تونس: صراع الرئيسين!

حجم الخط
19

بعد البرلمان والحكومة اللذين قام الرئيس التونسي قيس سعيّد بحلهما (بعد استشارة رئيسيهما حسب تصريح سابق له) و«الإجراءات الاستثنائية» التي قام بتمديدها من دون أفق معلوم لانتهائها، وبعد حملاته العنيفة على الأحزاب والقوى السياسية، وعلى الذين تظاهروا أو اعترضوا على قراراته، والضغوط التي يمارسها حاليا على القضاء، وجد سعيّد، أخيرا، عدوا وجوديا له ممثلا في الرئيس السابق المنصف المرزوقي.
الشعلة التي قدحت زناد تصعيد سعيّد ضد المرزوقي تمثّلت بموقف الأخير من قرار قمة الدول الفرانكفونية، التي كانت مقررة للانعقاد بدورتها الثامنة عشرة في 20 و21 من هذا الشهر في تونس، وتأجلت إلى العام المقبل، فبعد اتهام أطراف للرئيس الأسبق بالمسؤولية عن ذلك القرار، نفى المرزوقي ذلك لكنه علّق أن «أي دولة ديمقراطية تقبل بحضور هذا المؤتمر يعني أنها تؤيد الانقلاب وهذا لا يجوز. نحن نعتبر هذا خيانة وطعنة في ظهر الديمقراطية التونسية».
الواضح أن سعيّد اعتبر الأمر شخصيا فقام بتجريد المرزوقي من جوازه الدبلوماسي لأنه، على حد قوله، «ذهب إلى الخارج يستجديه لضرب المصالح التونسية» ثم طلب بعد ذلك من وزيرة العدل في أول اجتماع للحكومة التي أمر بتشكيلها، بأن «تفتح تحقيقا قضائيا في هذه المسألة لأنه لا مجال للتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي» فكان أن أصدرت محكمة ابتدائية «بطاقة جلب دولية» تتهمه بالخيانة.
دافع المرزوقي عن سجلّه الرئاسي فقال إنه حمى الحقوق والحريات، وحافظ على المال العام، وسلّح الجيش، وأمر الأمن الرئاسي بحماية خصومه، واسترجع قسما من الأموال المنهوبة، وحارب الفساد قولا وفعلا، وأنه كان له شرف ختم أول دستور ديمقراطي في تاريخ تونس، ورد على هجوم سعيّد بالقول إنه «الدكتاتور الثالث الذي ابتليت به تونس يتجاسر على اتهامي بالخيانة».
كما ردّ على اتهامه بالخيانة والتعامل مع «الخارج» بالقول إن «لا خائن إلا من حنث بقسمه وانقلب على الدستور الذي أوصله للحكم، وورط البلاد في أزمة غير مسبوقة، وجعل من بلادنا مرتعا لبلدان محور الشر» وقام حزبه «حراك تونس الإرادة» بتقديم شكاية باسم المرزوقي ضد قاضي التحقيق، كما أطلق سياسيون وحقوقيون حملة تضامن معه على مواقع التواصل.
إحدى النقاط التي أثارها المعلقون على هذا الحدث أن السلطة التنفيذية، ممثلة بسعيّد، تدخّلت في سير القضاء، مع إصدار الرئيس الحالي، الذي جمع السلطات والصلاحيات والمناصب، «تعليمات متلفزة» بمطاردة خصم سياسي له «بسبب رأي أبداه».
خلال لقائه الأول مع الصحافة الأجنبية، في الزيارة التي قامت بها فيفيان يي، مراسلة صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية واثنان من زملائها، وبعد خمسة أيام من اتخاذ قراره بتجميد البرلمان وحل الحكومة، أعطى سعيّد فكرة واضحة عن أسلوبه، فمنع الصحافيين الأجانب المذهولين من الحوار معه أو سؤاله أي سؤال، وأخذ بتلاوة محاضرة طويلة عليها بدأها بالقول: «مرحبا بكم في بلد الحقوق والحريات وفي بلد الدستور» مشيرا إلى أن «حرية التعبير مكفولة» ثم قرأ عليها، بالفرنسية، مقاطع من الدستور الأمريكي، وحين بدأ أحد الصحافيين بالترجمة أمره رجال الرئيس بالتوقف!
تشكل الوقائع الأخيرة ذروة كاشفة عن الأوضاع السياسية التي وصلت إليها تونس في ظل «الإجراءات الاستثنائية» المستمرة للرئيس الحالي، حيث شهدنا لغة تخوينية ضد رئيس سابق مشهود له بالتاريخ النضالي الطويل لمأسسة الديمقراطية في بلاده، والدفاع عن حريات التونسيين وحقوقهم، ووصل الأمر إلى حد سحب جوازه الدبلوماسي وإصدار بطاقة جلب دولية ضده، وإلى كونها قرارات مسيئة لتونس ورئيسها الحالي، فإنها مؤشر على تدهور غير مقبول في أحوال تونس.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول إبن آكسيل:

    80 % من التونسيين تنفسوا الصعداء يوم 25 جويلية و عاد الأمل للأغلبية الساحقة من الشعب اللذي مل و لفض الإسلام السياسي العبثي المدمر للبلاد و العباد ….و لا عزاء لأصحاب نضرية ” المؤامرة و الإنقلاب “

    1. يقول غسان:

      كيف قدرت النسبة دون انتخابات مبكرة ؟؟

    2. يقول تركي محمد:

      شكرا لك. لقد قلت كلمة الحق حيث أن الشعب يريد قيس سعيد. ولا نريد ديمقراطية أو انتخابات وأحزاب دينية . الشعب يريد أن يكون مثل الامارات والسعودية. وتونس أن شاء الله تصبح مثل دبي..وحاكم واحد يقود تونس لبر الامان ومن بعده إبنه أو من يوصي له. هذه طريق الامان وما يصلح للعرب. نحتاج رجل قوي شديد لا يخاف مثل قيس سعيد..

  2. يقول al Maghriby:

    ((الواضح أن سعيِّد اعتبر الأمر شخصيا فقام بتجريد المرزوقي من جوازه الدبلوماسي لأنه، على حد قوله، «ذهب إلى الخارج يستجديه لضرب المصالح التونسية»)) ….!!!؟
    ممَّا يدعو إلى الرثاء والسخرية في الآن ذاته، حقيقةً، أن الكثير من أولئك الأدعياء الدرقاعيين المتمركشين يستعملون عبارة “الهروب إلى الأمام” في غير محلها – هذا الموقف التخويني الإسقاطي الذي يتخذه سعيِّد اتخاذا عصابيا (شخصيا) جليا تجاه المرزوقي إنما هو مثال ملموس ودامغ على سياسة “الهروب إلى الأمام” هذه بعينها: أما آن لكم الآن أن تفهموا وأن تتعلموا أيها الأدعياء الدرقاعيون المتمركشون …..؟؟؟!

  3. يقول سامى عبد القادر:

    منصف المرزوقى, وقيس سعيد, كلاهما وصل إلى منصب رئاسة تونس من خلال انتخابات حرة نزيهة … ولكن الفارق بينهما أن المرزوقى رجل حر شريف, بينما قيس سعيد ارتضى لنفسه أن يكون تابعاً لعصابة الشر العربية; “مبز” الإمارات, و”مبس” الجزيرة العربية, و”عبس” مصر!! … ومن كان هذا هو شأنه, فهو “هئح” لا محالة … أى: “هوى إلى الحضيض” لا محالة!!!

  4. يقول ابو خليل:

    احترم السيد المرزوقي و اقدره علي حسه الوطني العروبي و الإنساني الحر و اعتقد ان السيد سعيد ارتكب خطاء كبير بإعلان حربه علي المرزوقي. نتمني الخير لتونس الخضراء و شعبها الشقيق الطيب.

  5. يقول مواطن:

    مع الأسف الدول العربية والاسلامية لها عدوان متخمان بالدولارات يقفان ضد أي بناء لدولة ديمقراطية فيها.ولن تجد الديمقراطية ودولة القانون طريقها لهذه إلا نفاذ البترول الذي يشكل نقمة على الشعوب.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية