KARE*

على حساب إغاثي للحيوانات أنشأته ناشطة في المجال على إنستغرام، وهي ابنة عمتي بالمناسبة، تتجلى بعض الممارسات البشرية البشعة في «أنقى» صورها. صورة بعد صورة، يستعرض الحساب، ضمن الكثير الذي يستعرضه من الرعايات الطبية للحيوانات ومن قصص الإنقاذ المبهجة، أنواع التعذيب التي تتعرض لها الحيوانات في الشوارع وعلى أيادي الكبار قبل الصغار، كما يستعرض الحساب بعض أبشع ممارسات الأسواق التي تتداول الحيوانات، والطريقة المخزية التي «يخزنون» بها هذه الحيوانات ويبيعونها دون أدنى إشارة إلى فهم «الطرف الإنساني» أن ما يتعامل معه هو روح، حياة، كائن يتألم ويعاني.
تتجلى معاناة الحيوانات بوضوح في كل منطقة تحوي بشراً، فنحن الجنس الأغرب والأكثر توحشاً على هذه الكرة الأرضية تجاه كل منافسة نستشعرها أو بدافع من أي مصلحة نستشفها سواء من قبل كائنات وموجودات أخرى أو من قبل بني جنسنا بحد ذاتهم . شيء ما في عقل «الهوموسيبيان» المتطور، يجعله خلاقاً مبدعاً متناهي الطموح والآمال والفضول لمعرفة كنه نفسه وسر وجوده، ويجعله في الوقت ذاته متوحشاً عنيفاً ليس فقط ضد الكائنات الأخرى، ولكن كذلك ضد بني جنسه في تعارض مريب مع غريزته الأقوى والأوضح، ألا وهي غريزة البقاء والحفاظ على النوع. تاريخنا مظلم، فبني جنسنا، الذين تجاوروا ذات زمن وستة أنواع بشرية أخرى على سطح الأرض، أبادوا كل الأنواع المخالفة لنوعهم، حتى لم يبق على الأرض غيرهم، ليلتفتوا للحيوانات، ينفسون فيها شرورهم ويسبغون عليها من ظلام أنفسهم.
وعلى أن هذه الحالة مستشرية بين البشر جميعاً، إلا أنها أكثر وضوحاً وتعقيداً عندنا في دولنا «النايمة» التي بعد لم تصحُ مع إشراق القرن الواحد والعشرين. قليلة هي ومتناثرة القوانين التي تحمي الحيوانات في عالمنا الشرق أوسطي، ولربما الشرق آسيوي. في الكويت يوجد قانون قوي يغرم ويحبس من يخالف مواد الرفق بالحيوان، إلا أننا بعد لم نسمع عن وقوع عقوبة في هذا الصدد. بل إنه انتشر قبل فترة فيديو لأحد المشاهير وهو يصور كلبه الميت بطريقة مستفزة ومؤلمة دون أن نسمع عن أي تداعيات لهكذا تصرف مسجل صوتاً وصورة.
حقيقة أن المرعب أكثر من غياب التشريع والتطبيق للتشريع لحماية هذه الكائنات الضعيفة المنتهكة هو غياب الرحمة من القلوب والسلوكيات الأخلاقية من الحياة. بلا شك، نحتاج للتشريع الذي يفترض أنه يستهدف المختلين سلوكياً ليحمي المجتمع منهم، ولكن المفترض أن يكون الواقعون تحت هذا التشريع هم أقلية، لا أن يكون هذا الاختلال السلوكي هو السائد وهو النمط المعتاد، بل وهو مصدر تسلية وضحك ولربما إشباع مقبولين جميعاً.
«خلينا نعدل أوضاع البشر أولاً حتى نلتفت للحيوانات»، هي جملة قبيحة ومريضة لا يجب أن تقال على ألسنة بشر أصحاء أخلاقيين. إن طريقة معاملة الحيوانات في مجتمعاتنا المتصفة «بالرحمة والأخلاق والورع» لهي مؤشر مهم وخطر على حقيقة رحمتنا وأخلاقنا وورعنا. من يعذب روحاً قادر على تعذيب غيرها، ومن يستسهل ألم جسد قادر على تفعيله في أجساد أخرى، ومن يتجاهل بل ويستمتع بعذابات كائن، أي كائن، هو إنسان مريض، حقيقة بحاجة لمساعدة وعلاج.
لربما هو ديدننا، هو النمط الذي شكلتنا عليه حيواتنا وظروفنا، أن ننفس عذاباتنا فيمن هم أضعف منا. فالوزير يهين المدير، والمدير يجرح كرامة الموظف، والموظف يستهزئ بالمحاسب في السوق المركزية، والمحاسب يصرخ على ويتحكم في العمال المساكين الذين يبدون في أسفل السلم المجتمعي. ولربما هؤلاء العمال، من له الحظ في أن تكون له زوجة في غربته، يعودون ليضربون الزوجات وينتهكون أجسادهن، وهذه النساء تنفس في الأطفال، وهؤلاء الأطفال يقلدون العنف على أجساد الحيوانات، فكل مقهور يحتاج لأن ينفس قهره في الآخرين، لا يكسر سلسلة القهر والعذابات هذه إلا منظومة أخلاقية حقيقية تتعمق في الوجدان المجتمعي مسنودة بتغييرات جذرية في الظروف المحيطة، منظومة يدفع بها مجتمع صالح محترم، يحترم فيه النظام الأفراد، والحكومات الشعوب، والشعوب القانون، والقانون كل كائن حي على هذه الأرض. فحين يصبح للجميع قيمة، يصبح تبادلها وإسباغها على القلة المحرومة عملية أسهل. أين نحن من رحلة التغيير العسرة تلك؟ إلى أن نبدأها، لا يمكن أن نترك هذه الأرواح الأليفة البريئة عرضة لرغبات ونزوات وأمراض البشر. هي في الواقع معادلة عكس ما نعتقدها: فقط حين نرى بوادر الرحمة بالحيوان، ستبدأ الرحمة الحقيقية بالإنسان واحترامه وتمييزه كقيمة حقيقية على سطح الأرض. لكي نصبح مجتمعات إنسانية أفضل، يجب أن نثبت أنفسنا مع الفئة الأضعف والأكثر عرضة لنزواتنا وعنفنا وأمراضنا. غريب أن نحتاج أن نذكر أنفسنا بذلك ونحن نعيش في شرق أوسط يختنق بورعه، فهلا أثبته بأخلاقه؟
*هذا اسم حساب المجموعة التطوعية للرفق بالحيوان المشار لها في المقال. ساعدوهم..

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول علي:

    نحن نحتاج إلى الرفق بالإنسان المسلم. حكومات الإرهاب الصليبية ووكلاؤها المعتمدون لا يرحمون المسلمين ولا يرفقون بهم. الدم يسيل يوميا، والسجون عامرة، وهناك من يبني مجمعات ضخمة للسجون على الطراز الإرهابي الأميركي. الورع الذي يخنق أمتنا لا وجود له إلا في عقول المعجبين بثقافة الاستعمار الإرهابي. القدس العربي نشرت اليوم خبرا عن هجوم لفظي لجندي أميركي ضد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، وقال له: أنت قتلت مليون عراقي. ليته عاملهم بالرفق ومنحهم ما يمنحونه للحيوانات من رعاية بدلا من قتلهم. كانت دماء ضحايا مذبحة رابعة ساخنة، وخرجت مظاهرة في الهرم من أجل الكلاب تقدمها نجوم المجتمع الذين يسكنون هناك. المسلم لا ثمن له!

  2. يقول سيف كرار... السودان:

    عندنا في السودان معاصر زيتيه تقليديه يقودها الجمال في زماننا الماضي والحاضر لإنتاج زيت من محصول السمسم. اذكر سألت صاحب المعصره. لماذا انتم تضع ن غطاء علي رأس وعينا هذا الجمل. فرد لي لأننا لا نريد الجمل يغضب مننا ويهي ويعضنا. هههه..

  3. يقول سليم:

    هل هناك همجية اشد قبحا من همجية المسلم مع اخيه المسلم؟؟؟؟؟؟؟

  4. يقول سلام عادل(المانيا):

    تحية للدكتورة ابتهال وللجميع
    هل نحتاج الى الدين او الفلسفة لنهتم بالحيوانات ام ان القضية برمتها قضية انسانية تختلف من مجتمع لاخر بحسب ثقافته وعاداته وتقاليده

  5. يقول م /ب اولاد براهيم:

    قصة واقعية..اخر ايام العشرية السوداء بالجزائر . هاجمت مجموعة من الارهابيين على فلاح ؛ وقادته مع نغمه وابنته وراح كلبيه يتبعون الاثر في خلسة من اعين الارهابيين الى وصلوا الى الغابية القريبة والبعيدة عن الثكنة . فقاموا بقتله واخذوا البنت وقطيع الغنم . بقي كلب يحرس الجثة . عاد الخر الى البيت يلحرسها وما بقي من الشويهات وهوينبح نباحا حزينا دون انقطاع مما لفت انتباه افراد الحرس البلدي فجاؤوا الى بيت الضحية فلم شيئا وزاد نباح الكلب . وراح يسير نحو الغابة وفي هستيريا وكانه يقول هيا اتبعوني لكن الظلام خيم والامطار بدأت في الهطول . وبقي الحر س بقرب االبيت الى الفجر وسار بهم . وعلى بعد اميال سمعوا نباح الكلب الثاني الذي بقي في حاسة الجثة . طلبوا التغطية الجوية وتقدموا ولما وصلوا الى المكان لم يتركهم الكلب للتقرب من الجثة حتى جاؤوا بابنه وعندها حملوا الجثة الى الشاحة العسكرية . فاذا بالكلبين يصعدا الى جانب الجثة الى غاية المقبة . للقصة بقية

  6. يقول م/ب اولاد براهيم:

    الفرس؛ والكلب اصديقاء للانسان .. وقت الثورة التحريرية الجزائرية المباركة . 1954- 1962 ونتيجة للسياسة الاستدمارية فصل الثورة عن الشعب .عن طريق تجميع السكان في المحتشدات . وخلق المناطق المحرمة . توحشت الحوانات ( صات موحشة تفترس ) بعد 19 مارس 1962فتحت المحتشدلت وعا د السكان مضاربه ؛ وقراهم في تجمعات من الخيم الوبرية ورحنا نحن الاطفال نتناوب على رعي الابقاروكان الجو ربيعي بامتياز ولما جاء دوري وكان يوم الاحد لم نذهب الى مدرسة القرية . وفي الصباح حمت جرابي فيه زادي ودفتر العلوم leçon de choses ورافقني جروي ( لان السيطات العسكرية الفرنسية منعت وقتلت كل الكلاب) . ورحت اتبع الابقار الى الغابة القريبة . ولما كان الجو مشمسا ربيعيا اصبت بضربة حر وراح الجرو يحرسني وكان يترقني ذئبا مفترس . يتقدم نحوي شيئا فشيئا والجرو

  7. يقول الكروي داود النرويج:

    إلى الزميل العزيز سيف كرار أقول: إتقِ الله في نقلك من القرآن الكريم!
    حاول أن تستنسخ الآيات التي تستدل بها من مصادرها وهي كثيرة بالنت!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  8. يقول الكروي داود النرويج:

    جاري العزيز عبد الكريم, بعد التحية والمحبة أقول:
    أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل كلاب المدينة المنورة بأول الأمر فقط, ثم خص الأمر بالكلب الأسود لأن الشيطان يتلبس به,
    لأن المدينة المنورة مهبط الوحي, والملائكة لا تنزل على مكان فيه كلب!
    والجميع يقر بنجاسة لعاب الكلاب, ولذلك خصها الرسول الكريم بأعمال الصيد والرعي وحراسة الزروع خارج المنزل!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول رائده:

      وهناك فتوى جديده ظهرت في مصر ونقلتها القدس العربي تقول ان الكلب غير نجس.

  9. يقول سيف كرار... السودان:

    جهاز الخلوي الذي استخدمه الان هو ماركة هواوي برو بي تونتي..شكرا علي رايك..

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية