الجثّة

راحت تقطع الممرّ ذهابا وإيابا ومع كلّ خطوة كان القلق يضيف علامة يأس على وجهها. كادت تعترض ممرضة عبرت على عجلة في شغل ما، ثمّ أعرضت وانصرفت إلى الهاتف النقال.
سامي أختك وزوجها ألقيا نظرة الوداع الأخيرة على جثة أبيك ومثلهما فعل الأقارب والمعارف، الجميع سبقونا إلى المقبرة لقد وعدتني أن تأتي اليوم
تعرف أنّ ابنها سامي يدرك كلّ شيء ولا يحسّ بأيّ شيء، يوم رافقها إلى التسوق ذكر لها عن ظهر قلب أسعار البضائع التي اشترتها ومجموع ما تدفعه قبل أن تبدأ الحاسبة في السوبر ماركت عملها، عندئذٍ قيل لها إن سامي متوحد.. أكثر دقّة من أي حاسبة يمكنه أن يعمل في أي مشروع علمي، لكن عليها أن تضع في بالها أنّه لا يعرف البكاء، لا يبالي بالجنائز، ولا تهمّه الأعراس، سواء عنده السواد والألوان الزاهية، فلا تعجب حين تتعثر وتسقط فتتألم وتراه يضحك، العالم بنظره بارد لا حسّ فيه. اليوم مات أبوك يا سامي بالسكتة القلبية وبعد ثلاثة أيام نزوره لنلقي آخر نظرة عليه.
ألا يحرقونه؟
نحن كاثوليك ياولدي آثوريون من الشرق ندفن موتانا ولا نحرقهم.
ماذا عليّ أن أفعل؟
تأتي بعد يومين معنا لتراه.
كان يهزّ كتفيه ويقول ببرود مفرط:
أووه حجزت مع رفاقي في العمل تذكرة سفر إلى لندن، لذلك اشتريت بيجامة جديدة، لا بأس سأعطيها لأبي ماداموا لا يحرقونه وأشتري غيرها.
لقد انصرف الجميع إلى المقبرة وبقيت تنتظره، وقبل أن تبدأ الحديث معه في الهاتف النقّال لمحته يقطع الممر فينزل الحقيبة من على كتفه فوق أحد الكراسي:
ألا تدخل إلى والدك؟
تجاهل سؤالها وانشغل يفتح الحقيبة:
خذي وعدتك أن تكون البيجامة هدية له ما داموا لا يحرقونه.
تعجّل فلم يبق لدينا مزيد من الوقت لتلقي عليه نظرة الوداع.
فأجاب ببروده المعروف:
هذا ليس أبي إنها مجرّد جثّة لا تعرفني جثّة فقط!
ألقى بين يديها البيجامة ثمّ التقط حقيبته وغادر وكانت تقف وسط الممرّ كتمثال ألقى أحد العابرين بين يديه المنبسطتين قطعة قماش مبهمة الألوان!

كاتب و شاعر عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية