يشهد المغرب في الثامن من أيلول/سبتمبر انتخابات تشريعية وبلدية في ظل تحولات خارجية ومحلية وملفات حقوق إنسان عالقة وقطيعة دبلوماسية مع الجزائر.
ويتوقع أن يكون البرلمان المقبل بدون تأثير على خلاف البرلمانات السابقة نظرا للقانون الانتخابي الجديد ومحاولات الملك التدريجية تعزيز دوره من جديد. فقد قام الملك محمد السادس وبعد ثورات الربيع العربي بمنح سلطات جديدة للنواب المنتخبين والحكومة التي ينتخبها بتأكيد سلطته وحصر كل القرارات داخل القصر. ونقلت وكالة أنباء «رويترز» في تقرير لها (3/9/2021) عن محمد مصباح مدير مركز بحثي قوله إن المؤسسة الحاكمة أو الملك هي أقوى المؤسسات في البلد وهي تطغى على كل اللاعبين السياسيين. والسلطة التنفيذية تظل نابعة من الملك، فخطط التنمية الإقتصادية والمشاريع الكبرى تبدأ من الملك وليس من رئيس الوزراء الذي يختار من الكتلة التي تفوز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان. وعادة ما يكون رئيس الوزراء سعد العثماني هو آخر من يعلم في القرارات الكبرى، ومنها قرار تطبيع العلاقات المغربية مع إسرائيل العام الماضي، حيث ظل يؤكد أن أمرا من هذا لن يحدث. كما أن القانون الذي دفعت به وزارة الداخلية يعني عدم قدرة أي حزب أو كتلة سياسية الحصول على غالبية في البرلمان الذي سيكون متشرذما والحكومة الناشئة عنه ستكون أضعف من سابقتها. ومثل بقية الدول العربية التي تراجعت فيها طموحات الشباب العربي الديمقراطية، عبر المغاربة عن أمل في الحصول على حقوق مدنية واسعة وخيارات انتخابية حرة، ولكنهم مثل جيرانهم في الجزائر شعروا بالخيبة، فلم يستطع الحراك الجزائري الذي أطاح بالرئيس العجوز عبد العزيز بوتفليقة التخلص من النخبة الحاكمة، أي مؤسسة الجيش، كما الديمقراطية التونسية التي وصفت بأنها الأنجح بين ثورات الربيع العربي عانت من انتكاسة عندما انقلب الرئيس قيس سعيد على الدستور. ورغم مسارعة المغرب الاستجابة لمطالب ما عرفت بحركة 20 شباط/فبراير أثناء الربيع العربي عام 2011 إلا أن المنجزات بدأت بالتلاشي وعادت المؤسسة الملكية الحاكمة للإحكام بزمام الأمور وسط احتجاجات في منطقة الريف وقمع للحرية الصحافية وملاحقة الصحافيين وتشويه سمعتهم والتقليل من مصداقيتهم. وباتت الحكومات بمثابة مشجب يعلق فشل الدولة في وقت ينسب فيه الإنجازات للقصر.
ويتوقع مشاركة 18 مليون ناخب نسبة 46 في المئة منهم نساء وتتنافس على مقاعده الـ 395 مقعدا، 30 حزبا يظل التنافس على أشده بين أربعة أحزاب وهي «الأصالة والمعاصرة» و»الاستقلال» و»الأحرار» وحزب «العدالة والتنمية» الذي شكل حكومتين منذ عام 2011. وتغيب عن الانتخابات المقبلة التجمعات الانتخابية وهي سابقة حيث لا يسمح لأكثر من 25 شخصا في مكان واحد مما دفع الأحزاب الاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي لإيصال رسائلها الانتخابية. وهناك مخاوف من أن يكون حزب العدالة والتنمية الحاكم، ضحية النظام الانتخابي الجديد. ولم تف حكومات العثماني بتطلعات المغاربة لكونها موزعة بين ضغوط القصر ومطالب الإئتلاف الحكومي، حيث صوت البرلمان مثلا على قانون يسمح فيه بزراعة الحشيش أو «الكانباس» رغم موقف الحزب المعارض. وقد تقل حظوظ الحزب الإسلامي بتشكيل حكومة جديدة بسبب القانون الانتخابي الجديد وولادة برلمان موزع على الأحزاب بدون غالبية مطلقة. ويتوقع أن تتراجع حظوظ حزب العدالة والتنمية في انتخابات الأسبوع المقبل، حيث يعتقد قادته أن القانون الانتخابي الجديد جاء من أجل تقليل تأثيره في البرلمان. ورغم كونه الكتلة المهيمنة في البرلمان ويقود الحكومة إلا أنه لم يكن قادرا على منع تمريره. ويقوم النظام الانتخابي الجديد الذي مرر في آذار/مارس من العام الحالي على تقسيم الناخبين المسجلين بناء على عدد المقاعد بدلا من الأصوات التي تم حسابها. وهو أمر لا يصب في مصلحة حزب العدالة وقد ينفر القواعد التقليدية له، ويقرب الفجوة بين برامج الأحزاب. ويؤكد عجز الحكومة تحظى بغالبية برلمانية عن وقف قانون حال السياسة المغربية التي يتولى فيها الملك القرارات المهمة. فالملك يتولى البت في القطاعات الأساسية مثل الزراعة والطاقة والصناعة والمياه. ولعب القصر دورا مهما في قرارات الحكومة لمواجهة انتشار فيروس كورونا وأعلن الملك العام الماضي عن مشروع بكلفة 12 مليار دولار لتوفير العناية الطيبة والاجتماعية. وهي «انجازات» حاول حزب العدالة والتنمية استثمارها في حملته الانتخابية رغم تشكيك معارضيه بدوره فيها وأنها «مشاريع ملكية» لا دور للحكومة فيها. وسواء فاز الحزب أم غيره في الانتخابات المحلية والبرلمانية فستكون سلطته مقيدة وسط إعلان القصر عن مرحلة تنمية جديدة بشكل يضعف من قدرة رئيس الوزراء عن أي تحديد أولويات الحكومة المقبلة. ومن هنا فالانتخابات المقبلة هي مجرد آلية لانتخاب رموز تقوم بتطبيق توجهات القصر وخططه التنموية.
تحديات
وعلى العموم يخوض الحزب الانتخابات كما في تقرير لوكالة فرانس برس (3/9/2021) بإنجازات قليلة وتراجع لشعبية رئيسه العثماني وشعور بالخيبة من أنصاره بسبب المنجز المتواضع. ولعل التحدي الذي يواجه الحزب هو إقناع 18 مليون ناخب للمشاركة في الانتخابات التي ستجري في يوم واحد. ويأمل المنظمون للانتخابات بمشاركة نسبة 43 في المئة من الناخبين فيها. وقد يجبر الحزب حالة خسارته التحول لحزب معارض، بخاصة أن أيا من الأحزاب قد لا تشمله في أي ائتلاف قادم. ووسط تراجع حظوظ الإسلاميين والحرب المستمرة عليهم.
تراجع الإسلاميين
وحاولت مجلة «إيكونوميست» (28/8/2021) تحليل أسباب فشل الإسلاميين في ملف عن العالم العربي وقالت فيه إن العديد من العرب كانوا يعتقدون قبل عام 2011 أن الإسلاميين، إذا أتيحت لهم فرصة عادلة، فسيكونون قوة لا يمكن إيقافها في السياسة الديمقراطية. وقالت المجلة إن هذا الرأي شاطره المؤيدون والمعارضون على حد سواء، حيث كان المؤيدون يرون في الإسلاميين أنهم طاهرون، ولا تفسدهم السلطة، وماهرون في تقديم الخدمات الاجتماعية، وفي وضع جيد لإدارة الحملات. بينما اعتقد المعارضون أنهم سيستخدمون الديمقراطية للانقضاض على السلطة ثم إلغائها: «رجل واحد، صوت واحد، مرة واحدة» كما كانوا يقولون. ولدى الإسلاميين تجارب فاشلة في مصر والسودان، وتجربة ظلت ناجحة حتى انقلاب الرئيس قيس سعيد على الحكم. ويتمنى الإخوان المسلمون في مصر لو عكسوا قرار دخولهم في الانتخابات الرئاسية عام 2012 والتي أدت لقمعهم وسجن ووفاة محمد مرسي، أول رئيس منتخب. ذلك أنهم كغيرهم من الإسلاميين اكتشفوا عدم جاهزيتهم للحكم. وتقول إنه بعد عقد من الزمن سعى فيه الإسلاميون إلى النفوذ في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فإن الأماكن الوحيدة التي باتوا يسيطرون عليها ليست دولا على الإطلاق: حماس في غزة، وهيئة تحرير الشام، وهي جماعة جهادية تسيطر على جزء من شمال غرب سوريا. وفي أماكن أخرى، يقفون مرة أخرى في موقف دفاعي، قد لا يعاودون الظهور كقوة مهيمنة، فيما تشير التجارب القصيرة التي أجراها الإسلاميون في الحكم إلى أن لديهم أفكارا قليلة عما يجب عليهم فعله.
ورغم تجربة الإسلاميين في المغرب الطويلة والمستقرة نوعا ما إلا أنها ظلت مقيدة بالنظام الملكي، فالشرعية في البلاد تظل بيد الملك ولا يمكن لأي حزب تجاوزه. وعندما دخل العدالة والتنمية وجد نفسه أسر هذا الوضع وبات جزءا من النظام ومنفذا لسياساته وحاملا لمشاكله وأخطائه. بخلاف الإسلاميين في تركيا الذين قبلوا بالصيغة العلمانية والنظام الأتاتوركي لكنهم حاولوا العمل على تعديله لصالحهم، مع أن جهودهم تظل محلا للتهديد من الأحزاب الأخرى التي تعمل على تقويض سلطتهم. وقدم حزب النهضة مثالا جيدا على القبول بسياسة الواقع، لكن سعيد قلب الأمور في انقلابه. وحاولت النهضة في البداية وصف تحركه بالانقلاب إلا أنها دعت كوادرها على الاستقالة ونقلت المعركة إلى «النقد الذاتي». وبعد عقود من التحضير المفترض للسلطة، وجد الإسلاميون أنفسهم غير مستعدين للمهمة، ويواجهون جدارا من المعارضة من الدول العربية الأخرى، التي ترى الإسلام السياسي تهديدا مميتا. وهناك توجه لدى الثورات المضادة لطي صفحة الإسلاميين والشروع بنظام جديد يطيل أمد الديكتاتوريات والشتاء العربي.
القطيعة الجزائرية
وعلى العموم تجري الانتخابات الحالية في المغرب وسط خلافات مغربية- جزائرية، وهي خلافات لن تحسم بطريقة أو بأخرى نتائج الانتخابات، فهي قديمة وتمتد على أكثر من نصف قرن، حيث شهدت العلاقات بينهما صعودا ونزولا وإن تحسنت فقد ظلت في مداها المتحفظ. ولدى البلدين مظالم واتهامات للآخر بأنه تعدى على حقوقه. وتظل مسألة الصحراء الغربية، وهي مساحة شاسعة تمتد ما بين الحدود الجزائرية الغربية والمغرب حتى المحيط الأطلسي مركزا للتوتر بين البلدين، فالجزائر يتهم جارته بمحاولات توسيع حدودها على حساب أراضيه. وبالمقابل يتهم المغرب الجزائر بدعم حركة البوليساريو التي تطالب بالاستقلال عن المغرب. وتتمسك الرباط بالصحراء على أنها جزء من التراب المغربي، وقاد الملك الحسن الثاني مسيرة خضراء بعد خروج إسبانيا عام 1975 وما تبع ذلك من اتفاقية مدريد مع المغرب وموريتانيا بشأن الصحراء. ونعرف أن موضوع الصحراء حساس للمغرب، كما حدث من استقبال مدريد العام الماضي زعيم البوليساريو إبراهيم غالي للعلاج. ورد المغرب بفتح الحدود على سبتة ومليلة للراغبين بالهجرة ما اضطر إسبانيا للتحرك ومحاكمة غالي الذي عاد إلى الجزائر.
وبدأت الأزمة الحالية في 24 آب/أغسطس حين أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب. وجاء القرار بعد خمسة أيام من قرار المجلس الأعلى للدولة بأنه يقوم بمراجعة العلاقات الدبلوماسية مع المغرب. وبرر وزير الخارجية رمطان لعمامرة القرار باتهام المغرب دعم منظمات إرهابية والتواطؤ مع الكيان الصهيوني لزعزعة استقرار الجزائر.
غياب الاستطلاعات
في النهاية ستعقد الانتخابات في المغرب رغم دعوات البعض لإلغائها بسبب كوفيد-19 وفي غياب الاستطلاعات التي منعت حفاظا على نزاهة الانتخابات، فالسؤال هو: هل يعاقب الناخب الإسلاميين واداء حكومتهم غير المرضي أم أن الحزب سيثبت خطأ نقاده؟ ومهما يكن هناك أحزاب دفعت ثمن مشاركتها في الحكم، فقد واجه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نفس الأمر بعد مشاركته فيما سمي بــ»حكومة التناوب» (من 1998 إلى 2002). ولم يعد لهذا الحزب وغيره من الأحزاب التقليدية غير تاريخه فقد نجح المخزن في تدجين الأحزاب التقليدية، فهل جاء دور الإسلاميين؟
هذه الصيغة من الحكم تناسبنا جدا خصوصا في هذه المرحلة حيث يواجه المغرب مؤامرات متنوعة تهدف الى تقسيمه فلا يوجد احسن من مؤسسة ملكية مواطنة وقوية مسنودة بشرعيتها التاريخية لرفع التحديات المرحاية