دعوة بغداد لعقد المؤتمر الإقليمي، تحمل عدة رسائل منها إيجاد ثغرة في جدار عزلة إيران، ومحاولة الكاظمي تهيئة الأوضاع لعودته إلى قيادة العراق عقب الانتخابات المقبلة.
بغداد-»القدس العربي»: ضمن مساعيها لإيجاد دور إقليمي لها، دعت حكومة بغداد إلى عقد مؤتمر إقليمي لبحث أزمات ومشاكل دول المنطقة، في وقت ما زال العراق ساحة صراع إقليمي ودولي حاد، وسط توترات وتهديدات المجتمع الدولي بردع تجاوزات النظام الإيراني ونفوذه في المنطقة.
وقد بدأت حكومة بغداد، تحركها لاستضافة أول مؤتمر لدول الجوار الإقليمي للعراق نهاية شهر أغسطس (آب) الحالي، بهدف مناقشة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تواجهها دول المنطقة، حيث نقل بعض مبعوثي حكومة بغداد، الدعوات إلى قادة دول المنطقة لحضور المؤتمر المذكور، الذي من المقرر أن يعقد على مستوى القمة ويضم الدول المجاورة للعراق، إضافة إلى دول أخرى مثل مصر ودول أوروبية.
ولعله التوقيت مثير للشك والاستغراب، عندما تطرح حكومة بغداد فكرة عقد مؤتمر إقليمي لبحث القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية، بالتزامن مع تداعيات تشهدها المنطقة العربية، وتوترات ومخاوف من مواجهة محتملة بين الغرب وحلفائه وإيران على خلفية الاعتداءات على السفن التجارية في الخليج العربي وبحر العرب والتي تزامنت مع وصول رئيس إيراني متشدد جديد.
وتصاعدت احتمالات وقوع مواجهة بين الغرب وحلفائه وبين إيران على خلفية تعرض عدة سفن في الخليج العربي لهجمات إرهابية يتهم الغرب إيران وأذرعها بالمسؤولية عنها، وتعريض سلامة الملاحة والمصالح الدولية إلى المخاطر في منطقة حساسة بالنسبة للعالم. وقد توعدت الولايات المتحدة برد جماعي مع حلفائها على إيران فيما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في رسالة لإيران، أن «زمن الجلوس بكل راحة في طهران وإشعال الشرق الأوسط بأسره من هناك انتهى» كاشفا تحرك كيانه «لحشد العالم، ولكن في موازاة ذلك نعلم أيضا كيف نعمل بمفردنا».
أما دعوة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، لعقد المؤتمر الإقليمي، فجاءت عقب عودته من جولة الحوار في واشنطن وبالتزامن مع حملته «لإجراء الإصلاحات الاقتصادية في العراق» رغم الخلافات العميقة بينه وبين أحزاب السلطة، حيث أقر الكاظمي بوجود «تعمد لإبقاء العراق في دوامة الفوضى وإضعاف الدولة عبر الاستهداف الممنهج على حساب العراقيين وأبنائهم» في اشارة إلى تنامي نفوذ الدولة العميقة وفصائلها المسلحة وعجز الحكومة عن مواجهتها.
ولعل هذه الحقيقة وراء تصريحات السفير الأمريكي لدى بغداد ماثيو تولر، إن بلاده ناقشت قضية «الإفلات من العقاب» مع الحكومة العراقية خلال جولة الحوار الاستراتيجي التي عقدت أخيرا في واشنطن، موضحا أن بغداد أعلنت انها قادرة على محاسبة المتسببين بالاغتيالات والقتل، والمتسببين بالعنف! مؤكداً أن «تغيير مهمة القوات الأمريكية في العراق لا يعني مغادرتها كما تطالب به الفصائل» فيما وصف الفصائل المسلحة بأنها «مشكلة» وأن «بعض جيران العراق يعتبرون أن الدولة العراقية ضعيفة؛ لذا يحاولون التدخل وفرض إرادتهم وأجندتهم فيها» في إشارة واضحة إلى إيران.
وردت الفصائل الولائية، بالتهديد بمواصلة شن هجماتها على القوات الأمريكية رغم إعلان واشنطن نيتها سحب قواتها المقاتلة من البلاد في نهاية العام الحالي. وقد انعكس ذلك عبر استمرار مهاجمة أرتال نقل معدات التحالف الدولي أثناء مرورها في جنوب العراق، وإعلان القوات الأمنية إحباط ثلاث هجمات على قواعد عراقية فيها جنود أمريكان.
وفي شأن آخر ذو صلة، لم تكن مراسم تسلم الرئيس الإيراني الجديد ابراهيم رئيسي مهام أعماله ومشاركة وفد عراقي كبير فيها يضم الرئيس برهم صالح، حدثا عابرا للعراقيين والمراقبين، بل أخذ حيزا كبيرا من الاهتمام والتركيز، نظرا لتداعيات سياسة الرئيس الجديد المتوقعة على علاقة بلده بالعراق.
وحسب كالة «فارس» الإيرانية، فإن زيارة الرئيس برهم صالح، وبعدها الزيارة المرتقبة للكاظمي لطهران، تعزز المنهج الذي شدد عليه الرئيس الإيراني الجديد ابراهيم رئيسي قبل شهور من فوزه في السباق الرئاسي، حينما زار العراق منتصف شهر شباط/ فبراير الماضي، كرئيس للسلطة القضائية. فما قاله وصرح به رئيسي من بغداد، كان واضحاً إلى حد كبير، ويعكس حقيقة الرؤية الإيرانية للعلاقات بين بغداد وطهران. وكان رئيسي قد قال خلال تلك الزيارة «ايها العراقيون .. لحمنا لحمكم ودمنا دمكم إلى يوم القيامة!». وهو ما عده المراقبون، إيذانا بأن مرحلة الرئيس الجديد ستشهد المزيد من الضغوط والنفوذ الإيراني على حكومة العراق، لتقديم المزيد من التنازلات لدعم الاقتصاد الإيراني المنهار، والسكوت عن تنامي نفوذ الفصائل الولائية، إضافة إلى توجيه سياسة حكومة بغداد بما يخدم سياسة طهران، أي ان العراق سيكون ورقة طهران القوية في المفاوضات النووية أو مواجهة الغرب وغيرها.
ويبدو ان تصعيد التوتر في المنطقة، سواء في العراق أو عبر شن النظام السوري هجوما واسعا على مناطق المعارضة، واطلاق صواريخ من جنوب لبنان على فلسطين، وهجوم حوثي جديد، إضافة إلى مهاجمة السفن، كلها ملامح للسياسة الإيرانية الجديدة.
ولم يكن رئيس الجبهة الوطنية المدنية اياد علاوي، بعيدا عن هذه المخاوف عندما دعا «إيران والولايات المتحدة إلى ترك العراق للعراقيين كي يقرروا مصير بلدهم» محذرا العراقيين من إنزلاق البلاد إلى مشاحنات ومعتركات طائفية، ومحاصصة مقيتة تفتك بها، في اشارة إلى الانتخابات التي توقع ان يقاطعها الشعب «لعلمه المسبق بنتائجها المخيبة لآماله وطموحاته» إضافة إلى تحذيره من «مؤامرة لتقسيم العراق».
وهكذا فإن دعوة حكومة بغداد لعقد المؤتمر الإقليمي، تحمل عدة رسائل منها محاولة إيجاد ثغرة في جدار الحصار والعزلة المتصاعد الذي تفرضه الولايات المتحدة وحلفائها ضد إيران، إضافة إلى محاولة الكاظمي تعزيز موقفه محليا وإقليميا ودوليا، وذلك ضمن مساعيه لتهيئة الأوضاع لعودته إلى قيادة العراق عقب الانتخابات المقبلة، إذا كان ذلك ممكنا.