الرباط ـ «القدس العربي»: اختلفت زوايا الرؤية للاستحقاقات الانتخابية المقبلة في الثامن من أيلول/ سبتمبر الحالي، بين الأحزاب السياسية من جهة والنقابات العمالية من جهة أخرى، لكنها توحدت في هدف واحد وأساس وهو المشاركة المكثفة في يوم الاقتراع من أجل التغيير.
وإذا كانت الأحزاب السياسية تدعو إلى التغيير الذي يصب في صالح مرشحيها، بما فيها الأحزاب المشاركة حالياً في الحكومة، فإن النقابات العمالية تدعو إلى التغيير والقطع مع الوجوه السابقة، فيما يشبه نوعاً من “التصويت العقابي” على أحزاب بعينها، خاصة حزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحكومي.
الحق الدستوري
ومن بين النقابات التي لمحت إلى ذلك، “الاتحاد المغربي للشغل” الذي دعا في بيان له كافة المسؤولين النقابيين في الاتحادات الجهوية والمحلية والجامعات المهنية والنقابات الوطنية ومندوبي العمال وعموم الأجراء إلى ممارسة حقهم الدستوري في الانتخابات المقبلة، وذلك بالمشاركة المكثفة في هذه المحطة الهامة في الحياة السياسية بالمغرب.
وحسب بيان النقابة، فإن دعوتها تأتي تنفيذاً لقرار المجلس الوطني، والقاضي بعدم التزام الحياد خلال الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية التي ستجري في 8 من أيلول/ سبتمبر.
وأشارت بصريح العبارة في بيانها إلى أن مشاركتها في الانتخابات تدخل في ما أطلقت عليه: “نساند من ساندنا ونعادي من عادانا”.
وفي توضيح لا يحتاج إلى شرح، قالت النقابة العمالية إن مشاركتها في الانتخابات هي “من أجل قطع الطريق على من هاجموا الطبقة العاملة بتجميد الحوار الاجتماعي، وتجميد الأجور، ورفع سن التقاعد، وخفض المعاشات، والإجهاز على الحريات النقابية، ومحاولة تمرير قوانين تراجعية ضد الطبقة العاملة والحركة النقابية: قانون الإضراب، قانون النقابات إلخ…”.
وفي ذلك إشارة واضحة إلى الائتلاف الحكومي وعلى رأسه حزب “العدالة والتنمية” الذي توجه إليه اتهامات من هذا القبيل على اعتبار أنه الأكثر تمثيلية داخل الحكومة بحقائب وزارية متعددة.
وفي بيانها، أبرزت النقابة بشكل لا يدعو إلى الشك أنها ستتصدى من خلال مشاركتها في الانتخابات “للجهات التي هاجمت الاتحاد المغربي للشغل في الانتخابات المهنية لمندوبي الأجراء التي أجريت في حزيران/ يونيو 2021، وأقحمت نفسها كطرف سياسي في انتخابات مهنية محضة”.
وشددت النقابة على أن انخراطها “القوي في هذه المحطة الانتخابية”، من أجل “تجسيد وعي الطبقة العاملة المغربية وتجندها للدفاع على مصالحها ورؤيتها من أجل فرض حضورها واستحضار وزنها وتأثيرها في المجتمع”.
في سياق متصل، حثّت “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل” المواطنين والمواطنات على المشاركة المكثفة في الانتخابات المقبلة، داعية إياهم إلى التصويت على حلفائها، مرشحات ومرشحي الإطارات السياسية اليسارية التقدمية الحداثية. كما نبهت الحكومة إلى خطورة الوضع الاجتماعي في ظل استمرار تغول “لوبيات” الرأسمال الريعي الاحتكاري والاستمرار في استهداف جيوب المواطنات.
وجاء في بيان للنقابة العمالية، اطلعت عليه “القدس العربي”، أن مكتبها التنفيذي توقف عند أجواء الاستعداد للاستحقاقات التشريعية والمحلية والجهوية ليوم الثامن من أيلول/ سبتمبر، وأهمية المشاركة المكثفة للطبقة العاملة وعموم المواطنات والمواطنين والتصدي للأساليب والممارسات البائدة التي تطغى باستمرار على الاستحقاقات الانتخابية، وذلك من أجل إفراز نخب سياسية ومؤسسات قادرة على رفع التحديات الراهنة والمستقبلية.
كما توقف المكتب التنفيذي عند أجواء الموسم الاجتماعي الجديد وما تعرفه الساحة الاجتماعية من غياب تام للحوار الاجتماعي، واستمرار النزاعات الاجتماعية وإغلاق المؤسسات بدون سند قانوني، وعدم معالجة ملفات العمال الموقوفين نتيجة تداعيات الأزمة الوبائية، وضرب القدرة الشرائية للمواطنين جراء الزيادة في أسعار المواد الأساسية، وذلك في استغلال تام لانشغال المواطنين بتطورات الوضع الوبائي، وانشغال أعضاء الحكومة بالصراع الانتخابي. كما تداول في أجواء الاستعداد للدخول المدرسي، وما يطبعها من ارتباك، وتنامي مخاوف الأسر من تكرار سيناريو السنة الفارطة، وفشل الحكومة في القيام بالإجراءات الضرورية الناجعة لضمان دخول مدرسي ناجح يراعي السلامة الصحية البنات وأبناء المغاربة، ويكفل لهم الحق في التحصيل والتعليم الجيد.
ودعت النقابية العمالية عموم المواطنات والمواطنين إلى المشاركة الواسعة في استحقاقات الثامن من أيلول، والتصويت بكثافة على مرشحات ومرشحي الإطارات السياسية اليسارية التقدمية الحداثية، حليفة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والوفية لقضايا الطبقة العاملة، والمدافعة عن حقوقها ومطالبها.
ونبهت الحكومة إلى خطورة الوضع الاجتماعي في ظل استمرار تغول لوبيات الرأسمال الريعي الاحتكاري والاستمرار في استهداف جيوب المواطنات والمواطنين، وضرب حقوقهم ومكتسباتهم، وذلك أمام استقالة الحكومة من أدوارها ومهامها الدستورية.
ودعت إلى مواصلة تقديم الدعم إلى كل القطاعات المتضررة من تداعيات وباء كورونا، لمواجهة تكاليف العيش ومتطلبات الدخول المدرسي.
ارتفاع الأسعار
وفي سياق تواصل الحملة الانتخابية للأحزاب السياسية، يواجه مرشحوها العديد من الأسئلة التي تطرق باب حملاتهم في مختلف المدن المغربية، وهي أسئلة يؤكد من خلالها المواطن المغربي تجاوبه مع محطة الاستحقاقات وتطلعه للتغيير.
ويظل السؤال الذي فرض نفسه بقوة مؤخراً، هو سؤال ارتفاع الأسعار الذي يطرحه المغاربة كلما حلت بأحيائهم حملة انتخابية لمرشح ما.
ومضمون السؤال يحيل مباشرة على وضع المسؤولية على عاتق المترشح في حال نجاحه، من أجل أن يخفف ما ثقل من موازين أسعار بعض المواد الغذائية التي ارتفعت مؤخراً بشكل ملحوظ.
وبسبب تزامن ارتفاع الأسعار مع الحملة الانتخابية، قال شمس الدين عبداتي، رئيس المنتدى المغربي للمستهلك، في تصريح لـ”القدس العربي”، إنه في ظل الأزمة ومخلفاتها الاقتصادية والاجتماعية والسلوكية بالنسبة للمستهلك، فالمستهلك المغربي يعاني من تقليص الدخل ومن التدابير الصحية والاحترازية وتقليص فرص الشغل، وعادة في مواسم الصيف والعطل والعام المدرسي الجديد… والآن يضاف إليهم موسم الانتخابات، حيث قد يستغله بعض انتهازي السوق (موزعين، منتجين، تجار…) للزيادة في أسعار بعض المواد”.
وبالنسبة لعبداتي، فإن مستغلي الأزمات والمواسم يعتقدون أن أجهزة الرقابة منشغلة بمراقبة الانتخابات أكثر من مراقبتها للسوق، مع العلم أن أجهزة رقابة السوق لا علاقة لها بالانتخابات.
وتبقى ملاحظات المغاربة وأسئلتهم حارقة للحملات الانتخابية، ومطلوب من المرشح أن يجيب بأكبر قدر من الواقعية والمنطق ودون لف أو دوران والتصريح بما يمكن أن يفعله في هذا الاتجاه.
ويجوز هذا الرهان على مرشحي الانتخابات البرلمانية، فمنهم من سيكون في الحكومة المقبلة، أما مرشحو المجالس المحلية فالأمر بعيد عن صلاحيات مسؤوليتهم الانتدابية.
تساؤلات المواطنين المغاربة الموجهة للمرشحين لا تقف عند مسألة الأسعار، بل تتجاوزها إلى رهانات أخرى، من قبيل مناقشة ملفات كبرى لمدنهم وإمكانيات تطوير الأداء وتحسين الوضع المعيشي والعمل أيضاً على جودة الخدمات المقدمة للمواطن.
وبالعودة إلى ارتفاع الأسعار، أوضح عبداتي أن “السوق المغربية خاضعة للعرض والطلب، وهي سوق مفتوحة والأسعار في المغرب شبه محررة باستثناء بعض المواد، وهي أيضاً سوق غير منظمة بالشكل المطلوب، وبالتالي من المحتمل أن تكون بها انزلاقات في الأسعار، خاصة وأن أزمة كورونا ما زالت ترخي بظلالها على الجميع، لا سيما على المنتجين والموزعين، مما ينعكس سلباً على المستهلك، بشكل مباشر ارتفاع أسعار بعض المواد الأكثر استهلاكاً، الغذائية تحديداً؛ أو غير مباشر من خلال الزيادة في النقل والتأمين والمحروقات مثلاً.
وأكد المتحدث أنه “من خلال جولات قام بها المنتدى المغربي للمستهلك، في السوق وخاصة لدى محلات البقالة، أكدوا لنا أن هناك فعلاً زيادة في أسعار الدقيق والزيوت والأرز وغيره، وعند السؤال عن السبب ودواعي هذه الزيادة، فكان ردهم أنهم لا يعرفون السبب الحقيقي، بل ويستغربونها، لأنهم لم يتم إخبارهم من طرف الموردين والموزعين، فالكل يلوذ بالصمت”.
ووجه الدعوة إلى “سلطات الرقابة في الولايات والمحافظات للقيام بمراقبة السوق ووضع حد لهذه الاختلالات وضبط حركة السوق، فالوضعية الحالية لا تحتمل مثل هذه التجاوزات في الأسعار التي لا مبرر لها، فالموسم الفلاحي المغربي لهذه السنة جيد”.
وبالنسبة للمتحدث، فان حماية المستهلكين هي أيضاً “التزام للفاعلين المهنيين والاقتصاديين بشروط السلامة والجودة في الإنتاج والخدمات والأسعار وتحمل مسؤوليتهم الاجتماعية في توفير المعلومات الدقيقة عن المُنتَجات والخدمات، والمهمة مطروحة أيضاً على عاتق مجلس المنافسة، باعتباره مؤسسة تختص بشؤون المهنيين من حيث المعاملات في السوق، خاصة مدى شرعية التنافس التجاري وحفظ التوازن في السوق، وهذه الإجراءات المتعلقة بمنع الاحتكار، وإشهار الأسعار، وضمان المنافسة الشريفة بين المهنيين، وتحسين شروط أخلاقيات المعاملات والحَوْكَمَة التنافسية وذلك حماية للمستهلك بشكل غير مباشر، خاصة على مستوى ضمان تنافسية وجودة السلع والخدمات المقدمة للمستهلك بأسعار ملائمة ومعقولة”.