من ظلام الكارثة يبزغ نور الأمل. وقد يصدق هذا على الحال في لبنان فيما يتعلق بحل أزمة الكهرباء عن طريق إعادة ربط وتشغيل شبكات الكهرباء وخطوط أنابيب نقل الغاز من الأردن ومصر عبر الأراضي السورية. اللبنانيون يعيشون لياليهم في ظلام دامس في معظم الأيام بإستثناء من يملكون مولدات كهرباء خاصة ويتوفر لديهم الوقود اللازم لتشغيلها. وزراء الطاقة في مصر والأردن ولبنان وسوريا اتفقوا على أن يتعاونوا معا لوضع خريطة طريق لإمداد لبنان بالكهرباء عبر الشبكة العربية المشتركة، وتوفير الغاز اللازم لتشغيل محطة دير عمار التي تعمل بالغاز بواسطة امدادات الغاز المصري عبر الأردن وسوريا. مصر تصدر فعلا الكهرباء والغاز إلى الأردن في الوقت الحالي، ومن ثم فإن ما تحتاجه خريطة الطريق هو الاتفاق على التفاصيل الأمنية والفنية والقانونية والإدارية والتجارية لنقل الكهرباء والغاز إلى لبنان. وعلى الرغم من أن وزيرة الطاقة والموارد المعدنية الأردنية تتوقع الانتهاء من خريطة الطريق خلال ثلاثة أسابيع من الآن، فإن تنفيذ مهمة الربط يحتاج وقتا أطول قد يمتد إلى أواخر الربع الأول من العام المقبل، كما أن ترتيبات نقل الغاز والكهرباء عبر منطقة ملتهبة بالصراع تمتد من درعا في جنوب سوريا إلى دمشق، ثم من هناك إلى داخل لبنان، لن تكون بالمهمة السهلة. كذلك فإن وصلة أنابيب الغاز من العريش مصر إلى العقبة لا تخلو من المشاكل.
احتياجات لبنان
يواجه لبنان معضلة كبيرة في سد احتياجاته من الطاقة منذ عام 2017 بسبب نقص الصيانة، وتهالك الشبكات ومحطات المحولات ومعامل توليد الكهرباء. وقد بلغ متوسط استهلاك الفرد من الكهرباء قبل جائحة كورونا حوالي 2650 ك.و سنويا، وهو ما يقل عن متوسط الاستهلاك للفرد على مستوى الشرق الأوسط بنسبة 35 في المئة. ويتم الحصول على الكهرباء بالاعتماد على انواع الوقود الاحفوري بنسبة 88 في المئة، ومن المصادر المائية بنسبة 11 في المئة، ثم من مصادر متجددة بنسبة 1 في المئة فقط. وعلى الرغم من أن لبنان بدأ فعلا طرح امتيازات للتنقيب عن النفط والغاز في المناطق البحرية غير المتنازع عليها، فإنه لم يحقق نتائج إيجابية حتى الآن. ويقدر حجم الاحتياطي من الغاز في المنطقة الاقتصادية الحصرية أو الخالصة للبنان في شرق المتوسط بحوالي 25 تريليون قدم مكعب، أي بنسبة 20 في المئة تقريبا من الاحتياطي الكلي للغاز في شرق المتوسط الذي قدرته هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية بحوالي 122 تريليون قدم مكعب.
ولكي يصبح لبنان قادرا على سد احتياجاته من الطاقة اللازمة لتشغيل الصناعة وكفاية الاستهلاك التجاري والمنزلي في الوقت الحاضر فإنه يحتاج إلى استيراد حوالي 8 ملايين طن من النفط الخام والوقود، إضافة إلى 1.2 مليون طن من الغاز. وكان لبنان حتى عام 2019 يستورد احتياجاته عن طريق اليونان بنسبة تقل عن الثلث، وروسيا بأكثر من الربع، ثم من الولايات المتحدة بنسبة الربع. لكنه الآن أصبح عاجزا عن استيراد الوقود الكافي بسبب نقص العملات الأجنبية. ومن الصعب جدا أن يتمكن لبنان من حل أزمة الطاقة بنفسه، ولذلك لجأت الحكومة إلى طلب المعونة من الدول العربية المجاورة، في حين طلب حزب الله المعونة من إيران. وفي الوقت الذي استقبلت فيه سوريا سفينة شحن محملة بالوقود في الأسبوع الماضي، كانت العاصمة الأردنية عمان تتأهب لاستقبال وزراء الطاقة في دول الجوار اللبناني العربية، في محاولة لإيجاد حل عربي للأزمة.
معالم خريطة الطريق
تتيح المعلومات المتوفرة حتى الآن أن وزراء مصر والأردن وسوريا ولبنان اتفقوا في عمان على ما يلي:
أولا: الاستعداد لتزويد لبنان باحتياجاته من الطاقة، وهو استعداد تدعمه الولايات المتحدة من ناحية، كما تدعمه القيادات السياسية للدول الأربع من ناحية ثانية، بمن فيهم الرئيس السوري بشار الأسد. وتعود أهمية الدعم الأمريكي إلى أنه سيزيل احتمال التعرض لعقوبات أمريكية بسبب «قانون قيصر» عندما تمر إمدادات الطاقة عبر الأراضي والشركات السورية. وتشير التقديرات حتى الآن إلى أن إمدادات الطاقة التي سيحصل عليها لبنان طبقا للاتفاق المبدئي ستتضمن شقين، الأول هو كهرباء من الأردن تمر عبر شبكة خطوط الكهرباء السورية ومنها إلى لبنان. وترتبط شبكات الدول الثلاث مع شبكة الكهرباء المصرية ضمن شبكة الربط الكهربائي العربية التي تضم إلى جانب الدول الأربع كلا من العراق وليبيا وفلسطين. وقد انضمت إليها السعودية من خلال اتفاق مع مصر، كما انضمت إليها تركيا من خلال اتفاق مع سوريا. ويسعى لبنان للحصول على 500 ميغا وات من الكهرباء عن طريق تشغيل الربط المشترك. وقالت وزيرة الطاقة الأردنية أن الأردن يمكن أن يمد لبنان بما يعادل نصف هذه الاحتياجات خلال فترة تتراوح بين ثلاثة إلى أربعة أشهر. أما بالنسبة للغاز فمن المتوقع أن يتم إمداد لبنان بحوالي 50 مليون قدم مكعب يوميا من مصر أساسا، على أن تبدأ الإمدادات من مصر بكمية تبلغ 25 مليون قدم مكعب. وسوف يستخدم الغاز في تشغيل محطة توليد الكهرباء في دير عمار شمالي لبنان، التي توجد بها 3 وحدات لتوليد الكهرباء بالغاز توفر للبنان ما يصل إلى حوالي 16 في المئة من احتياجاته اليومية.
أهمية توفير التمويل
ثانيا: تعمل الدول الأربع معا على تقدير الاحتياجات اللازمة من كل منها لتحقيق المساعدة المطلوبة، وذلك بإعادة فحص البنية الأساسية للطاقة، وضمان توفر المعايير الفنية السليمة للتصدير، ووضع الإطار القانوني الضروري للتشغيل، والاتفاق على صيغة التسويق والتسعير، كما سيكون على لبنان تطوير صيغة ملائمة للتوزيع التجاري للوقود. وطبقا للصيغة المعمول بها بين مصر والأردن، فإن هناك فصلا قانونيا وتجاريا وإداريا بين عملية التصدير وعملية النقل. فالشركة المصرية المصدرة للغاز هي غير الكونسورتيوم الذي يتولى نقل وتوزيع الغاز، إضافة إلى أنه تم إنشاء شركة أردنية وسيطة، منحت للكونسورتيوم المصري امتيازا طويل الأجل لنقل الغاز المصري إلى الأردن. وهو ما يعني أن الدول الأربع قد تتفق على إنشاء شركات مشتركة جديدة، تشارك في ملكيتها وإدارتها شركات وطنية، للقيام بعملية التصدير وعملية النقل كل منها مستقلة عن الأخرى. كذلك فإن وضع صيغة متفق عليها لتسعير الغاز والكهرباء وتحديد رسوم العبور عبر أراضي الدول المختلفة، وتحديد آلية لحل النزاعات والتعويضات سييحتاج مجهودا كبيرا من اللجان الفنية قبل التوصل إلى اتفاق نهائي.
كذلك تتضمن الاحتياجات اللازمة لوصول الإمدادات أن يوفر لبنان إمكانيات مالية وفنية ملائمة من أجل بناء قدرات شبكات الكهرباء وخطوط أنابيب الغاز لاستقبال الإمدادات. ومن المعروف أن البنية الأساسية للطاقة في لبنان قد تعرضت لأضرار شديدة خلال الأعوام الأخيرة، وهو ما يعني أن إعادة تأهيل محطات الكهرباء والمحولات وشبكات التوزيع وخطوط الأنابيب ومحطات الغاز سوف يحتاج إلى موارد مالية هائلة لا تتوفر للبنان في الوقت الحاضر. ولذلك فإن الحكومة اللبنانية تدير مفاوضات مع البنك الدولي من أجل توفير التمويل اللازم لمشروعات البنية الأساسية، وأيضا لسداد تكلفة استيراد الغاز والكهرباء، كما أن سوريا تطمح إلى الحصول على رسوم مالية معقولة مقابل عبور الكهرباء والغاز إلى لبنان، لإعانة خزانة الحكومة السورية التي تعاني من عجز شديد. ومن هنا فإن توفير التمويل اللازم ربما يكون المفتاح الرئيسي لإتمام هذا المشروع. وبدون توفير التمويل لن يكون لبنان قادرا على استقبال الغاز والكهرباء من جيرانه، كما سيعجز عن إقامة مشروعات طموحة مثل انشاء خط أنابيب للغاز بامتداد الساحل اللبناني من صيدا إلى طرابلس، يربط المناطق الصناعية ومحطات الكهرباء، ويكون بمثابة حجر الأساس لصناعة الغاز المحلية عندما يتمكن لبنان من استخراج الغاز من المناطق الاقتصادية اللبنانية الخالصة في مياه شرق البحر المتوسط.
وفي حال توفر التمويل الكافي، وتشغيل خطوط ربط شبكات الكهرباء وأنابيب الغاز، فإن هذا من شأنه أن يوفر دفعة كبيرة لمشروع ربط شبكات الطاقة في العالم العربي، وهو مشروع يفوق في أهميته إقامة سوق عربية مشتركة، لأنه يمثل أحد أهم الشروط المسبقة لنجاح مشروع التكامل الاقتصادي العربي، بما له من تأثير على ربط شبكات البنية الأساسية الإقليمية الأخرى، خصوصا الطرق وخطوط السكك الحديد، وما له من أهمية في تبادل المنافع عن طريق خلق تكامل حقيقي بين الدول المستوردة والدول المصدرة للطاقة، التي توجد بينها بشكل عام فجوة كبيرة في النمو. ومن المقرر أن يعود الوزراء للاجتماع في أوائل الشهر المقبل لتقييم الموقف على ضوء ملاحظات اللجان الفنية في كل منها، ووضع خريطة طريق بجدول أعمال تنفيذي، ومسؤوليات محددة لكل دولة لإنجاز مشروع الربط. وإذا ما نجح مشروع ربط شبكات الطاقة بين لبنان وكل من سوريا والأردن ومصر، فسيكون هو البوابة التي تمد مشروع التكامل الاقتصادي العربي بالقوة الكافية لتحويل هذا التكامل من مجرد حلم إلى واقع على الأرض.