القدس- “القدس العربي”: أصدر تجمّع المؤسسات الحقوقية المقدسية، يوم السبت، تقريرا مكونا من 40 صفحة باللغة العبرية احتوت الاعتراض الرئيسي على المخططات الإسرائيلية لمركز مدينة القدس وتحديدا منطقة باب الساهرة واد الجوز وحيّ المسعودية.
التقرير الذي أعدته مجموعة من المؤسسات الحقوقية متمثلة بالمركز العربي للتخطيط البديل، ومركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، ومؤسسة السانت إيف، المركز الكاثوليكي لحقوق الإنسان، حمل كلمات “اعتراض مبدئي” كونه انطلق من جزئية عدم اعتراف المؤسسات الفلسطينية بالسيطرة الإسرائيلية على مدينة القدس وبالتالي عدم الاعتراف بالوضعية القانونية والسيادة الإسرائيلية ومجمل الإجراءات الاحتلالية بحق المدينة وسكانها.
بدوره اعتبر الدكتور حنا سويد، مدير المركز العربي للتخطيط البديل في تصريحات خاصة لـ”القدس العربي” أن التقرير تطرق إلى مجمل القضايا التي تمس حياة المواطنين المقدسيين في منطقة باب الساهرة وادي الجوز وحي المسعودية.
وأوضح أن التقرير الذي رفع إلى اللجنة اللوائية الإسرائيلية يشكل مرافعة واعتراضاً مبدئيا على مخطط مركز المدينة (الذي يقع على مساحة 710 دونمات في إحدى أكثر مناطق القدس المحتلة استراتيجيةً وحيويةً)، والذي يعمل على تضييق الخناق على التوسّع العمراني في المنطقة المذكورة، حيث تضمن الاعتراض دلائل ومؤشرات على عدم التزام اللجنة اللوائية الإسرائيلية بالمعايير المهنية للتخطيط، وعدم مراعاة الاحتياجات السكنية للنمو السكاني، حيث لا يوفر المخطط إضافات كافية للمساكن لسكان المنطقة.
هدفه السيطرة وتفريغ أكثر من 700 دونم تمثل عصب مدينة القدس
وعن فحوى التقرير قال سويد إنه يمكن إجماله في 6 محاور رئيسية، جلها تؤكد أن المخطط يقوم على التمييز، وسياسات التخطيط العرقي، موضحا الفروق بين المخطط وبين نظيره في مركز القدس الغربية، من حيث نسب البناء وعدد الطوابق المسموح بها، فضلا عن مخالفة المخطط للقانون الدولي الإنساني باعتبار القدس مدينة محتلة، ويعتبر العبث بتركيبتها السكانية ومعالمها الحضارية جريمة حرب، تضاف إلى سلسلة جرائم الاحتلال.
المحور الأول من التقرير بحسب سويد يؤكد أن مخطط مركز المدينة الإسرائيلي لا يفي باحتياجات التطوير والبناء والسكن لأهالي الحي الذي من المتوقع أن يتضاعف عدد سكانه من 6 آلاف إلى 12 ألفا خلال العشرين سنة القادمة.
وتابع سويد: “المخطط الإسرائيلي لم يوفر فرصة بناء واحدة لهذا الحيز السكاني في مركز المدينة على مدى 20 سنة قادمة، وهو الذي يعتبر عصب المدينة ومركزها التجاري الذي فيه مكاتب ومؤسسات لم تمنح إلا حصص بناء محددة للغاية، حيث يفرض معيقات كبيرة جدا على التطوير.
يذكر سويد مثالا مفاده أن المخطط اعتمد توصية أن كل بناية يعود تاريخ بنائها قبل عام 1967 فإنها عمارة تاريخية/ أثرية يمنع فيها التوسع والبناء العمراني وهو أمر يعد قتلا لروح المكان ومنعه من التطور، “إنه تقييد شامل لكل مستلزمات البناء” بحسب سويد.
أما المحور الثاني في التقرير الحقوقي فيؤكد سويد أن المخطط الإسرائيلي يفرض مصادرة أراضي كل المؤسسات التعليمية والعامة والخدمية في المنطقة وهي المملوكة للأوقاف الإسلامية والكنائس، بحيث تسجل هذه الأراضي لصالح بلدية القدس الاحتلالية.
وهو ما يراه سويد “بمثابة سيطرة كاملة على 30 – 40% من أراضي المنطقة لصالح البلدية وهذا يعني مصادرة طولا وعرضا للأراض الفلسطينية”.
وأشار سويد إلى المحور الثالث في التقرير الذي تطرق إلى أن مخطط مركز المدينة سياسة يترتب عليها فرض ما يعرف “بالضرائب التحسينية” وهذا يعني رفع الضرائب على الفلسطينيين في الحي، فإقرار المخطط (في منطقة همشت مدنيا ومعماريا) معناه رفع قيمة الممتلكات في الحي وبالتالي سيكون هناك ضرائب جديدة توصف بـ”تحسينية”، وهذا يعني أن هناك غزوا مخططا له لجيوب الفلسطينيين هناك.
أما المحور الرابع الذي تضمنه التقرير بحسب سويد فإنه يتعلق بأن المخطط في جوهره يهدف إلى تعقيد وتقييد أي عملية بناء في المنطقة، وبالتالي (وبناء على المخطط) فإن أي عملية بناء أو تطوير تتطلب أكثر من 40 عملية أو إجراء إداريا يجب أن يقوم بها المواطن الفلسطيني هناك كي يستصدر رخصة بناء. وهو أمر هدفه التضييق وتصعيب عملية البناء، وهو ما يعيق أي عملية للتوسع العمراني سواء السكني أو التجاري.
وأشار سويد إلى أن المحور الخامس في التقرير يركز على التقييدات التي تندرج في إطار تضييق فرص البناء حيث يمنع بناء أكثر من 4 طوابق للسكن، و5 – 6 طوابق للأماكن التجارية في مركز المدينة المحتلة.
وتابع: “لقد قارنا هذه التقييدات في شرق القدس مع المناطق في القدس الغربية (وهي منطقة غير بعيدة عنها)، فوجدنا أن ما يسمح به بالبناء في القدس الغربية يعتبر أكثر من 3 – 4 أضعاف من حقوق البناء في المنطقة المخطط لها، وهو ما يعكس تمييزا ضد المواطنين المقدسيين”.
أما المحور السادس بحسب سويد فإن المخطط يلغي أي إمكانية لبناء مصالح تجارية في منطقة يفترض أن تكون عصب المدينة، وهو ما يعني أن تصبح فارغة أو يتم تفريغها، فالمخطط لا يسمح بإضافة أي أبنية أو مصالح تجارية تعمل على تحسين حياة الناس وتطويرها، وهو أمر هدفه إفقار السكان و”تطفيشهم” بالمقارنة مع كل ما له علاقة بالمخطط.
وعن الإجراء القادم يؤكد سويد أن رفع التقرير بالتعاون مع الجهات الحقوقية المقدسية سيتبعه مرافعة للشرح وتقديم الحجج والمسوغات، وقد يترتب على ذلك التعديل على المخطط أو عدم التعديل، “فكل الاحتمالات واردة، لكن المؤكد أنه لا يمكننا أن نترك الساحة خالية ولا نقوم بدورنا الحقوقي اللازم”.
وكانت اللجنة اللوائية الإسرائيلية قد مددت فترة الاعتراضات على مخطط مركز المدينة استجابة للجهود القانونية المُشتركة التي قدمتها مجموعة من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، حيث أعلمت هذه اللجنة كلا من المحكمة العليا والمحكمة المركزية بِقرارها تمديد فترة الاعتراضات على مخطط مركز المدينة لشرقي القدس الذي يحمل رقم (101-0465229) لمدة 60 يوما إضافيا تنتهي بتاريخ 29 من الشهر الجاري.
وكان المحامي غياث ناصر مُمثِلاً لِمجموعة مواطنين مقدسيين قد تقدموا باستئناف بِهدف تجميد موعد الاعتراضات على المخطط.
وكان مركز القدس ومن خلال المحامية فاطمة ناصر الدين، في 14 كانون الثاني/ يناير 2021 قد تقدم بالتماس للمحكمة المركزية يطالب فيها بنشر المخطط باللغة العربية لتمكين المواطنين من معرفة محتواه والاعتراض عليه، حيث أعلمت اللجنة اللوائية المحكمة أنها قامت في 17 كانون الثاني/ يناير 2021 بنشر أجزاء من ترجمة المخطط وشروحاتٍ باللغة العربية تتضمّن تفاصيل حول استعمالات الأراضي المشمولة ولمبنى المخطط وفصوله وتقسيماته. وعليه منحت اللجنة فترة 60 يوما إضافيا لإتاحة الفرصة لتقديم الاعتراضات على المخطط.
ويعد د. حنا سويد أن التقرير المبدئي الذي يتضمن مطالبات المواطنين العرب بالقدس وملاحظاتهم على مخطط مركز المدينة الإسرائيلي سيتم ترجمته قريبا حتى يكون متاحا للمواطنين الفلسطينيين أيضا وكنوع من زيادة معرفتهم بحقوقهم القانونية.
ويذكر أن مخطط مركز المدينة يسري على مساحة 710 دونمات في إحدى أكثر مناطق القدس المحتلة استراتيجيةً وحيويةً، وتحديدًا من باب الساهرة حتى المسعودية، وهو الذي يمتد من شارع السلطان سليمان وأسوار البلدة القديمة جنوبًا حتّى شارع عثمان بن عفّان شمالًا، ومن شارع وادي الجوز شرقًا إلى الشارع رقم 1 الذي يربط شرق المدينة المحتلّة بغربها.