مصر: إشكالية الانتخابات النيابية والمؤتمر الاقتصادي ومراميه!

مشكلة الانتخابات النيابية التي تجري مرحلتها الأولى في آذار/مارس المقبل لا تختلف كثيرا عما سبقها من استفتاءات وانتخابات فيما بعد ثورة يناير 2011.. فواقع توزيع القوى على حاله وميزانه لم يتغير، والقوى الغالبة كما هي، ومن لهم الهيمنة استردوا عافيتهم، والوزن الأكبر فيهم للقوى القديمة والثورة المضادة، وما جرى من تغيير يمكن حصره في الإطار «الإصلاحي» وليس على المستوى الثوري، بمعنى أنه تغيير في الدرجة والكم وليس في النوع والكيف. ومعركة الانتخابات ساخنة، وهذا لا يعني أنها ناضجة ستثمر بما يلبي الآمال المعلقة عليها.
والدليل على ذلك أن «الحمى» التي أصابت الفلول هدفها «إعادة التمكين»، فيعود رجال الأعمال الفاسدون إلى نفوذهم ومواقعهم السابقة في عصر كبيرهم؛ الرئيس «الموازي» جمال مبارك، وإن كان بعضهم قد غاب ففكرهم لم يغب؛ حاضر في صحفهم وفضائياتهم وإعلامهم، وأموالهم جاهزة تراها وتشعر بها في القصور والأبراج الشاهقة والمنتجعات والأندية والمصحات الفندقية المغلقة؛ لزوم غسيل المال مجهول المصدر وشرعنته.. واستبدال الزيت والسكر والأرز ببطاطين ومدافئ تخفف من صقيع حل بالبلاد على غير اعتياد ودون استئذان، وينتشر سماسرة الانتخابات في عشوائيات وقرى ونجوع مصر لشراء الأصوات، والتركيز على الوجه القِبْلي، باعتباره الأكثر فقرا.
ورجال الأعمال الفاسدون، وإن تواروا مؤقتا عن مواقعهم المؤثرة في السياسة والتشريع والتنفيذ فقيمهم المتخلفة باقية ومفاسدهم ما زالت سائدة، ومنطقهم له الغلبة، وفرض نفسه على الوفود والمهمات الرسمية؛ باستئجار الطائرات لنقل الصحافيين والإعلاميين المرافقين للوفود. ورعاتهم وأنصارهم هم الأقرب لمواقع اتخاذ القرار. وتأثيرهم واستمرار أدوارهم الخفية والمعلنة للاستحواذ على الثروة والإعلام والإدارات الحكومية، ‪ويبدون اخطبوطا لا فكاك منه‬.
وليس معنى ذلك أن معركة التمكين ستقهر شعبا، وقد تكون المعركة الأخيرة؛ وعادة ما تكون ضارية، ومع ذلك سيهزمون فيها، لسبب بسيط أنهم لا يتعلمون مما حدث، فتمكين «أمراء الطوائف وشيوخ المذاهب» أمام إرادة شعب، أتى بهم ثم أسقطهم، وتركهم يكابرون؛ دون محاولة دراسة ما جرى، فقد يستفيدون شيئا ينفعهم ويصلح من أحوالهم.
والشعب، الذي ما زال بعيدا عن الحكم، يعيش حالة يقظة؛ بما لا يمكن هؤلاء من العودة إلى مواقعهم السابقة، فروح الثورة تلبست جسد ووجدان الشعب، وليس من السهل أنتزاعها، وما زال الخوف مهزوما أمام إرادة المواطن الفولاذية، ومن لا يعي ذلك فلا يلومن إلا نفسه، وإعادة «تمكين» الفاسدين يمثل «عشم إبليس في الجنة» كما يقول المثل الشعبي، فالكل يعلم أن تمكينهم من الحكم مرة أخرى عمل كارثي.. لن تقل آثاره عن تداعيات الحكم الطائفي والمذهبي السابق!.
ومن ناحية القانون والشكل فإن الانتخابات تجري هذه المرة على أساس النظام المختلط؛ الجامع بين الفردي والقائمة. وفقا لقرار بقانون أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي في كانون الأول/ديسمبر الماضي، بمقتضاه قسمت البلاد إلى 237 دائرة انتخابية للنظام الفردي، و4 دوائر انتخابية مخصصة لنظام القوائم.
وذكر أسامة هيكل وزير الإعلام السابق أن «قائمة الجنزوري»، الذي بلغ عامه الثاني والثمانين هذا الشهر تعتزم خوض انتخابات القوائم في الدوائر الانتخابية الأربع على مستوى الجمهورية، وتقديم مرشحين للمقاعد الفردية بعدد من المحافظات، وقانون الانتخابات يحدد أعضاء مجلس النواب بـ540 عضوا بالانتخاب؛ منهم 420 وفقا للنظام الفردي، و120 بنظام القائمة، بجانب نسبة 5 في المئة يتولى تعيينها رئيس الجمهورية، ليصل إجمالي الأعضاء إلى 567؛ بحد أدنى 21 مقعدا للنساء، و24 للمسيحيين، و16 للشباب، ومثلها للعمال والفلاحين، و8 مقاعد لذوي الاحتياجات الخاصة والمصريين المقيمين في الخارج. وقائمة كمال الجنزوري هي القائمة الأكثر إثارة للجدل، ففي الوقت الذي ينفي فيه أسامة هيكل؛ المرشح على نفس القائمة أنها ليست ظهيرا للرئيس عبد الفتاح السيسي.. حسب نص تصريحه لجريدة «الشرق الأوسط» السعودية في الرابع من هذا الشهر؛ في نفس الوقت يعد الجنزوري قائمته من موقعه كمستشار لرئيس الجمهورية ومن وظيفته داخل السلطة التنفيذية، التي لا يحق لها التدخل في الانتخابات، وهذا التضارب والتداخل المتوقع وغير المبرر في الانتخابات، من المطلوب أن ينتهي.
وعلى الضفة المقابلة تقف قائمة أخرى تحمل اسم «صحوة مصر» ويعدها السياسي الكبير عبد الجليل مصطفى، وجاء على لسان عمار علي حسن عضو لجنة المعايير بها أن قائمة «صحوة مصر» تقاطع الفاسدين من فلول نظامي مبارك والإخوان، وتراهن على وعي الشعب والشباب المقاطعين»، لافتا إلى أن قائمة الجنزوري «لا نعرف أهدافها ولا برنامجها وعن أي دولة»!.
وهناك من يرى أن مفاتيح الناخبين والمرشحين في يد الرئيس السيسي، وأشار إلى ذلك موقع «البوابة» الألكتروني (‪11/ 01/ 2015‬)، قال إسلام حويلة: أن السيسي هو الوحيد الذي يستطيع بسهولة أن يحسم الجدل الدائر حول مجلس النواب المقبل، «إذا أعلن صراحة وقوفه إلى جانب تكتل أو جبهة بعينها، وقتها ستنقلب الآية تماما. وبخطاب للأمة يوضح لها مبرراته لانحيازه لهذا التكتل سيفوز أعضاء هذا التكتل بالأغلبية المطلقة وبسهولة تامة، لكن هل يفعل ذلك الرئيس؟».. ورد: «أجل سيفعل إذا أيقن أن مصر على وشك العودة إلى النفق المظلم مرة أخرى، وهو لا يريد التدخل حتى الآن، ويتمنى أن تسير الأمور بصورة جيدة ليختار الشعب ما يراه مناسبا»!. وجاء رد السيسي مباشرا وسريعا بالنفي أثناء لقاء قادة الأحزاب الاثنين الماضي.
وعن الأحزاب؛ قليلون هم من يراهنون عليها، فتأثيرها ما زال محدودا، ويتساوى في ذلك القديم والجديد، إلا أن ثراء أصحابها صور لهم إمكانية حصولها على الأغلبية منفردة، وهذا شائع في أروقة «حزب المصريين الأحرار» بما يملك من إمكانيات مالية هائلة وإعلامية ضخمة، ورغم ذلك فالشكوك ما زالت قائمة عن مدى كفاءته وأدائه وصلاحيته أصلا؛ كحزب لأصحاب المصالح المالية الكبرى.. وهذا يضع الأحزاب جميعها أمام تحد كبير لإثبات العكس، وتأكيد الصلاحية والقدرة على العمل الإيجابي وتقدير الظروف الراهنة، ونبذ الخلافات البينية ومنع التراشق السياسي والإعلامي. والعمل على التواصل مع الناس، والمشاركة في التغيير والتطوير والبناء.
وحالة الضعف التي تعاني منها الجماعات والأحزاب والائتلافات، كشفت عن عدم قدرتها منفردة أو مجتمعة على نيل ثقة الناخب، بجانب ضعف الكتل الانتخابية الجاذبة للأصوات، وهذا وفرته الفرق والجماعات الطائفية والمذهبية، واستخدام الخطاب الديني؛ مكنها من الاستحواذ على الأصوات واستقطاب الأحزاب الصغيرة كظهير سياسي مقابل بعض المقاعد، وهذا حدا بالبعض في حصر المنافسة بين تكتل الوفد المصري برئاسة السيد البدوي، وتكتل حزبي الجبهة الوطنية، الذي يرأسه أحمد شفيق، و«مصر بلدي» ويرأسه قدري أبو حسين، واعتقد أن هذا الاستنتاج ليس دقيقا، وأميل لرأي الاستاذ الجامعي والناشط السياسي يحيى القزاز الذي يرى أن النصيب الأوفر سيكون لأصحاب الوجاهة الاجتماعية خاصة في الصعيد!.
كل ذلك يهون أمام توجسات مثارة من «غزوة اقتصادية» محتملة في شكل «مؤتمر اقتصادي»؛ «جنرالاته» من الاحتكاريين وأباطرة المال والتجارة والسمسرة والمصارف، يدعون لجذب «الاستثمار» لمصر. وقد تكون النوايا الحسنة وراء الدعوة، والحرص يقتضي الحيلولة دون وضع مصر تحت أي «وصاية» اقتصادية ومالية أمريكية وغربية وصهيونية، فتعود ذكريات وصاية «صندوق الدين» الأليمة، التي مهدت للاحتلال البريطاني لمصر لمدة 72 عاما، وما يدفعني لقول هذا هو ما يبث وينشر عن مطالب المؤتمر لتصفية ما تبقى من كيانات مالية واقتصادية عامة باسم «تشجيع الاستثمار»، وكلها تسحب من مصر كل شيء ولا تضيف إليها شيئا، وأرجو أن أكون مخطئا.. والتفاصيل في المقال القادم بإذن الله.

٭ كاتب من مصر يقيم في لندن

محمد عبد الحكم دياب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية