أين الناخب العراقي؟

حجم الخط
3

لم تنتج العملية السياسية في العراق عقب إسقاط نظام صدام حسين، ناخباً يذهب لصندوق الاقتراع، لينتج ممثلين عنه، يديرون علاقاته مع الدولة ومصالحه وحصته من الخير العام. غالبا ما كانت الانتخابات، نتيجة لأوضاع تسبقها، سواء كانت فرض أمر واقع من الخارج، أو تثبيت نظام محاصصة صلب ومتماسك، أو حرب أهلية، أو قمع انتفاضة شعبية. التدخل الأمريكي لإسقاط الاستبداد، كرّس فكرة التغيير الذي يسبق الانتخابات، بدل أن تكون الأخيرة صانعة له، خصوصا أن تلك المرحلة شهدت صراعات وحروبا، وكشفت عدم وجود حوامل تبني على رحيل الاستبداد وتؤسس لعراق جديد.
جرى تكريس معادلة، التغيير قبل الانتخابات، بفعل أخطاء الأمريكيين وانفلات الضغائن بين الجماعات العراقية، فضلا عن إرث الديكتاتورية الذي ترك البلد أقرب للمشاع السياسي. العراقيون كانوا يذهبون لصناديق الاقتراع، لكن في ظل أوضاع استثنائية، تفرز تغييرا ما. الانتخابات الأولى بعد إسقاط صدام، عكست توازنات طائفية مع مقاطعة سنية واسعة، أي أن الاقتراع آنذاك، كان نتيجة أو فاتورة مستحقة للخراب الذي تركته الديكتاتورية من علاقات مشوهة بين الجماعات في المجتمع. الزاحفون لصناديق الاقتراع آنذاك، كانوا أبناء طوائف وعشائر، تحكمت في اختياراتهم نزعات ما قبل السياسة.. هذه النزعات تصلبت أكثر مع الانتخابات الثانية، حيث مرّت البلاد بحرب أهلية طاحنة، حصدت أرواح الكثيرين، لتأتي الانتخابات الثالثة، فتتوج الكره الطائفي، حيث تصاعد تهميش السنة، ما فتح ثغرات لتنظيم «الدولة» ليتمكن ويتغلب، في عدة مناطق ويصبح، عنوانا لفرز تحولات وقوى جديدة، خاضت الانتخابات التي حصلت قبل أيام.

الأحزاب والقوى السياسية في بلاد الرافدين، تفرز المجتمع بدل أن يفرزها وتتحكم بسيرورته

ما يعني أن أخطاء واشنطن وصعود النزعات الطائفية والحروب الأهلية، والمحاصصات وتسلط الأحزاب على الدولة، وبروز تنظيم الدولة» والحشد الشعبي» تحولات أقوى من الانتخابات، وهي ما يُحدث التغيير، فيما الانتخابات تكرسه وتبصم عليه. صحيح أنه، حتى في الغرب، ثمة تحولات تؤثر في الانتخابات وفي صعود وهبوط الأحزاب والقوى، لكنها تحولات تتعلق مثلاً بضعف التصنيع أو الزراعة، ولها انعكاسات على الطبقات الاجتماعية، أي أنها تتعلق بالمجتمع، وليست مفصولة عنه كما يحصل في العراق. الأحزاب والقوى السياسية في بلاد الرافدين، تفرز المجتمع بدل أن يفرزها وتتحكم في سيرورته. فعلياً. استكملت هذه القوى، القضاء على الناخب وحولته إلى مبايع لها، عبر استدخاله في شبكات الزبائنية، ودفع انتمائه الطائفي نحو التعبئة والتحريض.
من هنا، فإن، درجة الشفافية وانعدام التزوير والضغوط للتحكم بالنتائج، باتت تفاصيل، أو مواد للسجال، وتبادل الاتهامات بين القوى المتنافسة في الانتخابات، فحتى لو فرضنا أن الانتخابات كانت بلا شوائب، المشكلة لا تتغير كثيرا، على اعتبار أن عملية الاقتراع لا تفرز سلطة، انطلاقا من حيوية مجتمع يتنافس للأفضل، بل سلطة تكرس عجز مجتمع استغلت الأحزاب تركيبته الطائفية والعرقية لتتحكم وتسيطر.
لكن في الوقت نفسه، مسؤولية المجتمع، ليست تفصيلا عابرا، فحزب «الدعوة» مثلا الذي بنى حضوره على مظلومية الشيعة، حظي بتأييد واسع، وكذلك الأحزاب الكردية المنادية باستقلال كردستان، وبعض الشخصيات السنية، المطالبة برفع الظلم عن أبناء المحافظات السنية، أي أن الجماعات لم تميز بين حل القضايا العالقة وتخفيف هواجسها، واستثمار هذه القضايا، عبر صعود قوى وأحزاب تتبنى قضايا الجماعات، وتذهب لتركيب محاصصات ونظام زبائنية.
وفي المحصلة، ستتصاعد، في الأيام المقبلة، التحليلات ومحاولات قراءة نتائج الانتخابات الأخيرة، باعتبارها هزيمة لأتباع إيران، وصعودا للتيار الصدري، وبروز خريطة سياسية جديدة، فيما الناخب العراقي الحقيقي، الذي حاولت انتفاضة تشرين إعادة الاعتبار له، بالثورة على الأحزاب وفسادها وتسلطها، جالس في منزله، بعد أن قرر المقاطعة. والأخيرة كانت نسبتها عالية جداً إذ تم التشكيك بنسبة المشاركة التي أعلنتها مفوضية الانتخابات 41%، وقدرت منظمات مراقبة النسبة بـ35%. في صيغة أخرى، الناخب العراقي أصابه اليأس، في حين تستمر الانتخابات، كأداة لفرز قوى، تحكم قبضتها على مجتمع مصاب بأعطاب كثيرة، وقد ضاقت الفرص لتجاوز هذه الأعطاب بالسياسة.
كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول متابع:

    خلاص حنحارب؟ كفاح مسلح على الطريقة السورية؟

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    ثوار تشرين كسبوا عشرة مقاعد بالبرلمان!
    هل ستخمد الثورة؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول متابع:

      بالتزوير. الكل يعلم ان انتخابات العراق منذ ٢٠٠٣ مزورة

إشترك في قائمتنا البريدية