أدت العملية الإرهابية التي جرت في باريس أول أمس إلى ردود فعل عالمية منددة، ولكن الإجماع العالمي على إدانة المجزرة ضد مجلة تضمّ صحافيين ورسامي كاريكاتور وموظفين أبرياء لا يكفي، فالعملية، بسبب رمزيتها العالية ووحشيتها وسياقها التاريخي، تستحق تحليلاً هادئاً، وذلك أقل ما يمكن فعله للصحافيين الذين قتلوا فيها.
ولأن خلفيات الحدث الإجرامي، وتبعاته، سياسية، أولا وأخيراً، فإنها ستكون محطة للاستخدام المكثف والتلاعب بين تيّارات سياسية عديدة، أهمّها حركات اليمين المتطرف، على شاكلة حركة «بيغيدا» الألمانية، و»الجبهة الوطنية» الفرنسية، و»الحزب القومي البريطاني»، وحركات السلفية المتطرّفة في العالم الإسلامي، وأنظمة الاستبداد والاحتلال، كدولة إسرائيل وأنظمة الطغيان العربية والإقليمية.
سارعت أغلب الدول والتيّارات السياسية إلى التنديد بالعملية ومحاولة التلاعب بها، كما فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما دعا أمس لاتخاذ «رد فعل عالمي» ضد «الإسلاميين المتطرفين»، قائلا: «يتم مهاجمة إسرائيل من القوى نفسها التي تهاجم أوروبا»، ومعتبرا أن إسرائيل تقدر «الحرية والتسامح» بينما هم «يحترمون الطغيان والإرهاب».
وهذا يقودنا بالطبع إلى أول المغالطات الكارثية التي يريد نتنياهو جرّنا إليها وهو فصل حرية التعبير، واستخدامها انتهازياً ضد باقي الحريات الأساسية للبشر، وفي طليعتها حرية الحياة، والملكية، والتنقّل، وعدم التمييز العنصري، والحرية الدينية والفكرية، وعدم التعذيب، والعدالة الخ… وهي حرّيات تنتهكها إسرائيل، كما تفعل أنظمة الطغيان، ومنظمات الإرهاب، وتيارات اليمين المتطرف الغربية التي يدّعي نتنياهو افتراقه عنها.
تحمي حرّية التعبير هذه الحرّيات جميعها، ولكنّها لا تتفوّق عليها، فالمحروم من وطنه، والمحتلّة بلاده بسلطات استيطانية، كما الفلسطينيين، أو يعاني من ممارسات بطش وتعسّف تفوق ممارسات الاحتلال على يد أبناء وطنه، كما هو الحال مع ملايين السوريين والعراقيين، يحاول الحفاظ أساساً على حقّه بالحياة، وهو الذي طورد واعتقل وسجن وعذب وقتل لأنه طالب بحرية التعبير والانتخاب والعدالة والعيش الكريم.
المغالطة الكبرى الثانية التي تنتهز هذه القوى حدث «شارلي ايبدو» لتفعيلها هي نقل الحدث من طبيعته السياسية، الأرضية، وتصويره على أنه صراع دينيّ مع الإسلام نفسه، وهي انتهازية تشترك في استخدامها المؤذي قوى لا عدّ ولا حصر لها، بحيث يقتطع الحدث من سياقه الفرنسي والعالمي (والذي تفاعل بالتأكيد مع آليات التهميش والإقصاء والعنصرية للمسلمين والأجانب عموماً، وصولاً إلى تاريخ من الممارسات الوحشية للاحتلال الفرنسي لدول المغرب العربي، وبتر التطوّر الديمقراطي في الجزائر خلال العشرية السوداء) ويوضع فقط في سياق العداء للمسلمين والإسلام.
تكاد وقائع استفحال التطرّف في كل مكان، من بورما والصين والشيشان وداغستان، مروراً بالبقعة الملتهبة للمشرق العربي، وصولاً إلى الضواحي الفقيرة والمهمشة في الغرب، تفقأ العين بكشفها الجليّ عن إفلاس عالميّ هائل في التعامل مع ميراث أكثر من مئة عام من السيطرة الكولونيالية على العالم، فقوى الديمقراطية العالمية استطاعت تفكيك الاستبداد في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي وجنوب افريقيا وأمريكا اللاتينية، لكنها تقف عاجزة أمام مثالها الاستشراقي والاستيطاني والكولونيالي مجسداً في إسرائيل، كما أن نزعتها النفعية والانتهازية في التعامل مع أنظمة الاستبداد العربية، وحروبها الكارثية في أفغانستان والعراق، ومدرستها الاستشراقية التقليدية في التعامل مع العالم الإسلامي، انعكست تدهوراً نحو درك فظيع من الوحشية تشارك فيه أنظمة متهالكة مع إفرازات تاريخها الإجرامي من «الدولة الإسلامية» إلى «عصائب أهل الحق» و»أحزاب الله» وصولاً إلى «الحوثيين» و»أنصار الشريعة» من تعيّنات لتفكك وتخلخل المجتمعات وانحلالها وانتقامها من المجتمع والدولة معاً.
المغالطة الكبرى الثالثة تتجلّى فيما عبّر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في طلبه من المؤسسات الدينية المصرية البدء بثورة إسلامية، وهو بذلك يعتبر ما يحصل في العالم مشكلة في الإسلام نفسه وليس في الاختلالات السياسية الكبرى القائمة في العالم والتي تؤسس للظلم والعسف وإرهاب الدول.
والواقع أن شؤون التنمية والعدالة الاجتماعية وحقوقهم الإنسانية بالحياة والتملّك (تذكّروا أهالي رفح المصرية المقتلعين من بيوتهم) والتنقل والتعبير والانتخاب، هي ما يشغل المصريين والعرب، أما الدعوة لـ»تجديد الفكر الإسلامي» فهدفها وضع اللوم على الإسلام نفسه وعلى المسلمين، واستخدام المؤسسات الدينية المصرية في الصراع السياسي الجاري على الأرض، وهو ليس صراعاً على الإسلام وتفسيره، كما تزعم الأطراف المتصارعة، بل هو صراع شرس على السلطة، واستخدام الرئيس المصري هو توظيف نفعيّ وإجرائي يخرّب ويضرّ الإسلام نفسه بتحميله مسؤولية ما يجري في العالم.
الإسلام ليس مسؤولاً عن المجازر، في «شارلي ايبدو»، كما في غزة وحلب وبغداد و»رابعة». المسؤول هم من يرتكبون الجرائم، أيّا كانت الراية التي يرفعونها.
رأي القدس
تعقيب على المقال
أدمـــــــائنا مـــاءٌ ودمـــائـــــهم دمٌ !!
وأنا أبحث عن تلك المقارنة البسيطة التي جعلت مجلس الأمن يهرول للوقوف دقيقة صمت،على الضحايا الفرنسين في شارل أيبدو الصحيفة الساخرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي لا يختلف فيها اثنين على أنه عمل إرهابي وجريمة بشعة ينكره أي شخص عاقل باختلاف توجهاته الفكرية والايديلومجية، ولم يقف دقيقة صمت ترحما على أرواح ازيد من 2000 ضحية التي تم اغتيالها في العدوان الأخير على غزة، للأسف لم أجد أي تحليل منطقي للحادثة وأنا أعود بذاكرتي السيئة إلى ذلك العدوان الذي سوى الأرض بسكان غزة، حيث قتل المئات وشرد الآلاف لا يزالون يتجرعون مرارة الشتاء القاسي ويغصون باستيقانهم العارية في أوحال الأمطار الأخيرة في غزة، في ظل تأخر الاعمار وتقاعس إمدادات والمساعدات المالية التي أقرتها ما يسمى بالدول المناحة خلال العام الماضي.
*التطـــرف وصــراع الحـضـارات
عندما تكلم صمويل هنينغتون عن نظريته “صراع أوصدام الحضارات”، ركز في جميع أفكاره تقريبا على الثقافات وعدم تقبل أي طرف لملامح الأخر مما قد يشكل توجسا رئيسيا يؤدي نحو الصراع ، إلا انه اغفل أن سبب الصراع قد يكون منتجا غربي الصنع يذكي هذا البركان الخامد من أجل إضعاف دول وتذليل شعوب، بتوجيه حرب استباقية يتم فيها تجسيد عدة نظريات على غرار “الدولة الفاشلة ” أوالجيل الرابع من الحروب وهو مرتبط بالتعفن الداخلي والصراع بين المواطنين في الدولة الواحدة على أساس اثني وعرقي وطائفي ينسف أي جهود نحو التعايش فما بالنا الجلوس على طاولة واحدة للحوار من أجل التفكير حتى لبناء دولة !، كما تكون السمة البارزة في هذه الدولة هي الإرهاب في جميع الاتجاهات فلا وقت للبناء لكن الوقت كافي جدا للهدم ولاراقة الدماء.
وهذا ما يتجسد اليوم فيما يسمى اعلاميا بـ”الربيع العربي”، الذي حول بعض الدول العربية الى مستنقع للحروب الطاحنة في البيت الواحد ليتربع الفشل على مكان بناء “الدولة الوطنية” وربما لن تقوم لهذه الدول قائمة مستقبلا وسيتم تقسيمها مثلما حدث في السودان ويتعفن الوضع مثل الصومال وهو نفس المصير الذي تتجه إليه ليبيا واليمن والعراق وسوريا ولبنان وهذا بدعم واضح المعالم للأطراف محلية وبطبخة غربية لتمرير مخطط جديد يخدم الكيان العبري الذي في كل مرة يغير على شعب أعزل محاصر ويخلف ألاف القتلى والمشردين والثكالى ولا يتحرك مجلس الأمن ولا الأمم المتحدة للوقوف دقيقة صمت على ضحايا العدوان فما بالنا بتوقيفه !!.
لا يختلف مسلمان بالغان عاقلان يعيان الحقيقة السمحاء للدين الإسلامي على أن الذي تم القيام به في شارل أيبدو الفرنسية هوعمل غير أنساني بشع تنكره جميع الشرائع السماوية والوضعية، كما لا يتفقان أيضا على سياسية الكيل بمكيالين التي يتم تطبيقها في مجلس الأمن والأمم المتحدة ضد الدول الضعيفة، فلا يتحرك هذا الكيان إلا في الاتفاق لإصدار مذكرات لحشد الرأي العام العالمي لتدمير الدول عسكريا على حصان طروادة الذهبي المتمثل في ” الديمقراطية و”حقوق الإنسان”، وتشريد مجتمعات بأكملها، فضلا عن تجنيد جميع وسائل الإعلام لتشويه صورة الاسلام وتقديمه للرأي العام العالمي في طبق إعلامي يمجد القتل ويسفك الدماء وبهذه الطريقة تزداد دائرة الصراع التي تحدث عنها صمويل هنينغتون ليس من باب اختلاف الثقافات ولكن من باب أن الغرب يفتعل الصراع لتجسيد غريزة “السيطرة” في قانون غاب جديد بتوابل”الحرية والديمقراطية” وليس صراعا من أجل البقاء الذي تحدث عنه تشارلز داروين عند الحيوان البدائي.
لم نسمع يوما مجموعات الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان واحترام الأديان والثقافات التي صدعت أذاننا بتقاريرها اليومية حول وضعية حرية التعبير في الدول المتخلفة، أن توجهت الى وسيلة إعلامية غربية بما فيها صحيفة شارل أيبدو وعملت على توقيفها أمام مسؤوليتها ضد ما قامت به ضد رسول الاسلام والمسلمين، وهذا طبعا بداعي الحرية كمفهوم غربي، هذا المصطلح الذي كلف مقتل 12 شخصا في شارل ايبدو،أرهق المنظرين والفلاسفة، ودمر شعوبا وفكك دول، فقط لان تغييب المسؤولية الاجتماعية عن هذه الأفعال التي تعني الاحترام المتبادل والتعايش من أجل البقاء وليس الصراع .
ضد الإرهاب وضد تطرف شارل ايبدو
ليس تبريرا لما قام به المتطرفون المشتبه فيها ب باريس ولكن الأشياء المنطقية يجب ان يتم عرضها لإظهار بعض الحقيقة التي يرغب البعض في طمسها وتوجيه الدفة بازيز إعلامي قوي مبرمج نحو الاسلام الذي يتبرأ تماما من هؤلاء، حيث وبعد ان تغيبت نظرية المسؤولية الاجتماعية في الإعلام، في صحيفة شارل ايبدو فتح الأمر الباب على مصرعيه للتطرف في عرض الأفكار وفي الرأي والقذف والسب والشتم فهي بهذا المنطق أقرب الى الدعاية من الإعلام، الذي أدى الى استفزاز مشاعر أكثر من مليار ونصف مسلم، هذا التطرف الإعلامي أذكى نيران الحقد والكراهية لدى المسلمين حتى داخل المجتمعات الغربية، فقاموا بعملية القتل تلك البشعة إذا افترضنا صحة الرواية الرسمية الفرنسية، فالتطرف هو جوهر الصراع القائم بين الحضارات، وليس الثقافات كلها كما يراها صاموييل هنينيغتن فهو يمثل جزيء شاذ وهامشي في الثقافة منبوذ حتى وسط الثقافة الواحدة وهولا يمثل الثقافة كلها فما بال أن يمثل حضارة بكاملها !!، فالتطرف لا ينتج الا التطرف وصراعا دائما ليس من اجل البقاء فقط بل ينتج صراعات أيضا حتى من اجل الموت.
فمجلس الأمن بتصرفه ووقوفه دقيقة صمت على أرواح الضحايا الفرنسين فقط ولم يقف دقيقة صمت أمام الأرواح التي سقطت في العدوان على غزة خلال العام الماضي من شأنه ان يصنع التطرف ايضا لانه “كيل بمكيالين” في دول تدعي الديمقراطية وحرية التعبيروحقوق الإنسان وهذا واضح جدا !! خاصة بعد وقوف بعض الدول الكبرى ضد جرالقادة الصهاينة الى مقصلة الجنائية الدولية بعدما اتجهت الدولة الفلسطينية للانضمام لهذه المنظمة ليبقى السؤال مطروحا امام اعضاء مجلس الامن هل دماء الفلسطينيين ماء ودماء الفرنسين دم؟ !! .