سوق أهراس الجزائرية مدينة أنجبت عظماء في تاريخ الدين والأدب العالمي وشريان ثورة التحرير

رضا شنوف
حجم الخط
1

الجزائر ـ «القدس العربي»: مسقط رأس القديس أوغستين، وصاحب أول رواية في التاريخ ابوليوس المادوري، وماكسيموس العالم بقواعد اللغة اللاتينية، وأيضا رأى فيها النور الكاتب الطاهر وطار والفنان مصطفى كاتب والمغني الرمز عيسى الجرموني وأحد أبرز وجوه المسرح الجزائري الفنان مصطفى كاتب، وآوت القاعدة الشرقية القلب النابض للثورة التحريرية، أنها سوق أهراس واحدة من المدن الجزائرية التي ساهمت عبر أبنائها في كتابة وصناعة ملاحم تاريخية منذ عهد القادة النوميديين كتكفاريناس وسيفاكس وماسينيسا وصولا إلى تاريخ الجزائر الحديث.

سوق الرأس

تقع مدينة سوق أهراس في أقصى الشرق الجزائري، فهي محافظة حدودية مع تونس، يحدها من الشمال محافظتا عنابة والطارف ومن الغرب كل من قالمة وأم البواقي ومن الشرق الجمهورية التونسية وجنوبا محافظة تبسة. وتبعد عن العاصمة الجزائر حوالي 630 كيلومترا.
تختلف المصادر والروايات حول أصل تسمية المحافظة بالاسم الذي تحمله حاليا، فتذهب مراجع إلى أنها تجمع بين الكلمة العربية «سوق» والأمازيغية «أهرس» والتي تعني الأسود، وحسب هذه المصادر فإن المنطقة المعروفة بغاباتها الكثيفة وجبالها الشامخة كانت تسكنها الحيوانات المفترسة من أسود وفهود ودببة، وكان آخر أسد شوهد في المنطقة في سنوات 1893. في حين تقول مراجع أخرى بأن أصل تسميتها هو سوق الرأس، لأنها كانت تشهد سوقا لبيع رؤوس الحيوانات المفترسة بعد تحنيطها.
وتقول مصادر تاريخية بان الاسم الأول لسوق أهراس هو «ثاغوست» والذي يعني «الكيس» باللغة الأمازيغية ويطلق عليها الاسم بحكم موقعها الجغرافي، حيث تتواجد محاطة بثلاثة جبال، وتأخذ شكل الكيس، وهي المدينة النوميدية التي بنيت على أطلالها مدينة سوق أهراس الحالية.
وتقع سوق أهراس في منطقة الأوراس التي تتمركز فيها قبائل الشاوية الأمازيعية على غرار النمامشة والحراكتة، ويتكلم سكانها اللهجة الشاوية التي تعتبر أحد فروع اللغة الأمازيغية كالتارقية والمزابية والقبائلية والشنوية.

في قلب الأحداث التاريخية

الموقع الاستراتيجي لمدينة سوق أهراس ومؤهلاتها الطبيعية حيث تجمع بين الثروة الغابية والأراضي الفلاحية الخصبة وكثرة منابعها المائية ووديانها، جعلها موطنا للإنسان منذ ما قبل التاريخ، حيث ما زالت تحتفظ بمنحوتات ورسوم صخرية على غرار «كاف المصورة» أو «كاف الرجم» تعود إلى حوالي 7 آلاف سنة قبل الميلاد، تقع في منطقة الزوابي على بعد 10 كلم من دائرة سدراتة، ولاية سوق أهراس.
ونظرا لأهمية هذه المدينة فقد كانت حاضرة في كتب المؤرخين والجغرافيين، حيث ذكرها المؤرخ الكبير بلينيوس الأكبر في كتبه، والجغرافي اليوناني بطليموس في الجغرافيا «بطليموس» كما وجدت في دليل سترابو وخريطة اُنطونيوس وهي خريطة للطّرقات الرّومانيّة تنسب إلى الإمبراطور ثيودوسيوس الأول.
هذا الموقع جعلها أيضا في قلب الأحداث السياسية والعسكرية الكبرى التي عاشتها المنطقة منذ عهد القادة النوميديين، حيث كانت في قلب الحرب بين القرطاجيين والرومان، وكانت من أبرز المقاطعات في عهد الملوك النوميديين غايا وسيفاكس وبعدهما تحت حكم المملكة النوميدية الموحدة في عهد ماسينيسا بعد تحالفه مع الرومان ضد قرطاج في القرن الثالث ما قبل الميلاد، وكانت أندلعت معركة زاما الشهيرة في منطقة نارا قارة في ضواحي الحدادة في سوق أهراس حاليا، بين الرومان والقرطاجيين حوالي 202 ق.م انتصر فيها ماسينيسا وروما على القرطاجيين بقيادة حنبعل وحليفه سيفاكس، ما مكن ماسينيسا من إنشاء مملكة نوميديا الموحدة.
وكانت المدينة إلى جانب موقعها الاستراتيجي خزانا مهما لروما التي كانت تصلها خيرات «ثاقوست» أو سوق أهراس من منتجات زراعية وثروات مختلفة.
ومر على حكم سوق أهراس أيضا الوندال والبيزنطيون، ثم عاشت تاريخ الفتوحات الإسلامية وصولا إلى الحكم العثماني وبعده فترة الاستعمار كما باقي مناطق من الجزائر.
وأنجبت سوق أهراس العديد من الشخصيات التاريخية العالمية الدينية والأدبية والعسكرية، فهي مسقط رأس القائد النوميدي تاكفريناس الذي يعد من العسكريين الذين تمردوا على روما بعدما خدموا في جيشها، لكنهم ثاروا ضدها بسبب الظلم الذي عاشه أبناء جلدتهم على يد الرومان، فأسس جيشا نظاميا مشابها للجيش الروماني وخاضا حروبا ضد روما قبل ان يسقط قتيلا بعد ان فقد العديد من أفراد عائلته في ساحات المعارك ضد روما.
وإلى جانب تاكفريناس تعد سوق أهراس مسقط رأس القديس أغوستينوس «سانت أوغستين» ابن القديسة مونيكا، وهو من مواليد المدينة في (13تشرين الثاني/نوفمبر 354 – 28 آب/أغسطس 430) ويعد من بين أهم المؤثرين في الكنيسة الكاثوليكية والذين دافعوا بشراسة على التثليث آنذاك، وتعدّه الكنيستان الكاثوليكية والأنغليكانية قديسا، وأحد آباء الكنيسة البارزين، وقاد حربا مفتوحة ضد المذهب التوحيدي الدوناتي وهي الديانة التي كان يتبناها أبناء جلدته من الأمازيغ، ودعا إلى قمعهم بسبب دفاعه عن التثليث، ما جعله في قلب نقاش قائم إلى حد الآن بمن يعتبره خائنا لأبناء وطنه من النوميديين لانه تعاون مع روما، ومن يرونه بطلا.
ولا تزال مدينة سوق أهراس تحتفظ بآثار سانت أوغستين، وإلى حد الآن تعيش شجرة الزيتون التي كان يتعبد تحتها الفيلسوف أوغستين، وتتواجد وسط المدينة، وحسب بعض الروايات فإن أوغستين كان يجلس تحت هذه الشجرة لأوقات طويلة للتعبد وللتأمل وكتابة مذكراته ومؤلفاته، ويقدر عمر هذه الزيتونة بأكثر من 2900 سنة، وتم اكتشافها من طرف أولى البعثات الفرنسية الاستكشافية إلى المنطقة سنة 1843.
وكانت الجزائر قد أنتجت فيلما يحكي تاريخ سانت أوغستين سنة 2017 تحت عنوان «أوغسطينوس..ابن دموعها» بالتعاون مع تونس وبإخراج مصري.

مدينة الأدب والأدباء

سوق أهراس التي أنجبت سانت أوغستين وتاكفريناس أنجبت أيضا بوليوس لوكيوس سنة 125 ميلادي من عائلة مرموقة وهو فيلسوف وبلاغي، صاحب أول رواية في التاريخ وهي «الحمار الذهبي» وتعرف باسم «التحولات» و«المتقمصات» وكان يطلق على نفسه اسم «ابوليوس المادوري الأفلاطوني» ويسمى «افولاي» بالأمازيغية، وأصل المادوري لأنه ولد في مدينة مادور أو مداوروش حاليا التابعة لسوق أهراس والتي عرفت أول جامعة ومكتبة في شمال أفريقيا.
ولبوليوس عدة مؤلفات أخرى منها «الدفاع» ويعد المرجع في الفصاحة القضائية اللاتينية، ومصدر السيرة الذاتية الخاصة به، ونظرية «أفلاطون» و«شيطان سقراط» وعمل ثالث مفقود «حول العالم». وفي المجموع لديه 18 كتابا بين رواية وقصة وتعاليم أفلاطونية وحكم وعلوم في الطبيعة والفلك والفلسفة والموسيقى.
ليس بوبليوس الوحيد من أنجبته المدينة من الأدباء، بل أيضا أحمد التيفاشي الذي عرف كشاعر وعالم اجتماع وقانون ومعادن ولد عام 1184 في عهد دولة الموحدين، كما أنجبت العديد من الأدباء في عصرنا الحالي على غرار الكاتب الراحل الطاهر وطار الذي ترك الكثير من الأعمال التي ميزت الأدب الجزائري كـ «اللاز» و«الهارب» و«الشهداء يعودون هذا الأسبوع» إضافة إلى الفنان المسرحي مصطفى كاتب أحد أعمدة المسرح الجزائري.
ويعد عيسى الجرموني من أشهر مغني الطابع الشاوي، ويلقب بعميد الأغنية الشاوية، وهو أول مغني عربي يغني على مسرح الأولمبيا في فرنسا، إلى جانب وبقار حدة التي تعد من أبرز الفنانين في الجزائر.

القاعدة الشرقية

تعد محافظة سوق أهراس من بين المحافظات التي سجلت فيها أكبر المعارك في تاريخ الثورة الجزائرية، ورشحها قادة الثورة بفضل موقعها وجبالها لاحتضان «القاعدة الشرقية» التاريخية سنة 1957 التي أنشئت لمواجهة خطي شارل وموريس اللذان وضعتهما فرنسا الاستعمارية لوأد الثورة الجزائرية، وكانت مركزا لتنظيم عمل جيش التحرير وبوابة لتجميع ثم توزيع الأسلحة الآتية من الحدود الشرقية المفتوحة على المشرق العربي، فكانت تشكل قلب وشريان الثورة الجزائرية، بحكم أنها أصبحت الجسر الرئيسي والعمق الاستراتيجي الذي يمتد إلى مسافة 120 كلم لتزويد ولايات الداخل التاريخية وبفضلها تم إسقاط محاولات فرنسا لفصل الثورة عن الشعب.
ومن أبرز الشخصيات التي تواجدت في القاعدة كان الطاهر زبيري الذي قاد أول عملية انقلاب ضد حكم الرئيس الراحل هواري بومدين والشريف امساعدية أحد أبرز الشخصيات السياسية في جزائر ما بعد الاستقلال.
وشهدت سوق أهراس أحد أكبر المعارك في تاريخ الثورة الجزائرية ضد قوات الجيش الفرنسي، واطلق عليها اسم «معركة سوق أهراس الكبرى» شهر نيسان/ابريل 1958 دامت حوالي أسبوع على قطر يتعدى 50 كيلومترا ما بين سوق أهراس وصولا إلى قالمة، فقدت خلالها الجزائر 639 شهيدا، في حين قتل 300 من جنود الجيش الفرنسي وجرح 700 آخرين.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ميساء:

    كانت تسمى قبل مجيء الاستعمار تاغست أو تاغوشت ،. وبعد ذلك غيرت فرنسا التسمية وصارت سوق اهراس ، و اهراس جمع آهر الذي يعني الأسد أي سوق الأسود، و أنجبت مجاهدين مثل محمد الشريف مساعدية و الشهيد الرمز باجي مختار و غيرهم كثيرون جدا جدا

إشترك في قائمتنا البريدية