جيهان السادات: الصورة السينمائية المثالية للمرأة الحديدية!

كانت السيرة الذاتية للرئيس الراحل محمد أنور السادات، عاملاً أساسياً في إبراز شخصية الزوجة الثانية له السيدة جيهان السادات، فمنذ أن تعرف عليها وارتبط بها في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، وهي محل اهتمام، كونها رفيقة الدرب والمشوار، وقد زاد هذا الاهتمام بالقطع بعد أن صار السادات رئيساً لمصر في عام 1970 عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وتحقق نبوءة العراف الذي وردت حكايته في كتاب «البحث عن الذات» الذي سجل مذكرات السادات حرفياً منذ طفولته وحتى تولية السُلطة.
وقد اكتسبت تلك النبوءة أهمية خاصة لورودها في معظم ما كُتب عن مسيرة السادات الشاقة، ومشواره الطويل، ولأن المُنجم أو العراف ذكر في معرض نبوءته للسيدة جيهان السادات أنها ستكون ملكة، أو ما شابه ذلك، ظلت كلماته عالقة في ذهنها لسنوات إلى أن تحققت النبوءة بالفعل وأصبح السادات رئيساً، فتبوأت زوجته بطبيعة الحال مكانه مرموقة.
وبقيام حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 وتحقيق الانتصار لمع نجم الرئيس، وبالتبعية والضرورة زاد ظهور السيدة قرينته التي اضطلعت بأداء الدور المهم في زيارة الجرحى والمُصابين والتنسيق مع الهلال الأحمر، لتوفير المطلوب من العلاج والاحتياجات الطبية، بشكل كاف، إضافة لاهتمامها بالجوانب المعنوية والمالية لأسر الشهداء، وتلك التفاصيل تضمنها كتاب «سيدة من مصر» الذي شمل مذكراتها ومشوارها، وألقى الضوء على سيرتها الذاتية، مُبيناً صورتها المثالية من دون الإشارة لأي سلبيات على الإطلاق، يُمكن أن تكون حدثت ولو بشكل عارض وغير مقصود.
وفي حديثها التلفزيوني المطول مع الإعلامي طارق حبيب، الذي تم تسجيله تقريباً في عام 1976 فاضت واستفاضت في كلامها عن المُشكلات التي واجهها الرئيس السادات، إبان توليه السُلطة بعد وفاة عبد الناصر، من مراكز القوى الذين تعمدوا وضع العراقيل في طريقة للحيلولة دون تقدمه، وبالطبع تخلل الحديث إشارات ذكية من السيدة الأولى لدورها البناء في مساعدة الطلاب المحتاجين، وتوفير الكُتب والمُدن الجامعية للمغتربين منهم، فضلاً عن وصلات الحديث المطولة عن تأسيسها لجمعية الوفاء والأمل، المعنية برعاية كبار السن ومتابعتهم إلى آخره.
ولم يخل الحديث من عرض الصفحات البيضاء لأيام الانتصار في أكتوبر المجيد، وهي حقائق لم يشأ أن يُغيبها طارق حبيب، بل وضعها في الصدارة، وبالطبع ركزت عليها جيهان السادات بكل زهو وفخر، مُضيفة إليها من المعلومات الخاصة حول ظروف الاستعداد للحرب والسرية التامة للعبور، وساعة الصفر، وغيرها من التفاصيل المشوقة ما يثير الاهتمام والإعجاب.

2021-07-25_16-37-18_833972

منى زكي وأحمد زكي في فيلم «أيام السادات»

تلك كانت مُعطيات التناول الدرامي أيضاً، التي تم الاعتماد عليها في كتابة فيلم «أيام السادات» للمخرج محمد خان، الذي قام ببطولته الفنان الراحل أحمد زكي، وجسدت فيه شخصية جيهان السادات الفنانتان منى زكي في المرحلة العُمرية الأصغر، وهي لا تزال شابة في مُقتبل حياتها، وميرفت أمين التي احتلت المساحة الأكبر من الأحداث، كونها جسدت مرحلة النضج، واستمرت في السياق ذاته إلى نهاية الرحلة المليئة بالتفاصيل الإنسانية المهمة، الجوهري منها والعابر.
ولأن دور منى زكي وميرفت أمين انقسم لمرحلتين لزوم الدقة الفنية والتاريخية، فقد استرعى اهتمام الجمهور والنقاد وكذلك اهتمام صاحبة الشخصية الحقيقية، جيهان السادات التي أخذت وقتاً طويلاً في المراجعة واستعراض الأهم والمهم في مسيرة العُمر والمشوار، ورحلة الكفاح الطويلة مع الزوج ضابط الجيش المفصول والمُهددة حياته بالفشل، ونائب رئيس الجمهورية، ثم رئيس الجمهورية المُحاط بالتحديات والأسئلة حول سياساته وخلافاته ومُشكلاته مع المثقفين والسياسيين.
بيد أن التفاصيل السياسية الشائكة التي لم يركز عليها فيلم «أيام السادات» بالشكل المطلوب كانت مدعاة للحضور القوي للراحلة جيهان السادات في المشهد العام، فالانفتاح الاقتصادي والخلاف عليه، وزيارة القدس واتفاقية كامب ديفيد، وما أثارته من زوابع، وما تسببت فيه من مقاطعة عربية لمصر استمرت لسنوات طويلة.. كل هذه الحلقات المُتصلة المُنفصلة من سيرة الرئيس الراحل، أدت إلى حدوث جدل واسع حول سياساته وردود الأفعال في الشارع المصري والعربي، وبالتأكيد لم تكن السيدة جيهان بمنأى عن حملات النقد التي صاحبت خطوات الرئيس وممارساته، لاسيما أنها كانت مُتهمة طوال الوقت بوقوفها وراء الكثير من التغييرات، كصدور قانون الأحوال الشخصية، على سبيل المثال، الذي انحاز للمرأة وتسبب في غُبن الرجل وقت صدوره، وقيل إنه صدر بإيعاز من قرينة الرئيس الراحل شخصياً، وكذلك دورها في تنبيه السادات لما يدور حوله وما يُدبر له من المعارضين السياسيين، حسب ما ذكرته هي بنفسها في حديثها مع الإعلامي طارق حبيب، المُسجل منذ عام 1976 تقريباً كما أسلفنا.
يُضاف إلى اجتهاد السينما المصرية الروائية في بلورة سيرة ومسيرة جيهان السادات، ما عرضه الإعلامي عمرو الليثي في برنامجه بوضوح في فترة سابقة، من خلال فيلم تسجيلي خاص مُهدى إلى صاحبة الرحلة الطويلة ومُتضمن مراحل مهمة من حياتها ومشوارها وإنجازاتها ودأبها على التعلم في سن متأخرة نسبياً من العُمر، وإصرارها على دخول الجامعة والحصول على الشهادة العُليا، ونيل درجة الماجستير والدكتوراه، كدلائل قوية للتحدي والمُثابرة، وهي الصورة الإيجابية المضيئة التي نقلها للشاشة عمرو الليثي عن السيدة الأولى، حسب ما تم تقديمه في الفيلم لتكون نموذجاً عصرياً للمرأة المصرية القوية، التي شغلت الرأي العام لسنوات، وأثارت الكثير من الجدل حول شخصيتها ودورها وأهميتها.

كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية