بغداد تهدد بتدويل قطع إيران مياه الأنهار عن العراق

حجم الخط
0

بغداد ـ «القدس العربي»: موقف لافت لحكومة بغداد، الخاضعة لأحزاب وقوى موالية لإيران، عندما أعلنت أنها قد تلجأ إلى المجتمع الدولي لاستعادة حقوقها المائية من إيران التي قطعت الأنهار عن العراق وتسببت بكارثة كبيرة، كما ترفض التفاوض حول تقاسم المياه بين البلدين.

فقد هدّد وزير الموارد المائية العراقي، مهدي رشيد الحمداني، السبت الماضي، بالتوجه إلى المجتمع الدولي من أجل الحصول على حقوق بلده المائية من إيران، مؤكداً أنه ليس هناك «أي بوادر إيجابية» من الجانب الإيراني حيال أزمة المياه وتقاسم الضرر الإقليمي. وقال الحمداني، في مؤتمر صحافي، إنّ «الجانب الإيراني لم يبد أي تجاوب معنا وما زال يقطع المياه عن أنهر سيروان والكارون والكرخة والوند، ما سبب أضراراً جسيمة لسكان ديإلى التي تعتمد بشكل مباشر على المياه الآتية من إيران».
وأكد الوزير العراقي أنه «في حال إصرار إيران على عدم التعاون مع العراق حيال الأزمة المائية وفق المواثيق الدولية، سنضطر للجوء إلى الأمم المتحدة لاستحصال حقوقنا من الروافد والجداول المشتركة مع إيران» كاشفا أنّ «الجانب الإيراني رفض عقد اجتماع كان مقرراً في منتصف حزيران/يونيو الماضي وتم تأجيله، ووعدونا بعقد اجتماع بعد الانتخابات إلا أن ذلك لم يتحقق».
وكان الرئيس العراقي برهم صالح، أعلن تضرّر سبعة ملايين عراقي من نحو 40 مليوناً، من «الجفاف والنزوح الاضطراري» بسبب نقص المياه. وقال في كلمة بمناسبة اليوم العالمي للبيئة «ملف المياه يستوجب حوارا صريحا وبناء بين العراق وتركيا وإيران وسوريا يستند على مبدأ عدم الإضرار بأي طرف، وتحمل المسؤولية المشتركة».
وبسبب حجم الكارثة البيئية في العراق، فقد حذرت منظمات دولية من النتائج السلبية على الحياة في البلد.
فقد أعلن «برنامج الأمم المتحدة للبيئة» أن العراق يفقد حاليا نحو 25 ألف هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة سنويا، معظمها في الجنوب، كما يزداد التصحر بسبب قلة المياه. وفيما كشفت لجنة الزراعة والمياه البرلمانية العراقية أن تقريرا صدر عن الأمم المتحدة يؤكد فقدان العراق لـ 100 ألف دونم سنويا من أراضيه بسبب التصحر، فإن تقريرا صادرا عن المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة العام الماضي، أكد أن مستويات المياه في نهري دجلة والفرات تتناقص «بمعدل غير مسبوق» مما قد يؤدي إلى تهجير قسري لمجتمعات بأكملها.

تداعيات كارثية لقطع الأنهار

مع بدء موسم الصيف في العراق، بدأت أزمة عطش ونقص مياه حقيقية تعصف بالبلاد، لتزيد من عمق معاناته وأزماته، نتيجة قيام إيران بقطع العشرات من الأنهار عن العراق، من دون تنسيق مع بغداد.
وذكرت حكومة إقليم كردستان العراق في وقت سابق أن إيران «غيرت مجرى نهر الكارون بالكامل وأقامت ثلاثة سدود كبيرة على نهر الكرخة بعدما كان هذان النهران يمثلان مصدرين رئيسين لمياه الإقليم والعراق ككل». فيما كشفت المصادر المحلية في الإقليم إن إيران تتعمد منذ سنوات حجب مياه نهر الزاب الصغير الذي يدخل أراضي إقليم كردستان العراق، بعد ان أقامت سدودا ضخمة داخل أراضيها، وحوّلت مجرى مياه النهر، إضافة إلى انخفاض منسوب المياه بشكل كبير في نهر سيروان وسد دربندخان.
أما في محافظة ديإلى المجاورة لإيران، فقد كشف النائب فرات التميمي، إن «الإيرادات المائية المتدفقة من الأنهر الحدودية القادمة من إيران انخفضت بنسبة 70 في المئة خلال الأيام الماضية» مشيرا إلى إن «حوض نهر ديإلى من أكثر المناطق تضررا، ويقطنها حوالي مليون نسمة» ودعا النائب إلى «أهمية تكثيف المساعي من أجل تفادي أزمة جفاف حادة تضرب مناطق واسعة في ديإلى خلال الصيف ، والسعي إلى إطلاق ايرادات مائية من خلال الأنهر الحدودية خاصة سيروان الذي يمتد إلى سد دربندخان ومنه عبر نهر ديإلى إلى بحيرة حمرين التي تشكل الخزين الاستراتيجي للمياه في ديإلى».
وبدوره حذر مدير ناحية مندلي في ديإلى مازن الخزاعي من ان «أكثر من 20 قرية في حوض الندا (شرق بعقوبة) تعاني منذ أسابيع من عطش حاد وسط مخاوف جدية من نزوح جماعي هو الأكبر في تاريخ ديإلى».
ولا يخفى ان لقطع المياه بهذا الشكل الكبير عن العراق، العديد من النتائج السلبية الجانبية والخسائر الاقتصادية والاجتماعية، أبرزها تزايد الهجرة من الريف إلى المدن وانخفاض المساحات الزراعية، وارتفاع نسبة التلوث والتصحر، وانخفاض الثروة السمكية والحيوانية.

اعتراف إيراني بقطع المياه

وقد أصبح واضحا ان قطع إيران لمياه الأنهار عن العراق يتم وفق خطة حكومية بدأت منذ عام 2003 حيث أقدمت السلطات الإيرانية على قطع المياه عن أكثر من 42 رافدا وجدولا موسميا كانت تغذي الأنهار والأهوار في العراق، أهمها أنهار الكرخة والكارون والطيب والوند، والزاب الصغير، وسيروان وآخرها نهر هوشياري الذي يغذي محافظة السليمانية.
وفي هذا السياق أقر معاون وزير الزراعة الإيراني علي مراد أكبري، إنه «سيتم قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود الغربية والشمالية الغربية العراقية بأمر من المرشد الأعلى، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه» حسب وكالة «تسنيم» الإيرانية. وأضاف المسؤول الإيراني أن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، في خوزستان (الأحواز) وإيلام.
وكان الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، افتتح مؤخرا، عددا من المشاريع المائية على الحدود مع العراق. ففي محافظة إيلام الحدودية، قام بتدشين سد «كنجان». فيما قال محمد الحاج رسولي، أمين عام إدارة المصادر المائية، إن «عدد السدود التي افتتحت في محافظة إيلام في السنوات الثماني الماضية كان 4 سدود، وسد كنجان هو المشروع الخامس» وهو أحد روافد نهر دجلة في العراق.
وتمثل الموارد المائية القادمة من إيران 35 في المئة من إجمالي الإيرادات السنوية في العراق، وقبل العقدين الأخيرين كانت تلك الموارد تجري برمتها إلى العراق من دون عوائق، لكن إنشاء سدود ومنشآت كبيرة على صدور تلك الأنهار غيّر من وضعها الطبيعي.
ورغم ادعاء إيران بحاجتها للمياه، إلا ان وزير الموارد المائية العراقي، مهدي رشيد الحمداني، كشف في مؤتمر صحافي، أن إيران تريد ربط ملف المياه باتفاقية الجزائر، بين بغداد وطهران الموقعة عام 1975 التي تتضمن بروتوكولا خاصا بالمياه. موضحاً، أن وزارته حاولت فصل ملف المياه عن اتفاقية الجزائر، التي تتضمن «تفاصيل سياسية» إلا أن «إيران تصر على هذا الموضوع» حسب قوله.
ويذكر ان الاتفاقيات والمعاهدات الدولية حول تقاسم مياه الأنهار بين الدول تشدد على عدم جواز تغيير أو تحويل مجرى النهر الذي يعبر بصورة طبيعية من أراضي دولة إلى أراضي دولة أخرى عبر منشآت بغرض التحويل أو التغيير بدون أخذ موافقة الدول المشاركة في النهر.

تعاون تركي

وفي الوقت الذي تقوم فيه إيران بإجراءات أحادية لقطع مياه الأنهار عن العراق من دون التفاوض مع حكومتها، فإن هناك تعاونا عراقيا تركيا واتصالات مشتركة متواصلة لحل أزمة نقص المياه.
فقد أعلنت وزارة الموارد المائية العراقية موافقة البرلمان التركي على مذكرة التفاهم الموقعة في عام 2009 و 2014 والتي تلزم تركيا فيها بإطلاق حصة عادلة ومنصفة للعراق من نهري دجلة والفرات، وكذلك جاء إعلان الرئيس التركي رجب اردوغان بضرورة تقاسم المياه مع دول المصب.
وبدوره بحث وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني مع المبعوث الخاص لرئيس الوزراء التركي فيصل أوروغلو حسم «مواضيع المياه المشتركة بين البلدين» مؤكدا على «أهمية تقاسم الضرر بين الدول المشتركة في مياه نهري دجلة والفرات لتجاوز أزمة شح المياه».
وضمن التفاهمات لحل الأزمة، يتبادل العراق وتركيا زيارات الوفود المختصة بهذا المجال، كما تم تأسيس مركز بحثي مشترك عراقي تركي مقره في بغداد حول قضية المياه، يكون هدفه تبادل الخبرات والاستشارات بين الطرفين و«هذا بحد ذاته يمثل تطورا إيجابيا في طريق التعامل مع الجانب التركي» حسب وزارة الموارد المائية. كما عرض العراق على تركيا إمكانية مساهمة شركاتها في تنفيذ مشروع سد مكحول.
وكان وزير الموارد المائية في العراق، مهدي الحمداني، أعلن «إن إيران ما زالت تقطع بعض التدفقات ما تسبب بانخفاض غير مسبوق بالإيرادات المائية، أما تركيا فالإيرادات المائية تأتي على وفق معدلاتها».
ومن المؤكد ان الضغوط الشعبية والسياسية والتبعات الاقتصادية الكارثية لقطع الأنهار عن العراق، هو الذي شجع حكومة بغداد، على الإعلان لأول مرة عن مسؤولية إيران عن هذه الكارثة، مع القناعة ان قطع إيران للمياه عن العراق الذي بدأ بعد الاحتلال الإمريكي للعراق عام 2003 هو قرار ذو أبعاد سياسية واقتصادية، استغل ضعف حكومة بغداد ونفوذ أصدقاء وحلفاء إيران في العراق الذين يتغاضون عن المطالبة بحقوق العراق وفق معاهدات تقاسم المياه الدولية. إلا ان استمرار التعنت الإيراني وانتهاك حقوق العراق المائية، أديا إلى تصاعد الدعوات من القوى الشعبية والسياسية لحكومة بغداد بضرورة تدويل القضية إضافة إلى استعمال الورقة الاقتصادية والتجارية للضغط على الجانب الإيراني، لا سيما أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ نحو عشرة مليارات دولار العام الماضي. علما ان إيران لم تجروء على قطع الأنهار عن العراق حتى خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية