تونس ـ «القدس العربي»: قال المدير التنفيذي لحزب نداء تونس بوجمعة الرميلي إنه لن يتم استبعاد أي طرف سياسي من الحكومة المقبلة، مشيرا إلى أن حركة النهضة «جزء لا يتجزأ من المشهد السياسي التونسي»، وأكد أيضا أن رئيس الجمهورية ملتزم بالكشف عن حقيقة الاغتيالات السياسية، مشيرا إلى أن «دم الشهداء هو دين تونسي وليس دينا جبهاويا
(الجبهة الشعبية)»، كما نفى وجود أية علاقة بين احتجاجات موظفي قطاع النقل وما أُشيع حول اعتراض اتحاد الشغل على مشاركة «النهضة» في الحكومة المقبلة.
وأكد الرميلي لـ «القدس العربي» أن الهيئة التأسيسية لـ «نداء تونس» تجتمع الاثنين لمناقشة ملفين أساسيين، يتعلق الأول بالوضع الجديد للحزب الذي يستدعي التأقلم مع التطورات الجديدة بعد الانتخابات، والإعداد للمؤتمر الوطني الأول (التأسيسي) للحزب، ويتعلق الملف الثاني بتشكيلة الحكومة الجديدة التي يجري رئيسها الحبيب الصيد حاليا مشاورات بشأنها.
وكانت بعض المصادر أشارت مؤخرا إلى وجود خلافات وانقسامات كبيرة داخل «ندء تونس»، بررتها التصريحات المتناقضة لبعض قياداته حول رئيس الحكومة المكّلف وتشكيلتها، فضلا عن «التلاسن» بين عدد من القيادات، تخللتها معلومات «غير مؤكدة» حول استقالة بعضها.
لكن الرميلي أكد عدم وجود أية انقسامات داخل حزبه و «إنما آراء غير متجانسة في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى تتضمن حدة أو مسا بالأشخاص، وهذا الأخير نحن لم نقبله، وقلنا إننا بقدر ما نؤمن بالديمقراطية والتنوع الفكري والسياسي، بقدر ما نؤكد أن ثمة ضوابط يجب ألا نتجاوزها، ونحن نحاول الحد من تأثير هذا الموضوع».
وكان القيادي في «النداء» خالد شوكات انتقد تعيين رئيس حكومة غير شاب ومن خارج المناطق المهمشة، مشيرا إلى الهيئة التأسيسية للحزب تتحمل تبعات هذا القرار.
وقال الرميلي «رأي شوكات نحترمه وله مكانه في وسط الحزب، ونحن نحترم جميع الجهات، ولكن راعينا مواصفات عدة عند اختيار رئيس الحكومة، منها القدرة على الإقناع وتحمل مسؤولية الوضع القادم، والأهم من ذلك هو أن الوزير الأول (رئيس الحكومة) هو من خارج نداء تونس وهي رسالة انفتاح تؤكد أن نجاح الانتخابات هو نجاح لتونس عموما وليس للحزب فقط».
وفيما يتعلق بالسجالات المتكررة حول احتمال استبعاد حركة النهضة والجبهة الشعبية من الحكومة المقبلة، يؤكد الرميلي وجود عدة «تعقيدات» أمام حزب نداء تونس تتعلق بالتزامه بالوعود التي قدمها للناخبين، إضافة إلى محاولة عدم استبعاد أي طرف سياسي من الحكومة المقبلة، مشيرا إلى أن حزبه يحاول حل هذه الإشكالية (عدم إقصاء أي طرف، وعدم التراجع عن الوعود الانتخابية) بحيث تحظى الحكومة المقبلة على أكبر نسبة من التوافق السياسي الذي يمكنها من العمل بأريحية.
وكان القيادي في الجبهة الشعبية زهير حمدي اعتبر في حوار سابق مع «القدس العربي» أن إشراك النهضة في الحكومة المقبلة هو محاولة لطي ملف الاغتيالات في البلاد، فيما اعتبر رئيس الحركة الوطنية التهامي العبدولي أنه ليس هناك «ضرورة تاريخية» لإشراك النهضة بالحكومة، مقترحا أن يتم إشراكها فقط ضمن هيئة استشارية يتم تأسيسها لاحقا وتكون ملحقة برئيس الحكومة أو الجمهورية، ويتم استشارتها بالسياسة العامة للبلاد.
ويقول الرميلي «فيما يتعلق بموضوع الاغتيالات، لدينا التزام سابق (بكشف حقيقة الاغتيالات) أعاد رئيس الجمهورية الباجي قائد البسي التذكير به في خطابه الأخير، وهذا الالتزام صريح ولا لبس ولا تراجع فيه، ودم الشهداء هو دين تونسي وليس دينا جبهاويا (الجبهة الشعبية)، وبالتالي من هذه الناحية لا غبار على مواقفنا، ولن نتخلى عن هذا الهدف الوطني من أجل أي حسابات حكومية أو سياسية أو تأليف وزاري أو غيره».
ويضيف «ليس لدي رأي خاص في موضوع اقتراح العبدولي، ولكن حركة النهضة جزء لا يتجزأ من المشهد السياسي التونسي، وقد دخل معها نداء تونس في مشاورات وتوافقات حول رئاسة المجلس ونيابة الرئيس ورئيس الحكومة، الذي وإن اقترحه النداء فإن النهضة صرحت بأنها لا ترى مانعا في ذلك بل تستبشر خيرا بتسميته، وقد قال رئيس حزب نداء تونس منذ الانتخابات أنه لن يحكم وحده، وبالتالي نحن نكرس هذا التوجه».
ويشير الرميلي إلى عدم وجود موعد واضح للإعلان عن الحكومة الجديدة، ولكنه يؤكد أن هذا الأمر سيتم ضمن المدة القانونية وقبل نهاية الشهر الحالي.
وحول تحييد الوزارات السياسية، يقول الرميلي « بالنسبة لوزارتي الدفاع والخارجية فسيكون لرئيس الجمهورية كلمة فاصلة في اختيار من يشغلهما، أما فيما يتعلق بالداخلية والعدل فنحن نساند فكرة أن يكون على رأس هاتين الوزارتين من يتحلى بالروح الوطنية حتى يكون خادما للدولة وليس لأي حزب كان ولو كان مصدره حزبيا، دون أي تغافل عن المشاكل الموجودة في كل الوزارات وما عانته من تداخلات وتدخلات، وذلك حتى نبني الجمهورية الجديدة على أسس صلبة، مشيرا إلى احتمال وجود شخصيات مستقلة «ذات كفاءة مقبولة ومقنعة» داخل الحكومة الجديدة».
ويحاول بعض المراقبين إلباس الاضرابات الأخيرة التي شلت قطاع النقل في البلاد طابعا سياسيا، يتلخص برفض اتحاد الشغل مشاركة حركة النهضة في الحكومة المقبلة.
ولكن الرميلي يؤكد ضرورة عدم تحميل المسألة أكثر مما يجب، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بطلبات اجتماعية اضطرت الحكومة لتقديم بعض الوعود التي لم تستطع لاحقا الإيفاء بها، وهو ما قاد لاحقا لتأزيم الوضع.
وكانت بعض وسائل الإعلام نسبت مؤخرا تصريحات إلى الرميلي يشير فيها إلى أن قائد السبسي سيوسع صلاحيات رئيس الجمهورية بحيث لا تقتصر فقط على الجوانب الدبلوماسية والعسكرية، وهو ما دعا بعض المراقبين إلى التحذير من تحجيم دور رئيس الحكومة الجديدة بحيث يختص فقط بملفات الأمن والاقتصاد، في مقابل توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية لتشمل بقية المجالات، وهو ما يعد مخالفة صريحة للدستور.
لكن الرميلي ينفي هذا الأمر بشكل كلي، ويضيف «يتم التطرق إلى هذا الأمر لا من قريب ولا من بعيد، ورئيس الحزب سابقا والجمهورية حاليا أكد لمرات عدة أنه سيحترم الدستور بحذافيره وسيطبق بنوده كما جاءت نصا وروحا».
وفيما يتعلق بالدعوة لمؤتمر إنقاذ وطني، يقول الرميلي «هذه الفكرة تقدم بها رئيس البرلمان محمد الناصر وتم الاتفاق حولها، وربما تختلف التسميات، ولكن الفكرة تتلخص في أن تنكبّ الحكومة مباشرة على إجراءات استعجالية لإحداث الصدمة الإيجابية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمؤسساتية حتى يشعر الناس بأننا انتقلنا من حال إلى حال».
ويضيف «في هذه الأثناء تلتئم ندوة وطنية لممثلين عن الحساسيات والقوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، من أجل التوافق حول برنامج وطني للسنوات الخمس القادمة، ويقدم البرنامج، الذي يجب أن يكون مقنعا ومتماسكا ويحظى باتفاق أوسع ما يمكن من الأطراف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى الأطراف المشاركة في التنمية والممولين الأجانب وغيرهم، وهذه الفكرة نشتغل عليها الآن وسوف ندرجها في الأجندة الحكومية».
حسن سلمان