هل كانت الجزيرة العربية مهدا آخر للبشرية؟

يعتبر الربع الخالي، كما يشير اسمه، إلى مكان خلاء لا يسكن الناس فيه.
هذه الصحراء الواسعة جدا (تقارب مساحة فرنسا) من التلال والهضاب والسهوب الرملية في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية، التي يمكن ألا تهطل قطرة ماء واحدة فيها خلال حول كامل، كانت منطقة مطرية قبل ثمانية آلاف عام، وهذا ينطبق على مناطق أخرى في الجزيرة العربية، وخلال فترات متقطعة في المليون سنة الماضية، كانت في تلك المنطقة بحيرات وأنهار. كانت تلك السهوب الرملية مناطق شجرية تحفل بالحياة البرية، ومأهولة بالبشر.
دفعت هذه المعلومات التاريخية آثاريين وعلماء أركيولوجيا للبحث عن أدلة على سكنى البشر هناك، وللتفتيش عن آثار أسلافهم، أو الأنواع المنقرضة منها، وخلال عقود، وجد البحاثة عددا كبيرا من المواقع، كان أسلاف للبشر، يعيشون فيها قبل مئات آلاف السنوات، لكن الطرح التاريخي الجديد، والأدلة المكتشفة، يشيران إلى أن المنطقة تلك لم تكن ممر عبور لأسلاف البشر القادمين من افريقيا، نحو العالم الواسع، بل كانت مكان سكن واستقرار في أزمنة تاريخية سحيقة. العديد من العلماء، حسب ما تقول مجلة «العالم الجديد» New Sceintist البريطانية، يعتقدون أنه يجب توسيع الموقع الجغرافي الذي كان محصورا بافريقيا باعتبارها مهد أسلاف البشر، وضم شبه الجزيرة العربية إلى هذا الإطار التاريخي، ويرون أن شبه الجزيرة لعبت دورا مهما في التطور الارتقائي للبشر وانتشارهم حول العالم.
حسب النظرية التي تعتبر افريقيا مهد البشرية، فقد كانت الآثار المكتشفة لأسلاف البشر هناك تعود لقرابة 7 ملايين عام، حيث ظهر العديد من المستحاثات والعظام والهياكل المشهورة، مثل آردي ولوسي، وقد بدأ بضع جماعات من تلك الأسلاف بمغادرة افريقيا قبل حوإلى مليوني عام. نشأ أقدم أسلاف البشر المعروفين بـ»هومو سابينس» قبل حوإلى ثلاثمئة ألف عام هناك، وظلوا في افريقيا حتى قرابة 60 ألف عام، حيث انتقلت أول مجموعة منهم نحو العالم.
توجد دلائل كثيرة تدعم تلك النظرية، وكانت شبه الجزيرة العربية، ممرا لأسلاف البشر نحو ما يسمى بالشرق الأوسط، وصولا إلى أوروبا وآسيا ومناطق أخرى.

أشجار تجري من تحتها الأنهار

بسبب تلك الفرضيات، لم يكن هناك شيء معلوم، حتى وقت قريب جدا، حول أسلاف البشر في شبه الجزيرة. اكتشف آثاريون، بعد ذلك، بعض الأعمال الفنية المذهلة في الكهوف، تعود إلى حقبة ما قبل 10 آلاف عام، لكن بعد عقد من الزمن بدأت مجموعات متفرقة من الباحثين بالبحث عن دلائل على وجود سابق للبشر على تلك الفترة، وتمكنت تلك المجموعات، في وقت متقارب، من الوصول إلى تلك الأدلة. كان العنصر العلميّ الدافع لتلك الأبحاث هو الفهم المتعاظم للتغيرات المناخية في حقب ما قبل التاريخ البشري، بالاعتماد على تقنيات جديدة، مثل فحص الرواسب الجليدية والبحرية لمعرفة كيف كان المناخ حينها، كما تم ابتكار نماذج رقمية مناخية ساهمت في فهم تحولات المناخ الكبيرة. كشفت تلك الأبحاث أنه خلال مليونين ونصف المليون من السنوات ـ حين كان هناك جليد دائم في قطبي الأرض ـ كانت حرارة الأرض ترتفع وتنخفض كثيرا. في فترات الانخفاض الحراري كانت مساحات كبيرة من الجليد تنزح عن المنطقتين القطبيتين، وفي فترات الارتفاع الحراري كانت تلك المساحات تتراجع. أثرت تلك الدورات المناخية على الشروط المناخية في شبه الجزيرة العربية، كما أثرت في المناطق القريبة عليها، الصحراء الكبرى وافريقيا.

كان‭ ‬هناك‭ ‬أسلاف‭ ‬للبشر‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬قبل‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬عام

عنى هذا، بالنسبة للبحاثة، أن شبه الجزيرة العربية كان فيها الكثير من الأنهار والبحيرات في الحقب المطرية، فبدأوا بالبحث عن تلك الأنهار والبحيرات وتمكنوا بذلك من الوصول إلى الموقع الأول وهو جبل قطّار 1، في المنطقة المعروفة حاليا بصحراء النفود في المملكة العربية السعودية. عام 2011، اكتشف البحاثة بقايا بحيرة، كانت مخفية تحت تلال من الرمال، طولها 20 كيلومترا وعرضها 4 كيلومترات. في تلك البقعة التي تعود إلى 75 ألف عام، وجدوا أدلة على أشجار وحشائش، إضافة إلى أدوات حجرية تشير إلى أن أنواعا بشرية كانت تعيش هناك.
نشر البحاثة بعدها العديد من الاكتشافات المشابهة، وتوصلوا إلى أنه كان هناك في شبه الجزيرة العربية قرابة عشرة آلاف بحيرة، وقد توصلوا إلى مئتين منها، وفي 70% من تلك المواقع وجدوا مستحاثات أو مواقع أثرية، واستنتجوا أن مناطق من الربع الخالي كانت مأهولة بالبشر، وفي أحد المواقع الذي سمي «مندفن البحيرات» وجدوا أدوات حجرية تعود إلى قرابة 100 ألف عام.

أصبع الإنسان العاقل في صحراء النفود

إحدى الكشوفات أن جغرافيا شبه الجزيرة العربية لعبت دورا كبيرا في طبيعة السكان، فمن يسكنون شمال شبه الجزيرة، ما زالت لديهم علاقات مع سكان افريقيا وغيرها، وهذا ينعكس في الأدوات الحجرية التي صنعوها، أما سكان جنوب الجزيرة العربية، فقد اتجهوا لابتكار أدوات خاصة بهم، وهو ما يعني أنهم كانوا معزولين عن جيرانهم الجغرافيين. اعتمد أحد البحاثة، هانز بيتر أوربمان، من جامعة توبينغن في ألمانيا، على بعض الأدوات الحجرية المكتشفة، والتي تعود إلى قرابة 125 ألف عام، ليستنتج أن «الإنسان العاقل» كان موجودا في تلك الحقبة. اكتشفت في صحراء النفود، بعد ذلك، بقايا بحيرة أخرى، واكتشف عظم أصبع، وكان ذلك كافيا لتأكيد هوية النوع الذي ينتمي إليه: لقد كان عظما لإنسان عاقل يعود إلى 85 ألف عام، كما اكتشفت آثار أقدام تعود إلى 112 ألف عام في موقع آخر، وعلى أدوات حجرية تعود إلى 300 ألف عام، كما عثر عام 2018 على أدوات حجرية وعظام حيوانات تحمل آثار قطع بشرية تعود إلى 300 إلى 500 ألف عام، وإذا كان هناك أسلاف للبشر يعيشون قبل نصف مليون عام في شبه الجزيرة، فهذا يعني، أنهم لم يكونوا من سلالة «الإنسان العاقل» وعلى الأغلب فقد كانوا من سلالة «النياندرتال» التي تم كشف آثار لها في تلك الفترة تقريبا في المشرق العربي.
لم تكن سلالتا الإنسان العاقل والنياندرتال المجموعتين الوحيدتين في الإقليم الذي يمكن اعتباره المنطقة التي تجمعت فيها خمائر أسلاف البشرية، الذين نشأوا عبر التزاوج والهجرات. حسب أحد البحاثة، مايكل بيتراغليا، فإن اكتشاف هذا العدد الكبير من المواقع خلال فترة قصيرة، منظورا إليه بالعلاقة مع التغيرات المناخية، يقوض سردية حصول عملية هجرة واحدة من أسلاف البشر من افريقيا قبل حوإلى 60000 عام، وأن هذه الاكتشافات تؤسس لنظرية جديدة تقول بوجود هجرات عديدة ضمن جغرافيات افريقيا وآسيا وأوروبا كلما كان الطقس يتغير، وأن سبب النزوحات كان تزايد أعداد البشر، وحركة الصيادين والقاطفين بحثا عن أكل، ليس قرب السواحل لكن داخل الجزيرة العربية أيضا.
إحدى الخلاصات المهمة لتلك الأبحاث هي أن شبه الجزيرة العربية (وكذلك المشرق العربي) كانت جزءا من عملية التطوّر البشريّ، وأنها كانت من المناطق الأولى القابلة للسكن والاختلاط بين الأنواع الذي أدى لنشوء الجنس البشري.
مع التوطد المتعاظم لهذه الخلاصة، وبسبب علاقة شبه الجزيرة العربية الخاصة بتاريخ المنطقة والعالم، سيكون الباب مفتوحا لأبحاث أخرى في علوم أخرى محاذية، من الأنثروبولوجيا إلى اللغات والأديان والآداب والفنون.

كاتب من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ‬يقول د‮. ‬زغلول النجار في كتابه‮ (‬الإعجاز العلمي في السنة النبوية‮):‬ روى الإمام أحمد‮ ‬في مسنده عن أبي هريرة‮ رضي الله عنه ‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‮: «‬لا تقوم الساعة حتى‮ ‬يكثر المال ويفيض حتى‮ ‬يخرج الرجل بزكاة ماله فلا‮ ‬يجد أحداً ‬يقبلها منه وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً». ‬
    في حديث آخر عن أبي هريرة‮ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‮: «‬لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً وحتى‮ ‬يسير الراكب بين العراق ومكة لا‮ ‬يخاف إلا ضلال الطريق وحتى‮ ‬يكثر الهرج‮» ‬قالوا‮: ‬وما الهرج‮ ‬يا رسول الله‮؟ ‬قال‮: «‬القتل‮»‬.
    ‮‬وهذه الأحاديث الشريفة من المعجزات العلمية التي تصف حقيقه كونية لم‮ ‬يدركها العلماء إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين حين ثبت لهم بأدلة قاطعة أن جزيرة العرب كانت في القديم مروجاً وأنهاراً‮.‬
    ‮‬كما تشير الدراسات المناخية إلى أن تلك الصحراء القاحلة في طريقها الآن للعودة مروجاً وأنهاراً مرة أخرى، ‬وذلك لأن كوكب الأرض‮ ‬يمر بدورات مناخية متقلبة تتم على مراحل زمنية طويلة ومتدرجة كما قد تكون‮ ‬فجائية ومتسارعة.‬
    – موقع الخليج –

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له في غزوة تبوك: (يوشك يا معاذ، إن طالت بك حياة، أن ترى ما هاهنا قد ملئ جناناً) متفق عليه.
    والقُرب الذي يدلّ عليه لفظ الحديث (يوشك) ليس بالضرورة أن يستلزم رؤية معاذٍ رضي الله عنه لتأويل هذه النبوّة وتحقّقها، لأن القُرب قربٌ نسبي، بدليل أن بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم- بذاتها كانت دليلاً على القرب الشديد لقيام الساعة، وقد مرّ على بعثته ما يزيد على الألف والأربعمائة عام.
    وعلى أية حال، فإن كلّ زائر لمدينة تبوك في أيامنا هذه يعلم التوسّع الزراعي فيها وما تخرجه أرضها من الثمرات المتنوّعة، وما تزدان به مدينتها من الأشجار والحدائق، ولا ندري، لعل المستقبل يُخفي لنا تجلّياً أكبر لهذه النبوّة، وصدق الله القائل: { إن هو إلا وحي يوحى} (النجم:4).
    – عن إسلام ويب –

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    ضجت وسائل الإعلام مؤخراً بنتيجة دراسة نشرت في مجلة «جورنال أوف جيولوجي»، والتي خلصت إلى أن الجزيرة العربية كانت جنة خضراء من الغابات.
    لكن الوقائع المثبتة هذه ليست بجديدة على المسلمين، فالنبي (ص) قال: «لن تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً».
    والمقصود بأرض العرب في كلام النبي (ص) هي شبه الجزيرة العربية، ومعنى الحديث الشريف أن صحراء شبه الجزيرة ستعود إلى حالتها الأولى، وستستبدل بحالتها الصحراوية الراهنة حالتها الخضراء الأصلية، ورغم كون حديث الرسول (ص) تضمن نبوءة وإعجازاً خبرياً وعلمياً، لكن العلماء لم يتمكنوا من إثبات «نظريتهم» إلا مؤخراً.
    – من النت –

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    قال باحثون إنهم اكتشفوا آثار بشر كانوا قد مروا قبل حوالي 120 ألف سنة بإحدى البحيرات شمال الجزيرة العربية، وبالضبط في منطقة صحراء النفود التي كانت سابقا أرضا خضراء رطبة.
    ويبدو أن هؤلاء البشر كانوا يقصدون منطقة غرب آسيا، قادمين من أفريقيا وتوقفوا من أجل الاستراحة عند إحدى البحيرات التي كانت آنذاك مرتعا للكثير من الحيوانات البرية كالفيلة والأبقار.
    وحسب الدراسة التي نشرت يوم 18 سبتمبر/أيلول الجاري بمجلة “ساينس أدفانسز Science Advances”، فإن هؤلاء الباحثين تمكنوا من اكتشاف العديد من الآثار، لكن 7 منها تأكدوا أنها تعود لبشر، منها 4 آثار لـ3 أو 4 رجال كانوا يسافرون معا.
    وقال مايكل بيتراغليا من معهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري بألمانيا (Max Planck Institute for the science of human history) -وهو أحد الباحثين المشاركين في الدراسة- في تصريح عبر البريد الإلكتروني للجزيرة نت إن المنطقة كانت تشكل ممر عبور.
    – الجزيرة نت –

    1. يقول محي الدين .ع:

      حسب العالم المسلم الشنطي رباح في كتابه السفر في الزمن من القرآن الكريم فإن عمر الحضارة البشرية (وليست الإنسانية) على هذه الأرض هي خمسين ألف سنة فقط منذ أهبط سيدنا آدم وزوجه الى الأرض وحتى قيام الساعة. هو أيضا يفرق بين البشر والإنسان بطريقة جد مقنعة. المهم وبالنسبة لجزيرة العرب فقد كانتا تحويان عواصم حضارتين من أعظم الحضارات البشرية على هذه الأرض وهما إرم وثمود. وبالنسبة له فإن كثبان الربع الخالي تخفيان تحتها حضارة عظيمة تمركزت على بناء الاهرامات كمطارات للسفر اللحظي في الزمن ، وعليه فإن أهرامات مصر والسودان ماهي إلا جزء من هذه الحضارات ، وعليه فإن كل ما فعله الفراعنه هو أن ورثوا هذه الأجزاء من تلك الحضارتين وحكموا أهلها بالحديد والنار بل واستعبدوهم كما توضح قصة سيدنا موسى عليه السلام

  5. يقول شروق مغربي:

    مقال لامس الحقيقة العلمية والواقع المعرفي.واستأذنك استاذي ان الانسان قبل ( آدم ) لم يظهرفي الأرض إلا قبل (250 ألف سنة ).أي
    بعد تكامل عناصرالحياة باستقرار القارات ..وقبل هذا التاريخ كان المخلوق القردي المسمى الشبيه بالانسان.لأن جنس القردة ظهر قبل عشرة مليون سنة.وفي العصر الزراعي الحديث اي قبل (12 ألف سنة ) ظهر جنس بني آدم.

  6. يقول سلام عادل(المانيا):

    تحية لالاستاذ حسام وللجميع المقال يجعلنا نصدق العلم فقط وكذلك اصبح التاريخ علم من حيث الادوات والتقنيات المستخدمة لاكتشاف ما كان مخفي علينا وليس روايات واحاديث تنقل من الاولين وكذلك تفنيد ما جاء بالاديان من وقائع ليس لها اساس تاريخي واصبحت نظرية دارون اكثر تصديقا من الرواية الدينية

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      ماذا دهاك يا عزيزي سلام؟
      المقال والعلماء يؤيدون ما قاله الرسول الكريم منذ خمسة عشر قرناً!
      وأنت تناقض العلم وتطعن به!! وما شأن داروين بالموضوع؟ إتقِ الله في نفسك!!! ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية