الرباط – «القدس العربي»: أفرز فرض “جواز التطعيم” من لدن الحكومة المغربية حالات عديدة من الارتباك والتوتر داخل مجموعة من الإدارات المغربية وكذا في المواصلات العامة في المدن الكبرى، كما تسبب في مواقف رافضة لهذا الإجراء، باعتباره “مخالفاً للدستور”. وأدى القرار المفاجئ أيضاً إلى حالات كثيرة من الازدحام والفوضى أمام مراكز التطعيم التي سارع إليها المواطنون الذين لم يستفيدوا بعد من اللقاح.
في هذا الصدد، اغتنمت نقابة صحية واقعة منع عدد من موظفي قطاع الصحة من دخول مقرات عملهم صباح أمس الجمعة، بسبب الجرعة الثالثة من لقاح فيروس كورونا والتوفر على الجواز، لتبسط من جديد مطالب جميع العاملين في القطاع.
وعبرت النقابة المنضوية تحت لواء “الاتحاد المغربي للشغل” عن استنكارها عملية منع مجموعة من موظفي الصحة من ولوج مقرات عملهم، كما طالبت بالإسراع في الاستجابة للمطالب المهنية والاجتماعية.
ووفق بيان تلقت “القدس العربي” نسخة منه، فإن عدداً من الموظفين في قطاع الصحة في مجموعة من المؤسسات الصحية والإدارية وعلى رأسها الإدارة المركزية، فاجأهم تعرضهم للمنع من ولوج مقرات عملهم “بمبرر عدم أخذهم الحقنة الثالثة من التطعيم ضد كوفيد 19 ابتداء من أمس الجمعة، دون وجود سند قانوني ينص على إجبارية التطعيم عامة والجرعة الثالثة خاصة”.
وقالت النقابة إن وزير الصحة أصدر الخميس، منشوراً يدعو المسؤولين إلى حث مرؤوسيهم على أخذ جرعات التطعيم، وليس إلى منعهم من ولوج مقرات عملهم.
وأكدت “الجامعة الوطنية للصحة” في بيانها أن هذا الإجراء “يتناقض مع الدستور كأسمى قانون في البلاد وجميع التشريعات المرتبطة بحرية الأفراد، كما أنه اتخذ في غياب أي سند قانوني ولو استثنائياً”.
وبالنسبة للنقابة نفسها، فإن “المسؤولين تسرعوا في تنزيل التصريحات الشفهية المتعلقة بإجبارية الجرعة الثالثة من التطعيم غير المعلنة”.
وقارنت بين التسرع في تطبيق هذا الإجراء، وبين التباطؤ “وبشكل مقصود في تنفيذ مجموعة من الإجراءات المرتبطة بحقوق الموظفين”.
كما طالبت وزير الصحة والحماية الاجتماعية بالإسراع السرعة نفسها إلى تطبيق تصريحاته المتمثلة في حل جميع القضايا العالقة التي تهم موظفي القطاع أفراداً وجماعات بمختلف انتماءاتهم الفئوية وبمختلف مواقع عملهم، والموضوعة على طاولة حوارات ماراثونية لم تفض إلى أي نتيجة، رغم ما شهده القطاع من احتجاجات.
وفي سياق الارتباك الذي خلفه قرار الحكومة القاضي، بفرض جواز التطعيم في تنقلات المواطنين وولوجهم إلى المرافق الإدارية وخلافها، عرفت عدد من محطات “الترامواي” بين العاصمة الرباط وجارتها مدينة سلا، ازدحاماً شديداً الخميس.
ولم يكن جواز التطعيم سوى سبب واحد، إلى جانب الأشغال التي تشهدها قنطرة “مولاي الحسن” الرابطة بين المدينتين الجارتين.
ووثقت صور لحالة الازدحام الشديد في كل من محطات “الترامواي” الحسن الثاني في الرباط وبطانة وحي كريمة في سلا، حيث بدت مشاهد للتدافع بين الركاب الذين يحاولون استقلال وسيلة النقل الأسرع لبلوغ أهدافهم، وخاصة الراغبين في أخذ جرعات اللقاح من المتخلفين عن المواعيد السابقة، بهدف الحصول على جواز التطعيم وإعفائهم من “سين وجيم” والتبعات القانونية لمخالفة قرار السلطات وأيضاً التنقل بكل حرية وممارسة حاياتهم بشكل شبه طبيعي في ظل الاحتراز والوقاية.
في الجانب الآخر، تعالت أصوات عديدة ترفض فرض جواز التطعيم، فقد اعتبر “المركز المغربي لحقوق الإنسان” القرار “مخالفاً للدستور ومبادئ حقوق الإنسان” خاصة في ما يتعلق بشرط جواز التطعيم من أجل الولوج إلى الإدارات والمؤسسات العمومية.
وحسب بيان للمركز، كان يتعين على الحكومة مواصلة الحملة الوطنية للتطعيم ضد كورونا “إلى حين بلوغ نسبة 70 ـ 80 في المئة، حيث يقر العلماء بأن هذه النسبة كافية لتحقيق التعايش مع الفيروس ومتحوراته، دون الولوج إلى إجراءات تعسفية، وتنطوي على الشطط”.
وتضمن البيان دعوة الحكومة إلى “إعادة النظر في القرار الذي لا يرقى إلى قانون، تماشياً مع روح الدستور وانسجاماً مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان”.
وشدد المركز في على أن “العديد من المواطنين لا يتوفرون على جواز التطعيم، سواء بسبب ظروفهم الصحية أو على خلفية قناعاتهم الشخصية؛ وبالتالي سيحرمون من حقهم في الولوج إلى وظائفهم وإلى المؤسسات وكافة المرافق الاجتماعية العمومية والخاصة، مما يعتبر ضرباً مباشراً لحقهم في ممارسة حرياتهم الفردية والجماعية”.
وانضم إلى جملة رافضي قرار فرض جواز التطعيم، مجموعة من كوادر الصحة أطباء وصيادلة، الذين وجهوا رسالة إلى اللجنة العلمية الملكفة بالتطعيم.
وطالب المهنيون بوقف التطعيم ضد فيروس كورونا المستجد بالنسبة للقاصرين، وأيضاً احترام حرية الاختيار في تلقي اللقاح بالنسبة للبالغين.
وشددت رسالة المهنيين على ضرورة إلغاء العمل بجواز التطعيم، كما دعت إلى اعتبار مرض كوفيد 19 من الأمراض القابلة للشفاء.
الجدير بالذكر أن الحكومة المغربية كانت قد قررت فرض جواز التطعيم واعتماده كوثيقة رسمية يلزم الإدلاء بها عند تنقلات المواطنين وأيضاً عند ولوجهم إلى المرافق الإدارية، وهو القرار الذي قابلته عدد من الهيئات بالرفض، من بينها “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، وتعرضت على إثره الحكومة إلى كثير من النقد، بل إن “الحزب الاشتراكي الموحد” قرر خوض معركة قانونية لأجل ذلك.