وهو على سريره يستعدّ للنوم، بدأ يتحسس رأسه، كان يشعر بأنه ثقيل جداً، بل إنه يتسع اتساعاً هائلاً يفوق مساحة الغرفة.. لا يعرف لماذا انبثق صوت أمه في داخله، وهي تقول: «لك رأس عجيب». أسقط رأسه عن الوسادة.. حاول أن يستجدي شيئاً من النوم قبل أن يأتي الصباح، ويحين موعد الذهاب إلى العمل.
رأسه كما هو، هكذا أدرك عندما سقطت من النافذة المفتوحة خيوط أشعة الشمس على عينيه.. شعر بالضيق.. تبرم متمتاً: «كم مرة ينبغي لي أن أنبه هذه المرأة بأن تغلق النافذة الشرقية قبل النوم، فالشمس تمنعني من الاستمرار في النوم لمدة نصف ساعة إضافية». نهض من سريره، وهو يحسّ برأسه ثقيلاً، مغلفًا بطبقة سميكة من التشويش، والأصوات، ألقى نظرة على موقع زوجته في السرير، فوجده فارغاً، لكنه سرعان ما سمع صوتاً من المطبخ حيث كانت تعدّ قهوة الصباح.. توجه إليها قائلا:
– لماذا لم تغلقي النافذة؟
– أنت من فتحتها قبل أن تنام
– أنا!
– نعم، يبدو أن أنك نسيت
– كيف يعقل ذلك؟
– المشكلة يا حبيبي في رأسك، فأنت تمتلك رأساً عجيباً.
نظر إلى رأس زوجته فوجده طبيعياً..
– نعم يبدو ذلك.
وضع يده على رأسه.. تحسسه، لعل ما تقوله زوجته صحيح.
في الساعة الثامنة صباحاً، كان على مكتبه يقوم بعمله اليومي والمعتاد، ولاسيما مراجعة ملفات المراجعين، كان زميله أو رئيس قسمه في المكتب المقابل منهمكاً في قراءة الصحيفة، وارتشاف كوبٍ من الشاي.
ـ لا أعرف لماذا تبدأ العمل مباشرة؟ هل سينتهي العالم إذا شربت كوباً من الشاي، وتبادلنا أطراف الحديث؟
ـ لا لن ينتهي العالم، لكن لديّ عمل يجب أن أنجزه
ـ يبدو أن رأسك يختلف عن رؤوس باقي البشر
نظر إلى رأس زميله، فوجده رأساً اعتيادياً، أو طبيعياً، لا بد أن المشكلة في رأسي أنا… أفاق من تساؤلاته على صوت المراسل، وهو يطلب منه التوجه للمدير بشكل عاجل.
في مكتب المدير كان واقفاً ورأسه فوق كتفيه مستقيماً دون ميل، جاءه صوت المدير غاضباً، ومزمجراً:
ـ كم مرة قلت لك بأن تكون أكثر مرونة مع المراجعين، لمَ قمت بمخالفة الحاج عوض؟ ـ قمت بالتفتيش على منشأته، فوجدت مخالفات في إجراءات السلامة.
ـ أعرف ذلك، تنقصه بعض الأوراق، وقد وعدني بأن يقوم بتأمينها لاحقاً، وأن يصلح الخلل.. لكنه يستعجل الحصول على الموافقة سريعاً.. الحاج عوض رجل محترم، ومعروف، يبدو أن رأسك لا يدرك الأشياء، ينبغي لك أن تغير هذا الرأس العجيب كي تتمكن من التقدم بوظيفتك.
نظر إلى رأس مديره فوجده طبيعياً..
في طريق عودته إلى المنزل كان يجلس في الحافلة يحمل صحيفة يومية التي اعتاد شراءها كل يوم، حيث يقرأ الأخبار والملحق الثقافي والإعلانات.. غير أن عيناه وقعت على إعلان غريب ومدهش… كان الإعلان عن مركز لمعالجة الرؤوس العجيبة، هب واقفاً، وطلب من سائق الحافلة التوقف، ومن ثم ترجل من الحافلة سريعاً، ليوقف سيارة أجرة.
على باب المركز الذي يقع في حيّ راقِ، شاهد مجموعة من الأشخاص يتحسسون رؤوسهم، وهم يهمون في الخروج من باب المركز، كانت تبدو على وجوههم إمارات السعادة والخفّة… لا بد أن هذا المركز قادر على حل مشكلتي نهائياً، سأتمكن من العيش برأس خفيف، أو طبيعي شأني شأن الآخرين، ستتقبلني زوجتي وأولادي، سأكسب المزيد من الأصدقاء، ربما سأحصل على ترقية في عملي.. لن أعاني بعد الآن من الوحدة، سأجد الكثير من الأصدقاء، وسأتمكن أيضاً من تبادل الحديث مع الجميع.. بعد أن أعالج الخلل في رأسي العجيب.. استفاق على صوت السكرتيرة الجميلة، وهي تقول:
– تفضل يا سيدي، حان دورك..
بعد ساعتين خرج من المركز رجلٌ يحمل كيساً بلاستيكياً فيه رأس يقطرُ دماً.. لكن الجسد كان يسير خفيفاً… وسعيداً جداً.
كاتب أردني فلسطيني