«الجزيرة» وادي النيل: أيها «العاجل» ثكلتك أمك!

حجم الخط
3

في هذا الصباح استيقظت من نومي في الثامنة صباحاً، لأنظر على الشاشة، وقد وجدت «ملطوعاً» عليها «عاجل» فلم أكترث بالأمر؛ ذلك بأن «عاجل» جرى ابتذاله في القنوات التلفزيونية، حتى فقد هيبته في ظروف ليست غامضة، لا سيما وأنني كنت قد نمت ذات ليلة، لعلها الليلة السابقة على «عاجل» يفيد فوز فريق ليفربول على ما نشستر، مع أني وأنا غير مهتم بكرة القدم عرفت النتيجة قبل انتهاء المباراة، وقبل أن أطالع «عاجل» فمن المعني بهذه اللعبة، وينتظر أن يطالع نتيجة مباراة كهذه على الشاشة الصغيرة؟ ليعيد هذا العاجل تذكيري بما كان يدهشني في الماضي!
فقد كنت أرى أن الزملاء الصحافيين في المجال الرياضي، هم الأسوأ حالاً من غيرهم، لأنهم يكتبون عن معشوقة الجماهير؛ كرة القدم، ولقارئ متابع ومهتم، وقد شاهد القارئ المباراة مثل الزملاء، وهو صاحب وجهة نظر في تفاصيل ما جرى فيها، وإن كان مع هذا يحرص على قراءة الصحف في اليوم التالي، ليتابع ما كتب عن مباراة هو حدد موقفه منها سلفاً، وقد زالت هذه الحسرة الآن، فقد صرنا في الهم سواء، ومنصات التواصل الاجتماعي، جعلت من الجميع معلقين سياسيين، ومحللين أيضاً، بل وصحافيين ينشرون معلومات غير صحيحة، حتى إذا سئلوا عن المصدر؟ أجابوا إجابة الصحافيين: لا يُسأل الصحافي عن مصدره!
وإني لفي دهشة من فيضان الأبحاث الأكاديمية عن تأثير منصات التواصل الاجتماعي في الشباب، وفي توجيه الرأي العام، وفي التأثير على وعي البشرية، مع أن أحداً لا يسمع فيها لأحد، فالجميع يفتي، ويقول: أعتقد، وأرى، وفي تقديري، وذلك في أمور خارج الرأي، والاعتقاد، والتقدير، إن شئت فقل إن الجميع صاروا كمشجعي كرة القدم، الذين يرون في أنفسهم القدرة على نقد المباراة أفضل من النقاد في الصحف السيارة، فمن أين يأتي التأثير الذي تتحدث عنه هذه الأبحاث، التي هي موضة هذا العصر؟!
ولا يجوز القول إن من لديه اهتمامات كروية، سينتظر نتيجة مباراة كالتي بين ليفربول ومانشستر، لتذاع على الشاشة، فيتم الاحتفاء بها، وتنشر مسبوقة بـ «عاجل»؟ لكن لا بأس فمن الواضح أن «عاجل» صارت مثل مرحلة «فصل الألوان» في الصحافة المطبوعة، بعد أن كان اللون الإضافي مكلفاً مالياً. فجرى ابتذال ذلك، لتكون الصفحة الأولى بها كل ألوان الطيف، فتصبح وكأنها «عروسة المولد»!
ولهذا فعندما وجدت «عاجل» لم أهتم بالأمر، لكن بعد قليل وجدتني وقد انتبهت إلى أنه يفيد أن انقلاباً جرى في السودان، قاده المكون العسكري ضد المكون المدني، اعتقدت للوهلة الأولى، أنه ما دام «عاجل» فقد حدث الانقلاب في التو واللحظة، فكتبت على صفحتي على «فيسبوك»: «عاجل» انقلاب في السودان، ليقول المعلقون لي: «صح النوم» فالانقلاب وقع قبل ساعات، وزوار الفجر اقتحموا بيوت عدد من الوزراء وقاموا باعتقالهم، فشعرت بجرح عميق في كبريائي المهني، وصحت في البرية ثكلتك أمك أيها العاجل!
لا بأس، فقد وقعت الفأس في الرأس، وقام المكون العسكري بانقلابه وأطاح بالمكون المدني، ولم يستوف الانقلاب الشكل بما عُرف من الانقلابات العسكرية بالضرورة، من اغلاق مكتب «الجزيرة» وإن ظللنا ننتظر هذا القرار، وقد دلف القوم إلى الموضوع، وتمدد الجنرال البرهان في المشهد، دون أن «نعثر على «جرة» للجنرال حميدتي، فهل كان الأخير أكثر ذكاء وقال له «طير أنت»؟!

إلى «الجزيرة» مباشر

في منتصف النهار علمت أن «الجزيرة» مباشر فتحت التغطية مبكراً، وأن أحمد طه وصل للأستوديو عقب وقوع الانقلاب، ولم ينتظر لموعد «المسائية» لتقديم صورة مكتملة عن ما جرى، وباستدعاء كل ألوان الطيف في السودان، للتعليق على الحدث المهم!
ومنذ الثورة السودانية، وتستحق «الجزيرة مباشر» أن يطلق عليها «قناة وادي النيل» لتذكرنا بإذاعة مصرية كانت تحمل هذا الاسم «إذاعة وادي النيل» كانت تهتم بأخبار مصر والسودان. والجزيرة مباشر، وكما أنها تفوقت في المشهد المصري، فقد تفوقت كذلك في مناقشة المشهد السوداني!
وفي الأيام الأولى للثورة السودانية، كانت سباقة ونجحت في نقل الحدث، وفي تقديم عدد من الشخصيات السودانية ليتعرف عليها المشاهد العربي عبر شاشتها، وكان جزء كبير من هذا الانجاز يرجع لهمة الصحافي الشاب ربيع الشيخ، في قسم المقابلات، فك الله أسره من الاعتقال، الذي يتعرض له في مصر، والاتهام الموجه له هو نشر أخبار كاذبة، مع أن الأخبار الوحيدة على صفحته هي تلك التي تحتفي بالمصالحة المصرية – القطرية!
ولاحقاً، ذهب أحمد طه إلى الخرطوم، ليقدم عدداً من المقابلات التلفزيونية مع شخصيات مدنية وعسكرية، ومن يومها استمرت التغطية المكثفة للأحداث في السودان على الجزيرة مباشر، ولهذا التخصص كان لزاماً علينا أن نشد الرحال إليها لنقف على ما جرى!
وكما كان ظهور بعض الشخصيات السودانية في هذه المقابلات يمثل خبطة بالمفهوم الإعلامي، فقد كانت الخبطة المهمة هي المقابلة المهمة مع السفير السوداني في واشنطن، والذي كان موقفه وموقف أربعين سفيراً من رفض الانقلاب، سبباً في هذه المقارنة التي عقدت في أذهاننا بين الانقلاب المصري وزميله السوداني، وكلاهما انقلاب عسكري مكتمل الأركان، وكامل الأوصاف!
في مصر لم يرفض سفير واحد الانقلاب؛ ذلك بأن الرئيس محمد مرسي لم يقترب من وزارة الخارجية البتة، ولم يغير سفيراً، أو قنصلاً، وظل سفراء وقناصل وموظفو السفارات المصرية الذين عينهم مبارك في مواقعهم، مع أن تعيينهم كان وفق منظومة الترقي والتعيين في عهد المخلوع، والتي كانت تعتمد على قياس الولاء من خلال تقارير مباحث أمن الدولة!
لقد كان موقف سفير السودان في واشنطن واضحاً، وهو يعلن أنه لن يسلم للبرهان، فصاحب القرار عنده هو عبد الله حمدوك، اعترافاً منه باستمرار شرعيته كرئيس للحكومة، وكان طبيعيا أن يعزله الجنرال في اليوم التالي ومعه خمسة من السفراء!
إنها مقارنة «قلبت علينا المواجع» فرضها هذا اللقاء المهم لسفير السودان في واشنطن، والذي كان مناسبة لتتجلى إمكانيات أحمد طه الإعلامية، والضيف يجيب على معظم الأسئلة بعدد قليل من الكلمات، لا يتجاوز في كثير من الإجابات عدد أصابع اليد الواحدة، وهنا كان لا بد من الاحتشاد بقصف مكثف من الأسئلة، وإلا انتهت المقابلة بعد دقائق معدودات، وهذه الجاهزية لا تكون إلا لإعلامي مستعد ومتمكن من موضوعه، وعلى مدى عامين من التغطية المتواصلة صار خبيراً بالمشهد السوداني، خبرته بالمشهد المصري.
إنها الجزيرة وادي النيل.

عودة علي الظفيري

ومع احتفالها باليوبيل الفضي على اطلاقها، بشرت قناة «الجزيرة» بعودة على الظفيري في برنامجه «المقابلة» على شاشتها، بعد أن توقف بسبب الأزمة القطرية -السعودية، وهو خبر مبهج ولا شك، وإن تمنيت أن تكون العودة في برنامجه «في العمق» الذي أوقفته رياح التطوير، التي لا تأتي دائماً بما لا تشتهي السفن! فقد كان في «العمق» استراحة لمناقشة القضايا المتشابكة بهدوء وجدية، ومن خلال خبراء، وبإدارة رشيدة يمثلها الظفيري، لكن صار التطوير في مجال الإعلام، وصفاً سيىء السمعة، أينما توجهه لا يأتي بخير! عموماً، عوداً حميداً.

أرض – جو:

حتى «ماسبيرو» زمان لم تسلم من وضع ملصق «الجمهورية الجديدة» على شاشتها، مع أنها تقدم برامج وأعمال قديمة، وظلت لفترة لا تضع هذا الملصق مثل كل القنوات المصرية لطبيعتها. غداً يلصقوه على الأهرام، وأبو الهول باعتباره من أنصار السيسي!

 صحافي من مصر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    بالنسبة لي فإني لا أشاهد المباريات سواء مباشر أو تسجيل, بل الأهداف فقط بعد إنتهاء المباريات!
    أجمل برامج الجزيرة عندي هو برنامج المسافر ثم الإتجاه المعاكس!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول خالدمصيعي.عاره.فلسطين:

    احرص على متابعتكم.. أينما وليتم وجوهكم وليت وجهي..استاذي الفاضل..احب أسلوبك ومعجب جدا بمدى السيطرة والتمكن من اللغة بكل كلماتها..
    نسأل الله لك العفو والعافية والصحة الفلاح في الدنيا والآخرة.

  3. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    اتمنى بشدة و بعد تتغير الامور في مصر ب 180 درجة ، و تنتخب المحروسة من جديد ،رئيس و سلطة مدنية ،متمكنة و ممكنة و يعود الاستاذ سليم الى وطنه معززاً مكرماً لمواقفه الراسخة التي لا تجامل و لا تجامل، اتمنى بشدة وهو سيكون بتصوري مؤهلاً لذلك كما ليس احداً مثله ،ليؤسس و يتولى ادارة مشروع قناة مصرية كبرى بمستوى قناة الجزيرة فعلاً و واقعاُ ،وليس ادعاءاً (كما حاول ان يفعل و يدعي الكثير ) و لا اريد ان اقول انها ستتفوق عليها مباشرة ، لكن بامكان رجل مثله بتصوري ،ان يقود و يؤسس لهكذا مشروع واعد ،و ربما في مستقبله لاحقاً ،سيكون بامكانه تجاوزها فعلاً ،لما تملكه مصر من إمكانيات بشرية و عمق و خبرة و تجارب ،المشكلة هي فقط في نوع النظام السياسي الحاكم و المهيمن على المشهد و الذي يمنع بشكل بات و قاطع امكانية تحقق هكذا مشروع الان !
    ابني توقعي هذا على تشبع الاستاذ سليم بهذا المشروع و اقتناعه التام به بل و الترويج لنجاحاته ، وهو محق في ذلك برأيي تمامآ و له ميزة تجنب سلبياته لما يتمتع به من قدرة نقد بناء لا تجامل احد !

إشترك في قائمتنا البريدية