نواكشوط ـ «القدس العربي»: وسط اعتراضات صاخبة هزت البرلمان وتواصلت أمس خارجه، أجازت الجمعية الوطنية الموريتانية الثلاثاء، قانون «حماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن».
وجرى التصويت على القانون بعد يومين من النقاشات الساخنة، في جلسة انسحب منها نواب المعارضة، حيث صوت لصالح القانون 85 نائباً من نواب الأغلبية، فيما صوت نائب واحد بالحياد، ولم يصوت ضده أي نائب.
وبادرت الفرق البرلمانية المعارضة أمس، إلى تسجيل رفضها التام لقانون حماية الرموز، محملة في بيان وقعته جميع كتلها الأغلبية مسؤولية إعادة أجواء الاستقطاب السياسي إلى الجمعية الوطنية، وكذا المسؤولية «عما سيترتب على هذا القانون من خطر داهم على الحريات».
ووقع بيان تسجيل الاعتراض كل من فريق التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (محسوب على التيار الإسلامي) وفريق الصواب (البعثيون) والتحالف الشعبي التقدمي، والتحالف من أجل العدالة والديمقراطية، وفريق حزبي التقدم والتكتل.
وشددت الكتل البرلمانية في بيانها المشترك، التأكيد على أنه «لا يخفى الهدف الواضح من السعي إلى إضفاء قدسية غير مؤسسة على أفعال المسؤولين العموميين وجعلهم فوق النقد والمساءلة وتشجيع الإفلات من العقاب لممارسي جرائم القمع والتعذيب».
وأضافت: «فوق ذلك كله، جاءت عبارات النص عائمة وغير محددة، مما يفسح المجال واسعاً للتأويل الذي يقود حتماً إلى التعسف وخنق الحريات، وما يترتب عليه من إطلاق يد النيابة العامة الذراع الطويلة للسلطة التنفيذية في القضاء».
وأكدت الفرق البرلمانية المعارضة «أن الأغلبية أصرت على تمرير ما عرف «بقانون الرموز» خروجاً عن جو التشاور والحوار الذي عبرت فرق المعارضة في كل المراحل التي مرت بها مناقشته عن تمسكها به، كما أصرت على تمريره في جو يطبعه استقطاب سياسي حاد ورفض شعبي واسع».
وأضافت: «بدل إفساح المجال أمام كافة القوى السياسية والمجتمعية للإدلاء برأيها ومناقشة مشروع القانون، خاصة وأنه لا يستجيب لحاجة ملحة ولا يوجد فراغ تشريعي في المجالات التي يتناولها، وعلى الرغم من ذلك، سارعت الأغلبية إلى إقراره في جو يطبعه الخرق السافر والمتكرر للنظام الداخلي للجمعية الوطنية وحرمان نواب المعارضة من تقديم مقترحاتهم طبقاً للقانون».
هذا ودافع وزير العدل الموريتاني محمد محمود بن بيه، أمام البرلمان عن قانون الرموز، مبرزاً في مرافعة قوية «أنه أصبح من الضروري اليوم مكافحة كل ما من شأنه التأثير على وحدة الشعب وهيبة وسيادة الدولة التي تعكسها رموزها المرجعية، ووضع حد للاستخدام السيئ لمنصات التواصل الاجتماعي، دون المساس بالحريات التي يكفلها الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها موريتانيا».
وأوضح «أن مشروع القانون يأتي في وقت مناسب لسد الثغرات التي تم رصدها في منظومتنا الجنائية ومن أجل تمكين الممارسين من قضاة ومحققين من آليات قانونية واضحة لفرض سيادة القانون واحترام قيم الجمهورية، وذلك من خلال تحديد الأفعال التي تشكل اعتداء على الرموز الوطنية والمساس بهيبة الدولة، وكذا العقوبات المناسبة لمواجهة ظاهرة الاعتداء على ثوابت المجتمع ونشر الكراهية بين فئاته».
وأضاف «أن مشروع القانون يسمح للنيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية بشكل تلقائي أو بناء على طلب ضد من يرتكب فعلاً من الأفعال المنصوص عليها في بنود مشروع القانون».
وقال: «إن حماية الرموز مسألة ضرورية لبناء دولة مؤسسات تنهض بأعباء الهم الوطني وتحظى بتقدير وبحماية تتيح لمن خولهم الشعب قيادته، تأدية المهام الموكلة إليهم، بعيداً عن الارتهان لمجهولين يكرسون كل طاقاتهم لتثبيط الهمم والتحريض على الفتنة والتعريض بالقوات المسلحة وقوات الأمن».
وأكد الوزير بن بيه، على أن «حرية الرأي مصانة ومدافع عنها، وأن ما يسعى مشروع القانون إليه هو مواجهة الفوضى الملاحظة والتحريض على العنف والكراهية، مشدداً على أن مسؤولية النظام تجاه شعبه ودولته تفرض عليه التصدي لهذه الوضعية ومحاولة ضبطها». وقابل نشطاء التدوين إجازة القانون الجديد بموجة جديدة من الجدل والتندر والسخرية الممزوجة بالتخوف من استخدام القانون الجديد لتكميم الأفواه وتصفية الحسابات السياسية الشخصية.
وتأتي إجازة هذا القانون لتضيف متاعب جديدة لنظام الرئيس الغزواني، حيث إنها بدأت تحول عدداً كبيراً المدونين إلى خصوم للنظام لاعتقادهم بأنهم هم المستهدفون من ورائه، كما أن إجازة القانون قد تؤثر سلباً في جو الـــتهدئة الذي عمل الرئيس الغزواني على إرسائه منذ وصوله للسلطة.
كما أنه من المنتظر أن يؤثر هذا القانون مضافاً لمسائل أخرى، على أجواء الحوار السياسي المرتقب الذي دعا له النظام والذي ما زال التــحضير لانعقاده جارياً بشكل متـــطاول.