غزة- “القدس العربي”: تواجه جماعات الضغط المؤيدة للفلسطينيين، والمعارضة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، حملاتٍ قوية من جهات إسرائيلية تنشط في الولايات المتحدة، بعد النجاحات الأخيرة، التي أثرت في قرارات العديد من المؤسسات والشركات هناك، لصالح دعم الفلسطينيين، وعدم الاعتراف بشرعية الاحتلال.
ومن خلال التصريحات العلنية لقادة إسرائيل، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة نفتالي بينيت، ووزير خارجيته والسفير الإسرائيلي في واشنطن، برز حجم الحملة الإسرائيلية ضد المعارضين للاحتلال والاستيطان، وذلك باعتبار قرار شركة “الآيسكريم” الأمريكية الشهيرة “بن أند جيري”، التي أوقفت بيع منتجاتها في المستوطنات الإسرائيلية، بأنه معاد للسامية، وتوعدوا بإجراءات قاسية ضد الشركة، بعد أن وافقت على مطالبات الحملة الدولية لمقاطعة الاحتلال، بوقف التعامل مع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية.
وفي دلالة أخرى على حجم الحملات الإسرائيلية وتلك التي تدعمها اللوبيات اليهودية في أمريكا ضد مناصري القضية الفلسطينية، حكم قاضٍ في محكمة عليا بولاية كاليفورنيا بوجوب إخفاء هويات المتضامنين مع القضية الفلسطينية على الساحة الأمريكية عن منظمة إسرائيلية.
وتسلّمت جامعة كاليفورنيا في مدينة لوس أنجليس، رسمياً حكماً من المحكمة العليا لولاية كاليفورنيا ينص على أن لها الحق في أن تحمي وتخفي هويات المدافعين عن الحقوق الفلسطينية في الجامعة، لمنع المضايقات التي يمكن أن يتعرضوا لها، بسبب مواقفهم المساندة للحقوق الفلسطينية.
ورفض القاضي استئنافاً كان قد تقدم به المحامي “ديفيد أبرامز” من مؤسسة “مركز المناصرة الصهيوني” للحصول على أسماء مساندين للحق الفلسطيني عقدوا مؤتمرا في حرم الجامعة عام 2018، متذرعاً بأنه يريد أن يفحص في هوياتهم إن كان هناك “إرهابيون معادون لإسرائيل”، معتبرا أن من حقه الحصول عليها بموجب قانون السجلات العامة في كاليفورنيا.
وبدا واضحا أن الطلب المدعوم من إسرائيل لمعرفة هويات المناصرين للقضية الفلسطينية، يأتي في سياق إعداد حملة تستهدفهم على الأراضي الأمريكية، وقد قدمت جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس أدلة للمحكمة عن مضايقات سابقة تعرض لها مؤيدو الحقوق الفلسطينية في الحرم الجامعي، بما في ذلك “رسائل كراهية إلكترونية”، وحملة بالبريد لطرد أكاديمي مناصر لفلسطين تحفظت الجامعة على ذكر اسمه.
جاء ذلك في ظل اللطمات التي تعرضت لها إسرائيل مؤخرا من قبل المساندين للقضية الفلسطينية، إذ تسعى تل أبيب وحلفائها للحد من تلك التحركات في هذا الوقت، باللجوء إلى أسلوبها القديم، الذي يتهم كل من ينتقدها بـ”دعم الإرهاب ومعاداة السامية”، وهو ما يؤكد خشيتهم من توسع دائرة التعاطف مع الشعب الفلسطيني في أمريكا، والتي تعد واحدة من أكبر الساحات التي تحظى فيها إسرائيل وسياساتها بدعم من كل المستويات وفي مقدمتها المستويات الرسمية.
كما يخشى ساسة تل أبيب أن ينعكس هذا الأمر على الموقف الأمريكي الرسمي، الذي يعمل على استمالة المواطنين لكسب ودّهم والحصول على أصواتهم في الانتخابات.
وقد أكدت الخطوات الأخيرة على الأرض، مدى نجاح المناصرين للقضية الفلسطينية، في التأثير على قرار شركة “بن آند جيري”، وكذلك نجاحهم في دفع اتحاد المعملين الأمريكيين، في مؤتمره الأخير، مناقشة مشروعي قرارين لدعم الحقوق الفلسطينية والاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة.
وقد تطرق أحد القرارات التي طرحت للنقاش، إلى إدانة سياسات “التطهير العرقي” الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وتأييد النضال الفلسطيني لتحقيق العدالة، كما طالب الإدارة الأمريكية بوقف تسليح إسرائيل.
يأتي ذلك بعد أن اتخذت عدة نقابات فرعية على مستوى الولايات والمدن خلال مؤتمراتها المحلية قرارات تتضامن مع الحق الفلسطيني وتدين سياسات إسرائيل.
ولاقت تلك المناقشات إشادة فلسطينية من قبل رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، لقرار النقابة المؤيد للفلسطينيين، والذي أعلنته خلال انعقاد مؤتمرها السنوي، وطالب جميع النقابات في الولايات المتحدة، وفي جميع دول العالم مناهضة “السياسات العنصرية الإسرائيلية والعمل على الاعتراف بدولة فلسطين دولة مستقلة ذات سيادة، وعاصمتها القدس”.
يشار إلى أن تلك الحملات المؤيدة للحقوق الفلسطينية، تأتي في ظل حملة إسرائيلية مضادة، يشارك فيها أعضاء كونغرس مؤيدون لإسرائيل، وكذلك حملات أخرى تدعمها السفارة الإسرائيلية في واشنطن.
وفي هذا السياق، دانت منظمة حقوقية أمريكية الحملات الإسرائيلية التي تستهدف أنصار الحق الفلسطيني في الولايات المتحدة ومعاقبتهم عبر محاولة فصلهم من وظائفهم ومواقعهم ومنعهم من الإدلاء بأي تصريحات تنتقد جرائم إسرائيل.
وبحسب منظمة الدعم القانوني لفلسطين “بالليجل” فقد تعرض العديد من المناصرين للحقوق الفلسطينية لحملات لطردهم من وظائفهم. واستعرضت المنظمة في بيان لها عدة حالات، منها ما تعرضت له مديرة المدرسة الإعدادية في بروكلين أماندا بوينو، التي فرضت عليها ضغوط من قبل مستشارة مدارس مدينة نيويورك ميشا روس بورتر، تطالبها بالاعتذار عن مشاركتها لمعلومات مع المعلمين والإداريين في مدرستها حول الخطوات التي يمكنهم اتخاذها لإظهار التضامن مع الفلسطينيين المعرضين للهجوم خلال الحرب على غزة، حيث شنت الجماعات الموالية لإسرائيل حملة تشهير لطرد أماندا من منصبها بدعوى أن رسالتها تنتهك القانون، لكن وقف إلى جانبها الآباء والمدرسون المحليون وأطلقوا عريضة لدعم أماندا جمعت ما يقرب من 1800 توقيع في غضون أيام.
وأضافت المنظمة أن مزارعا فقد وظيفته بعد نشره منشورا على حساب “إنستغرام” يتضامن فيه مع الشعب الفلسطيني. وقالت المنظمة إنه في شهر مايو، أطلقت منظمة تحمل اسم “أوقفوا اللاسامية” حملة ضد مؤيد شاهين، الباحث في عيادة كليفلاند كلينك، وقدمت الحملة ادعاءات كاذبة ضد مؤيد، وألمحت إلى أنه يمثل تهديدا للمرضى اليهود، وقد استجابت عيادة كليفلاند وأوقفت مؤيد لأكثر من أسبوع أثناء التحقيق في مزاعم ضده، ثم تمت تبرئته في نهاية المطاف وإعادته إلى منصبه. وفي حالة أخرى، تعرضت خبيرة التجميل في مدينة شيكاغو دانا حامد للطرد من وظيفتها بعد مشاركتها لمنشور تضامني مع فلسطين خلال الحرب على قطاع غزة.
في غضون ذلك، أطلقت منظمة “إن لم يكن الآن” ومناصرون للحقوق الفلسطينية في الولايات المتحدة، حملةً تطالب المبعوثة الخاصة للرئيس الأمريكي بايدن لمراقبة ومكافحة معاداة السامية، ديبراه ليبستادت، والتي أعلن عن تسميتها اليوم، الالتزام بمكافحة معاداة السامية بنزاهة، وتشمل الحملة التي أطلقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي على عريضة تطالب اليهود الأمريكيين بالتوقيع عليها لمطالبة السيدة ليبستادت بعدم الخلط بين مفهوم معادة السامية وانتقاد الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية.
وفي السياق، أكد المتحدث باسم حركة فتح أسامة القواسمي، أن معاداة وانتقاد ورفض الاحتلال الإسرائيلي “ليس معاداة ولا انتقادا للديانة اليهودية، وليس انتقادا ومعاداة للسامية مطلقا”، مضيفا: “الشعب الفلسطيني يناضل فقط لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن أرض دولته المعترف بها في الأمم المتحدة بأغلبية ساحقة”.
وأشار إلى أن الحركة الصهيونية هي التي تسعى وتريد ربط انتقاد وتجريم الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين، بمعاداة اليهودية والسامية، لكي تعمق وتطيل عمر الاحتلال دون محاسبة ومساءلة، ولإرهاب الناس والمسؤولين في العالم خاصة في أمريكا وأوروبا.
وأضاف: “هل للاحتلال والممارسات العنصرية وفرض نظام الأبرتهايد والقتل والإعدامات الميدانية، ومصادرة الأرض وهدم البيوت ومنع العبادة في المساجد والكنائس والاعتقالات الإدارية وغيرها، دين أو عرق؟ وما علاقة انتقاد هذه الممارسات البشعة التي تقوم بها إسرائيل بمعاداة السامية أو اليهودية”، مؤكدا “أننا نحترم الديانة اليهودية، ومن يسعى لربطهما معا، إنما يسعى لاستمرار هذه الممارسات بحق الشعب الفلسطيني”.
يشار إلى أنه وسط حالة التأييد للحقوق الفلسطينية، كُشف النقاب بأن المغنية الأمريكية المشهورة بيلي إيليش، فقدت آلاف المتابعين لترويجها ألبومها الجديد في إسرائيل، ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية “وفا” التي أوردت النبأ عن موقع “تريبورن” المتخصص بمتابعة المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي، إن الكثيرين يعتقدون أن المغنية الفائزة سبع مرات بجائزة “غرامي” للغناء قد أضرت بالمشاعر الفلسطينية من خلال الترويج لألبومها في إسرائيل.
وأشار الموقع إلى أن بيلي تلقت موجة من ردود الأفعال من متابعين في جميع أنحاء العالم بسبب فيديو ترويجي مدته عشرين ثانية نشرته عبر “TikTok” للسوق الإسرائيلية قالت فيه: “مرحبا إسرائيل، أنا متحمسة جدا لأن ألبومي الجديد واسمه “اسعد من أي وقت مضى” قد تم طرحه الآن”.
وبعدها تلقت المغنية آلاف الردود تقارن بين إعلانها ومواقف مشاهير آخرين مثل عارضتي الأزياء بيلا وجيجي حديد، إضافة إلى روجر ووترز من فرقة “بينك فلويد” الذين قاطعوا وأدانوا هجوم اسرائيل على غزة وسياسات التطهير العرقي في الشيخ جراح في القدس، وقد وكتب أحد متابعيها: “لقد جعلتِ يومي هذا حزيناً حقاً”. فيما أضاف آخر: “عندما كنت طفلاً، كنت أعتقد أنك الأفضل.. هذا يعني أنك لا تعارضين الفصل العنصري الإسرائيلي”.