ضاقت السبل بالسلطة الفلسطينية، بعد يأس، فاستجارت بمن اعتقدت أنه ناصرها، ولجأت إلى مجلس الأمن الموقر، فخذلها، ولم تكن المرة الاولى، ولن تكون الأخيرة .
السلطة تعرف جيدا وليست بحاجة للتذكير، بأن إسرائيل تحتل مقعدا، ولها حق الفيتو في مجلس الأمن، فالمقعد الأمريكي هو المقعد الإسرائيلي فعليا. أمريكا استعملت حق النقض، 31 مرة لصالح إسرائيل (على ذمة أسامه حمدان، مسؤول الشؤون الخارجية في حماس) هذا طبعا عدا المرات التي أجهضت فيها أمريكا حتى وصول مشاريع القرارات التي تدين إسرائيل إلى المجلس للتصويت عليها. مثل السلطة في لجوئها إلى المجلس كمن قال، فيك الخصام وأنت الخصم والحكم، مع أن هذا الشعر الجميل قيل في الغزل، وليس في أروقة ودهاليز السياسة في مجلس الأمن. قد يقول قائل إن السلطة معذورة، فلمن ستلجأ والمعتصم اعتزل الخلافة في البلاد التي تنهشها الحروب، وإسرائيل تتمادى في عدوانها وعنجهيتها واستيطانها إلى أبعد الحدود، ولكن هل أخطأت التقدير فكانت كما قال الشاعر
والمستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
ربما توقعت السلطة أن تنقض أمريكا بالفيتو على مشروع القرار، ولكن هل توقعت نتيجة التصويت القاسية؟ صوّت لصالح القرار الأردن، مقدمة مشروع القرار للمجلس عن المجموعة العربية والإسلامية، وفرنسا وروسيا والصين ولكسمبورغ وتشاد والأرجنتين وتشيلي، عادة دول أمريكا الجنوبية تساند قضيتنا الفلسطينية. بالملخص صوّت لصالح القرار 8 دول فقط، والمطلوب لتمرير القرار 9 أصـــــوات بدون أن يكون هناك أي فيتو، ولكن هناك فيتو أمريكي بالإضــــافة إلى تصــويت استراليا ضد القرار. وامتنعت خمس دول عن التصويت، بريطانيا، وهذا يدل على أن اعتراف مجلس العموم البريطاني بدولة فلسطين، هو اعتراف رمزي معنوي، أي لا قيمة له. وامتنعت أيضا ليثوانيا ورواندا (هل يكترث لهما أحد) وكوريا الجنوبية، حليفة أمريكا.
أما المفاجأة فكانت نيجــــيريا، التي كانت التوقعات تصب بأنها ستصوت لصالح القرار، وبذلك كنا ســنقول إننا حصلنا على 9 أصوات وفشل القرار بسبب الفيتو الأمريكي، يا فرحة ما تمت.
أغلب التقدير أن السلطة الفلسطينية كانت تتوقع الفيتو الأمريكي، ولذلك كانت جاهزة في اليوم التالي بأن وقعت 18، وفي رواية أخرى 20، معاهدة واتفاقية دولية أهمها اتفاق روما الذي يمهد للانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، خلال الأشهر الثلاثة القادمة. إذن هل فعلت السلطة ذلك لتعرّي أمريكا، وربما بريطانيا أمام العالم، وهل تحتاج لذلك؟ إنهما عاريتان فعلا، ومن زمان. الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية كان مطلبا شعبيا فلسطينيا تصاعد بعد العدوان الإسرائيلي على غزة، وبالتأكيد لا يلزمه الفشل في مجلس الأمن أولا، ولكن متطلبات الدراما لها حسابات أخرى. السلطة تهدد بوقف المفاوضات نهائيا ووقف التنسيق الأمني، أسمع جعجعة ولا أرى طحنا.. إسرائيل تهدد بحل السلطة، وليتها تفعل.
كثر اللغط بشأن المحكمة الدولية، المتخوفون يقولون إنها سلاح ذو حدين، فقد تستخدمه إسرائيل لمقاضاة حماس بالإرهاب اذا قاضتها السلطة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وحرب الإبادة التي مارستها ضد غزة خصوصا، والشعب الفلسطيني عامة. الفلسطينيون لا يفتقرون إلى خبراء القانون الدولي لإثبات اتهاماتهم لإسرائيل. حماس قتلت من المدنيين الإسرائيليين ما لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة في الحرب الأخيرة، أي أن النسبة لا تتجاوز الخمسة إلى عشرة بالمئة على أسوأ تقدير، أي يمكن اعتبارهم من الآثار الجانبية في اي حرب، بينما قتلت إسرائيل اكثر من 2200 فلسطينيا، حوالي ثمانين بالمائة منهم مدنيون جلهم من الأطفال والنساء، اي ان قتل المدنيين كان هدفا ومقصودا، خاصة مع الدلائل المادية على استهداف المدارس والمراكز الصحية والمساجد ودور المعوقين. هل ستأتي الفرصة الذهبية بتبرئة حماس من تهم الإرهاب واعتبارها حركة مقاومة مشروعة، كما فعلت المحكمة الاوروبية العليا، والصاق تهم الإرهاب بإسرائيل هذه المرة؟ إن حصل سيكون نصرا، حسنا نصرا معنويا، حتى لو أفلتت إسرائيل من العقاب بمساعدة أمريكا وبريطانيا واستراليا وكل من يساندها من العجم، ومن العرب أيضا، ولا داعي لنكء الجراح وتسمية الدول الشقيقة.
الخلاصة أن استغاثتنا بالأمم المتحدة، وا مجلس الأمناه، أو حتى وامحكمتاه لن تجبر إسرائيل على وقف الاستيطان، ولا الانسحاب من الضفة والقطاع والقدس الشرقية، حتى مع تنازل السلطة عن باقي فلسطين التاريخية 1948 واعتراف السلطة بحق إسرائيل بالوجود، واعتراف الدول العربية بها كما تنص عليه المبادرة العربية (السعودية) التي قدمت إلى مؤتمر القمة في بيروت، أيام كان عرفات محاصرا في المقاطعة. كل هذا لن يجبر محتلا على الانسحاب إلا بشروطه، كما انسحبت إسرائيل من سيناء بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد، ولكنها انسحبت من غزة ومن جنوب لبنان بلا أي شرط.
السلطة مطالبة باستشارة شعبها بالداخل والخارج، ورفع الفيتو عن انتفاضة فلسطينية جديدة تقاوم المحتل بكل السبل المشروعة. هذا هو القرار الذي ينتظره الشعب الفلسطيني، لا قرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومحكمة الجنايات الدولية، لأنه القرار الوحيد الذي سيؤدي إلى تحرير التراب الفلسطيني. القرار الذي لا ينفع فيه الفيتو الأمريكي والرفض الأسترالي ولا الامتناع البريطاني، ولن يضر الفلسطينيون امتناع ليثوانيا ورواندا وكوريا الجنوبية عن التصويت، ولا حتى نيجيريا، التي كنا، مخطئين، نظنها دولة صديقة.
وخزة: متى ستجري الانتخابات الفلسطينية، الرئاسية والبرلمانية، ويختار الشعب (في الداخل والخارج) قيادته التي ستتخذ القــــرارات الصائبة؟ القيادة التي لن تتنازل عن أي ذرة من التراب الفلسطيني. هل أصبح مثل هذا التوجه الآن تطرفا ؟ فليكن.
٭ كاتب فلسطيني
د. خليل قطاطو
أحلى كلام قرأته لك يا دكتور خليل وأحل ما فيه – أقتبس
– السلطة مطالبة باستشارة شعبها بالداخل والخارج، ورفع الفيتو عن انتفاضة فلسطينية جديدة تقاوم المحتل بكل السبل المشروعة.-
ولا حول ولا قوة الا بالله