مصادقة سودانية على الميثاق المؤسس للجنائية الدولية… وحاكم دارفور: انتصار لضحايا الحروب

عمار عوض
حجم الخط
0

الخرطوم ـ «القدس العربي»: أشادت الولايات المتحدة بخطوة السودان بالانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، بعد مصادقة مجلس الوزراء على ميثاق روما المؤسس لأعمال المحكمة.
وفيما اعتبر حاكم دارفور مني أركو مناوي الخطوة «انتصارا عظيما لضحايا الحروب والإبادة الجماعية» رجح قيادي في قوى دارفور، الموقعة على سلام جوبا، أن تتم محاكمة الرئيس السابق عمر البشير وفق إجراءات محاكمة خاصة، على غرار محاكمة مجرمي الحرب في سيراليون وليبريا، والاستفادة من الدعم الأمريكي السخي لبرامج العدالة الانتقالية المكملة للعدالة الجنائية.
ونقلت وزارة الخارجية الأمريكية في تغريدة على تويتر، قول «رئيسة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، سامنثا باور «أخبار سارة من الخرطوم، مجلس الوزراء في السودان صوت بالإجماع للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية» مشيرة إلى أن «المجلس السيادي للحكومة الانتقالية سيُصدّق على هذا القرار في جلسة مشتركة تالية».
وأضافت: «اتخذت ثورة السودان من أجل الحرية والسلام والعدالة خطوة أساسية نحو إنهاء الإفلات من العقاب».
جاء ذلك بعد إعلان مجلس الوزراء السوداني مصادقته على ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية في الجلسة التي عقدها أمس الأول بحضور جميع الوزراء وبالإجماع التام، في خطوة قد تفضي لمحاكمة البشير مع اثنين من قادة نظامه البارزين هما أحمد هارون آخر رئيس لحزب المؤتمر الوطني، والذي كان وزير الداخلية أثناء وقوع جرائم دارفور عام 2003، ووزير الدفاع، في الوقت نفسه، الفريق عبد الرحيم محمد حسين.

في الاتجاه الصحيح

ورحب حاكم دارفور، مني أركو مناوي، بالخطوة عبر منشور على صفحاته على مواقع التواصل، معتبراً أن «الخطوة التي قام بها مجلس الوزراء برئاسة رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك، من الاتفاق الجمعي لإجازة مشروع قانون انضمام السودان لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تُعد موفقة جداً وفي الاتجاه الصحيح لفتح الطريق نحو سودان حر ديمقراطي ينعم بسيادة حكم القانون».
وتابع «هذه الخطوةُ انتظرها الشعب السوداني طويلاً للشعور بلذة العدالة والانتصار، هذا في حد ذاته انتصار عظيم لا سيما لضحايا هذه الحرب والإبادة الجماعية».
حمدوك كتب على «تويتر» «أَجَزنا اليوم (أول أمس) وبالإجماع، مشروع قانون انضمام السودان لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية» ولم يدل بمزيد من التفاصيل حول تداعيات هذا القرار فيما يتعلق بمحاكمة محتملة للبشير الذي حكم البلاد ثلاثة عقود بقبضة فولاذية.
ومن أجل المصادقة على مشروع القانون يجب أن يوافق عليه مجلس السيادة الانتقالي، المؤلف من مدنيين وعسكريين.
وتحدث حمدوك عن «عقد اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء للمصادقة عليه» من دون أن يحدد موعدا للاجتماع.
وشدد على أن «العدالة والمحاسبة هما الأساس الراسخ للسودان الجديد والملتزم بسيادة حكم القانون الذي نسعى جميعاً لبنائه».
مصدر في وزارة العدل السودانية قال لـ«القدس العربي» دون كشف هويته «بعد إجازة المصادقة من الهيئة التشريعية الانتقالية (مجلس السيادة والوزراء مجتمعين) يصبح موقف السودان أقوى للاستفادة من مزايا المصادقة على ميثاق روما، وجعل محاكمة البشير بالطريقة التي يريدها السودان الذي أبدى رغبة في محاكمة المتهمين وصادق على ميثاق المحكمة «.

المادة 124

وعلق الصحافي السوداني محمد أحمد عيسى، على الخطوة الحكومية بالقول: « أجاز مجلس الوزراء بالإجماع قانون الانضمام لميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية في انتظار إجازته في اجتماع مشترك بين السيادي والوزراء (التشريعي)».

ترحيب أمريكي بالخطوة… وترقب لمحاكمة البشير واثنين من قادة نظامه

وتابع «المادة 124من ميثاق روما تعطي الدولة بعد انضمامها للميثاق الحق في عدم قبول اختصاص المحكمة عليها فيما يلي جرائم الحرب لمدة سبع سنوات».
وزاد «نبيل العربي، أمين الجامعة العربية السابق، ووزير خارجية مصر الأسبق والمحكم في محكمة العدل الدولية سابقا، كان قد قدم استشارة قانونية لحكومة البشير نصحهم بالانضمام لميثاق روما للاستفادة من المادة 124».

ثمرة اتفاق السلام

ويعد «انضمام السودان للمحكمة واحدة من ثمرات اتفاق جوبا للسلام الذي أفرد فصلا كاملا للعدالة ومنها مثول البشير أمام المحكمة» حسب ما قال مصدر قيادي في جماعات دارفور التي وقعت على سلام جوبا لـ«القدس العربي».
وزاد، دون كشف هويته «بعد المصادقة على ميثاق روما الذي أتى في أعقاب زيارة المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا في شهر يونيو(حزيران) الماضي، أصبح الطريق سالكا لمحاكمة البشير والمتهمين الأخيرين بعدة طرق، أهمها تسليمهم للمحكمة الجنائية الدولية لتتم محاكمتهم في لاهاي». وتابع : «لكن الأرجح أن تتم محاكمتهم وفق محكمة خاصة، تستفيد من مزايا الانضمام لميثاق روما، بأن تشارك المحكمة الدولية في مراحل التحقيق والادعاء العام لتطبيق شروط القانون الدولي وإجراءات المحاكمة وفق إجراءات المحكمة الدولية على غرار محكمة جرائم الحرب الخاصة في سيراليون وساحل العاج».
وواصل «كما يمكننا الاستفادة من الدعم الأمريكي السخي الذي قدمته مديرة المعونة الأمريكية خلال زيارتها، والذي يبلغ 700 مليون دولار، والذي قالت إن قسما منه سيذهب لدعم برامج العدالة الانتقالية، وهي الأهم لأنها تشمل المصالحات الاجتماعية والتعويضات وجبر الضرر، وكلها برامج تحتاج لدعم مادي لن يتوفر للحكومة الحالية». ونصت الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية في السودان على مصادقة السودان على كافة الاتفاقيات والمواثيق الداعية لصيانة حقوق الإنسان والسلم العالمي.
كما تضمنت معاهدة السلام الموقعة بين الحكومة والحركات المسلحة في جوبا خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الاتفاق على انضمام السودان لنظام روما.
يشار إلى أن السودان شارك في كل المفاوضات التي قادت إلى وضع ميثاق روما، ووقع على الميثاق إبان تولي علي محمد عثمان ياسين لوزارة العدل، نهاية تسعينيات القرن الماضي، لكنه عاد وسحب توقيعه بعد إحالة مجلس الأمن الدولي الوضع في دارفور للمحكمة الجنائية الدولية.
وشهد إقليم دارفور منذ عام 2003 حربا طاحنة بين الحكومة السودانية وحركات متمردة أدت الى لجوء وتشريد ما لا يقل عن 3 ملايين نسمة، بينما تتضارب إحصاءات القتلى في هذا الصراع الدامي. وأحال مجلس الأمن التحقيق في جرائم الحرب في دارفور للمحكمة الجنائية الدولية في عام 2005 وأصدرت المحكمة قرارا في مارس/ آذار 2009 بالقبض على البشير واثنين من كبار معاونيه هما أحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين. واستندت على أن الرئيس السوداني الذي أطيح به من سدة الحكم في إبريل/ نيسان 2019 هو المسؤول الأول عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ثم عادت المحكمة الجنائية في أكتوبر/ تشرين الأول 2010 لتصدر مذكرة توقيف ثانية ضد البشير بتهم ارتكاب إبادة جماعية في دارفور. وطوال السنوات التي سبقت عزلها ظلت حكومة البشير ترفض اتهامات المحكمة، وتقول إن التقارير التي تتحدث عن حوادث قتل جماعي في دارفور «مبالغ» فيها، كما رفضت الاعتراف بالمحكمة، وقالت إنها «جزء من مؤامرة غربية».
وبعد الإطاحة بنظام البشير واعتقاله مع كبار قادة نظامه، يدور جدل حول إمكانية تسليمه للمحكمة الجنائية، حيث يعارض القادة العسكريون ـ شركاء في الحكم ـ التسليم للمحكمة في لاهاي، لكنهم لا يمانعون في مثول الرجل أمام محكمة داخل البلاد، وهو ما المحت اليه المدعية السابقة للمحكمة فاتو بنسودا خلال زيارتها الأخيرة للسودان في يونيو الماضي.
ووقعت 43 دولة أفريقية على اتفاقية روما، فيما صادقت عليها 34 دولة، وهو ما يجعل أفريقيا المنطقة الأكثر تمثيلا في تشكيل المحكمة، حسب مسؤوليها. ومنذ إنشائها وجهت المحكمة الجنائية تهما لثلاثين شخصا، جميعهم أفارقة، بجرائم وقعت في ثماني دول أفريقية هي الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى وأوغندا والسودان (دارفور) وكينيا وليبيا وساحل العاج ومالي. وكانت المحكمة الجنائية الدولية أقرت اعتماد التهم الموجهة إلى أحد أبرز قادة الميليشيات في دارفور، وهو علي محمد علي عبد الرحمن، والمعروف بـ «على كوشيب» بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وإحالته إلى المحاكمة أمام دائرة ابتدائية، ليواجه 31 اتهاما.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية