أنقرة- “القدس العربي”: أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأول مرة، الجمعة، أن حركة طالبان عرضت على تركيا رسمياً تشغيل مطار حمد كرزاي الدولي في العاصمة كابول، وهو ما تسعى إليه تركيا منذ أسابيع، قبل أن ترفض الحركة بشكل مطلق بقاء القوات التركية التي واصلت لليوم التالي عملية الانسحاب، وهو ما دفع أنقرة لإعادة حساباتها في ظل تأكيدها على صعوبة إدارة المطار بطواقم تركية بدون تواجد قوات عسكرية لحماية المطار والموظفين الأتراك.
وقال أردوغان في مؤتمر صحافي قبيل مغادرته إلى البوسنة والهرسك التي يزورها الجمعة: “لدى طالبان عروض لنا بخصوص تشغيل مطار كابول، يقولون نحن نتولى مسألة أمنه وأنتم تشغيله، نحن لم نتخذ قرارا بعد بهذا الصدد”، لافتاً إلى أن لقاء جرى بين ممثلي السفارة التركية وحركة طالبان في المطار العسكري بالعاصمة كابول استمر لمدة 3 ساعات ونصف، وأن لقاءات مماثلة ستعقد “إذا تطلب الأمر في المرحلة المقبلة”.
وبينما أعلن أردوغان أن بلاده تواصل إجلاء جنودها من أفغانستان وستستكمل هذه المهمة “في أقرب وقت”، شدد على أن جهود الإخلاء تتواصل بشكل مكثف و”وضعنا بدقة الخطط اللازمة من أجل مواطنينا الذين يريدون العودة إلى تركيا من أفغانستان، وحاليا بدأ مواطنونا بالعودة”، لافتاً إلى أن المسار الأكثر استخداما للإجلاء هو عن طريق مطار كابول العسكري إلى العاصمة الباكستانية إسلام أباد ومنها إلى أنقرة عبر الخطوط الجوية التركية.
والجمعة، أكد التلفزيون الرسمي التركي وصول طائرة إجلاء ثانية إلى العاصمة أنقرة بعد يوم من وصول طائرة أعادت 345 تركياً من أفغانستان. وأوضح التلفزيون أن عملية الإجلاء تمت أولا عبر نقل الجنود من كابول في طائرة شحن عسكرية للقوات التركية، إلى العاصمة الباكستانية إسلام أباد، ومن هناك عبر طائرة ركاب للخطوط الجوية التركية إلى أنقرة.
وفي أحدث تقييم له حول الوضع في أفغانستان، قال أردوغان إن “أفغانستان تعاني حاليا من فراغ كبير بالسلطة، وتركيا ومؤسساتها ستتخذ قرارها وموقفها بعد أن تتحدد الإدارة في أفغانستان، وتصبح واضحة”، مشدداً على أن بلاده ليست مستعجلة بخصوص استئناف الرحلات الجوية إلى أفغانستان، وسيتخذون القرار المطلوب عندما يخيم الهدوء هناك.
وعلى الرغم من تأكيد أردوغان بدء اتصالات سياسة مباشرة مع حركة طالبان، إلا أن التقييم التركي للأوضاع الأمنية في كابول خلال المرحلة المقبلة تغير بشكل سريع خلال الأيام الأخيرة، حيث اتُخذ قرار سريع ومفاجئ بسحب القوات التركية من مطار كابول، كما اتُخذ قرار بنقل السفارة التركية إلى المطار العسكري مؤقتاً، قبل أن تقع انفجارات المطار التي أكدت خطورة الوضع الأمني.
التقييم العسكري والاستخباري المتعلق بالوضع الأمني في كابول خلال المستقبل القريب ينعكس بدرجة أساسية على خطط أنقرة للبقاء في أفغانستان، لا سيما فيما يتعلق بإدارة مطار كابول الذي تعرض لهجمات دموية رغم انتشار قوات عسكرية من الناتو وفرض حركة طالبان طوق أمني مشدد، وهو تطور جاء بمثابة جرس إنذار دق ناقوس الخطر وأعاد التذكير بقوة بصعوبة الوضع الأمني في أفغانستان.
هذا المشهد جعل من الصعب جداً على المستويين السياسي والعسكري في تركيا المخاطرة بإبقاء القوات التركية هناك خشية تعرضها لهجمات قد توقع ضحايا في صفوفها، وهو ما قد يشعل غضباً داخلياً في تركيا يهدد مستقبل الحكومة، لاسيما عقب تحميل كبار أحزاب المعارضة الرئيس أردوغان المسؤولية عن حياة الجنود الأتراك في حال لم يسحبهم من أفغانستان.
ويقود هذا المشهد إلى الاعتقاد بصعوبة لجوء أنقرة للموافقة على عرض حركة طالبان بإدارة مطار كابول تقنياً وفنياً عقب سحب القوات التركية. فأنقرة التي كانت مترددة وتخشى على حياة الجنود في حال بقائهم لحماية المطار، من غير المتوقع على الإطلاق أن تخاطر في المرحلة الحالية بالإبقاء على طواقم مدنية تركية والاكتفاء بالحماية التي وعدت حركة طالبان بتوفيرها، لا سيما وأن حكم الحركة ونظامها الأمني لم يستقر بعد، في ظل غموض كبير جداً على حول مستقبل الأوضاع الأمنية والسياسية في أفغانستان.
وبعد الحماس الكبير الذي أبدته أنقرة بالانفتاح على حركة طالبان وإدارة المطار، إلا أن موقف الحركة بالإصرار على انسحاب القوات التركية والتطورات الأمنية الخطيرة التي شهدتها كابول وخاصة محيط المطار، يدفعان أنقرة إلى التروي بقدر كبير وإعادة الحسابات بدقة، لحين اتضاح معالم المرحلة المقبلة بناء على مجموعة عوامل أبرزها ظروف إتمام الانسحاب الدولي، وطبيعة الحكم الذي سترسخه الحركة خلال المرحلة المقبلة، إلى جانب مستوى الاستقرار الأمني الذي ستتمكن طالبان من تطبيقه في البلاد عموماً والعاصمة خصوصاً. وهي عوامل ستكون حاسمة لاتخاذ قرار تركي نهائي بالموافقة أو رفض عرض طالبان بتشغيل المطار.
وعلى الرغم من انسحاب القوات التركية بناء على طلب طالبان، إلا أن ذلك لا يعني عدم إمكانية عودتها بصيغة جديدة مختلفة، حيث تبدي طالبان انفتاحاً كبيراً على كسب الموقف التركي والتعاون مع أنقرة لترسيخ إدارتها خلال المرحلة المقبلة، لكنها أصرت على انسحاب القوات التركية كون مهمتها كانت في إطار الناتو وما تعتبرها “قوات الاحتلال”، وبالتالي يمكن أن توافق الحركة لاحقاً على عودة القوات التركية بصيغة جديدة وفي إطار اتفاق ثنائي بين البلدين، وهو ما سيسهل على أنقرة اتخاذ قرار بالموافقة على تشغيل المطار.