الغناء ممنوع عشية انطلاق مهرجان بابل الدولي في العراق

مروان ياسين الدليمي
حجم الخط
2

بابل –«القدس العربي» : من بين سلسلة الأخبار التي تقفز تباعا أمام أعيننا يوميا وهي تنقل لنا فوضى المشهد العام الذي لا يصدر عنه أي ومضة قد تمنح العراقيين ما يحتاجونه من أمل حتى تكون بلادهم في مقبل الأيام بعيدا عن صخب الأمواج وشراستها، نقرا اليوم خبرا فنزداد يقينا أن العراق أمام طريق شائك جدا، وبسبب ذلك سيكون من غير الممكن أن يصل شعبه الى ضفة الراحة والأمان على المدى المنظور، ففي خطوة منغمسة في عتمة آتية من القرون الوسطى أصدر محافظ مدينة بابل (100 كم جنوب العاصمة بغداد ) قرارا منع بموجبه حفلات الغناء في مهرجان بابل الدولي الذي افتتح يوم أمس الخميس، بناء على وصايا المراجع من رجال الدين، علما أن اللجنة التنظيمة للمهرجان كانت قد أعلنت منذ عدة أيام اكتمال استعداداتها الفنية واللوجستية للمهرجان الكبير، الذي يستمر لمدة خمسة أيام، والذي سيقام تحت شعار يتقاطع تماما مع ما جاء في قرار محافظ المدينة:«من بابل الحضارة نصنع الحياة».
فأي حياة، وأي حضارة يمكن أن تُصنَع إذا ما أشاح المسؤولون بنظرهم عن المستقبل، بكل أفاقه وتحولاته المقبلة وانزووا في أقبية الماضي؟

نتاج فني

نحن أمام صوت نشاز، يحمل في داخله شهوة افتراس أي شيء يقف أمامه، وكل ما يتطلع اليه أن يمنع ما لا يعجبه ولا يخرج من تحت وصاياه الصفراء، وفي ما لو نجح من يقف وراء هذه الحركة بما يسعون إليه، فإنهم سيتمادون كثيرا ليمنعوا أي نتاج فني لا يخدم ترسيخ سلطتهم.
فما هو الفرق بين محتوى هذه القرارات وما مارسه تنظيم الخلافة«داعش» على السكان الذين خضعوا مكرهين لسلطته؟
فلنتخيل الى أي درجة يشعرون بالخوف من الموسيقى والغناء أولئك الذين نصبوا انفسهم حماة للدين، بينما لا ينتفضون على الواقع البائس الذي وصل إليه حال العراقيين وهم يعيشون في بلد استحالت فيه الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وكهرباء الى بنية مهترئة لا تليق ببلد نفطي يعد من أغنى بلدان العالم.
كنا ننتظر أن يعلنوا أصواتهم احتجاجا ورفضا على مقتل أكثر من 800 شاب كانوا يتظاهرون خلال الأشهر الماضية في عموم مدن الوسط وجنوب العراق، ضد ما يكابدونه من أوضاع معيشية بسبب البطالة، لكنهم اكتفوا بالتزام الصمت، وإصدار خطابات فضفاضة، كانوا فيها في غاية المكر وهم يمسكون العصا من الوسط. فأيهما أولى بالمنع، الغناء أم استباحة الدم ولجم السلاح المنفلت الذي ينقض على المتظاهرين السلميين؟!
ورغم أنك تحاول أن تقنع نفسك أن من المستعبد أن يتم تطبيق مثل هذه القرارات إلاّ أنك تشعر في الاحباط ازاءها لأنها تصدر في لحظة تعيش فيها البشرية عصرا رقميا مفتوحة نوافذه على كل شيء، ولم يعد لأي سلطة القدرة على أن تمارس سياسة الأبواب المغلقة أمام شعبها. ولكن حتى لو تم التراجع عن القرار أمام حالات السخط والسخرية والرفض التي جوبه به على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فإن هذا لا يعني أن الأمور ستمضي في حالها الطبيعي، لأن العقلية التي تقف وراء هذه المنظومة التحريمية، ما زالت تحاول بما تملكه من سلطة تدعي قداستها أن تفرضها لتتشكل منها نمطية الحياة بلونها الأسود القاتم.

انطلاقة مهرجان بابل

يذكر ان انطلاقة مهرجان بابل في دورته الأولى كانت عام 1987 ، وتوقفت أنشطته عدة أعوام بعد أن سقطت بغداد تحت الاحتلال الأمريكي، ثم عاود نشاطه قبل سنتين، لكنه توقف مرة أخرى قبل أن يعود هذا العام.
ويشير جدول الفعاليات الفنية في أجندته الى مشاركة فرق فنية مختلفة عربية وأجنبية، الى جانب فنانين عرب وعراقيين، في مقدمتهم الفنان هاني شاكر ونوال الزغبي وشمس الكويتية وشذى حسون وحاتم العراقي وأخرون.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد رعد:

    منذ الاف السنين والعراق سيد الفنون وسيد الطرب..حتى في الاحزان والماتم..حتى في عاشوراء عند القراءة على ال البيت الكرام..

  2. يقول حيدرزكي /كاتب وتربوي:

    على الإنسان أن يكون رحيماً، لأن الرحمة تجمع بين البشر، وأن يكون اديباً، لأن الأدب يوحد القلوب المتنافرة، وأن يتمرس بالفن والموسيقى، لأنها تنقذ القلوب من جراثيم الطمع والإنانية _تولستوي _وخير الكلام ماقل ودل…

إشترك في قائمتنا البريدية