لقاءات مع عدد من الناشطات: ماذا تريد المرأة الفلسطينية في يومها الوطني؟

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

رام الله ـ «القدس العربي»: على غرار يوم المرأة العالمي، الذي يصادف الثامن من آذار/ مارس من كل عام، ويوم المرأة التونسية الوطني، الذي يصادف الثالث عشر من آب/ أغسطس في كل عام، واليوم الوطني للمرأة المغربية الذي يصادف العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام، أصدر مجلس الوزراء الفلسطيني بتاريخ 17/7/2019 قرارا باعتبار 26 تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام يوما وطنيا للمرأة الفلسطينية.
وجاء اختيار هذا التاريخ لكونه يتصادف مع عقد أول مؤتمر نسائي في القدس عام 1929 حيث تأسس الاتحاد النسائي العربي، إثر ثورة البراق في عام 1929، بهدف مناهضة الانتداب البريطاني، والوقوف في وجه الاستيطان الصهيوني، عبر مواكبة مراحل النضال المختلفة للشعب الفلسطيني، سواء بنشر القضية الفلسطينية، أو مساعدة الثوار، أو الدعوة إلى تحرير المرأة الفلسطينية من خلال تمكينها، علميا وعمليا، لتساهم في رفع مستوى المجتمع.
وحلت أمس احتفالات العام الثالث التي أطلقت من بلدة بيتا قضاء نابلس شمال الضفة بكل ما تحمله هذه البلدة من رمزية بصفتها تخوض معركة ضد التهويد والاستيطان وكان لتجربة المقاومة الشعبية للنساء فيها نصيب.
وحسب وزيرة شؤون المرأة آمال الحمد «ستذهب الفعاليات الثقافية إلى هناك لتحمل بعدا سياسيا ووطنيا، من أجل تأكيد الهوية، وتعزيز وتمكين أمهات الشهداء الذين ارتقوا رفضا للاستيطان».
وهي تعتبر في حديث صحافي، أن مسألة اعتماد هذا التاريخ لها دلالات قيمة وعريقة في مسيرة المرأة الفلسطينية وكفاحها، حيث يأتي قرار الحكومة في إطار خطتها في العمل على تمكين المرأة الفلسطينية وتعزيز دورها على المستوى الوطني.

وقف المماطلة والتردد

ريما كتانة نزال، الناشطة النسوية الفلسطينية، تقول: «نريد من اليوم الوطني للمرأة أن يقدم فعالياته وأنشطته اعترافا حقيقيا بدور المرأة وحقوقها، ولا أن يتم التعامل معه كيوم للخطابات الرنانة التي تُعلي من شأن المرأة إنشائيا دون أن يقدم البرهان على التقدير والإعلاء من خلال التعبيرات المادية عن التقدير من خلال الإيفاء بالمتطلبات على جميع الصعد التي تطابق الأقوال بالأفعال».
وتابعت: «المرأة تريد وقف المماطلة والتردد الممارسين على صعيد تجسيد المبادئ الحقوقية التي نص عليها القانون الأساسي ووثيقة الاستقلال بنبذهما التمييز ضد المرأة المبني على أساس الجنس، وأن يتم وقف الانفصام بين النص النظري والتطبيق العملي، بأن يتم الذهاب فورا إلى إصدار القوانين والتشريعات اللازمة ومواءمتها لتصبح ضمن السياق عوضا عن القوانين المتقادمة السارية، الأردنية والمصرية، التي تغيرت في بلدانها ولا زالت تحكم في المحافظات الشمالية والجنوبية».
وشددت على أن المرأة تريد وقف التمييز الممارس بحقها على صعيد المشاركة السياسية وتمكينها من الوصول الى مراكز القرار من خلال تبني قوانين انتخابات عصرية تفرد لها حصة وازنة بواقع 30٪ من عضوية جميع هياكل الدولة الفلسطينية كما جاء في قرار المجلسين الوطني والمركزي منذ عام 2015 دون تطبيق.
وأضافت: «تريد المرأة أن تضع الحكومة سياسات استراتيجية تحدث التغيير المعرفي لكبح جماح تمدد الشعبوية الاجتماعية ووقف التدهور الواقع بعد الهجمة على الحركة النسائية وتعمُد عزلها وإحاطتها بالشبهات».
وطالبت بالعمل على توظيف اليوم الوطني ليتمكن من لعب الدور الذي من أجله أُقِر، أن لا تُوظف فعالياته للتهرب من السياق الاجتماعي والتحديات التي تواجه البرنامج والتغطية على فشل عمليات المواءمة، بل تسخيره في خدمة البرنامج المنسوب الذي يزاوج بين الأبعاد الوطنية والاجتماعية، حتى لا يتحول إلى يوم فائض عن احتياجاته الموضوعية، ومنع تحوله إلى يوم «فولكلوري» يشبه أياما ومناسبات تزدحم بها الساحة.
الناشطة النسوية والإعلامية ناهد أبو طعيمة طالبت بدورها بانسجام خطاب السلطة الفلسطينية مع ممارستها فيما يتعلق بالنساء في فلسطين. وتضيف: «نريد بيئة ينسجم فيها الخطاب السياسي مع الخطاب الاجتماعي، فالسلطة منذ توقيع اتفاق أوسلو وحتى اليوم وخطابها يعاني من ازدواجية، فهناك كلام معسول يقال للنساء لكننا نفتقد الإرادة الحقيقية لتنفيذه، فالنساء ينتظرن منذ 30 سنة أن يكون هناك قانون أحوال شخصية أو قانون حماية الأسرة من العنف».

وتؤكد أنه من المهم أن نقول شكرا للسلطة التي تكرم النساء على دورهن الكبير الذي تعترف به. لكن هذا الموقف ينبغي أن يوجد فيه ما يغير واقع النساء، وهذا سببه أن تثبت أنها تؤمن بحقيقة بتكريم النساء بيومهن الوطني، «نحن في حاجة إلى خطاب جديد ينسجم مع الممارسة العملية».
وحسب أبو طعيمة فإن النساء الفلسطينيات يردن حياة «بلا احتلال، حياة لا يتم اغتصابهن فيها، حياة فيها منظومة دولية تنسجم أخلاقيا مع نفسها وتدفع في اتجاه تدفيع الاحتلال الإسرائيلي ثمن كل انتهاكاته بحقهن».
وتتمنى أن تصبح حياة المرأة الفلسطينية بلا أسيرات ولا زوجات أسرى، حياة تعيش فيها النساء بدون أوجاع الفقد ونعوش الأبناء المضرجة بالدماء، حياة أمنة.
وتدلل أبو طعيمة على مطلبها من خلال التأكيد على أن الأشهر الماضية رحلت أكثر من 30 امرأة بالقتل على خلفيات مختلفة، وهو أمر يتطلب العمل على سن قوانين عادلة، ومساواة في الحقوق والواجبات وفرص العمل والأجور أيضا.
وكان موقع «واينت» الإسرائيلي قد نشر قبل أيام ما يوثق محاكمة ضابط إسرائيلي عام 2016، كان يعمل في الشؤون المدنية، قيامه باغتصاب امرأة فلسطينية عند تقديمها طلب تصريح عمل، على الرغم من رفضها المتكرر، وتمت إدانة الضابط باغتصابها بعد أن تقدمت بالشكوى عليه، كما تمت إدانته بالاعتداء الجنسي على نساء ورجل فلسطينيين تقدموا بطلب تصاريح عمل، وتم الحكم عليه بالسجن 11 عاما. وسمح بنشر هذه الوقائع بعد قرار المحكمة الإسرائيلية نشر المعلومات عن هذه القضية التي كانت ممنوعة من التداول.

الأمن والأمان

المزارعة والناشطة النسوية منى الخطيب ترى أن المرأة الفلسطينية بحجم الوطن، وكل ما تريده النساء هو أن يشعرن بالأمن والأمان حيث يعشن في بيئة تخلو من العنف الممارس عليهن داخليا وخارجيا. وتضيف الناشطة التي تدير مزرعة عضوية في مدينة طولكرم، «صحيح أن الاحتلال يعتبر أكبر مسبب في عدم الأمان لكن هناك أسبابا أخرى داخلية ففي حياتنا داخل وطننا الذي حلمنا به نفتقد الأمان، وهذه مصيبة كبيرة».
وتشدد على أن النساء في المجتمع الفلسطيني يعشن حالة من التيه وفقدان البوصلة الوطنية، وهذا أمر سببه حالة الضياع العامة للمشروع الوطني الذي لا تمضي بوصلته بالاتجاه الصحيح.
وتعتبر أن «عبأ يقع على عاتق المرأة، فهي أم تشعر بالأبن والأب وبالمجتمع، وهي تربي الأبناء وتعلمهم، وترى فيهم امتدادا لذاتها، وتصاب بأكبر صدمة عندما يكبر هؤلاء الأبناء ولا يجدون مكانا يعملون فيه».
وتشير إلى أكبر ما يفطر قلب الأم هو رؤيتها لأبنائها بمشاعر الإحباط وفقدان الأمل، بفعل البطالة التي تضرب بالمجتمع، وهي تطالب السلطة بدعم المرأة من خلال احتضان الشباب المليء بالطاقة والروح والمعرفة.
أما الناشطة هند شريدة تقول إن النساء الفلسطينيات لا يردن وجود شكلي لهن في المؤسسات الرسمية، وانما من خلال الإيمان الحقيقي بهن كشريكات حقيقيات صاحبات قرار.
وتتابع بأن ذلك يبدأ من خلال سن قوانين تنصفهن في كل شيء، وأن تكون مصاغة من منظور النوع الاجتماعي. (مساواتهن مع الرجل في الفرص والوظيفة والأجور والترقيات، وتطبيق الممارسات العقابية على من يعنفهن، وأهمية ذلك في خلق نماذج وعقوبات رادعة).
وتؤكد أن المرأة الفلسطينية تريد تمثيلا حقيقيا لها من خلال وزارة شؤون المرأة، التي يجب أن تقف عند مسؤولياتها، واتخاذ مواقف مبدئية تجاه أمور تخص النساء في جميع ميادين الحياة، كون الحرية لا تجتزأ، والتنبه الى تقلص المساحة المجتمعية للمرأة من خلال ملاحقتها من قبل أجهزة الأمن، والاعتداء عليها. المرأة حاضرة في الشارع كعنصر أساسي وفي الصفوف الأمامية والمتقدمة كقائدة للعمل المجتمعي، تجابه الاستعمار والاحتلال، ولدينا نماذج كثيرة من زليخة شهابي، أبرزهن الأسيرات في سجون الاحتلال.
الباحثة والناشطة في مجال الأسرى أماني السراحنة ترى أن أكثر ما يؤلم في واقع المرأة الفلسطينية أن الخطاب المقدم حول نساء فلسطين لا يمثل النساء في المجتمع الفلسطيني، وهو ما يجعله خطابا يعزز الاغتراب بين المجتمع والخطاب.
وتشير الى أن المرأة الفلسطينية لا تعيش في مجتمع أو في جو مماثل لأي مجتمع آخر، فهي لا تعيش حياة طبيعية وبالتالي نظرتها لهذا اليوم مختلفة. وتؤكد أن المرأة الفلسطينية تعيش في بيئة مليئة بالعنف وهو أمر ممتد منذ عشرات السنين، الأمر الذي ترك أثرا كبيرا على حياتها.
وتؤكد سراحنة، التي تنشط في مجال الأسرى والأسيرات، أن أصعب القضايا التي تعاني منها المرأة سواء أكانت زوجة أو أم أو بنت فإنها تتحمل العبء الأكبر في أي قضية مرتبطة بملف الأسر، وهو ما يجعلها تكون جزءا من مشاركة غير منصفة.
وتختم بأن الخطاب الراهن حول نساء فلسطين هو خطاب لا يشبه النساء بشكل كبير، هناك اغتراب بيننا وبين الخطاب وهو ما يتطلب العمل على تغييره ليكون معبرا عن حاجات ومطالب النساء الفلسطينيات.

العين على الخارج

الباحثة إسراء دعاس ترى في دراستها الصادرة عن مركز مسارات التي حملت عنوان «اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية» جاء فيها إن اليوم الوطني للمرأة جاء لتمكينها ولفت أنظار المجتمع إلى ضرورة الاعتراف بكينونتها، وأهمية إشراكها إشراكا حقيقيا فيه.
وترى أنه بالنظر والتدقيق في التشريعات الوطنية الفلسطينية، من منظور النوع الاجتماعي، وفيما يتعلق بالقانون الجنائي والقانون الناظم لشؤون الأسرة، فإنه يجري تطبيق قانون العقوبات الأردني لعام 1960 في الضفة، وقانون العقوبات لعام 1936 في قطاع غزة، ويطبق قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم 16 لعام 1976 في الضفة، وقانون حقوق الأسرة المصري رقم 303 لعام 1954 في القطاع، وهي قوانين قديمة تعالج منظومات حيوية ومهمة تمثل مجتمعة منظومة الأسرة، التي هي لبنة المجتمع ومنظومة الأمن فيه.
يذكر أن فلسطين وقعت على اتفاقية سيداو في نيسان/ أبريل 2014 وهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي انضمت للاتفاقية دون أي تحفظ. كما صادقت على البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية، الذي يتيح للأفراد تقديم البلاغات إلى لجنة مختصة عند زعمهم خرق أي حق من الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية، وهي وسيلة المحاسبة على عدم تنفيذ الاتفاقية.
وفي رأي الباحثة دعاس فإن اتفاقية سيداو جاءت في جوهرها لتساوي في الحقوق بين النساء والرجال، فقد تضمنت الحديث عن الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، والمساواة القانونية والاجتماعية، وهو ما يخالف بعض النصوص الواردة في قانون الأحوال الشخصية الأردني المطبق.
فعلى سبيل المثال، تعطي الاتفاقية للمرأة كما للرجل الحق ذاته في إبرام عقد الزواج وفي عدم إبرامه، وجميع الحقوق أثناء الزواج وعند فسخه.
وتعطيها الحقوق نفسها بوصفهما أبوين، على أن يكون لمصلحة الطفل الاعتبار الأول. وتعطيها أيضا الحقوق ذاتها فيما يتعلق بالوصاية والولاية والقوامة على الأطفال. وهذا يتعارض مع ما ورد في قانون الأحوال الشخصية المطبق في الضفة، إذ إن الولي هو فقط من الذكور، ولا يجيز للمرأة أن تطلق نفسها، على أنه يجيز للزوج أن يطلق زوجته بإرادته المنفردة، ودون اشتراط رضاها. كما أن القانون في الأصل العام لا يجيز تزويج البكر دون إذن وليها.
وتؤكد دعاس أنه يتضح على المستوى المعياري، أن الحكومة الفلسطينية تبنت سياسة تعزيز حقوق المرأة عبر التوقيع على الاتفاقيات الدولية، ومنها «سيداو» وبلورت صورتها أمام المجتمع الدولي.
أما على المستوى الوظيفي، فإنها تحتاج إلى إقرار الوسائل التي تعمل من خلالها على تنفيذ ما فرضته على نفسها في المستوى المعياري.
وهذا يتطلب نشر الاتفاقية الدولية في الجريدة الرسمية لتصبح جزءا من المنظومة التشريعية الفلسطينية، التي يعمل بموجبها القاضي الفلسطيني، وهو ما لم تقم به دولة فلسطين حتى الآن.
وخلصت دعاس في دراستها إلى أن الحكومة الفلسطينية توجه إلى الخارج رسائل واضحة تعكس خصوصية الوضع الفلسطيني، لكنها اصطدمت بعدم القدرة على تنفيذ الاتفاقية بالهيئة التي جاءت عليها. ومن هنا، وجدت الحكومة نفسها غير قادرة على نشرها في الجريدة الرسمية، مما يجيز لأي امرأة فلسطينية الادعاء بخرق أي حق من الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية أمام المحاكم الفلسطينية.
وأضافت الباحثة أن التوقيع كان على هذه الاتفاقية قرارا سياسيا أكثر من كونه رغبة بتغيير أوضاع قانونية قائمة، فحرمان دولة فلسطين من الانضمام إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لسنوات طويلة، جعل القيادة الفلسطينية تسارع إلى التوقيع عليها ما إن سنحت لها الفرصة، كنوع من التعبير عن كينونة فلسطين السياسية المستقلة.

سيداو لم تشطب

وفي إطار الاحتفالية الفلسطينية الرسمية بهذه المناسبة أنتجت وزارة شؤون المرأة فيلما روائيا ووثائقيا بث على المنصات الاجتماعية يقدم أسباب اختيار اليوم حيث يعرض سياق ظهور ثورة البراق عندما خرجت النساء مع الرجال، لرفض «وعد بلفور» حيث استشهدت 9 سيدات جئن من جميع الأراضي الفلسطينية، وعلى إثر هذه القضية كان توجه النساء بعقد مؤتمر خاص لهن.
وزيرة شؤون المرأة الحمد قالت إن قانون حماية الأسرة لم يتم شطبه، وأنه لا زال قيد الدراسة من قبل الحكومة الفلسطينية من أجل إقراره، إلى جانب قوانين حقوقية أخرى للمرأة.
وحسب الوزيرة فإن وزارتها تسعى من أجل إقرار حقوق المرأة، حيث تتم دراسة قانون حماية الأسرة وقوانين أخرى، إضافة إلى أن الحكومة الفلسطينية بصدد التقدم بمشاريع ريادية للنساء خاصة اللواتي يعملن في المستوطنات، من أجل استغنائهن عن العمل هناك.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية