لماذا تؤسس أمريكا قاعدة عسكرية ضخمة قرب الحدود اليونانية مع تركيا؟

إسماعيل جمال
حجم الخط
3

تخشى أنقرة أن واشنطن عمدت على تعزيز وجودها العسكري في اليونان لتأمين بديل لقاعدة انجيرليك الجوية التي يستخدمها الجيش الأمريكي وهددت أنقرة مراراً بإغلاقها.

إسطنبول-»القدس العربي»: على بعد 14 كيلومترا فقط من الحدود التركية، يواصل الجيش الأمريكي نقل أعداد هائلة من الدبابات والطائرات المروحية والمعدات العسكرية لتوسيع قاعدة عسكرية ضخمة أنشأها في منطقة أليكساندروبولي (دادا آغاتش) اليونانية في خطوة استراتيجية كبيرة تثير مخاوف أنقرة وتفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات حول أهداف القاعدة لاسيما في ظل تصاعد الخلافات التركية الأمريكية، والجدل حول مستقبل قاعدة إنجيرليك بالتزامن مع استمرار الخلافات التركية اليونانية في شرق المتوسط وبحر إيجه الذي تطل عليه القاعدة الأمريكية الجديدة.
وتتواجد القاعدة في منطقة أليكساندروبولي (دادا آغاتش) اليونانية التي تبعد 14 كيلومترا فقط عن نهر ماريتسا الذي يفصل الحدود التركية اليونانية، وهي منطقة تطل على بحر إيجه وتضم ميناء تجاريا ضخما، كما أنها تقع ضمن إقليم تراقيا الغربية الذي تسكنه الأقلية التركية المسلمة وكان محل نزاع تاريخي كبير قبيل وبعد الحرب العالمية الأولى وصولاً للحرب العالمية الثانية، وكانت تركيا طالبت باعتبار المنطقة «منزوعة السلاح» في اتفاقية لوزان لاعتبار أنها تتعلق بالأمن القومي التركي.
وبين عامي 2019 و2021 وقعت اليونان والولايات المتحدة الأمريكية عددا من الاتفاقيات العسكرية والدفاعية كان أبرزها الاتفاق على تحديث الاتفاق الدفاعي الموقع بين البلدين عام 1990 وتضمنت سماح اليونان للقوات الأمريكية بالوصول إلى كافة قواعدها العسكرية وتحديث عدد من القواعد الجوية والبرية والبحرية كان أبرزها الاتفاق على توسعة قاعدة «سودا» الواقعة في جزيرة كريت والتي يستخدمها حلف الناتو، وتطوير مطار لاريسا الجوي وتوسيع قاعدة عسكرية جوية أخرى تدعى «استيفانوفيكيو».
لكن الأبرز كان الاتفاق على توسيع وتطوير القاعدة العسكرية وميناء أليكساندروبولي، حيث نشرت وسائل إعلام يونانية وتركية طوال الأشهر الماضية صوراً تظهر وصول أعداد كبيرة جداً من المعدات العسكرية الأمريكية للقاعدة القريبة من الحدود التركية، وهو ما اعتبرته وسائل الإعلام التركية بمثابة «خطوة أمريكية عدائية» وطالبت الحكومة بـ»اليقظة» وكتبت عناوين من قبيل «سيل من الدبابات الأمريكية قرب الحدود التركية» و»لماذا تحشد أمريكا قواتها على حدود تركيا؟».
ومنتصف الشهر الماضي أعلن من واشنطن التوقيع على اتفاق دفاعي جديد بين البلدين، وقال وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس إن «الولايات المتحدة واليونان عازمتان على حماية سيادة ووحدة أراضي الدولتين ضد جميع الأنشطة والتهديدات التي تستهدف السلام في المنطقة، بما في ذلك التهديدات التي تواجهها اليونان شرق البحر المتوسط» لافتاً إلى أن اليونان تواجه تهديدا بالحرب في شرق البحر المتوسط، من دون اتهام أي دولة.
وأوضح وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن أن الاتفاق يضمن بقاء الاتفاقية المذكورة سارية المفعول إلى أجل غير مسمى، ويسمح للقوات الأمريكية بالتدريب والعمل في قواعد إضافية خارج قواعدها الحالية في اليونان، واصفاً اليونان بأنها «حليف قوي وموثوق».
وفي أول تعقيب رسمي تركي على هذه التطورات، قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عقب مشاركته في قمة العشرين في روما نهاية الشهر الماضي ولقاءه الرئيس الأمريكي بانه أبلغ بايدن انزعاج تركيا من القاعدة الأمريكية في اليونان، وقال: «قلت لبايدن ما قصة دادا آغاتش؟ إقامة قاعدة عسكرية في هذه المنطقة يزعجنا ويزعج شعبنا بشكل جدي». والخميس أيضاً عقب اردوغان مجدداً على القضية بالقول إن «اليونان تحولت إلى قاعدة عسكرية أمريكية».
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تستخدم عددا من القواعد العسكرية في اليونان منذ عقود، إلا أن هذه القاعدة أثارت مخاوف كبيرة مختلفة لأسباب أبرزها أنها على مقربة من الحدود مع تركيا وتطل على بحر إيجه بالإضافة إلى عدد القوات والمعدات العسكرية التي يتم نقلها إلى القاعدة والتي وصفت بالأضخم على الإطلاق، حيث تشير تقديرات إلى أن الجيش الأمريكي سينشر في القاعدة أكثر من 1000 دبابة وعربة عسكرية وأكثر من 100 طائرة مروحية عسكرية.
ولا يمكن النظر إلى دوافع الولايات المتحدة في إنشاء هذه القاعدة من زاوية واحدة، حيث تجتمع الكثير من الأسباب والمعطيات التي يمكن من خلالها تفسير التوجه الأمريكي لكن جميعها كافية لتثير القلق في تركيا التي تخشى تحولا استراتيجيا في التوجه الأمريكي بالمنطقة.
حيث تخشى أنقرة أن واشنطن عمدت على تعزيز وجودها العسكري في اليونان لتأمين بديل لقاعدة انجيرليك الجوية التي يستخدمها الجيش الأمريكي وهددت أنقرة مراراً بإغلاقها، وهو ما يعني تراجعا في المكانة الاستراتيجية التركية بالنسبة لأمريكا وذلك في ظل تعاظم الخلافات والاتهامات الأمريكية لتركيا بالابتعاد عن الناتو والمعسكر الغربي والتقارب مع روسيا بالحصول على منظومة إس 400 الدفاعية.
كما ان تعزيز الحضور العسكري الأمريكي في دادا آغاتش المطلة على بحر إيجه وفي جزيرة كريت المطلة على شرق المتوسط رأى فيه محللون على انه وقوف أمريكي صريح إلى جانب اليونان ضد تركيا في صراع شرق المتوسط، فيما رأى فيه معارضون فشلا للحكومة التركية ونجاحا لليونان التي استطاعت حشد تضامن عسكري أمريكي معها إلى جانب الاتفاقيات الدفاعية والعسكرية مع فرنسا للوقوف إلى جانبها في حال حصول أي مواجهة عسكرية بين أثينا وأنقرة.
إلى جانب ذلك، ربط محللون آخرون تعزيز القواعد الأمريكية في اليونان بسياقات دولية أوسع تتعلق بالتنافس الكبير بين أمريكا من جانب وروسيا والصين من جانب آخر، حيث تهدف واشنطن إلى تعزيز حضورها في حوض البحر المتوسط للتصدي للنفوذ الروسي والصيني المتعاظم، كما انها ترغب في حماية منابع الغاز في المتوسط وتأمين مستقبل نقل الغاز لأوروبا لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي الذي بات يعتبر بمثابة أكبر ورقة ابتزاز روسية في وجه الغرب، إلى جانب تعزيز الحضور في طريق عبور السفن الحربية الروسية من وإلى البحر الأسود وذلك في إطار الصراع المتنامي بين الجانبين والخشية من حصول اجتاح روسي لأوكرانيا.
الصورة: مقاتلات أمريكية في قاعدة انجيرليك الجوية

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول داديس:

    ربما هناك اتفاق بين تركيا وامريكا في هذا الموضوع ،وفالحقيقة يستهدفون الصين وروسيا،

  2. يقول محمود ساكب:

    الامور واضحة الهدف هو تهديد تركيا المسلمة

  3. يقول وسيم عبدالرزاق خوجه:

    تريد الولايات المتحدة تكبيل تركيا وعدم السماح لها في البحث والتنقيب عن الغاز والبترول في بحري إيجه والأسود وحصر تركيا في مياهها القريبة من الشواطيء التركية وبناء قاعدة عسكرية ضخمة على اراضي اليونان تبعد14 كم عن تركيا.

إشترك في قائمتنا البريدية