التحولات…. النوع والإضافة
تشكل الفعاليات الثقافية في عمومها حالة تجسيد الإضافة الثقافية إلى المشهد بشكل عام، أما في خصوصيتها، فهي تعمد إلى إضافة النوع. فما تحتويه من خصائص ذاتية، جاذب للحوار والمداولة، هو الفيصل الذي يرشحه الحراك العام للنشاطات. وحسبي أن فعالية التشكيليين الأربعة فضل ضامد، منصور السعيد، محمد حاتم، عصام عبد الإله) تواصلت مع ما ندعيه لأسباب كثيرة، لعل في مقدمتها التزامهم العمل على تشكيل جماعة تحت مسمى (تخاطر) الأمر الذي يلزم الجماعة الدأب على العمل، لتقديم العطاء في مناسبات مقبلة، من خلال البحث عن المشتركات والسعي الذي يؤكد التحولات في تشكيل اللوحة حصراً، كذلك التهيئة الذاتية لكل فنان، والشروع في التدقيق بالتجربة الخاصة ومراعاتها باستمرار، قصد تجاوز الوقوع في النمطية، أو الحذر من الوقوع في دائرتها، وهذا أيضاً فيه سعي للوصول إلى الاستثنائي في مبنى اللوحة، لاسيما أن الأربعة لهم تاريخهم الفني المشهود. ولوحات معارضهم المشتركة كجماعة، أو مشاركتهم في المعارض المشتركة؛ شاهد على ما ذكرنا، فهي تدعو المتلقي البصري إلى التدقيق في محتوياتها وصياغتها، لأنها ذات محمولات تدفع للقراءة البصرية. كما توحي بما هو ذاتي وموضوعي في النص البصري. بمعنى ثمة محتوى في اللوحة تشكله وحداتها، وهنالك متشكلات ما وراء الرؤى البصرية، وهي خاضعة بطبيعة الحال إلى ثقافة وسعة معرفة القارئ لها ولخفاياها، وهي جاذبة للذائقة الفنية والوعي الفني، لاسيما كون الفن يرتبط بتاريخ ووجود الإنسان بهذا الشكل أو غيره. وهو تأريخ حفظته الأزمنة المنصرمة، منذ تشكل الوعي بضرورة توظيف الجدار عند الإنسان القديم، إلى وقتنا الحاضر، حيث أصبح متداولاً معرفياً، مروراً بالمنحوتات والجداريات القديمة، التي انتظمت على شكل لقى، كل هذا قد يقود إلى قراءات متجددة. إن المسؤولية الملقاة على عاتق الفنانين هنا ليست سهلة، كما أنها ليست صعبة، فسهولتها كامنة في النشاطات المتنوعة، خاصة غير المدروسة منها، وصعوبتها تكمن في كون نتاجهم ينضوي تحت مسمى (تخاطر) كما أنها جميعاً تنطلق من وظيفة الفنان إزاء واقع مجتمعه. فالفن لا يبتعد عن واقعه مهما اختلفت وسائله وتوجهاته، فهو يصب في الهدف ذاته، الذي تهدف إليه الأجناس الأخرى على صعيد الفن والكتابة. فما وجدناه من معروضات دلت بشكل قاطع على وعي الضرورة عند الفنانين، كونهم أخذوا على عاتقهم مهمة العمل الدؤوب في ملاحقة المستجد من تجربتهم. فالفنان عصام عبد الإله، كان أكثر تدقيقاً في تجربته على مراحلها الطويلة نسبياً. والفنان محمد حاتم تواصل مع توظيف الحرف المسماري في اللغات القديمة، وتعداه إلى المفردة والجملة القصيرة، وهذا شأن فني يُحسب للفنان، كونه مستمراً في البحث عن الطُرق للتوظيف، بإمكانيات جديدة. والفنان منصور السعيد، يتعامل مع ألوانه المائية بمخيال واسع المساحة والمدى البصري. فهو يتداول في لوحاته موضوعات مختلفة. فمن الجسد وتمثيلاته، إلى البيئة وجماليتها، ثم المحلة والزقاق، وكل ما اختزنه الفنان عن المكان في المدينة. والفنان فضل ضامد/ فيكَر المجموعة، مثل التحول في الرسم على أبهى صورة مع الاحتفاظ بخصائص لوحته، سواء الخطية أو اللونية. المتغيرة صيغة، وهي الوظيفة التي اشتقت لها مداولات جديدة، وهو يؤسس لعمارته ورشاقة أمكنته وعمقها الدلالي.
يبقى أن نوضح ما نعنيه بالتحول في صياغة محتوى اللوحة هنا، فالتحول؛ يعني التجاوز وليس الانقطاع عن التجربة الذاتية، أي أن الفنان وهو يبحث عن صيغ جديدة، لا يغفل عن وجود الرابط الذاتي والموضوعي في تجربته. فاللوحة (النص) وجود متلازم الأجزاء في كلٍ عميق الدلالة، لعل أفضل عناصر صياغته؛ هو تجاوز الصيغة القاطعة، التي تقود بطبيعة الحال إلى النمطية في التشكيل، الذي هو في تجربة الأربعة، دأب على استقطاب عناصر التجديد من منطلق إبداعي بحت. فعندهم، وضمن تجربهم أن لا استقرار هناك، ولا تسليم بمنجز، دون العمل في البحث عن جدلية علاقاته الذاتية والموضوعية، التي تقود بطبيعة الحال إلى حصول متغيرات أساسية في بنية اللوحة.
إن الذي جمع الأربعة في تقديرنا، هو نوع الحث على تواصل أسس صياغة محتوى اللوحة، الأمر الذي يدعو إلى دراسة ممكنات التلاقي النظري الجمالي، كما فعل الفنان شاكر حسن آل سعيد، في بيانه الذي صاغ جملة رؤى وتأملات في فترة ستينيات القرن المنصرم.
تشكل الجماعات… الضرورة والحتمية
إن انبثاق جماعة (تخاطر) الفنية وتثبيتها كلازمة على (فولدر) معرض الأربعة، دال على إن تاريخ التجمعات في العراق طويل، وفعاليات الجماعات سُجل ضمن تاريخ الحراك الثقافي في البلد. وما تمخض عنها دال على جدية التوجه، وهذا شمل أيضاً تجمعات الكتاب والشعراء والقصاصين والفنانين التشكيليين والفوتغرافيين في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، وكانت لحمة التجمع تنبئ بطرح أفكار وتطبيقات، لم يحسب لها الزمن استمرارها. فانفرطت عقدة تجمعاتهم لأسباب خارج إرادة الجماعة. وهي أسباب ذاتية وموضوعية أيضاً. فما يدعو إلى تشكيل الجماعة، يؤدي إلى انفراط عقدها، ولعلنا وحصراً في كربلاء شهدنا مثل هذه التجمعات مثل جماعة (السبعة وجماعة الـ39 فنانا) التي قدمت جهداً فنياً مثيراً للانتباه، غير أن جهود الفنانين لم يشمل سوى فترة إقامة المعرض. إن انفراط تجمع الفنانين وعدم استمرارهم، يُعزى إلى الإمكانيات المادية، وقلة دعم المنظمات لمثل هذه التوجهات المُطورة للاختصاص، لكن هذا ليس السبب المركزي في رأينا، لأنه يشكل عوناً لجهد الفنانين. ما نصبو إليه هو الجُهد الفكري والجمالي الذي يدعو إلى مرونة التقارب بين المبدعين، إن توفر الحيثيات التي أدت إلى اقتراب الأفراد من بعضهم، تتطلب جملة مستلزمات من بينها الوجود المنهجي، سواء عند كل فرد، أو عند الجماعة. صحيح إن مشروع الفرد يصب في مشروع الجماعة، في مثل هذا المشروع الثقافي، غير أن وضع منهج (خطة) تشمل وجهات النظر، والرؤى الصابة في المعنى العام للتجمع. وهذه الجهود تتبلور في إصدار بيان يحتوي على ما من شأنه توضيح هذه الرؤى (وقد عملت جماعة تخاطر مثل هذا) إذ تتوجب مناقشة هذا البيان في ندوات تدعمها معروضات تنبئ بمثل هذه التوجهات.
إن الحوار المقام بعد إقامة كل معرض، وعقد الحوار للجماعات، يؤدي إلى بلورة الآراء، وتأسيس المنهج الصحيح. إن استمرار بقاء نشاط الجماعات ينبع من جدية الأفراد، وجدية التآلف بينهم، وأخيراً جدية المتابعين من المثقفين والأدباء. ولعل الاستمرار في المتابعة أهم من كل التوجهات.
إن انبثاق جماعة (تخاطر) التي اعتمد أفرادها على تسطير عنوانها على بنية مشيدة لعناصر النص، ألا هو الانثيال بمعنى التخاطر. لما تحتويه هذه المفردة من بنية تخص فعل العقل التشكيلي. ولنا في هذا تداعيات نظرية في علاقة الجدار بمجموعة من الحيثيات، لعل أهمها العقل. لقد وجدنا ونحن نراقب اللوحات؛ أن لها وجوداً مجسداً في لوحات معرضهم المتميز، لذا ندعو إلى عقد مؤتمرات مصغرة تجمع الفنانين، وممن يجدوهم قريباً من تجربتهم، التي هي بالتأكيد ما سوف تفرز منهجاً أو برنامجاً بصيغة بيان، وهو نوع من الاعتبار الأخلاقي الثقافي بشكله العام، وفني بشكله الخاص. إن تدارس الموجبات للقاء، والعمل المشترك، وإن بدا متباعداً في التنفيذ، يخلق على الصعيد النظري نوعاً من لالتزام بميثاق. ليس للتواصل والاقتراب وحسب، بل قانوناً جمالياً للتحول في صياغة اللوحة كما نوهنا سابقاً.
إن الذي جمع الأربعة في تقديرنا، هو نوع الحث على تواصل أسس صياغة محتوى اللوحة، الأمر الذي يدعو إلى دراسة ممكنات التلاقي النظري الجمالي، كما فعل الفنان شاكر حسن آل سعيد، في بيانه الذي صاغ جملة رؤى وتأملات في فترة ستينيات القرن المنصرم. الفرق هنا إن البيان سيصدر من وجهات نظر أربعة، بينما آل سعيد صاغها بجهد فردي، لا تخلو نظرته من فحص لمنجزه ومنجز الآخرين، كذلك عكس أسس وجماليات معرفته العرفانية، فنظرته فيها شمولية جمالية، دفعته إلى تعميق الحس الصوفي الذي دفعه إلى صياغة جداره وفق رؤى روحية ـ صوفية. بمعنى أصبح لديه الجدار بنية تشكل الوجود المادي للكون البشري. من هذا وجد أن كل صياغاته ممكنة الحضور في الزمان والمكان وتحولاتهما.
كاتب عراقي
شكر وتقدير للروائي والناقد الاستاذ حاسم عاصي على هذه الاضاءة الرائعة على جماعة تخاطر الذي اسست في كربلاء من مجموعة من الفنانين وهم فاضل ضامد ومنصور السعيد ومحمد حاتم وعصام عبد الإله.. اقيم معرضهم الاول على قاعة المكتبة المركزية في كربلاء ..كل التقدير للكاتب