جاءت عملية هروب الأسرى الفلسطينيين الستة، من سجن جلبوع المحصن، كمؤشر من بين مؤشرات كثيرة تدل على مدى هشاشة وضعف كيان العدو الذي قيل، كذباً، أنه لا يُقهر.
ومن يطالع أدبيات الإحتلال، وكتابات مفكريه الاستراتيجيين ومسؤوليه، يخلص إلى نتيجة واحدة مفادها أن كيانهم عبارة عن نمر من ورق، أشبه بحكومة أشرف غني في أفغانستان.
تفكيك القوات البرية بعد أوسلو
لقد أصابت إسرائيل حالة من الاسترخاء والإطمئنان بعد اتفاقيات السلام وخاصة اتفاقية أوسلو. فقد ظن ساستها أن تلك الإتفاقيات ستحميها وتضمن لها البقاء.
وترتب على ذلك خلال العقود الثلاثة الماضية، بعد أوسلو، أن قامت المؤسسة العسكرية بتفكيك جزءٍ كبيرٍ من قواتها البرية، التي هي أساس قدراتها الدفاعية. فتم حل فرقٍ من المشاة، والإستغناء عن آلاف المدرعات. يضاف إلى ذلك أن قوات الإحتياط البرية لم تتدرب منذ سنوات، مما جعل كفاءاتها العملية قريبة من الصفر.
ويدور الحديث اليوم داخل دوائر العدو حول (هبوط القوة العسكرية للجيش الإسرائيلي، بشكل عام، والذراع البري بشكل خاص).
وقد شكل عدم وجود أعداد كافية من جنود المشاة في إثارة مشكلة لم تكن في الحسبان، دقت ناقوس الخطر. فعندما ثار أهل الداخل الفلسطيني، خلال العدوان الأخير على غزة، تلاشت قوة الشرطة. فطلبت الحكومة من وزير دفاعها إرسال قوات الجيش لإخماد الثورة، لكنه رفض بذريعة نقصٍ في عدد المشاة. فاستغرق الحكومة بعض الوقت لاستدعاء حرس الحدود إلى المدن الثائرة. إذ أن هذه هي القوات المدربة على القتال في المناطق الفلسطينية المأهولة بالسكان، في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ولا تعمل عادة في مدن الداخل.
جبهة داخلية غير متماسكة
هناك شعور عام في الكيان الصهيوني، هذه الأيام، بمدى ضعف (الجبهة الداخلية) في وقت الحروب والأزمات. حتى أن الجيش تعثر في نقل المعدات العسكرية باتجاه الحدود مع قطاع غزة، للقيام بعملية برية. والسبب أن سائقي الشاحنات التي تنقل الدبابات والعتاد، من فلسطينيي الداخل، الذين يستأجرهم الجيش من شركات مدنية، رفضوا القيام بهذه المهمة حتى لا يمس إخوانهم في غزة أي سوء.
وقد شكل تعاطف السائقين مع أهلهم في غزة، ضربة للاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية التي لم يكن يظن واضعوها يوماً أن يتمرد فلسطينيو الداخل على الأوامر العسكرية وقت الحرب.
قيادة مفزوعة من الفلسطينيين
ومن المؤشرات على الضعف الخطير، داخل المؤسسة العسكرية الصهيونية، أن حالة من الفزع سيطرت على الجنود حينما طلبت منهم القيادة ترك أسلحتهم في المعسكرات، والخروج إلى الشارع بلباس مدني، خشية استفزاز الفلسطينيين، وحتى لا يتسببوا بأعمال مقاومة. ولنفس هذا السبب أيضاً ألغت قيادة الجيش تدريبات عسكرية لقواتها.
يقود هذا إلى الحديث عن المعضلة السكانية. فعدد الفلسطينيين واليهود أصبح متساوياً، لكل منهما سبعة ملايين نسمة. لكن المشكلة تكمن في أن المحتلين هم من يستحوذون على الثروة، والسلطة، والقوة، والفلسطينيون محرومون منها. فإنعدام المساواة هي سمة الكيان الذي يدعي الديمقراطية.
وبينما المحتلون يعيشون بحرية في مدن حديثة مزودة بكل الخدمات والتسهيلات، نجد سبعة ملايين فلسطيني كأنهم في سجون كبيرة. فمثلاً هناك مليونا فلسطيني في الداخل تقيدهم (الهوية الإسرائيلية)، وهناك ثلاثة ملايين في الضفة الغربية تقيدهم (اتفاقية أوسلو)، إضافة إلى مليونين في غزة يقيدهم (الحصار)، غير القيود على من يعيشون في (المخيمات). وهذا وضع يؤرق المحتلين، ويشكل قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار في وجوههم، أي لحظة.
الجيش المصري أصبح يهدد
بالإضافة إلى ما سبق، فقد طفت على السطح مشكلة إعادة تسليح سيناء من قبل مصر، خلال السنوات الماضية، تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
وهذا أكثر ما يخشاه الاستراتيجيون الإسرائيليون ويعتبرونه تهديداً وجودياً آخر لكيانهم. ويقولون إن مصر لم تعد تلتزم بإبقاء سيناء مجردة من السلاح، حسب اتفاقية كامب ديفيد، وأن وجود قوات قتالية في سيناء سيجعل القاهرة قادرة على فرض (شروط إستسلام) على إسرائيل، وهذا هو مكمن التهديد. إذ أصبح للجيش المصري قوة كبيرة، في سيناء، مؤلفة من ثلاثة فرق مدرعة، وألوية أخرى جاهزة للقتال، وبنية عسكرية وخدمات لوجستية، توفر الوقود والوسائل القتالية، جعلت بإمكان مصر السيطرة على النقب في جنوب فلسطين، خلال ساعات.
أزمة وجود
تدل مجمل هذه المؤشرات على هشاشة الجيش الإسرائيلي، (الذي لا يُقهر)، الأمر الذي زاد من شعور الإسرائيليين بعدم الأمان، يوماً بعد يوم، خاصة في ضوء وجود (أزمة اجتماعية واقتصادية عميقة تُعرض وجود الدولة للخطر). وما زاد الطين بله بروز فلسطينيي 1948 (كعدو داخلي) للكيان، وهم الذين يشكلون أكثر من 20 في المئة من سكان إسرائيل.
ويرى المحللون الإسرائيليون أن هذا ناتج عن عدم وجود أُفق سياسي واضح لتعامل المحتلين مع القضية الفلسطينية.
وعليه يمكن القول أن إسرائيل تعاني من عمى البصيرة، وتسير مترنحةً على غير هدى، في ظروف دولية عاصفة ومتغيرة بسرعة، ربما تقودها، في أي لحظة، إلى الإرتطام والسقوط. وما حكومة أشرف غني الأفغانية عنا ببعيد.
كاتب أردني
إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت، اقترب الوعد الحق بإذن الله يا صهاينة وستحرر فلسطين والأقصى باذن الله كما تم تحريرها من الاحتلال الصليبي وإن غدا لناظره قريب.