث المغرب والمغاربة – شعب الإنصاف والمصالحة – بحقوقهم المشروعة كاملة، من الصعب أن نتصور علاقة مغربية إسبانية جيدة في زمن ما بعد كوفيد دون معالجة ملفات ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها إسبانيا في حق المغرب والمغاربة زمن الحماية والذي قبلها”.
وشدد على أن الإسبان عليهم الاقتناع بأن حماية “تجربتهم الديمقراطية الهشة ووحدتهم تمر وبالأساس عبر حل جميع الملفات الحقوقية والترابية مع المغرب، واحترام هذا البلد الشجاع الذي يعتبر نموذجياً في مجال معالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وفي مجال احترام كرامة المواطنين (وقد بينت الجائحة ذلك)”.
وفي رده على سؤال لـ”القدس العربي”، حول معالجة موضوع الديْن التاريخي الاستعماري، هل هناك مطالب بتعويض مادي، أفاد بوطيب بأن “جبر الضرر الفردي والجماعي أحد أهم ركائز العدالة الانتقالية، لذا فنحن نعمل من أجل أن يفعل كذلك على مستوى العلاقات بين الدول المعنية وبمنظور أشمل، باعتبار الديْن التاريخي أو الديْن الاستعماري لم يطل الأفراد والجماعات فقط وإنما أيضاً الأوطان والشعوب”.
وسرد بوطيب بعضاً مما ورد في ميثاق “العدالة الانتقالية بين الدول”، والتي تؤكد أن الديّن التاريخي يشمل المجالات الأساسية مثل القضايا السيادية والسياسية العالقة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وغيرها، والقضايا المتعلقة بالخلخلة التي أحدثها التوسع الرأسمالي في البنيات الاقتصادية والاجتماعية للدول التي طالها، إضافة إلى القضايا التي تتعلق بأحكام القيمة والتصورات النمطية عن الآخر وكل الأفكار المسبقة… وعدد من القضايا الأخرى.
وختم بالتأكيد على أن “مطلب جبر الضرر أوسع بكثير من مطلب التعويض المادي الصرف”.