عمان – «القدس العربي»: يبدو الانطباع قوياً جداً وسط النخبة الأردنية السياسية بأن السنوات الثلاث المقبلة استثنائية الأهمية، وبأن المطلوب حصرياً وبأسرع وقت ممكن توفير نموذج هيكلي وسياسي وإداري يجدد الدماء في أروقة الدولة الأردنية والمؤسسات في سقف زمني أعلاه ثلاث سنوات وأدناه سنتان، لأسباب جوهرية وعميقة هذه المرة.
الانطباع أكبر وأكثر بأن الاستثمار المنتج للسنوات الثلاث المتبقية من حكم الرئيس الأمريكي جو بايدن ينبغي أن يتحول إلى إستراتيجية عمل أردنية في الداخل والخارج وعلى أساس سلسلة من التحولات التي اتخذت هذه المرة شكل تحديث المنظومة السياسية بناء على معادلة وتسمية تسعى إلى تجفيف الاحتقانات المتوقعة في حال التحدث عن ثورة إدارية بيضاء أو ملف الإصلاح السياسي، حيث سلسلة تجاذبات ومخاوف من كل الأنواع.
يؤمن المحلل والخبير السياسي الاقتصادي الدكتور أنور الخفش، بأن على المؤسسة الأردنية أن تعمل بسرعة، لكن في سياق منهجي ومبرمج، وعلى اساس توفر فرصة قد لا تتوفر دوماً للاستثمار في الاحتياج الدولي والإقليمي لدور الأردن المؤهل. الخفش وعلى هامش نقاش مع «القدس العربي» لتفكيك المشهد، يتصور بأن الأردن قادر على الاشتباك وتحقيق منجزات، لكن على إيقاع العمل المؤسساتي والحكومي وحتى النخبوي أن يتنشط ويتفاعل بصورة جذرية، وعلى أساس أن الاستمرار في إدارة الأمور تنفيذياً، كما كانت تدار في الماضي، لم يعد منتجاً أو ممكناً.
الحديث يتفاعل وسط الأردنيين عن ضرورة وكيفية إنتاج نموذج الأردن الجديد، الذي بدأت مبكراً تطالب به وتتحدث عنه مفاصل الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، حيث دلال مفرط للأردن ودوره وإمكانية متوفرة للاستفادة من هذا الدلال السياسي والإيمان بالدور الأردني، وفقاً لما لاحظه مراقب وراصد مثل الدكتور سنان شقديح، وهو يجدد عبر «القدس العربي» دعوة الأردنيين للانتباه جيداً للإمكانات السياسية والاقتصادية التي يتيحها الآن لهم طاقم الرئيس بايدن. ويوافق شقديح على الانطباع القائل بتوفر فرصة زمنية.. لكن ما الذي يعنيه ذلك بصورة محددة؟
في عمان، وفي نقاط قريبة من كبار المسؤولين، تبرز بعض الإشارات على تفكير جديد تحت عنوان ماهية وكيفية النموذج الذي ينبغي تقديمه لإسقاط الحالة الأردنية وبصيغة قابلة للاستثمار والتكييش السياسي، لا بل والمواجهة في التحدي المالي والاقتصادي والاستثماري على مستوى الدولة العميقة إشارات تقال بين الحين والآخر لشخصيات وطنية لها علاقة بفقدان ترف التوقف عن الحركة ووجوب تقديم نموذج للأردن الجديد ناجح وفعال تحت بند الاضطرار والاحتياج الوطني العميق خلال السنوات الثلاث المقبلة، مما يفسر الاندفاع نحو ما سمي في عمان بتحديث المنظومة السياسية للدولة.
عند الاستفسار في الدولة العميقة تبرز تلميحات تفسر مفهوم هذا التحديث، ومن بينها الانتقال إلى مساواة حقيقية تشريعياً وعملياً بين المرأة والرجل، والتقدم بنموذج لدولة مدنية أو متمدنة، وإعادة المال العام أو ما تيسر منه، واشتباك أكثر وأكبر مع مظاهر الفساد، وقطع خطوات في اتجاه دولة القانون والمؤسسات، وما يمكن من منهجية المواطنة.
الرافعة التي اختيرت خلف الستارة والكواليس لإنجاز بعض ملامح الوجه الجديد ومن منظور منفتح هذه المرة، هي خلط الأوراق الحزبية والارتقاء بنوعية الانتخابات العامة والبرلمانية تمهيداً للانتقال إلى إشراك الأحزاب السياسية بحصة متمكنة من خريطة القرارين التشريعي والتنفيذي.
قالها في اجتماع خاص أحد كبار المسؤولين الأمنيين .. «ذاهبون بثقة نحو هذا المسار، وهو الوحيد الآن».
يعني مثل هذا الكلام الكثير، خصوصاً إذا صدرت عن المستوى العابر للسياسي وفي أقرب نقطة من رئيس وزراء مطّلع ومشارك في التفاصيل العميقة مثل الدكتور بشر الخصاونة، عبارات بملامح واضحة أكثر تحت عنوان اختبار مدته 3 سنوات، وخيارات معقدة وصعبة تحت عنوان الفواتير السياسية والكلف.
يعني ذلك، في المقابل، أن الهامش التكتيكي الوحيد أمام المناورة الأردنية اتخذ شكل تقديم نموذج ديمقراطي محلي فيه شفافية أكثر وبسرعة وبسقف زمني لا يزيد عن الفترة المتبقية من ولاية الرئيس بايدن، حيث الاعتقاد جازم بأن النفاذ بمشروع أردني من هذا النوع لم يعد ترفاً بقدر ما هو ضرورة بقاء وقوة في حال تغيرت الأمور في البيت الأبيض بعد 3 سنوات، أو في حال حصول ما يسميه الأردنيون بالشر الأكبر، وهو عودة دونالد ترامب أو أمثاله إلى حكم البيت الأبيض.
سمعتها «القدس العربي» من مسؤول مهم جداً.. «يجب علينا أن نكون جاهزين لتلك المرحلة». بمعنى آخر، السنوات الثلاث المقبلة مهمة جداً لعمان، وجاهزيتها المفترضة تتمثل في الاستثمار في الراهن، ومساحة المناورة التي يفوض فيها الأردن الرئيس بايدن والاستعداد لمرحلة ما بعد 3 سنوات بحالة محصنة، وفقاً للنظرية التي تقول بأن هذا التحصين ضرورة ملحة الآن ولا يمكن الاستغناء عنه.
وضع دولي جديد بقيادة بايدن سيقود لوقف تدخل إيران وضم حماس لمنظمة التحرير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة بحدود 4 حزيران 1967 ولو منزوعة سلاح وبتبادل أراضي وإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي وعودة مليوني نازح 1967 من الأردن للضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة وستنتهي المشاكل الاقتصادية بفلسطين والأردن، بل إن تدفق الاستثمارات على فلسطين المستقلة سيحدث نهضة عمرانية 10 سنوات تتطلب تشغيل معظم شركات مصر والأردن وعمالة كثيفة، كما أن استتباب الأمن والسلام سيتيح لإسرائيل استبدال مليون عامل أجنبي بعمال عرب.