الاتحاد الأوروبي، ندد بهذا الاتفاق الثلاثي بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، مؤكداً أنه لم يتبلّغ مسبقا بهذه الشراكة العسكرية الجديدة التي يرى مراقبون أنها تستهدف الصين.
باريس-»القدس العربي»: «طعنة في الظهر» هكذا وصفت فرنسا إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عن شراكة استراتيجية جديدة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا حول تزويد كانبيرا بغواصات أمريكية تعمل بالطاقة النووية. لتتخلى أستراليا، بعد ذلك، عن عقد ضخم بقيمة 56 مليار، كانت قد أبرمته مع فرنسا قبل نحو خمسة أعوام، وينص على أن تزودها باريس بـ 12 غواصة تعمل بالطاقة التقليدية، الأمر الذي أثار حفيظة فرنسا.
وزيرُ الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، الذي كان مهندس هذه الصفقة مع أستراليا، حين كان وزيراً للدفاع، في عهد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند، لم يخف شعوره بـ»الغضب والمرارة الشّديدين» من جراء ما وصفها بـ»الطعنة في الظهر» من أستراليا، فيما رأت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي أن إلغاء كانبيرا للصفقة يعد قراراً خطيراً على صعيد السياسة الدولية. وانتقد لودريان وبارلي الرئيس الأمريكي الذي اتّهماه بـ»سحق حلفائه» بهذا القرار الأحادي، الذي شبهه رئيس الدبلوماسية الفرنسية بما كان يفعله خصم سيّد البيت الأبيض السابق ترامب، الخصم السياسي اللدود لجو بايدن.
فتشبيه لودريان تصرف بادين بتصرفات سلفه ترامب، اعتبر الصحافي والمحلل السياسي المقيم في باريس مصطفى الطوسة، أنه يعطينا فكرة عن مدى غضب وامتعاض وخيبة أمل الفرنسيين من الأمريكيين، وأن ذلك ستكون لها تداعيات على مستوى الثقة التي تعد ضرورية في علاقات الحلفاء. وتؤكد قضية الغواصات هذه أن واشنطن تتبع مقولة امريكا أولا، يضيف الطوسة في رد على سؤال «القدس العربي».
استدعاء السفراء
حاول الرئيس الأمريكي، بعجالة، طمأنة الفرنسيين، مؤكداً أن بلاده «تتطلّع للعمل بشكل وثيق مع باريس» في منطقة المحيطين الهادئ الهندي والهادي، واصفاً فرنسا بـ»الشريك والحليف الأساسي» لبلاده. وكذلك فعل مسؤولون كبار في إدارته. غير أن الجرح الفرنسي بدا. وهذا ما يفسر تصعيد باريس، باستدعاء السفيرين الفرنسيين لدى واشنطن وكانبيرا للتشاور، بناءً على طلب الرئيس إيمانويل ماكرون، كما جاء في بيان للخارجية الفرنسية مساء الجمعة، والذي ندد بالتخلي الأسترالي عن صفقة الغواصات الفرنسية، واصفاً الإعلان عن الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا بـ»السلوك غير المقبول» الذي ستؤثر عواقبه على مفهوم فرنسا لتحالفاتها وشراكاتها «فالقرار الأمريكي البريطاني، قد لا يعني شيئاً من الأذى الاقتصادي الذي عبرت عنه الشركة الفرنسية المصنعة للغواصات إذا ما تم قياسه بحجم الإساءة الكبيرة من الناحية الأخلاقية بين طرفي شراكة استراتيجية» يقول الباحث السياسي الدكتور محمد كلش لـ»القدس العربي».
الاتحاد الأوروبي، ندد بهذا الاتفاق الثلاثي بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، مؤكداً أنه لم يتبلّغ مسبقا بهذه الشراكة العسكرية الجديدة التي يرى مراقبون أنها تستهدف الصين. وعبر المسؤولون في الاتحاد عن مخاوفهم من نهج إقصائي لدى واشنطن. وسبق لمسؤولين أوروبيين كثيرين أن أبدوا استياءهم من الطريقة التي انسحبت بها الولايات المتحدة من أفغانستان، حيث اتّهم بعضهم الرئيس الأمريكي بايدن بأنه همّش حلفاءه الأوروبيين في قراره هذا. «فقضية الغواصات لم تكن الضربة الأولى التي وجهها بايدن إلى حلفائه الأوروبيين، إذ سبقتها ضربة تمثلت في الانسحاب من أفغانستان من جانب واحد» كما يرى رامي الخلفية العلي الباحث في الفلسفة السياسية، متحدثاً لـ»القدس العربي».
وأكدت الحكومة الفرنسية على أنها غير قادرة على الوثوق بأستراليا في المحادثات الجارية بشأن إبرام اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي، إذ من المقرر عقد جولة جديدة من المحادثات بين التكتل وأستراليا، والتي تغطي مجالات تشمل التجارة والخدمات والاستثمار وحقوق الملكية الفكرية، في خريف العام الجاري، وذلك بعد أن أكملت المفوضية الأوروبية كانبيرا هذا الربيع الجولة الحادية عشرة من المفاوضات التجارية التي بدأت بينها في عام 2018.
المعارضة الفرنسية تندد بالفشل الذريع
فتخلي أستراليا عن صفقة الغواصات الفرنسية التي توصف في باريس «بصفقة القرن» يشكل ضربة موجعة للرئيس إيمانويل ماكرون، على بعد أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، واساءة لسمعة السلاح الفرنسي، يضيف الخليفة العلي. وبينما استنكر اليمين ما صفه بـ»الفشل الذّريع» للرئيس ماكرون وحكومته، عبرت الأوساط اليسارية عن قلقها بشأن التوظيف.
حزب « الجمهوريون» اليميني- المحافظ، قال، في بيان، إنّ «الضربة القاضية التي تلقتها صناعة الدفاع الفرنسية، هي إنذار إضافي يشهد على التدهور الصناعي والجيوسياسي لفرنسا». وشدد الحزبُ على ضرورة «إلقاء كل الضوء على الطريقة التي تم بها التفاوض على هذا العقد والأسباب التي أدت بفرنسا إلى هذا الفشل الذريع». وطالب بورنو روتايو، الذي يترأس كتلة الحزب في مجلس الشيوخ، بـ «الشفافية» بشأن شروط «فشل» فرنسا، فيما قال ميشيل بارنييه، المفاوض السابق في الاتحاد الأوروبي بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمرشح الحالي للانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب في السباق إلى الإليزيه، قال إنه يجب «تعلم الدروس حول الدعم السياسي لمثل هذه العقود».
أما «حزب التجمع الوطني» اليميني- المتطرف، فقد طالبت زعيمته مارين لوبان، المرشحة للانتخابات الرئاسية المقبلة، بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق فيما وصفته بـ»الغرق».
في حين، أعرب زعيم حركة «فرنسا الأبية» اليسارية الراديكالية، جان ليك ميلانشون عن أسفه «لمظهر جديد لازدراء الولايات المتحدة للاتفاقات التي أبرمها حلفاؤها» معتبرا أن «الوقت قد حان لمغادرة الناتو». وعلى نفس المنوال تحدث السكرتير الوطني للحزب الشيوعي الفرنسي، والمرشح الرئاسي، فابيان روسيل، داعياً إلى الخروج من حلف شمال الأطلسي.
مآلات الأمور
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، تعقيباً على استدعاء فرنسا لسفيرها في واشنطن للتشاور، أن الولايات المتحدة الأمريكية «تأمل» في أن تتمكن من إثارة خلافها مع فرنسا بشأن أزمة الغواصات على مستوى عال خلال الأيام المقبلة، بما في ذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل في نيويورك، والتي سيحضرها وزيرا الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والفرنسي جان إيف لودريان.
واعتبر برايس أن التحالف عبر الأطلسي قد عزّز الأمن والاستقرار والازدهار في كلّ أنحاء العالم على مدى أكثر من سبعة عقود، واعداً بـ»التعاون» مع فرنسا في ملفّات عدّة، بما في ذلك في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. غير أن «اضعاف أداء الحلفاء الغربيين من شأنه أن يقوض المنظومة الأطلسية، ويصب ذلك في مصلحة روسيا التي ستحاول استغلال الأزمة بالحديث عن صعوبة وضع الثقة في واشنطن، ثم الصين، كون مثل هذه الخطوات قد تَكسر الإجماع الدولي، الذي يحاول جو بايدن ان يقيمه لمحاربة الصين ومحاصرتها عسكريا واقتصادياً» يشرح المحلل السياسي مصطفى الطوسة، متوقعاً أن تَجد الولايات المتحدة، من الآن فصائداً، صعوبة في محاولة «تجنيد» الأوروبيين في مواجهتها مع الصين.
فخار يكسر بعضه .. وشظاياه تقع على رؤوس الأوروبيين.
الإتحاد الأوربي يريد علاقات إقتصادية مع الصين، لكن يصطدم السياسة الأمريكية. وبعد خروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي أصبح الإتحاد بطة عرجاء!
لماذا لا تقوم فرنسا بانقلاب في أمريكا اَو أستراليا او في البلدين كما تفعل وفعلت في افريقيا