الرباط ـ«القدس العربي»: يكثر الجدل في كل محطة انتخابية بالمغرب حول تمثيلية النساء وتوسيع مشاركتهن في الاستحقاقات، وكانت اللائحة النسائية من أهم مستجدات الانتخابات السابقة التي جرت في سنة 2016 حيث أعطت للحضور النسائي بعدا عدديا تجاوز ما هو رمزي إلى الكثافة في التمثيل.
ورغم ذلك، تعالت بعض الأصوات من داخل جمعيات مدافعة عن حقوق المرأة، التي تؤكد أن الطريق ما زال طويلا لبلوغ هدف المناصفة الكاملة.
وكشفت الأرقام التي أعلنت عنها وزارة الداخلية المغربية بخصوص الترشيحات النسوية لعضوية المجالس المحلية في الأقاليم، أنه سجل ارتفاعا مهما مقارنة مع انتخابات سنة 2015 إذ بلغ مجموع النساء المترشحات لانتخاب مجالس «الجماعات» و«المقاطعات» ما مجموعه 47 ألف و60 مترشحة، أي بنسبة تقارب 30 في المئة من العدد الإجمالي للترشيحات، منهن 23 ألف و191 مترشحة في «الجماعات» التي ينتخب أعضاء مجالسها عن طريق الاقتراع باللائحة و23 ألف و869 في «الجماعات» الخاضعة لأسلوب الاقتراع الفردي.
وكانت القوانين الجديدة التي جرى اعتمادها خلال الاستحقاقات الحالية، والمنظِّمة للعملية الانتخابية مبعث تفاؤل كبير لدى نساء المغرب اللواتي سيتمكن من تعزيز تمثيليتهن وتوسيع مشاركتهن، وهو ما يتجسد في سنّ مقتضيات تنظيمية مؤطرة للمنظومة الانتخابية، هدفها الأساس هو تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال على حد سواء.
ويبقى القانون التنظيمي رقم 04.21 الذي يهم مجلس النواب، خير دليل على مضي المشرع المغربي في اتجاه تحقيق المناصفة وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال؛ فقد شكل تصورا بديلا، حيث جرى تعويض «الدائرة الانتخابية الوطنية» بـ«دوائر جهوية» مع توزيع المقاعد المخصصة حاليا للدائرة الانتخابية الوطنية 90 مقعدا على الدوائر الانتخابية الجهوية وفق معيارين أساسيين، يأخذ الأول بعين الاعتبار عدد السكان القانونيين للجهة، ويتحدد الثاني في تمثيلية الجهة اعتبارا لمكانتها الدستورية في التنظيم الترابي للمملكة.
واقترح القانون في هذا الإطار، تخصيص ثلاثة مقاعد كحد أدنى لكل «دائرة جهوية» وتوزيع الباقي والبالغ عددها 54 مقعدا بحسب عدد السكان، على أن لا يزيد العدد الأقصى على 12 مقعدا في أكبر دائرة جهوية.
فيما يتعلق بتعزيز تمثيلية المرأة بشكل مباشر، فقد اشترط القانون أن تشمل كل لائحة ترشيح على أسماء مترشحات لا يقل عددهن عن ثلثي عدد المقاعد الواجب ملؤها في كل دائرة انتخابية جهوية، مما يمكن من إدراج أسماء مترشحين ذكور ضمنها في حدود ثلث المقاعد (شباب، كوادر، أفراد الجالية).
شرط آخر ينضاف إلى ذلك، وهو تخصيص المرتبتين الأولى والثانية في كل لائحة ترشيح حصريا للنساء، ولا يحول ذلك دون حقهن في الترشح برسم المقاعد المحددة للدوائر الانتخابية المحلية، إلى جانب اشتراط التسجيل في اللوائح الانتخابية لإحدى الجماعات الواقعة في النفوذ الترابي للجهة المعنية بالترشيح لضمان تمثيلية جهوية حقيقية.
بالنسبة للقوانين المؤطرة للعملية الانتخابية، فقد كانت الأمور واضحة جدا، وهي السير في اتجاه الرفع من تمثيلية النساء وتوسيع مشاركتهن، وبالتالي ولوجهن إلى المسؤوليات الانتدابية.
وتسير باقي النصوص المؤطرة في الاتجاه نفسه، وهو تكريس المناصفة كمبدأ أساس في الممارسة الديمقراطية بالمغرب الذي يحرص على أن يكون للنساء حضور وازن في المشهد السياسي ومن خلال مناصب المسؤولية الانتدابية.
وإذا كانت تمثيلية النساء خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2016 قد ارتفعت إلى 81 امرأة من أصل 395 في مجلس النواب بنسبة 20.5 في المئة، 60 منهن وصلن عن طريق اللائحة النسوية الوطنية، و9 عبر اللوائح المحلية، و12 عبر لائحة الشباب، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 4 في المئة، فإن المقتضيات الجديدة ستسهم لا محال في توسيع المشاركة النسائية والرفع من تمثيليتها، وهو ما يعني التنفيذ الواقعي والتشريعي لمقتضيات الدستور القاضية بتعزيز المشاركة النسائية التي ظلت مطلبا ملحا للحركة النسائية، تؤكد وكالة الأنباء المغربية.
اتهامات ثقيلة
بعد أن عملت القوانين على إنصاف المرأة في الانتخابات المقبلة، تعالت أصوات نسائية مسجلة عددا من الملاحظات حول سلوك الأحزاب السياسية في ما يتعلق بحضور المرأة وترشيحها.
في هذا الإطار، وجهت «الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب» اتهامات ثقيلة إلى الأحزاب بتحويل نظام «الكوتا» أي المحاصصة، «من آلية ديمقراطية من أجل مشاركة سياسية أكبر للنساء في تسيير الشأن المحلي والوطني لأداة للتحكم والإقصاء والمتاجرة، قد تصل حد الابتزاز».
وقالت في بيان لها إن الأحزاب مارست «مجموعة من المضايقات على النساء العازمات على الترشح داخل الأحزاب السياسية للحصول على التزكيات» مؤكدة أن هذا السلوك «طال قيادات نسائية وكفاءات راكمن التجربة السياسية والعمل عن قرب من طرف بعض الأحزاب السياسية».
الجمعية النسائية التي نددت بمنع قياديات سياسيات من الترشح للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، اعتبرت أن «إقصاء بعض المناضلات القياديات من الترشيح للانتخابات البرلمانية أو الجهوية هو مس بحقوق النساء وتمييز ضدهن ومثال حي عن غياب استراتيجية للتمكين السياسي للنساء».
وعبرت عن «قلقها الشديد تجاه هذه الممارسات الخطيرة، التي تعتبر من الأسباب الأساسية لضعف المشاركة السياسية للنساء». وبالنسبة للهيئة النسائية، فإن «العديد من الاعتداءات التي تعرضت لها المستشارات في الولاية السابقة، ليست حوادث عرضية تخص حالات منفردة بل هي ظاهرة تدخل في إطار العنف السياسي المبني على النوع الاجتماعي، والذي يهدف من خلاله المعتدون إلى إرهاب النساء وعزلهن عن الفضاء العمومي وإقصائهن من العمل السياسي، مما يزكي أهمية مراجعة قانون مناهضة العنف ضد النساء».
إضافة إلى ذلك، دعت الجمعية إلى «إصلاح المنظومة الانتخابية وعلى رأسها القانون التنظيمي للأحزاب السياسية باعتماد مقاربة تشاركية تأخذ بعين الاعتبار مقترحات المجتمع المدني والجمعيات النسائية لضمان تمثيلية أكبر للنساء، وتمكينهن سياسيا وفاء بالتزامات المغرب بإعلان وبرنامج عمل بكين وبأهداف الألفية للتنمية».
مناهضة التمييز
بالنسبة للباحث الجامعي محمد زين الدين، فإن أكبر مستفيد من الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة يوم 8 أيلول/سبتمبر المقبل يبقى هو العنصر النسوي، بعدما جرى تسجيل تقدّم مهم جدا في الترشيحات المقدمة من قبل النساء على المستويات الثلاثة لهذه الاستحقاقات.
وحسب مقال للباحث تحت عنوان «ملاحظات أولية حول ترشيحات الانتخابات لسنة 2021» أوردته وكالة الأنباء المغربية، فإن هذا الحضور القوي للنساء في الانتخابات القادمة، سواء في شقها التشريعي أو الجماعي أو الجهوي، يعتبر مكسبا ديمقراطيا، يُحسب لهذه الاستحقاقات، ومن شأنه الرفع من تمثيلية النساء داخل مجلس النواب، وكذلك داخل المجالس الجماعية والجهوية.
وتحدث الباحث في مقاله بلغة الأرقام، مؤكدا أننا نجد أن عدد المرشحات لمجلس النواب بلغ 2329 وهو ما يمثل زيادة بنسبة 34.17 في المئة مقارنة مع استحقاقات 2016 وهو ارتفاع، برأيه، سيمكن من ولوج أكثر من 90 امرأة إلى مجلس النواب المقبل، بما يحقق انسجاما مع مقتضيات الفصل 19 من الدستور المغربي الداعي إلى تحقيق المناصفة.
الباحث أكد أن الحضور الوازن للعنصر النسوي على مستوى الترشيحات المقدمة في مختلف هذه الاستحقاقات، يرجع إلى التعديلات القانونية التي أقدمت عليها الدولة على مستوى القوانين التنظيمية الأخيرة بهدف تقوية آليات التمييز الإيجابي، الساعية إلى دعم التمثيلية النسوية بمختلف الجماعات الترابية، الأمر الذي كان له انعكاس إيجابي على الرفع من نسبة ولوج النساء إلى الترشيحات بصيغها الثلاث: النيابي والجماعي والجهوي.
وبدوره أشار محمد زين الدين إلى هيمنة الثقافة الذكورية داخل الأحزاب السياسية، وهو ما يفسر العدد الكبير لترشيحات النساء في اللوائح الجهوية مقابل حضور أقل عددا في اللوائح المحلية؛ ولفت إلى أن 97 امرأة فقط ترشحت كوكيلة في اللوائح المحلية.
وشدد الباحث على أن الإقبال اللافت للمواطنين على الترشيح للانتداب المحلي والجهوي والوطني يترجم حجم الانتظارات المعلقة على هذه الاستحقاقات، ويعكس استمرارية الثقة السياسية في المسلسل الانتخابي، فضلا عن أنه يترجم انخراطا واعيا ومسؤولا في تدبير الشأن العام، بما يمكن من تعزيز الخيار الديمقراطي الذي اختطه المغرب.
توسيع المشاركة النسائية
وأكد الأستاذ بكلية الحقوق بسطات، حفيظ يونسي، أن التعديلات القانونية الجديدة المتعلقة بالتمثيلية النسائية ستسهم في توسيع مشاركة هذه الفئة المجتمعية والرفع من تمثيليتها، في الانتخابات المقبلة.
وأشار إلى أن نتائج الانتخابات هذه السنة ستعرف تمثيلية أكبر للنساء وستمكنهن من تقلد مهمات انتدابية، سواء على المستوى الوطني أو الترابي، بفضل التعديلات القانونية ذات الصلة، مما سيعزز رصيد المملكة للنهوض بأوضاع النساء في كافة المجالات ومنها المجال السياسي.
ووفق الباحث نفسه، فقد أفرزت مراجعة المنظومة القانونية للانتخابات مستجدات تخص كل إطار قانوني على حدة، وذلك بهدف تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج المهام الانتخابية؛ وذلك من خلال تغيير القوانين التنظيمية المنظمة لانتخاب أعضاء مجلس النواب، وتلك المتعلقة بانتخابات الجماعات الترابية بمستوياتها الثلاثة.
ويضيف الأستاذ الجامعي أن التمثيلية النسوية على الصعيد الوطني ستتجاوز نسبة 25 في المئة مقابل 21 في المئة في الانتخابات الماضية، حيث كانت تمثيلية النساء خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2016 قد ارتفعت إلى 81 امرأة من أصل 395 في مجلس النواب بنسبة 20.5 في المئة، 60 منهن وصلن عن طريق اللائحة النسوية الوطنية، و9 عبر اللوائح المحلية، و12 عبر لائحة الشباب، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 4 في المئة.
جولة في الميدان وهذا ما قالته نساء
بعد هذه الجولة في القوانين الانتخابية المعززة لتمثيلية المرأة في الاستحقاقات المقبلة، وبعد استطلاع رأي «الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب» المنتقد للأحزاب السياسية، التقت «القدس العربي» وكيلة لائحة انتخابية جماعية في دائرة يعقوب المنصور بالعاصمة الرباط.
المرشحة عن حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» نادية حاجي، أكدت أنها حظيت بتزكية الحزب كوكيلة للائحة النساء الجماعية بجماعة يعقوب المنصور في الرباط، من أجل خدمة الساكنة.
وعن سؤال الحضور النسائي في الانتخابات المغربية وفي المشهد الحزبي، أفادت المرشحة التي تشغل منصب مديرة تربوية، أن «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» يحرص في الاستحقاقات الانتخابية لهذه السنة على تفعيل قانون المناصفة بتقديمه اللوائح النسائية في جميع أنحاء المملكة.
وحسب تصريح حاجي، فإن حزبها حرص على تحقيق المناصفة بتفعيلها وتنزيلها على أرض الواقع، واختياره لمرشحات ذوات كفاءة عالية، ونزاهة، ونكران للذات في سبيل خدمة الوطن.
وأشارت إلى أنها كلها «طموح من أجل تحقيق الأحسن، والنهوض بأوضاع الساكنة من خلال تحسين خدمات القرب للمواطن والتي ترتبط اساسا بحياته اليومية».
في الاتجاه نفسه، قالت الفاعلة الجمعوية فاطمة الزهراء وهبي إن دور المرأة فعال جمعويا وسياسيا، وذلك من خلال متابعتها للاستحقاقات الانتخابية، حيث «تبين أن هناك تغييرًا شاملا في استراتيجية عمل وتطبيق برنامج هذه الأحزاب». وأضافت «المرأة جزء لا يتجزأ في إنجاح هذا البرنامج».
وبالنسبة للناشطة وهبي، فإن «معظم الأحزاب قاموا باعتماد مبدأ المناصفة» مشيرة إلى أن هناك أيضا «ولأول مرة ترشيحات النساء على صعيد المملكة كوكيلات للائحة الجهوية».
ولم تخف المتحدثة في تصريحها لـ«القدس العربي» تمنياتها لو كانت هناك ترشيحات للنساء كوكيلات «في اللائحة الأساسية بحكم ان عدد المصوتين النساء يفوق دائما عدد المصوتين الذكور».
وشددت فاطمة الزهراء وهبي على أنها تتمنى «التوفيق والنجاح للأصلح للبلاد والعباد». كما وجهت نداء لكل مواطن غيور على وطنه أن يدلي بصوته لمن يستحق وأن لا يقاطع الاستحقاقات كون العزوف وسيلة لنجاح المستهتر.