القاهرة ـ «القدس العربي»: تاريخ العالم العربي مع النفاق قديم، إذ يذكر المؤرخون أن المتنبي استغل الزلزال الذي حدث في عصر كافور الإخشيدي ليمتدح كافور- قائلا: “ما زلزلت مصر من كيد ألم بها.. لكنها رقصت من عدلكم طربا”. وفي صحف أمس الثلاثاء 28 سبتمبر/أيلول ذاع خبر انفصال حارس مرمى المنتخب القومي والفريق الأهلي الشهير محمد الشناوي عن زوجته منة عرفة فاستغلتها بعض الصحف فرصة مثالية لجذب أنظار الجماهير المولعة بالرياضة، وبالتحديد الساحرة المستديرة، كي تخفف من وطأة الهجوم على الحكومة المتهمة بتبني سياسات تزيد الأغلبية الفقيرة عوزا.
ومن أبرز التقارير الأمنية: قررت جهات التحقيق المختصة إخلاء سبيل الداعية السلفي الشهير الشيخ محمود شعبان، وجاء قرار إخلاء السبيل نظرا لكونه محبوسا منذ 2019 على ذمة القضية 771 حصر أمن دولة، وصدر قرار بإخلاء سبيله على ذمتها. ونسبت النيابة إلى شعبان عددا من الاتهامات، في مقدمتها التحريض على أعمال عنف، والانضمام إلى جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون.. وأسفر القرار عن حالة من التفاؤل في أوساط الإسلاميين بقرب احتمال الإفراج عن مزيد من المحبوسين على ذمة قضايا سياسية، خلال الفترة المقبلة، وهو الأمر الذي يطالب به كثير من الحقوقيين.
ومن أخبار القصر الرئاسي: صدّق الرئيس عبد الفتاح السيسي، على إنابة الفريق أول محمد زكي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، لزيارة ضريح الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ووضع إكليل من الزهور. ومن التقارير التي حظيت بالاهتمام: كشفت تقارير رقابية تم رفعها للقيادة السياسية، عن سوء أداء عدد كبير من المحافظين وفشلهم في السيطرة على وقف التعدي على الأراضي الزراعية والترع والمصارف والجسور.. ومن المقرر إجراء حركة تغير واسعة في المحافظين الفترة المقبلة لتجديد الدماء، وسرعة تنفيذ مبادرة حياة كريمة. ومن أخبار الحكومة: أكدت وزارة المالية أنه لا صحة لفرض ضرائب جديدة على المواطنين لزيادة الإيرادات العامة للدولة، مُشددة على أن الدولة تسعى إلى استقرار السياسات الضريبية، بما يضمن دعم جهود تهيئة بيئة ومناخ الأعمال، مع توسيع القاعدة الضريبية دون فرض أي ضرائب جديدة.
أملنا الوحيد
هل سينهار سد النهضة؟ عماد الدين حسين في “الشروق” حاول الإجابة على السؤال، مستعينا بدراسة أعدها فريق بحثي من 7 خبراء وباحثين في جامعات وهيئات مصرية ودولية ومنهم الدكتور محمد عبدالعاطي وزير الري، وهشام العسكري أستاذ الاستشعار عن بعد وعلوم نظم الأرض في جامعة تشامبان الأمريكية. الدراسة حللت 109 مشاهد رأسية من ديسمبر/كانون الأول 2016، إلى يوليو/تموز 2021، باستخدام تقنية الأشعة الرادارية، حيث أظهرت وجود إزاحة مختلفة الاتجاهات في أقسام مختلفة من السد الخرساني الرئيسي والسد الركامي المساعد في سد النهضة الإثيوبي. المشاهد والصور رصدت أيضا، هبوطا غير متسق في أطراف السد الرئيسي، خاصة الجانب الغربي، وأن تعبئة السد تتم دون تحليل كاف للتأثيرات المحتملة في جسم السد، وأن الملء لا يؤثر فقط على هيدرولوجيا حوض النيل الأزرق وتخزين المياه وتدفقها، بل يشكل مخاطر كبرى في حالة انهيار السد. الدكتور العسكري وطبقا لتصريحاته لزميلنا في “الشروق” محمد علاء، قال إن سد النهضة غير آمن نهائيا، وهو يستبعد تنفيذ المشروع بالكامل، كما هو مخطط له، أي تخزين 74 مليار متر مكعب من المياه. الدكتور العسكري يعتقد أن عملية التخزين، سوف تتسبب في مشكلات عند وصول المياه إلى 25 و30 مليار متر مكعب. هذه هي الأفكار الرئيسية للدراسة، التي شارك فيها 4 باحثين في هيئات دولية. وقبل ظهور نتائج هذه الدراسة، علينا أن نتذكر مئات التحذيرات التي صدرت عن جهات مصرية وسودانية ودولية، بشأن المخاطر التي يمكن أن تنتج عن بناء سد النهضة في مكانه الحالي، أو تأثيرات انهياره الجزئي أو الكلي على مصر والسودان. السؤال الجوهري الآن بعد صدور الدراسة الأخيرة، وفي ضوء كل المماطلات الإثيوبية طوال السنوت الماضية، بشأن رفضها التوقيع على اتفاق قانوني وملزم، لكيفية إدارة وتشغيل سد النهضة هو: ماذا نحن فاعلون مع دولة وحكومة تصر على السير في طريق التحدي، غير مكترثة بحياة أكثر من 150 مليون مصري وسوداني.
فلوس من الهوا
نتحول نحو طائفة جديدة تستهدفها مصلحة الضرائب، وتابع القضية أحمد التايب في “اليوم السابع”: في ظل انتشار العالم الافتراضي، ومواقع التواصل الاجتماعي، استحدثت مهن جديدة تحقق أرباحا خرافية، وأبرزها “اليوتيوبرز والبلوجرز” فسمعنا عن مكاسب فلكية وأرقاما خيالية وفللا وهمية، لدرجة أن هذا الثراء الفاحش والسريع شجع آخرين على خوض التجربة لتحقيق “فلوس من الهوا”، حتى لو كان هذا على حساب القيم الاجتماعية والثوابت الأخلاقية. ومكمن الخطورة، أنه لا توجد أي معايير لعمل هذه المهن، حيث يسعون للربح والانتشار بأي طريقة ولا ينظرون إلى المحتويات التي يقدمونها، ليس هذا وحسب، بل عندما سعت الدولة إلى تحقيق المساواة بين أفراد المجتمع في دفع الضرائب، وجدنا اعتراضات واتهامات بأن هذا الاتجاه من شأنه أن يحد من الحريات، متجاهلين أن هذا يندرج تحت ما يسمى بالتجارة الإلكترونية التي لاقت رواجا كبيرا في ظل الحداثة ومستجدات الحياة العصرية. والغريب، أن من ينتقد اتجاه الدولة لتحقيق العدالة في فرض الضرائب، ينسى أو يعتقد أن الدولة المصرية هي فقط التي تلجأ إلى هذا، متجاهلا أن هناك تجارب كثيرة لعدد من الدول ودول عظمى سبقت مصر بسنوات في هذا الأمر. هناك من يريد استمرار هذه الفوضى والعشوائية على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي يرفض اتجاه الدولة لضبط الأمر وفرض وتحصيل ضرائب، لأنه ببساطة يريد الأمور سداح مداح، فلا يهمه طمس الهوية، ولا الانحلال الخلقي ولا تضييع الفرصة على الاقتصاد المصري من الاستفادة من هذه التجارة، التي أصبحت مربحة للغاية. من منا يا سادة ينكر حجم التجارة الإلكترونية الآن، ومدى تعاظمها أمام التجارة العادية فسوق “الأون لاين” الآن أصبح مفتوحا للجميع ولكل الفئات والشرائح، وفيه رواج مذهل، فلماذا يصنف البعض “اليوتيوبر والبلوجر” مشاركة اجتماعية فقط، رغم أن الأمر واضح وضوح الشمس، بأنها أصبحت مهنا مربحة.
طريق المليونيرات
إذا أردت أن تنضم إلى قائمة الأغنياء في أشهر قليلة، مطلوب منك أن تستمع لنصيحة وليد عبد العزيز في “الأخبار” بأن تشتري “فيستا” لونه أخضر أو أصفر بـ20 جنيها وبعدها تصدر لنفسك قرارا إنك أصبحت تعمل (سايس) في أي مكان تختاره في أرض مصر.. الحكاية أبسط من البساطة.. هتقف في أي شارع ويا سلام لو ربنا كرمك ووقفت في منطقة مطاعم مثلا.. كل الحكاية أنك هتقول لصاحب السيارة 3 كلمات تبدأ بحمد الله على السلامة.. ثم ارجع شوية يا برنس.. وبعدين تقول كده زي الفل يا باشا.. أقل مبلغ من الممكن أن تحصل عليه من أي شخص لن يقل عن 5 جنيهات إلا إذا وقفت في منطقة يكون البيه السايس محدد التسعيرة الخاصة به، ويمكن أن تصل التسعيرة إلى 20 جنيها. أنا مش عارف قانون السايس راح فين.. ولا مين بيشتغل مع مين، اللي فهمته أن كل منطقة ليها ريس وهو المسؤول عن توزيع السياس، ومش عارف مقابل إيه أو بيدفع لمين. ما علينا المهم أن دي أسهل شغلانة للنصب في مصر.. حاجة كمان بتحصل، فمثلا لو سألت اللي واقف عن سبب أنه بيأخذ منك فلوس، رغم أن الشارع ملك للشعب يقولك أنا بحافظ على عربيتك بدل ما حد ييجي يجرحها بمسمار.. يعني لو ما دفعتش الـ 5 جنيهات ممكن تدفع 5 آلاف جنيه علشان تعيد طلاء السيارة بعد ما يقوم اللهو الخفي بتجريحها لأنك لم تدفع الإتاوة. سؤال، هي الحكومة ممثلة في الجهات التنفيذية عارفة الكلام ده.. الرد طبعا آه.. طب لما قانون السايس دخل حيز التنفيذ بعد مناقشات ساخنة في البرلمان، هو مش من الطبيعي أنه يتطبق.. على الأقل المواطن لو عرف أنه بيدفع فلوس للحكومة مقابل خدمة هيكون مبسوط.. ولكن لما يحس أنه بيدفع إتاوة ومحدش بيحميه هيبقى مش مبسوط. الصراحة الواحد شاف بلاد كتير ومستحيل تشوف هذا المنظر بهذا الأسلوب إلا في مصر.. الموضة الجديدة أن بياع المناديل وبياع البخور وناس تانية بقت متواجدة مع السايس يعني الموضوع مبقاش على قد الخمسة جنيهات فقط.
باعوك يا ماكرون
أشعل إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية التي كان مزمعا بيعها إلى أستراليا ردود فعل غاضبة، سحبت على أثرها فرنسا سفيريها من أستراليا وأمريكا، قبل أن تعيدهما مرة أخرى عقب اتصال الرئيس الأمريكي بنظيره الفرنسي يوم الجمعة الماضي. كانت أستراليا كما أوضح عمرو الشوبكي في “المصري اليوم” قد اختارت مجموعة “نافال جروب” الفرنسية للصناعات الدفاعية لشراء 12 غواصة، وأعلن رئيس الوزراء الأسترالي أن “القرار الذي اتّخذته بلاده بعدم إكمال الطريق مع الغواصات الفرنسية لطريق آخر ليس تغييرا في الرأي، إنّه تغيير في الاحتياجات”.. وهو ما يعني أن هناك أبعادا أمنية واستراتيجية وراء إلغاء هذه الصفقة، بالاتجاه نحو الحليف الأمريكي. ورغم أهمية البعد الاقتصادي في إلغاء صفقة الغواصات التي وُصفت بأنها صفقة القرن بالنسبة لفرنسا، التي كانت تنتظر بيع غواصات قادرة على العمل بالطاقة النووية بقيمة 51 مليار يورو، إلا أن تداعيات تلك الأزمة فتحت الباب لأبعاد أخرى ثقافية واستراتيجية وأمنية، تتعلق بنظرة دول رئيسية في التحالف الغربي لطبيعة شراكتها مع فرنسا والاتحاد الأوروبي. لقد تولدت لدى أستراليا قناعة بأن حماية أمنها سيتحقق بصورة أكبر من خلال وجودها في تحالف تقوده الولايات المتحدة، وأن قدرة هذا التحالف على سرعة الحركة وسهولة اتخاذ القرارات الحاسمة عجلت بتغيير وجهتها نحو تحالف «أنكلوساكسوني»، حمل اسم «أوكوس» الذي ضم معها كلا من بريطانيا والولايات المتحدة. الحقيقة التي انتهى عندها الكاتب أن فرص بناء قوة عسكرية أوروبية قادرة على الاستقلال عن الولايات المتحدة، وتشكيل قوة ردع عالمية جديدة تنافس القوى العظمى، أمر غير وارد في ظل أوضاع الاتحاد الأوروبي الحالية. ويبقى أمام فرنسا وعدد من الدول الأوروبية خيار آخر، وهو الحياد في الصراع الأمريكي – الصيني والتمرد الجزئي عليها بعدم الانخراط بشكل كامل في صراعها التجاري والاقتصادي والجيوسياسي مع الصين، لأنه مستحيل على فرنسا أو أوروبا التحالف مع الصين في مواجهة أمريكا كرد فعل على موقف بعينه، لأن تحالفها مع أمريكا ودول التحالف الغربي شديد العمق لأسباب سياسية واستراتيجية وثقافية.
أوشكت أن تغيب
من بين المبشرين بتعرض الامبراطورية الأمريكية للانحسار محمود زاهر في “الوفد”: خلال السنوات الخمس الأخيرة، لم تعد الولايات المتحدة كما كانت، نتيجة سياساتها العبثية الفاشلة، والعنجهية الفارغة، وحساباتها الخاطئة، ورهاناتها الخاسرة.. والمحصلة سمعة دولية ملوثة، وانفراط عِقد حلفائها، ربما أُصيبت بـ«الشيخوخة المبكرة»، ولم تعد قادرة على قيادة العالم، وصياغة مشهد غربي موحد، بعد مرحلة «ترامب»، التي صَدَّرت «القلق» للحلفاء والخصوم على حدٍ سواء، وهو ما يجعل بايدن عاجزا ومكبلا أمام «الإرث المفخخ»الآن، نتابع بترقب صعود القوى الشرقية وتوهج قدراتها، بدءا بالصين المندفعة بزخم اقتصادي غير مسبوق، وروسيا العائدة بقوة لاستعادة مكانتها وحضورها بين القوى العظمى، والهند وإيران المنطلقتين بثبات على مسارات «طريق الحرير». تاريخ 16 سبتمبر/أيلول، ليس كما قبله، بعد إعلان اتفاق «أوكوس»، الذي يعني بدء حرب باردة جديدة، ليُنذر بإشعال فتيل السباق نحو التسلح النووي، نظرا لتداعياته الخطيرة وتأثيراته حول العالم. هذا الاتفاق الأمني الاستراتيجي بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا «غير النووية»، ربما جاء «تصعيدا مبطنا» على نتائج قمة شنغهاي الأخيرة، بقيادة الصين، التي تهدد بشدة عرش القطب الأوحد في العالم، ليصبح وجوده «منفردا» مسألة وقت، توقع الكاتب أن نشهد قريبا استقطابات وتحالفات أخرى، خصوصا أن «أوكوس» و«شنغهاي» يدفعان باتجاه توازنات دولية مختلفة، إن لم يكن تكريسا لأسس نظام عالمي جديد، في ظل دعوات أوروبية بالبحث عن مصالحها، وهو ما تجسَّد بوضوح في قمة السبع الأخيرة، تحت عنوان «الحكم الذاتي الاستراتيجي». لعل الخلافات الأوروبية الأمريكية ليست بالجديدة، لكنها ظهرت للعلن بوضوح في الملف النووي الإيراني، والانسحاب العشوائي من أفغانستان، والمشروع الألماني – الروسي لنقل الغاز «خط السيل الشمالي».. وكذلك طريقة التعامل مع الصين. في المقابل عزَّزت «قمة شنغهاي» اليقين الآسيوى بحتمية التكتل وتقليل التأثير الأمريكي في الإقليم، وهو ما جسَّده توافق الصين وروسيا وإيران في كثير من الملفات، والتسويق الجاد لفكرة الأمن الإقليمي، على أساس تعاون دول الجوار فقط
مختبئ في الذاكرة
واحد وخمسون عاما، وكأنها ليست كافية، كما أوضح طلعت إسماعيل في “الشروق” لوقف ثارات جرى توريثها من خصوم شعب وليس رجلا اختار بالفطرة الانحياز إلى الفقراء والمهمشين، ساعيا لتحقيق آمال وطن ناضل ابناؤه طويلا لنيل حريتهم واستقلالهم، من احتلال بغيض، وثالوث لعين يجمع «الفقر والجهل والمرض»، في أجساد واهنة حطها الشقاء من عل فباتت ليال على الطوى تبحث عن خلاص. واحد وخمسون عاما على الرحيل في مثل هذا اليوم (28 سبتمبر/أيلول عام 1970)، غير أن هذه السنوات التي تخطت نصف القرن، ليست كافية لطي صفحات من ماض شهد مئات الأحداث الكبرى، التي لم تغير وجه مصر فقط، بل منطقتها العربية، وظهيرها الافريقي، قبل أن تصل بدوامات تأثيرها شرقا إلى ربوع آسيا الفسيحة، وغربا إلى غابات أمريكا اللاتينة الكثيفة. بين 15 يناير/كانون الثاني 1918، يوم مولده، و28 سبتمبر لحظة رحيله المفجع، 51 عاما عاشها جمال عبدالناصر ممسكا بجذوة نضال متصل ومتواصل، سعيا إلى حرية بلاده التي ترفل الآن في ثوب ما كانت لترتديه، مع ذلك هناك من يخرج علينا بسهام ظاهرها النقد، وجوهرها السم الزعاف للنيل من رجل يرقد في ضريحه، بعد أن أدى رسالة يعجز كثيرون عن القيام بها. لم يكن عبدالناصر الذي حمل ورفاقه الضباط الأحرار عبء تخليص مصر من استعمار جاثم على مقدرات شعب، قائدا مستوردا، ولا صنيعة قوى أجنبية، بل كان رجلا خرج من طين بلد كان على موعد مع التاريخ لنفض غبار سنوات نالت من مقدراته وقدراته، وكادت أن تجهز على ما تبقى من أنفاسه.
نهر ناصر
أكد طلعت إسماعيل، أن عبدالناصر جاء في لحظة فارقة في تاريخ مصر، معبرا عن رغبة عظيمة في التغيير، وتتويجا لنضال طويل بدأ مع أحمد عرابي الذي رفض أن نكون «تراثا أو عقارا»، مرورا بكفاح مصطفى كامل ومحمد فريد، وصولا لمعارك سعد زغلول وثورة 1919، وما قدمه مصطفى النحاس من تضحيات في سبيل «الاستقلال التام» عن أسد إنكليزي عجوز لم يكن يعرف إلا المناورة والخداع للبقاء ممسكا بزمام الأمور. كافح المصريون أجيالا وراء أجيال لضمان حقهم في السيطرة على مقدرات بلدهم، والتحكم في قرارهم الوطني، لكن الرياح لم تكن تأتي بما تشتهي السفن، حتى جاء عبدالناصر، ليس برياح عاتية لاقتلاع الظلم فقط، بل بنهر متدفق أعاد الحياة لأرض وادي النيل الخالد، وليعيد رسم خريطة مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يغير معالم الصورة إلى الأبد. نهر عبدالناصر، كما اشار الكاتب، سبح فيه العمال الذين التحقوا بمصانع بنيت على عجل لتعويض ما فات، واغتسل فيه الفلاح الذي بات سيدا للأرض بقوانين إصلاح زراعي كانت حلما، وبسد عال حماه من الفيضان، كما تعمد في النهر ذاته آلاف الطلاب، ممن تعلموا مجانا في الجامعات والمعاهد التي استهدفت القضاء على قبح النفوس قبل الأبدان. اليوم يرقد عبدالناصر في قبره، غير أن ما تركه للمصريين من إرث، بحلوه ومره، جدير بأن يكون دافعا للنظر المنصف. حان الوقت للتخلص من أحقاد قديمة، حرصا على استلهام معارك خاضها المصريون في ظل قيادة ناصر، الذي جسد تطلعاتهم إلى غد أفضل لـ«شعب سيد في وطن سيد».
بين النجوم
يكفيك في جميع الأحوال والكلام لسمير رجب في “الجمهورية؟ أنك وأنت في الطريق للقمر يكون من السهل عليك الاستقرار بين النجوم.. وطبعا هذا في حد ذاته إنجاز هائل.. لأن وجودك بين النجوم يوفر لك مفاتيح العلم والمعرفة ويدعوك للتأمل ودراسة الواقع والخيال بتؤدة وحق وإيمان ويقين. مثلا، هذا التقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة بالأمس عن التنمية البشرية في مصر، احتوى على كثير من الصور المضيئة التي صنعتها إرادة صلبة.. وعمل دؤوب متصل وتفرغ شبه كامل للموضوعات الكبرى، دون الاهتمام بصغائر الأمور ولعل ذلك ما اتفق عليه كل من تابع أو شارك أو قارن بتؤدة تقرير التنمية الشاملة، الذي أكد على أن من أهم المقومات التي تستند إليها الدولة المصرية الحديثة هي الاستقرار والتنمية وبناء الإنسان، وكل عنصر من هذه العناصر يكمل الآخر، بحيث تظل السلسلة دائما وأبدا متصلة الحلقات. واستنادا إلى الحقائق ذاتها والمفاهيم نفسها أصبحت المعاني مشتركة والقيم والأصول واحدة. يعني من يغرس ثمار التنمية لا بد أن يكون مؤمنا أبلغ الإيمان بحقوق الإنسان بشتى فروعها ومختلف أشكالها في الوقت نفسه، الذي يرسخ في ذهنه وفي أذهان الآخرين أن السلام يظل دائما وأبدا هو الملاذ والمصير. بتوضيح أكثر.. ليس منطقيا أبدا أن يقبض المرء بيده على دعائم البناء والتعمير، بينما لسان حاله يقول وما الذي يمنع من اشتعال نار الخلافات والنزاعات؟ هذا أمر يتنافى مع المنطق.. ومع أبسط البديهيات لأن من يبني ويعمر ويشيد، لا بد أن ينثر بذور الوئام والوفاق والوحدة بين البشر وبعضهم بعضا. من هنا.. والكلام ما زال لسمير رجب فقد استحقت الدولة المصرية أرفع أوسمة التقدير والاحترام، حيث يقف رئيسها بين آونة وأخرى ليتحدث عن سلام الشرق الأوسط.. داعيا بقوة لحل الدولتين، باعتبار أن ذلك يخلق أرضية مشتركة تجمع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يعرف كلاهما كيف يحصل على حقوقه.
دورهم مؤثر
توجه فاروق جويدة في “الأهرام” بالتحية للمصريين في الخارج، فما هي الحكاية؟: أقدّم كل مشاعر التقدير والعرفان لأبناء مصر في الخارج وقد ضربوا مثلا في الوفاء لوطنهم في إنجاز غير مسبوق.. إن آخر الأرقام لدى البنك المركزي ووزارة المالية تؤكد أن تحويلات المصريين في الخارج من العملات الصعبة تقترب من 30 مليار دولار، وهو رقم لم يحدث في تاريخ الاقتصاد المصري، إنه درس في الانتماء والوفاء للوطن.. كنت أتحدث مع الصديق اللواء أبو بكر الجندي، رئيس جهاز التعبئة والإحصاء السابق، حين أكد أن وزارة الخارجية المصرية هي التي ترعى كل شؤون المصريين في الخارج ولديها أعدادهم الحقيقية.. لقد كان موقف المصريين في الخارج في السنوات الأخيرة موقفا مشرفا، وهم يدعمون اقتصاد بلدهم ويرسلون مليارات الدولارات، في وقت يعاني فيه العالم أزمة كورونا والكوارث التي حلت بدول كثيرة تعاني ظروفا اقتصادية صعبة.. هناك نماذج مصرية كثيرة ترفع رأس مصر في الخارج، ومنهم من يتولى مناصب رفيعة من أساتذة ورؤساء الجامعات والأطباء، وفي الدول العربية توجد نماذج من كل المهن والتخصصات.. إن تحويل هذه المبالغ الضخمة من الدولارات يستحق لكل مصري التقدير والعرفان.. وأتمنى أن يكون درسا لأثرياء مصر في الداخل من رجال الأعمال، ليقدموا الدعم لوطنهم في هذه الظروف الصعبة.. إن مصر الآن في حاجة إلى كل أبنائها في الداخل والخارج، وأن يتحمل القادرون مسؤولياتهم في بناء الوطن.. إن معادن الناس تظهر في المحن والشدائد وقد أثبت أبناء مصر الشرفاء في الخارج، أنهم أهل للثقة والفخر والاعتزاز وعلى مؤسسات الدولة أن تراجع هذا الدرس وتتعلم منه كيف تعامل المصريين في الخارج وترعى مصالحهم في ربوع مصر كلها.. إنهم ثروة مصر الحقيقية، ومصدر غناها وفخر شعبها.. من كان يصدق أن تتجاوز تحويلات المصريين في الخارج دخل قناة السويس والسياحة وجزء من إنتاج الغاز والبترول؟ شيء لا يصدق ولكنها الحقيقة.. من زمن بعيد قلنا إن الإنسان أغلى ثروات مصر فلنحرص عليه.
ثورة منسية
مرت منذ أيام الذكرى التاسعة والخمسون لثورة 26 سبتمبر/أيلول اليمنية التي تذكرها مرسي عطا الله في “الأهرام” وعلى الرغم من ما صاحبها من أخطاء وخطايا – فإنها انتقلت باليمن من قاع العصور الوسطى إلى آفاق العصر الحديث، وأحدثت متغيرا استراتيجيا في جنوب البحر الأحمر لمسنا أثره بوضوح عندما أغلقنا باب المندب عشية حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973. ومن المحزن كما قال الكاتب: أن هذه الذكرى مرت في صمت ولم يحتف بها أحد، لأن أهلها وناسها في اليمن مشغلون ومنشغلون بحرب أهلية مدمرة، أهلكت الحرث والنسل، وما زالت نيرانها مشتعلة ودخانها يزكم الأنوف ويكتم الأنفاس. لكن الذي يثلج الصدر أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لم يترك هذه الذكرى الخالدة، دون أن يسجل في كلمته شهادة وفاء وعرفان لمصر وشعبها وجنودها عندما قال بالحرف الواحد: «الرحمة والغفران والخلود للشهداء الأبرار من رجالات الجيش والمقاومة ولشهداء ثورة سبتمبر وأكتوبر والخلود والمجد للشهداء من أبطال جمهورية مصر العربية الشقيقة، الذين رووا بدمائهم الطاهرة تراب أرضنا دفاعا عن الثورة اليمنية عام 1962».. وأضاف عبد ربه قائلا: «إنني أثمن غاليا جهود مصر العربية في كل المراحل». وتلك شهادة حق يستحقها جيش وشعب وقيادة مصر، التي كان لها الدور الأكبر في تأمين الثورة اليمنية وحمايتها ودعم استقرارها عند تفجرها، وقد استمر هذا الدور بأشكال مختلفة طوال الـ 59 عاما الماضية والهدف هو الهدف نفسه أن تشعر مصر بأنها أدت واجبها ولم تتأخر لحظة واحدة عن مساعدة اليمن بمثل ما تفعل مع الدول العربية الشقيقة كافة، تحت مظلة الإيمان بأننا أمة واحدة ذات تاريخ مشترك ومصير واحد.
معارك شعراء
نتحول نحو معارك المثقفين بصحبة تامر أفندي في “البوابة”: منذ أيام قرأت عن مؤتمر شعر العامية واعتزمت حضوره، إذ كان محددا إقامته في حزب التجمع، ثم فجأة قرأت عن إلغائه، وقرأت تعليقات عن تدخل مسؤول أتيليه القاهرة لإلغائه وانقسام جماعة المثقفين بين مؤيد ومعارض، ثم قرأت تعليقات تنديد ورسائل تهديد وخناقة على مواقع التواصل الاجتماعي. وتخيلت هذه الخناقة كعركة كبيرة في ميدان طلعت حرب حول الكلمة يتنازع عليها طرفان، هذا يجذب وهذا يكذب حتى جردوها من ملابسها ومعناها. وأتساءل منذ متى وتنظيم المؤتمرات حكر على أحد؟ منذ متى وجماعة المثقفين تتقاتل على نسب فكرة تنظيم لها؟ كنت محررا لقسم الثقافة لسنوات حينما كانت هناك ثقافة، وتركتها حينما سكن الأشباح الأبنية والنفوس، تركتها حينما باتت الكتب تطبع دون قيد ولا مراجعة ولا تقييم، ككروت السبوع والأفراح. تركتها بعدما رحل من رحل من الكبار وأغلق آخرون الأبواب على أنفسهم، وتم تهميش القلة القليلة المبدعة. ضاعت هيبة الثقافة كما ضاعت من قبلها هيبة الإعلام والصحافة، حكم قانون المهرجانات والفلاشة كل شيء، فلا عجب من أن نرى سبابا وتراشقا بالألفاظ وتآمرا، بِتنا نتنافس في الفشل لا في النجاح.. في العهر لا في الشعر في الصفاقة لا في الأدب. نحن الآن نقرأ أسوأ نص كتب، ونأمل أن يكون قصة قصيرة، فقط بضعة أسطر في تاريخ الثقافة المصرية. ليست هذه المرة الأولى التي ينضح الإناء بما أصبح فيه، لكن تصفية الحسابات في كل مكان، فإذا غاب الإبداع حكمت الفتنة وتملك النقص الأشخاص والأشياء. تساءل الكاتب: أليس هناك رجل رشيد يدرك ما وصلنا إليه؟ يدرك أن لا وطن يطير وأوابده مغلولة، يدرك أن الثقافة ليست عطايا توزع لكنها هبة وموهبة فيدفع للأمام المنفوحين لا الممحونين. تبا لصغار ضيعوا الحرف والمعنى.. تبا لأياد أعطت الأقلام لعقول لا ترق.. تبا لمن تكلم بفيه سفيه ليحجب السمع عمن يملك مفاتيح الكلمة.\
يشبهوننا تقريبا
انتهى يسري حسان في “المساء” إلى ما يلي: كل فن بيشبه زمنه.. وكل زمن حلو.. ناسه بتبقى حلوة وتطلع فن حلو.. ولكل قاعدة استثناء طبعا.. حتى لا ندخل في جدل بيزنطي أنا وحضرتك.. وخلي بالك الفن الحلو في الزمن إللي مش حلو.. عمر سوقه ما يبقى حلو. وفي تاريخ الأغنية المصرية، فترة الخمسينيات والستينيات تحديدا، كان عندنا شعراء عتاولة ومن العيار التقيل.. خد عندك وبدون ترتيب: بيرم التونسى، مرسي جميل عزيز، فتحي قورة، أحمد رامي، عبدالفتاح مصطفى، حسين السيد، عبد الوهاب محمد، صلاح جاهين، الأبنودي، سيد حجاب، مجدي نجيب، وأكيد نسيت أسماء تانية.. وجل من لا يسهو.. كمل أنت معايا ربنا يستر أصلك. من بين هؤلاء شاعر داهية هو حسين السيد.. إللي كتب مئات الأغاني الجميلة.. العاطفية والاجتماعية والوطنية.. ولأن كل شاعر يشبه زمنه، وبما أننا نعيش الآن في زمن “السفلة والأوغاد” على رأى شاعرنا الكبير صلاح عبدالصبور، فقد تفاجأت بأغنية أو مهرجان يحمل اسم “كعب الغزال” للأستاذ حسن شاكوش، كتبها تقريبا الأستاذ حسن حدوتة.. قلت يمكن ربنا هداهم وعاملين أغنية على المنوال نفسه.. ودخلت سمعت.. وعينك ما تشوف إلا البلطجة والتفاهة والسفالة.. يا نهار أسود على الكلمات الزبالة.. ورغم ذلك فالولد الذي لا يغني بقدر ما يتخانق أو يردح، أصبح نجم نجوم ما يطلقون عليه الأغنية الشعبية.. غزال حسن شاكوش.. واعلم أنها مقارنة بين زمنين.. وأتركك في رعاية الله تقرأ هذا الغثاء..أعانك الله عليه وعلى الزمن الذي أنتجه وأصر على أن يجعل الكثير من المغفلين – أرجو ألا تكون واحدا منهم – مصرين على الاحتفاء به وبصناعه من قُطاع الطرق
طعمية فايزة
وهو يعبر حي “جاردن سيتي” في طريقه لميدان التحرير، استوقفت طارق الشناوي في “المصري اليوم” رائحة زيت الطعمية، تنبعث من أحد المحال يقول الشناوي، بعد أن وجهني أنفى إلى مصدرها، ثم فجأة تذكرت حكاية عمرها نحو 40 عاما.. إنه المحل نفسه الذي كانت تقطن فوقه مباشرة الفنانة الكبيرة الراحلة فايزة أحمد وزوجها الموسيقار الكبير محمد سلطان، في العمارة التي تطل على النيل.. كانت فايزة بسبب تلك الرائحة النفاذة قد استصدرت أمرا من محافظ القاهرة بإغلاق المحل، أو على أقل تقدير منعه من قلى الطعمية وأخواتها.. وقتها أخذتني الحماسة، اعتبرتها استغلالا للنفوذ وقطع أرزاق، تساءلت كيف لفنانة كبيرة أن تستغل اسمها لتغلق محل أكل عيش؟ وأجريت تحقيقا نشرته على صفحات مجلة «روز اليوسف» حيث كنت وقتها ما أزال أتدرب، استطلعت فيه رأي موسيقيين بحجم محمود الشريف ومنير مراد وأحمد صدقي ومحمد الموجي، قالوا جميعا إن الشعب المصري في حاجة إلى قرص الطعمية أكثر من حاجته إلى صوت فايزة أحمد، ثم أجريت حوارا مع دكتور أنف وأذن وحنجرة عن التأثير السلبى لرائحة الزيت على الصوت، قال لي: على العكس تماما، تلك الرائحة مفيدة جدا للمطرب، فهي تجلي الحبال الصوتية. تراجع المحافظ عن قراره وعاد المحل لقلي الطعمية وغضبت فايزة وتوترت العلاقة بيننا، ثم صرنا في سنواتها الأخيرة أصدقاء حتى رحيلها عام 83.. سأل الكاتب نفسه وأنا أتجول بالقرب من بيت فايزة: هل حقا الشعوب في حاجة إلى قرص الطعمية أم صوت فايزة؟ نحن نحتاج إلى قرص الطعمية بقدر احتياجنا إلى صوت فايزة أحمد.. فهي بالنسبة لي الأفضل.. مكانتها في قلبي مباشرة بعد أم كلثوم وفيروز.. ولماذا إذا وضعت في كفتي الميزان صوت فايزة مقابل قرص الطعمية؟ إنها بالتأكيد قسمة غير عادلة.. تطلعت إلى شرفة فايزة أحمد، وشعرت بأنها تبتسم لب وتسامحنب، حيث حلت مصادفة ذكرى رحيلها.
الاعلام يخدر الشعب ويقول سد النهضه سيقع —