لندن-“القدس العربي”: نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا أعدته روث مايكلسون قالت فيه إن من المقرر أن تبدأ محكمة في روما في محاكمة 4 ضباط أمن مصريين متهمين بقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، بعد خمس سنوات ونصف من العثور على جثته المشوهة في حفرة على طريق في القاهرة.
ويتهم الادعاء الإيطالي اللواء طارق صابر، والعقيد أثير إبراهيم، والنقيب هشام حلمي، والرائد مجدي عبد الشريف بارتكاب “اختطاف خطير” لريجيني، فيما اتهم شريف أيضا بـ “التآمر لارتكاب جريمة قتل خطيرة”. يحمل الاختطاف عقوبة محتملة تصل إلى8 سنوات في إيطاليا، بينما قد يحكم على شريف بالسجن مدى الحياة.
وأشارت الصحيفة إلى أن المحاكمة ستكون غيابية بعد رفض مصر الاعتراف بالمحاكمة في روما وأغلقت تحقيقها في الحادث أواخر العام الماضي، بدعوى أن “مرتكب جريمة قتل الطالب ما زال مجهولا”.
وبحسب التقارير، فقد أعاقت مصر الجهود المبذولة للتحقيق في الحادث، والتي تضمنت تقديم أدلة حيوية للجانب الإيطالي بها “ثغرات” غير مبررة، مما يجعلها غير مجدية.
كما رفض مسؤولون في وزارة العدل والداخلية المصرية تزويدهم بعناوين الرجال الأربعة، مما أعاق الجهود الإيطالية لإبلاغهم رسميا أنهم قيد المحاكمة. وجادل محامو الدفاع المعينون من قبل المحكمة عن الجانب المصري في وقت سابق بأن المحاكمة لا ينبغي أن تستمر إذا لم يكن المتهمون الأربعة على علم بأنهم يحاكمون. وحكم قاض في روما في أيار/ مايو بأن أنباء الإجراءات ستصل إليهم وسمح بمواصلة القضية.
والرجال هم من عناصر جهاز الأمن القومي المصري القوي، الذي قال المدعون العامون إنه حاصر ريجيني “في شبكة عنكبوتية” من المراقبة في الأشهر التي سبقت وفاته أثناء قيامه بالبحث في النقابات العمالية في القاهرة، وهو موضوع تعتبره الحكومة المصرية حساسا من الناحية السياسية.
وسيقدم المدعون الإيطاليون صورة عن الظروف التي اعتقل فيها ريجيني في كانون الثاني/ يناير 2016 ونقله إلى مركز للشرطة وسط القاهرة قبل نقله إلى منشأة تديرها وكالة الأمن القومي، حيث تعرض للتعذيب.
وأضافت الصحيفة أن قضية ريجيني تكشف قضية النقاب عن عمق مراقبة الدولة المصرية للحياة اليومية، كما تقدم نظرة ثاقبة غير عادية على طريقة العمل الداخلية لجهاز الأمن الوطني، وهو هيئة متخصصة في مراقبة وفرض الأمن في القضايا السياسية والإرهابية، والتي غالبا ما تركز أساليبها بشدة على قمع نشاط المجتمع السياسي والمدني.
ولذلك، تمثل المحاكمة، كما تقول الصحيفة فرصة نادرة للغاية لمحاسبة قوات الأمن المصرية على الانتهاكات التي يقول المراقبون إنها أصبحت روتينية، لا سيما حالات الاختفاء القسري حيث يُحتجز المعتقلون سرا، وهي ممارسة مرتبطة بشكل كبير بالتعذيب.
وقالت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وهي منظمة حقوقية مقرها القاهرة ويمثل محاموها عائلة ريجيني في مصر، في تقرير إنها تتبعت 2723 حالة اختفاء قسري بين عامي 2015 والعام الماضي، لكن قضية ريجيني مثلت إحدى أوائل الأمثلة حيث تم إخفاء معتقل قسرا وتعذيبه وقتله.
ومنذ وصول الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى السلطة في انقلاب عسكري عام 2013، باتت محاكمات حتى صغار ضباط الشرطة على الجرائم المرتكبة ضد المدنيين نادرة للغاية، في حين أن المحاكمات أو أي شكل من أشكال المساءلة الداخلية لأفراد قوات الأمن المصرية لم يسمع بها.
وتعثرت جهود تقديم ممثلي الدولة المصرية للعدالة خارج البلاد. فقد ألغت محكمة في واشنطن الشهر الماضي قضية ضد رئيس الوزراء المصري الأسبق حازم الببلاوي بشأن تورطه في تعذيب مواطن مصري أمريكي كان مسجونا في مصر.
وبعد وقت قصير من كشف الادعاء الإيطالي عن الرجال الأربعة كمشتبه بهم، قال نظراؤهم المصريون إن لوائح الاتهام ضد أفراد من قواتهم الأمنية “لم تستند إلى أدلة متسقة”. ومع ذلك أضافوا أن الاتهامات الموجهة للمسؤولين الأمنيين كانت مبنية على “أفعال فردية من قبلهم لا علاقة لها بأية مؤسسات رسمية في مصر”.
ولم تحصل “الغارديان” على رد عندما طلبت التعليق من وزارة الخارجية المصرية على المحاكمة في روما، كما لم ترد السفارة المصرية في العاصمة الإيطالية عند محاولة الاتصال بها.
ومن المرجح أن تلقي مسألة ما إذا كان هناك دعم على مستوى عال لاختطاف وقتل ريجيني بظلالها على الإجراءات التي تهدف إلى تحديد حقيقة ما حدث لطالب الدراسات العليا في جامعة كامبريدج. كما سعى المدعون العامون في روما للحصول على معلومات حول تورط 13 عنصرا أمنيا آخر، لكنهم قالوا إن “عدم استجابة السلطات المصرية لطلباتنا أعاق تحقيقنا”.
ولم يعترف الجانب المصري علنا بالمحاكمة في روما. ومع ذلك، كشف السيسي مؤخرا عن استراتيجية تهدف إلى “الارتقاء بحقوق الإنسان” في مصر، وهي استراتيجية لا تذكر دور قوات الأمن في قمع نشاط المجتمع المدني. حجبت إدارة بايدن مؤخرا، لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان، جزءا صغيرا من 1.3 مليار دولار (950 مليون جنيه إسترليني) من المساعدات العسكرية التي تتلقاها مصر سنويا.
وعلقت إيمي هوثورن، الخبيرة في شؤون مصر في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط بواشنطن: “هذا نظام وحشي، لماذا يصدرون استراتيجية لحقوق الإنسان؟ الجمهور المستهدف بهذا هو الجمهور الدولي”.
وقالت هوثورن إن المحاكمة في روما تمثل لحظة نادرة لمحاسبة قوات الأمن المصرية بسبب كون الضحية مواطن أجنبي. وقالت: “هذا أكثر بكثير مما يحصل عليه الضحايا المصريون في مصر في عهد السيسي.. فلا توجد عدالة في مصر”.