هل تدرك إيران أن لبايدن صبراً يوشك على النفاد؟

حجم الخط
1

آلاف السائقين الذين اضطروا إلى الانتظار ساعات طويلة في طوابير في هذا الأسبوع أمام محطات الوقود في طهران، في أعقاب هجوم سايبر على منظومة الدفع الذكية “حكمة” التي تشغلها حكومة إيران، أصبحوا هم أمل الساعين إلى إسقاط النظام في الجمهورية الإسلامية. مصادر إسرائيلية وغربية سارعت لتوضح بأن ضرراً كهذا قد يلهب الرأي العام، والمس بالطبقة الوسطى، وضعضعة ثقة الجمهور بالنظام، ومن هنا يكون الطريق قصيراً إلى ثورة وإلى إزاحة النظام، أو على الأقل إجباره على المفاوضات في المسألة النووية.

يبدو أنه رغم الإخفاقات الماضية إلا أن استراتيجية إسقاط النظام في إيران عبر الشارع – كوسيلة لتجميد البرنامج النووي –لم تفقد أملها بعد. في السنة الماضية، وجدت تعبيرها في سلسلة تشويشات شديدة في خدمات القطار وفي محطات الكهرباء في إيران، إلى جانب أضرار محددة في المنشآت النووية مثلما حدث في موقع نطنز. ولكن الجمهور في إيران لم يعد مطلوباً منه الانتظار لهجوم سايبر كي يفقد الثقة بالنظام أو الخروج للتظاهر ضده. في تشرين الثاني 2019 وبعد أن قررت حكومة الرئيس السابق حسن روحاني تقليص الدعم، خرج آلاف الأشخاص إلى الشوارع احتجاجاً على رفع سعر لتر البنزين، من 10 إلى 13 سنتاً. وقتل في هذه المواجهات ما لا يقل عن 150 شخصاً، والآلاف أصيبوا واعتقلوا.

ولكن نظام آية الله بقي على حاله. ولتليين القرار، قررت حكومة طهران تعويض العائلات المحتاجة مباشرة وزيادة حصة البنزين المدعومة التي يمكن لكل سائق الحصول عليها. الحصة التي تبلغ 100 لتر في الشهر تعطى بواسطة بطاقات ذكية يتم شحنها كل شهر وتمكّن السائقين أن يدفعوا في محطات الوقود. من احتاج إلى كمية بنزين أكبر يمكنه شراؤها بثمن كامل بمبلغ 26 سنتاً للتر، الذي هو أيضاً مدعوم بصورة كبيرة.

حوالي 65 مليار دولار، أي حوالي نصف ميزانية الدولة في إيران، مخصصة لصالح دعم أنواع مختلفة: من الخبز وحتى الزيت ومروراً بالكهرباء والمياه وحتى الوقود. حاولت حكومات سابقة تقليل عبء الدعم، لكنها أدركت أنها خطوة غير ممكنة. في الشهر الماضي، انتشرت أخبار في إيران تقول إن الرئيس الجديد، إبراهيم رئيسي، يخطط لرفع أسعار الوقود مرة أخرى رداً على الأزمة الاقتصادية العميقة في الدولة. الوزير المسؤول عن ملف الميزانية والتطوير نفى هذه الأخبار بشدة واعتبرها “شائعات خبيثة”.

ولكن في الثلاثاء الماضي، عندما علم الجمهور بهجوم على محطات الوقود وأنهم لا يستطيعون استخدام البطاقات الذكية، فقد فسروا ذلك على الفور بأنه جزء من مؤامرة حكومية لرفع الأسعار مرة أخرى ولإجبارهم على شراء وقود بسعر كامل. لم تقنع الإيرانيين تفسيرات الحكومة التي تقول إن الأمر يتعلق بهجوم خارجي من قبل من يريدون المس بالدولة والنظام. الانتقاد وجه مباشرة للحكومة.

       حكومة مثقبة

خلافاً لآمال المبادرين إلى الهجوم على محطات الوقود، فإن آلاف الأشخاص لم يخرجوا إلى الشوارع من للاحتجاج. خلال أقل من يوم عادت معظم المحطات للعمل كالعادة. في الوقت نفسه شهدت إيران في السنوات الثلاث الأخيرة سلسلة طويلة من المظاهرات والمواجهات المحلية على خلفية اقتصادية. خرج العمال في مئات المصانع الحكومية للتظاهر وطالبوا بتعويضات عن انخفاض قيمة الريال، ودفع الرواتب التي لم يتسلموا جزءاً منها طوال نصف سنة، وتحسين شروط تشغيلهم. خضعت الحكومة لجزء من المطالب، وتوصلت إلى تفاهمات جديدة مع لجان العمال، وفي حالات أخرى قمعت المظاهرات بالقوة وتم اعتقال قادتها.

ما لا يقل عن ذلك أهمية هو الانتقاد اللاذع الذي يسمعه أعضاء برلمان ووسائل إعلام، الذين هم بالتحديد مقربون من النظام، ضد عجز رئيسي عن طرح خطة اقتصادية حقيقية بعد حوالي ثلاثة أشهر من تسلمه لمنصبه. رئيسي، الذي لا يملك معرفة وخبرة اقتصادية، استبدل معظم الوزراء وكبار المديرين في الوزارات الاقتصادية في الحكومة، بل وشكل طاقماً اقتصادياً خاصاً وظيفته طرح خارطة طرق للخروج من الأزمة. ولكن حتى الآن لم يطرح على البرلمان أي برنامج ملموس، ولم تقدم طلبات لتعديل الميزانية. تنظر وسائل الإعلام في إيران إلى وعد رئيسي ببناء مليون شقة جديدة خلال سنة، باستخفاف، في الوقت الذي ترتفع فيه أجور الشقق وتجبر عائلات كاملة على الانتقال إلى مبان سكنية مشتركة. بنفس الطريقة تعاملت وسائل الإعلام الإيرانية مع مطالبة رئيسي من حاكم إقليم بوشهر “أن يحل المشكلات الاقتصادية في إقليمه خلال عشرة أيام”.

وزير الصناعة، رضا فاطمي أمين، أعلن مؤخراً أن “إيران ستنتج في السنة القادمة عدداً كبيراً من السيارات بحيث لا يضطر الناس إلى الوقوف في الطوابير لشرائها”. وهو إعلان ذكر الجمهور بوعد إنتاج العديد من تطعيمات كورونا هذه السنة، بحيث تستطيع إيران تصدير الفائض.

في هذه الأثناء، لا ينجح رئيسي في إشغال كل الوظائف العامة العليا، بما في ذلك وظيفة وزير التعليم، رغم أنه مر حوالي شهر منذ بداية السنة الدراسية. في الحكومة هناك وزراء كانوا شخصيات رفيعة في حرس الثورة الإيراني، وقادة في “فيلق القدس” أو في المخابرات، من بينهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، ووزير الداخلية أحمد وهيدي، ووزير الإسكان والطرق رستم قاسمي، ووزير الدفاع محمد رضا اشتيني، ومدير وزارة الميزانية والتطوير محسن رضائي الذي كان قائد حرس الثورة.

 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على 12 وزيراً تقريباً، وحتى على رئيسي نفسه. اثنان منهم وهما وهيدي ورضائي، مطلوبان للإنتربول. معظم المستشارين الاقتصاديين للرئيس شغلوا مناصب مشابهة في حكومة محمود أحمدي نجاد، الرئيس السابق الذي أفرغ خزينة الدولة وأورث من جاء بعده، روحاني، ديوناً تبلغ مليارات الدولارات. وقدر أعضاء برلمان في مقابلات صحافية أنه حتى لو عرضت خطة اقتصادية، الأمر الذي يمكن أن يستمر 3 – 4 أشهر، فلن يكون هناك من ينفذها بسبب النقص في المديرين والموظفين المؤهلين من ذوي الخبرة.

       ممارسة التسويف

من ما زال يعتقد بأن ضرب أهداف مدنية سيعمق نقص الثقة بالحكومة والنظام. رسمياً، فإن حوالي 40 في المئة من أصحاب حق الاقتراع ذهبوا إلى صناديق الاقتراع في حزيران. ويتراوح التقدير الحقيقي لنسبة المشاركة بين 20 – 28 في المئة. في الوقت نفسه، ما زال النظام الإيراني يحظى باعتراف دولي، ولا مناص من أن يدير معه، وليس مع الجمهور، المفاوضات حول المشروع النووي.

إن الافتراض الذي يستند إلى احتمالية إسقاط النظام في إيران بواسطة المس بنقاط محددة، هو افتراض بعيد المنال في هذه المرحلة. في الوقت نفسه، إن مسألة نوايا إيران بالنسبة لاتفاق نووي مسألة غير منفصلة عن الضغوط الداخلية، العامة والسياسية. بيان وزير الخارجية عبد اللهيان، الذي يقول إن استئناف المحادثات النووية ستبدأ قبل نهاية تشرين الثاني دون تحديد موعد محدد، لم يأت في أعقاب الإضرار بمحطات الوقود. فقد استند إلى ترجيح التحذيرات الأمريكية، التي تشير مع نفاد الصبر، إلى نية صياغة استراتيجية جديدة مع الدول الأوروبية ضد إيران إذا لم تعد إلى طاولة المفاوضات، إزاء الضغوط الاقتصادية وإمكانية إطالة الوقت.

 أراد عبد اللهيان أن تسمح الولايات المتحدة برفع التجميد عن العشرة مليارات دولار المودعة في البنوك الموجودة في حدودها وفي دول أخرى كبادرة حسن نية. إلى جانب المطالبة بالحصول على ضمانات من الولايات المتحدة ومن الدول الشريكة في الاتفاق النووي، فإن طلبه بألا يتم فرض المزيد من العقوبات على إيران، وأيضاً تشكيل آلية رقابة على تنفيذ رفع العقوبات- قد تدل على نقاط الخلاف التي تبقت بين الطرفين في المحادثات النووية، بل -والأهم- على الهدف الاقتصادي، وليس العسكري، الذي تسعى إليه إيران في المفاوضات. عند انتهاء جولات المحادثات السابقة التي حدثت في فيينا في حزيران الماضي، صرح الطرفان بأنه تم تحقيق تقدم حقيقي في المجالات التقنية، وفي ترتيبات الرقابة والاتفاق على العودة إلى الوضع السابق عند التوقيع على الاتفاق النووي السابق في 2015.

 يتعلق عدم اليقين الحالي باستعداد إيران لبدء المفاوضات الجديدة من المكان الذي توقفت فيه؛ أي هل إيران رئيسي مستعدة لتبني التفاهمات التي تم التوصل إليها في حينه، أم أنها تريد تجديد فتح البنود التي اتفق عليها حتى جولة المحادثات الأخيرة في حزيران. دبلوماسي أوروبي من دولة مشاركة في المحادثات، قال للصحيفة إنه في موضوع العقوبات يبدو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، مستعد لإبداء المرونة. وعملياً، سبق ورفع عقوبات عن مؤسسات وشخصيات إيرانية. ويذكر الدبلوماسي بأن الولايات المتحدة لم تعارض في السابق ترتيبات الدفعات التي حررت أموالاً إيرانية جمدت في كوريا الجنوبية، كدفعات عن النفط الذي اشترته من طهران، وقدر أن تحرير أموال أخرى لن يشكل عقبة أمام استئناف المحادثات.

ولا يمكنه تفسير ما يمكن لإيران تحقيقه من إطالة الوقت في فترة المفاوضات. فإذا كانت إيران تنوي إنتاج المزيد من مخزونات اليورانيوم المخصب حتى التوصل إلى اتفاق، فستضطر إلى التخلي عنها عندما يتم التوقيع على الاتفاق في النهاية. لأنه من المتفق عليه من الجميع، بما في ذلك الحكومة الإيرانية السابقة، أن كل اتفاق جديد سيرتكز على أسس سابقه، بالأساس في مجال تخصيب اليورانيوم والجدول الزمني. الاتفاق نفسه حظي بدعم من الزعيم الأعلى، علي خامنئي. وإذا أرادت إيران أن تجدد فتح بنود الاتفاق النووي للتخصيب، فإنها ستواجه بمعارضة شديدة من قبل الدول الشريكة، وثمة وعقوبات جديدة يتوقع أن تأتي هذه المرة ليس فقط من أمريكا، بل أيضاً من جانب مجلس الأمن.

إلى حين دخول بايدن إلى البيت الأبيض، كانت الأمم المتحدة عارضت فرض عقوبات دولية وإلغاء الاتفاق النووي، كما طالب الرئيس السابق دونالد ترامب؛ وذلك بذريعة أن ليس لواشنطن الحق في ذلك لأنها انسحبت من الاتفاق. ولكن الوضع مختلف الآن؛ إذ يمكن لبايدن مقارنة مع ترامب، أن يعرض جهوده لاستئناف المفاوضات حول المشروع النووي، وأيضاً التفاهمات التي تم التوصل إليها مع الحكومة السابقة في إيران والخروقات الفظة من قبلهم، كدليل على أنها غير معنية باستئناف الاتفاق. لذلك، قد يجد دعماً لدى الشركاء الأوروبيين، وإن كانت روسيا والصين ما زالتا تستطيعان فرض الفيتو على أي قرار بإلغاء الاتفاق وفرض عقوبات جديدة.

مقولة وزير الخارجية الإيراني التي ستستأنف بحسبها المفاوضات قبل نهاية تشرين الثاني، لم تؤكد بعدُ على أن الاتصالات ستنتهي خلال فترة قصيرة، وأن إيران لن تعود إلى ممارسات التسويف التي ميزتها في عهد أحمدي نجاد. ولكن مقابل العقد السابق، فإن إيران اليوم في وضع اقتصادي أصعب. إذا كانت المظاهرات التي اندلعت في أعقاب انتخاب نجاد في 2009 قد انشغلت بالمطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وإلغاء فوزه في الانتخابات، الذي استند إلى جهاز تزوير كاسح، فسيكون الاحتجاج هذه المرة اقتصادياً وأصعب بكثير على الصد والقمع.

بقلمتسفي برئيل

هآرتس 29/10/2021

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول احمد الشمري:

    بايدن هو النسخه الامريكيه لمقتدى الصدر فهو قلبا وقالبا مع إيران وتصريحاته كلها للتمويه ولكسب التأييد فقط لا غير للتشويش

إشترك في قائمتنا البريدية